الأضاحي لمن استطاع إليها سبيلاً

> أسعارها تجاوزت الضعف رغم قلة الطلب
> العدوان وحصاره يحرمان غالبية اليمنيين من أضاحي العيد للعام الرابع على التوالي
> مراقبون: استمرار العدوان والحصار والتصعيد العسكري في الساحل الغربي أبرز الأسباب
> باعة: أسعار شرائنا المواشي مرتفعة وتتدهور أحوال من يربونها والركود هو السائد
> حماية المستهلك: مطلوب إجراءات حازمة لوقف تدهور العملة وضبط أسعار السوق ومنع الاستغلال
> مواطنون: لا مقدرة لنا على أسعار الأضاحي في ظل استمرار انقطاع الرواتب
> تاجر مواش: توقف الاستيراد من القرن الافريقي واستمرار تصدير المحلي لدول الخليج سبب رئيسي

الثورة/ جمال الظاهري
أضاحي العيد صارت كما حج بيت الله، لمن استطاع إليها سبيلاً.. لسان حال السواد الأعظم من اليمنيين الذين فوجئوا بارتفاع أسعار المواشي هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة تجعلها في ظل الأوضاع المعيشية لغالبية المواطنين غير متاحة.. فما هي الأسباب والعوامل التي تقف وراء ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام.. ذلك ما نتقصاه من المستهلكين والموردين والمعنيين فيما يلي:

عيد الأضحى المبارك، أو (العيد الكبير) حسب التسمية المحلية, عيد استثنائي يحل على اليمنيين للعام الرابع على التوالي في ظروف استثنائية، يجد المواطن اليمني نفسه في مواجهة تداعيات العدوان والحصار المتواصلين والزيادات السعرية المتصاعدة في جميع متطلبات العيش والانهيار المتواصل لسعر صرف العملة المحلية, أمام العملات الأخرى, جراء العدوان الذي لم يكتف بالقتل والتشريد وارتكاب المجازر ومواصلة حصد أرواح الناس، بل زاد على ذلك بإحكام حصاره الجائر وتصعيد حربه الاقتصادية.
حديث الناس
ارتفاع الأسعار تجلى أكثر هذا العيد في أسعار الأضاحي، التي صارت حديث المقايل وأبرز ما يتبادل الناس الحديث عنه باستغراب واستهجان وصل حد السخرية من واقع لا مناص لهم من عيش كل تفاصيله رغم مرارته.
أسعار الأضاحي هذا العام أسعار جنونية إذا ما قورنت بأسعار عيد الأضحى الماضي في ظل تقطع سبل ووسائل الدخل والمعيشة والتي منها غياب المرتبات للعام الثاني على التوالي، جراء نقل البنك المركزي إلى عدن وامتناع حكومة الفار هادي عن تسليم الرواتب، وانعكاسات ذلك على الأوضاع المادية والمعيشية للسواد الأعظم.
أحد المواطنين واسمه “محمد”، قال لنا: أسعار الأضاحي صارت خيالية حتى أننا نرفض تصديقها, لذا تجد أغلب الناس يتحاشون الحديث عنها علانية أمام الأقارب أو الأصدقاء حتى لا يعكر الصفو أو تلك اللحظات الهادئة التي يسرقونها من تفاصيل أيامهم المريرة.
الإقرار بالعجز
هذا هو الواقع .. كل من التقيتهم من المواطنين يؤكدون عدم قدرتهم على شراء الأضاحي لهذا العام، والجميع يذكر نفس الأسباب وإن قدم أحدهم سبباً على سبب إلا أن المحصلة تكاد تخرج بنفس الأسباب لبلائهم وعدم استطاعتهم إسعاد أطفالهم واستحضار معاني وصور وطقوس العيد.
عبدالرقيب قال: ارتفاع الأسعار تجاوز 80 و 100 % عن السنوات الماضية، أصبح شراء الأضاحي مستحيلاً عند معظم الأسر اليمنية في مختلف المحافظات اليمنية، وباتت الأضحية أشبه بتوفير مذبوح وليمة عرس متوسط.
ويضيف : حاولت أن أجد لأسرتي أضحية بسعر معقول، وتنقلت بين الأسواق التي كانت الأسعار فيها متفاوتة ولكني عدت صفر اليدين لأن الأسعار مرتفعة جداً.
