كريش رائد القصة البوليسية في اليمن

> كتب وعالج العديد من القضايا الجنائية والقصص الاجتماعية بأسلوب هادف ومتميز:

الثورة/ محمد القعود
خسرت الساحة الإعلامية والثقافية اليمنية خلال الأيام الماضية الكاتب والأديب الإعلامي/حسين كريش أحد أبرز كتاب القصة البوليسية في بلادنا والأدب البوليسي، حيث يعد من أوائل من كتبوا في هذا المجال وأثروه بالعديد من الكتابات والأعمال الهادفة التي تناولت الكثير من القضايا الاجتماعية والجنائية وتحليلها وتصليط الأضواء على عواملها وظروفها.
لقد كان الراحل الأديب والكاتب/حسن كريش من كتاب القصة البوليسية والتي كان هو من أرسى دعائمها في الصحافة اليمنية خلال أكثر من ثلاثين سنة في مجلة الحراس وصحيفة الثورة وفي العديد من الصحف والمجلات اليمنية، وامتاز بأسلوبه الشيق الذي جذب إليه القراء ولفت إليه الأنظار وصار اسماً له دلالة وحضور دائم لدى القراء، وصار لكتابته المتخصصة مكانتها في صدر صحافتنا المحلية.
إن رحيل الأديب والكاتب الإعلامي /حسين كريش يعد خسارة للساحة الإعلامية والثقافية لا تعوض ونأمل من الجهات المختصة المسارعة إلى تكريم هذه الشخصية التي خدمت المجتمع خدمة كبيرة وعملت على مواجهة الظواهر السلبية من خلال قلمه وكتابته القيمة والهادفة، كما نأمل العمل على جمع واختيار مجموعة من كتابته ونشرها في كتابٍ.. في السطور التالية بعض المقتطفات من مقابلة طويلة أجريتها مع الكاتب الراحل/حسين كريش رحمه الله:
أدب الجريمة
كيف بدأت كتابة قصص وقضايا الجريمة؟ ولماذا اتجهت إلى هذا النمط من الكتابة؟
-بدأت الكتابة في مجال القضايا الجنائية أو القصة البوليسية “الوقعية” في عام 1980م وكانت أول قصة جريمة كتبتها في ذلك الحين بعنوان جريمة “قتل والسبب”، ونشرت بمجلة الحراس وقد اتجهت إلى نمط الكتابة في مجال قصص الجريمة لأنني وجدته المجال الوحيد الأكثر واقعية وموضوعية والأقرب إلى حياة الناس ومشاكلهم ومعاناتهم على مختلف فئاتهم وشرائحهم في كل من القرية والمدينة على حد سواء والجريمة بكل أشكالها وأحجامها هي ظاهرة أو مشكلة قديمة أزلية أرتبطت بنشوء الإنسان وتطوره منذ الازل وبدء الخليقة وذلك عندما أقدم ابن ادم قابيل على قتل أخيه هابيل واستمرت الجريمة مع وجود الإنسان وتطوره عبر الأزمان حتى أصبحت قضية كل مجتمع بل وصارت جزءاً لا يتجزأ في حياة وتشكيلة البشر في أي مجتمع من المجتمعات وعلى مدى العصور قديما وحديثاً.
