الإمامُ عَلي عليهِ السـّلام حبهُ إيمَان وذكرهُ عبَادة ..

 

مطهر يحيى شرف الدين

ذكرى عيد الغدير تذكرنا في كل عام بشخصية استثنائية في هذا الزمن حازت صفات فريدة وتميزت عن غيرها من الشخصيات التاريخية في مراحلَ عديدة لا يتسع المجال للحديث عن مشهد تاريخي متكامل في هذه المساحة ولا يسعف القلم أن يكتب جزءا من حياتها بإعطائها الحق الوافي أو يحتويها الفكر أو يحيط بها علم أي كائن كان.
فهل نتحدث عن ميلاده في جوف الكعبة أم نتحدث عن نشأته في حجر رسول الله أم عن سيرته وصحبته لابن عمه صلوات الله عليه وآله، أم عن معيشته وحياته في البيت النبوي أم عن شجاعته وبطولاته أم عن علمه وبلاغته وبيانه، أم عن إيمانه وحيائه وفضائله وكرمه، أم عن حبه وعشقه العميق لله ولرسوله، هل نتحدث عن شخصية كتب عنها المؤرخون والفلاسفة وما زالت ألبابهم ويراعاتهم دفاقة ومليئة بالكثير من العطاء الغزير لتلك الشخصية العبقرية بما فيها من وفاء وإخلاص لامتناهي للدين الإسلامي وحب عميق متجذر في عروق تلك الشخصية لخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وآله، إنها فعلاً شخصية خُلقت فيها الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة وخُلق فيها النور النبوي قبل أن تخلق الشخصية ذاتها، خلقت فيها أعظم مراتب الإيمان وأجلها وهي التقى والزهد والعفة والطهر والحياء والسخاء، خُلقت فيها الشجاعة والفصاحة والبيان فنماذج بلاغته مؤثرة على كل لسان عربي وإسلامي وعلى كل تفسير قرآني وعلى كل مثل وقول ساد جميع الأمم الغابرة والحاضرة والقادمة، فلا نستطيع فعلاً أن نذكر أو نتحدث عن شخصية عظيمة أخرى بعد رسول الله كشخصية الإمام عليٍ عليه السلام، ولن نجد لها مثيلاً أو نظيراً في تاريخ الفاتحين الفرسان منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.
قال عنه شبلي شميل المفكر المادي ” الإمام علي نسخة مفردة لم ير لها الشرق والغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً، فلقد تجسدت الحكمة والمنطق والعبقرية في ذات الإمام علي فهو باب مدينة العلم وقد انتصر الإسلام على أعدائه بقوة وشجاعة الإمام علي وفروسيته، ولنا في تاريخ الحروب والغزوات مواقف جليلة خلدها التاريخ في أنصع صفحاته في مواجهته لأعتى وأقوى فرسان اليهود مرحب وذلك في فتح خيبر السنة السابعة للهجرة، فهو حامل راية الإسلام في ذلك الفتح المبين وهو من أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله وهو من ضمن له نبي وخاتم هذه الأمة الجنة وهو الإيمان كله الذي برز للشرك كله حينما واجه عمرو بن ود العامري في غزوة الخندق في السنة الخامسة للهجرة في موقف بطولي خالد اقترنت فيه الشجاعة بإيمانه وإخلاصه العميق وغيرته على الدين وغضبه لله أكثر من غضبه لنفسه وذلك حين بصق عمرو بن ود في وجهه فوجد الإمام حينها وفي لحظة من المواجهة فرصة لضرب عنق عدوه لكنه تمهل برهة حتى هدأت نفسه وذلك لكي يكون قتل عمرو بن ود غضباً لله وليس لنفسه ثم ضربه بعد ذلك ليقضي عليه وقد سُئل الإمام علي كرم الله وجهه عن ذلك الموقف فقال: كدت أن أقتله لأنه عدو الله أما وإن بصق عليَّ فقد صار عدو لي، أي شخصيةٍ هذه وأي صفاتٍ وأي قيم وأخلاق ومُثل كان يتحلى بها الإمام علي (ع) كثير الفضائل وجم المحامد المليء بالإيمان والحياء والطهر والعفة التي قرأناها واقعاً ونموذجاً ليس لها نظير في مواقف عديدة، منها حين برز إليه عمرو بن العاص مكرهاً في موقعة صفين وما إن أدرك الأخير نحبه ونهايته على يد الكرار الحيدري كشف الداهية عمرو عن عورته كي ينصرف عنه الإمام ويعرض عنه فينجو عمرو من الهلاك، لأنه يعرف ذروة الكمال الإنساني والتقى والخلق العظيم ليعسوب المتقين وقائد الغر المحجلين الإمام علي كرم الله وجهه.
حقيقة إنها المدرسة النبوية المحمدية وتربية بن عمه سيد المرسلين محمد الصادق الأمين عليه وآله الصلاة والسلام تلك هي قطراتٌ طاهرة زكية من بحر السيرة العطرة لمولى كل مؤمن ومؤمنة، تلك القطرات الندية لوحدها فقط تكفي لأن نتولى جميعا الإمام علي(ع) فحقه علينا أن نحبه ونهواه ونحيي سيرته ونفخر جدا بشخصيته ومكانته وعظمته ونفرح ونقيم ذكرى عيد الغدير ورحم الله الشاعر المسيحي بولس سلامة حين قال :
لا تَقُـل شيعةٌ هواةُ علــٍّي إنَّ في كلَّ منصفٍ شيعـيـًا
يا عليَّ العصورِ هذا بياني صِغتُ فيه وحيَ الإمام جليّا
يا أميرَ البيان هذا وفائي أحمَدُ اللهَ أن خُلِقتُ وفيّا
جَلجَلَ الحقُ في المسيحي حتى صَارَ مِن فَرطِ حُبِهِ عَلَويّـًا
أنا مَـن يَعشقُ البطولةَ والإلهامَ والعدلَ والخلقَ الرَضِيّـَا
فإذا لم يكن عَلــيٌّ نَبيّـًـا فَلَقَد كانَ خُلُقَهُ نَبوّيــَا
وأَنِلني ثوابَ ما سَطـَـرَت كَفِّي فهاجَ الدموع في مقلتيا
سِفرُ خيرُ الأنامِ مِن بعدِ طَـهَ مَا رَأَى الكونُ مِثلَهُ آَدميـًا
يا سماءُ اشهَدِي ويَا أرضُ قَرِّي واخشَعِي إنَني ذَكَرتُ عَليِاّ.

قد يعجبك ايضا