لقمة العيش
يلتقي اليمنيون في المعاناة العامة مع تفاوت محدود باختلاف مصادر الدخل وأساليب كسب الرزق ولكن المعاناة هي نفسها.. حافظ ـ عامل بالأجر اليومي، يقول: حالة المواطن المعيشية واحدة، وها أنذا بعد أن قطعت المرتبات أعمل بالأجر اليومي, ومع هذا فإن دخلي وتدني قيمة الريال والأسعار المرتفعة قد أتت على كل شيء, ولا استطيع شراء أضحية العيد، ومع هذا فإن حالتي قد تكون أرحم من غيري, فهناك أناس لا يستطيعون شراء ثياب العيد لأطفالهم.. بل أن هناك آخرين عاجزون عن شراء (جعالة) العيد.
سلامة تحدث إلينا: وهو يرسم بسمة ساخرة على وجهه، قائلاً: صرنا نعيش المقولة المعروفة (العيد عيد العافية) هذا هو الواقع, ورغم إن العافية مال كما يقولون إلا أن هذا المال غير قابل للتداول خاصة مع ندرة فرص العمل, هذا هو حال أغلب الناس, وقد بات هم البسطاء توفير لقمة العيش، والأشياء الرئيسية للأسرة، حتى الأطفال صاروا يدركون هذه الحقيقة.
ويردف: بالنسبة لي لم أعد مهتماً بشراء الثياب الجديدة, وأكتفي بكي القديم أو غسله, فكيف أهتم بشراء الأضحية فقد نسيتها أنا وأسرتي منذ سنوات, سأشتري دجاجة أو لحماً ليوم أو يومين كيلو أو أثنين ونمشي أمورنا, الحمد لله على كل حال ونسأل الله أن يفرجها على الجميع, وربنا موجود وقادر ينتقم لنا ممن قطعوا أرزاق أطفالنا ودمروا بلادنا وتاجروا بدمائنا.
كارثة إضافية
المعلم محمد قال: مع ارتفاع أسعار الأضاحي ومجمل السلع من المواد الغذائية وانقطاع المرتبات جعل من شراء الأضحية مهمة مستحيلة لدى معظم الأسر اليمنية، بل وأصبحت ،كالحج في الإسلام (لمن استطاع إليه سبيلا)..
أما الأستاذة ليلى فقالت: إن الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية في الأشهر الأخيرة ومنها الأضاحي كارثي وعبء ثقيل يضاف إلى الأعباء والكوارث التي يعيشها اليمنيون بعد ان تقطعت بهم السبل وضاعت بوصلتهم في زحمة الهموم والمصائب التي يعيشونها منذ أكثر من ثلاثة أعوام جراء العدوان والحصار.
وتضيف: استمرار العدوان والحصار الجائر على اليمن، وعجز الحكومة ورجال المال والاقتصاد عن إيجاد حلول قد تخفف من المعاناة انعكس على حالة الناس وبالأخص منهم البسطاء ومتوسطي الدخل, حتى أنني ما عدت أستطيع التمييز بين الطبقة الوسطى والدنيا (المعدمة)؟
نكبة الموظفين
أحد الموظفين واسمه جمال قال: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاعين العام والخاص، استهدفت الموظف البسيط الذي لا يوجد لديه سوى راتبه, إنها كبرى الجرائم, يجب أن يصدر المجلس السياسي والحكومة قراراً يعتبر شريحة الموظفين شريحة مجتمعية منكوبة وأن يعاملوا على هذا الأساس.
ويضيف: المنافقون والمرتزقة يستجلبون العالم ويستقطبون أبناءنا ليقاتلوا تحت راياتهم كي يحررونا من أنفسنا, يمنوننا بمستقبل جميل ولكن قبل ذلك يجب أن يسلبوك ويهينوك ويسفكوا دمك, ويدمروا بلدك, وأكثر من ذلك يلقنون أبناءنا مفاهيم ورؤى تعلي القتل وتخلق الخلافات وتمزق المجتمع وتغرس الأحقاد, ولماذا يا هؤلاء يرد عليك بأنك وأمثالك كنتم على ضلال ولهو وأن الله ساخط علينا ولن يرتفع هذا السخط إلا بالدم وإزهاق الأرواح وموت ثلث الشعب وبعضهم قال ثلثيه .. بل إن أحدهم قال يقتل 25 مليون لا مشكلة, وحاشى ربي أن يريد لنا هذا.