هل سبق وكتبت في مجالات أخرى عبر القصة البوليسية وقصص الجريمة؟
-نعم كنت قبلها ومنذ منتصف السبعينيات اكتب في مجال الأدب ومجال القصة والنقد وكذا في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع إضافة إلى الاستطلاعات والتحقيقات الصحفية المختلفة، وأيضا في المناسبات الوطنية وغيرها، والتي كانت تنشر بصحيفة الثورة وبعض الصحف والمجلات الأخرى كما أنني في فترة الثمانينيات كنت مشاركاً في تحرير الملحق الأدبي الأسبوعي بصحيفة “الثورة” والذي كان يصدر آنذاك كل خميس وبعدد أربع صفحات وكان لي عمود أسبوعي في هذا الملحق تحت عنوان تداعيات ثم تأملات وبعد ذلك كلفت بتحرير صفحة بريد الثورة والتي كانت صفحة يومية وكان لي عمود يومي فيها بعنوان من المحرر بالإضافة إلى أنني كنت رئيسا لتحرير صحيفة “الوثيقة” التي استمرت حتى بداية التسعينيات ثم توقفت لأسباب مالية كما كنت سكرتيرا لتحرير مجلة الحراس ثم نائبا لمدير التحرير وبعد ذلك مديراً للتحرير وذلك حتى عام 1993م تقريبا وكنت المحرر الأساسي لباب من أرشيف البحث الجنائي بالمجلة المذكورة والذي كان ينشر فيه بكل عدد قضية جنائية أو قصة بوليسية واقعية مأخوذة من ملفات الشرطة.
المعالجة وليس التشهير
ما هي أهداف كتابة موضوعات وقصص الجريمة وعلى أي أسلوب كتابي تعتمد؟
-الأهداف يمكن ايجازها في الآتي:
التوعية العامة من أخطار وعواقب الجريمة وليس الإثارة وإعطاء العبرة والعظة للآخرين بأن الذي يسير في طريق الانحراف والجريمة لا بد أن تكون نهايته وخيمة ويقع فيما لا يحمد عقباه.
المعالجة وليس التشهير، بمعنى أن الهدف ينبغي أن يكون بالتركيز في معالجة الأخطاء والأسباب والبذور الأولى للجريمة وذلك من خلال السرد الموضوعي والواقعي ولحدوث الجريمة وبيان الظروف والأجواء الاجتماعية والنفسية وكذلك المؤثرات الأخرى المختلفة والتي أدت وتؤدي إلى تكوين الميول للانحراف ثم إلى الدافع المباشر لارتكاب الجريمة مع مراعاة عدم التشهير وباعتبار أن كل متهم أو مجرم له أسرة وعائلة وأقرباء وهؤلاء لا شك ليس لهم ذنب ولا علاقة بما ارتكبه قريبهم المتهم من جرم ولا يصح التعرض لهم بسببه.
التركيز على إبراز جهود رجال الشرطة أثناء متابعتهم وقيامهم بضبط الجريمة والمجرمين كون ذلك من حقهم ومن باب الانصاف المعنوي لأنهم يتكبدون المشقة ويتعرضون للأخطار عند متابعتهم للقضايا وقيامهم بمطاردة قاتل أو عصابة خطرة بل قد يحدث أحيانا أن يضحي الضابط والفرد بحياته وهو يتابع قضية أو مجرم مطلوب وهارب وما أكثر الأمثلة الحية لذلك.
خطوات
ما هي الخطوات التي تتبعها عند كتابة قصص ومواضيع الجريمة؟
-الخطوات التي أتبعها هي: الحصول على أوليات ومحاضر القضية المراد كتابتها من المباحث أو مراكز الشرطة التي تولت المتابعة والتحقيق في الجريمة وضبطها وإذا لم يتسن الحصول إلى صورة من هذه الأوليات ومحاضر التحقيق فعلى الأقل الاطلاع عليها بالكامل وقراءتها بتمعن ونسخ منها رؤوس عناصرها ومضمون أحداثها ثم الإلمام بالوقائع إلماما شاملاً بحيث تكون مخزونة ومنسوخة في الذاكرة قبل الورق وهذا في حالة أن تكون القضية قد مضى عليها وقتاً أو أيام وانتهى التحقيق فيها والضبط وأحيلت للنيابة والقضاء وإما إذا كانت آنية وعلمت في وقتها، انتقل فورا إلى مكان الحدث واتابع الأحداث أولاً بأول لاكون مطلعا عليها ومعايشا لها من البداية وحتى النهاية وذلك ما حدث في أكثر من واقعة ثم بعد ذلك أقوم بكتابتها بالأسلوب القصصي المعروف لي مع مراعاة ترتيب الأحداث والالتزام بالواقعية وعدم التصرف في السرد ومضمون الوقائع للجريمة وكما حدثت دون زيادة أو نقصان.
شروط الكتابة ومحاذيرها
ما هي الشروط التي يجب توفرها عند كتابة قصص الجريمة؟
-هناك عدة شروط لكتابة قصص الجريمة منها:
توفر اللغة إذ لابد أن يكون الكاتب ملماً باللغة ولديه ثروة ثقافية وفكرية وأدبية كافية وكذلك لا بد أن يكون ملما بلفن القصصي والروائي وتكون لديه خلفية دراسية أو ثقافية في هذا المجال تمكنه من التعامل مع الفن القصصي باتقان.
* الإلمام التام بالقوانين والمحاذير التي يجب مراعاتها عند كتابة الجريمة والمعرفة الكاملة بكيفية التعامل مع حيثيات وملابسات الأحداث لأي جريمة أثناء صياغتها وعرضها وذلك بأن يضع الكاتب نصب عينيه كل المحاذير والخطوط الحمراء المتعلقة بحساسية الدوافع لبعض الجرائم والمتمثلة على سبيل المثال في الجانب اللا أخلاقي والعرض والشرف والمس بالسمعة وغير ذلك مما له علاقة بخدش حياء الآخرين والمساس بكيان الأسرة والقرية والمجتمع وكذلك بالأعراف والعادات والتقاليد على المستوى العام والخاص.
* التحلي بالصفات الإنسانية حيث يجب أن يكون كاتب قصص الجريمة إنساناً ويضع نفسه مكان المتهم ومكان المجني عليه وأسرتيهما في الوقت عينه بحيث يشعر بمشاعر كل طرف منهما وردود أفعالهما وأيضا بظروفهما والحالة التي يمران بها وآثارها وآلامها المنعكسة على كل فرد من الطرفين ويراعي كل ذلك عند كتابته للجريمة.
* يشترط أثناء كتابة قصص الجريمة حرص الكاتب على المصداقية والالتزام بالحيادية وكذا توخي الأمانة فلا يميل لهوى ما يكون صادقاً وأمينا في سرده للوقائع وكذلك محايداً وبتجرد.
* إتقان الأسلوب المناسب وهو ما يعني أن يكون الكاتب متكمنا ومتميزاً وسلسلا في أسلوبه وكذلك بأن يضع في حسبانه وهو يتناول موضوع أي جريمة أنه يكتب للرأي العام ولشرائح متفاوته من القراء فمنهم من هو القارئ المتعلم والمثقف العالي كالأستاذ والدكتور والباحث في الجامعة ومنهم القارئ المتوسط كالطالب والموظف والتأجر ثم منهم القارئ العادي والبسيط كالعامل والمزارع والمواطن.. و…و..
ينبغي على الكاتب والحال كذلك أن يتبع أسلوبا متوائما وجامعا يتناسب وفهم ومستوى كل فئة من هؤلاء القراء معا بحيث يكون أسلوبه متدفقا ومتميزاً ومحل جذب وتأثر قبول لدى جميع القراء بمختلف طبقاتهم على حد سواء.
الجرأة والهدف السامي فكاتب قصص الجريمة لا بد أن يكون جريئا وتتوفر لديه الشجاعة لأن الكتابة في مجال قصص الجريمة كما هو معلوم طريق مليء بالأخطار ومزروع بالألغام ولا يخلو من المشاكل والمغامرة ويجب أن يتوفر لدى الكاتب الإيمان بما يكتب وأنه يكتب لأهداف نبيلة وسامية أي من أجل المجتمع والناس وللمجتمع والناس ومثل هذا الشرط في كتابة قصص الجريمة يعد أساسيا وفي المقدمة.

قد يعجبك ايضا