جمال أكد أن شراء الموظف الأضحية في الوقت الراهن بات من عجائب الدنيا بل ومن المستحيل, لأن أقصى ما يفكر الموظف فيه هو كيف يوفر القوت الضروري له ولأولاده, ولو عن طريق البدائل الأرخص والأقل فائدة.
شكوى الباعة
تركنا المستهلك واتجهنا إلى البائع والتقينا ببائعي الأضاحي, كنت قد كونت صورة مختلفة بعد سماعي عن الأسعار وأن مردها أولئك الجلابين باعة الأضاحي ولكن؟!
فاجأتني نفس الشكوى ونفس التذمر من الباعة, وبما يشبه الإجماع شكوى من ارتفاع الأسعار, ومن قلة المشترين وعجزهم, فجميع بائعي الأضاحي، يشكون ويؤكدون أن الركود هو المسيطر على السوق.
أحد بائعي الأضاحي في أمانة العاصمة، واسمه علي الخمري أشار إلى اختلاف سعر الأضاحي بحسب النوع والوزن، وأن أسعارها ارتفعت من 30 ألف ريال، لتتجاوز الـ70 ـ 80 ألف ريال، وأحيانا نصطدم بعملية الشراء لتصل سعر الماعز إلى 100 ألف ريال.. بل إنه حين رأى علامات الاستغراب التي ارتسمت على وجهي أقسم على ذلك دون أن يسأل عن مبعث استغرابي، مردفا: إن حالة المواطن لا تسمح له بشراء الأضاحي، وأن العرض أكثر من الطلب؟!.
استمرار التصدير
بائع آخر قال لنا : الحصار أثر في الأسعار, كنا نستورد كميات كبيرة من القرن الأفريقي, وما هو حاصل في السنوات الأخيرة أن (مواشينا) المحلية مفضلة لدى مواطني دول الخليج, وأن البيع للثروة الحيوانية المحلية إلى دول الخليج مستمر وفي تزايد منذ أعوام, كما أن تدني قيمة الريال وارتفاع الأسعار جعل الرعوي (مربي الماشية) يرفع الأسعار.
انهيار الريال
حسب تصريحات بعض الجهات ذات العلاقة بحركة التداول السلعي المهتمة بالمستهلك فإن ارتفاع أسعار البضائع والمواد الغذائية، ومنها أسعار الأضاحي لهذا العام مقارنة بأسعارها في عيد الفطر المبارك يرجع إلى انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية, الأمر الذي عكس نفسه سلبا على الوضع المعيشي للمستهلك اليمني محملا إياه المزيد من الأعباء التي أثقلت كاهله، إضافة إلى استمرار العدوان والحصار، وانقطاع المرتبات.
الرقابة والضبط
هناك أيضاً أسباب مساعدة يسرد منها المراقبون والمهتمون “ضعف الرقابة على محلات ذبح الحيوانات وعدم تطبيق القوانين والعقاب الصارم على من يذبح إناث الحيوانات المحلية، والنسبة المتدنية من الثروة الحيوانية المحلية مقابل الطلب المتزايد”.
وكذلك “ما تشهده مناطق الساحل الغربي من تصعيد عسكري من قبل الغزاة والمنافقين والتي تغطي اغلب احتياجات السوق من اللحوم, مع العلم بأن نسبة ما تغطيه الحيوانات المحلية لا يتجاوز 35% من الاستهلاك المحلي للحوم، وأن نسبة ما نستورده يتجاوز 65% من احتياجنا المحلي من الضفة المقابلة لليمن (القرن الافريقي) وهذا المصدر في ظل المواجهات على طول الشريط الساحلي تراجع إن لم يكن أعدم تماماً بمنع استيراد المواشي من هذه الدول.
حماية المستهلك
في مقابل هذا، والحاجة الملحة للحد من آثار هذه الأوضاع “دعا أمين عام جمعية حماية المستهلك حكومة الإنقاذ إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة تحد من التلاعب بسعر العملات الأجنبية في السوق، وتفعيل الرقابة الميدانية وضبط أسعار السلع وفق ضوابط صارمة ورادعة، حتى لا تصبح لقمة عيش المواطن خاضعة للابتزاز والجشع من قبل ضعفاء النفوس والأخلاق من التجار، بالتزامن مع استمرار الحصار”.
تصوير/فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا