مواقـف وحكايات في البطولة والثبات

* 48 ساعة في أحضان الجبهات..

 

استطلاع / محمود أحمد

“اعيــادنا الجبهات لن نترددي
عز النشاما في ميــــادين الجهاد
ابطال في ميــــدي بكم نتشيدي
دقوا جيوش الغزو حيلوهـم رماد”

على إيقاع هذا الزامل بصوت المبدع عيسى الليث انطلق فريق وزارة التربية والتعليم باتجاه إحدى الجبهات تحت شعار #اعيادنا_جبهاتنا، ليحلّ ضيفاً في أصعب جبهات القتال لا لنقل أخبار الجبهة؛ بل لمعايشة حياة المجاهدين عن كثب.
وهناك على بعد مئات الأمتار عن قوات المرتزقة ، كان لنا لقاء مع عدد من المجاهدين المرابطين على المرتفعات وسفوح الجبال، مقاتلين في ريعان شبابهم، نذروا حياتهم للدفاع عن قضية مقدّسة.
شغلتنا ثمة أسئلة فضولية ونحن نلتقي بعضهم مفادها: ماذا تمثّل لهم هذه الحرب؟ ولماذا يشاركون فيها؟ كيف يقضون أوقاتهم في تلك البقعة النائية من الأرض؟
وفي الطريق إلى الخطوط الأمامية من المعركة كان ” ابو هادي” المعني بنقلنا على متن سيارته حيث أوصلنا إلى منتصف الطريق على أمل أن يسلمنا لشخص آخر يوصلنا إلى هدفنا المنشود، وفي لحظات انتظار ذلك الشخص استغللنا وجوده وطلبنا منه أن يحكي لنا بعضا من تجاربه وحياته الجهادية في مقارعة قوى العدوان، فابتسم الرجل، واتسعت دائرة ابتسامته الودودة وهو ينظر إليّنا نظرة القارئ المتفحص.. تلك النظرة جعلتني شخصيا أشعر بالإحراج!!! وأحسست بأنني لم أطرح السؤال المناسب.. لكن سماحة وجهه والود الذي رافق ابتسامته دفعاني إلى الابتسام معه بشيء لا يخلو من الحياء الناتج عن الإحساس بأنني أمام خبير عسكري، من نوع استثنائي ..
في تلك اللحظات أو في ذلك الجو قال لي بكثير من الأدب والمودة بعد أن ارتسمت على وجهه علامات الجدية: إن الحديث عن مسيرتنا كمجاهدين تحتاج إلى أيام وليال، بل إلى أشهر طويلة إذا ما أردنا سرد كل التفاصيل:
لحظات من الصمت وقد اتجه “ابوهادي” بعينيه إلى المدى حيث “خطوط التماس مع العدو” بدلاً من وجهي، كأنه يستعيد خلالها شريط ذكريات حفرت في روحه مشاعر مختلفة يمكنك أن تستشفه من نظراته الثاقبة، نظرات تساعدك على قراءة ما في روحه من أحاسيس مختلفة، ربما عنوانها الأهم إحساس المنتصر.‏
ثم أعاد النظر إلى من حوله وبدأ يتحدث بنشوة المنتصر المؤمن بعدالة قضيته عن واقعة أسماها بالمعجزة.!
وهنا اخذ “ابوهادي” نفسا عميقا ثم قال : ذات مرة كنا 13 مجاهدا وجدنا أنفسنا بعد استهداف طيران العدوان في ليلة سابقة لموقعنا في مواجهة مباشرة مع قوى العدوان الذي يتفوق علينا عدة وعتادا أضعافا مضاعفة، حينها لم تتأثر معنوياتنا رغم علمنا بأننا سنواجههم بما تبقى لدينا من سلاح شخصي محدود وإن كان معظمه شبه تالف، وبدون رصاص ما عدا قطعة واحدة بها ثلاثون رصاصة.
في موقف كهذا قال : لم يكن أمامنا غير الالتجاء إلى القوي الجبار سبحانه وتعالى، رفعنا اكفنا إليه وكلنا ثقة بأنه لن يخذل عباده المؤمنين. شددنا من أزر بعضنا البعض وتواصينا بالصبر والثبات والصمود، ووضعنا الخطط اللازمة للمواجهة وكما لو أننا جيش مكتمل وقمنا بعملية ضاغطة باتجاه العدو أجبرته على التقهقر، حتى ظنوا أننا كُثر، فطلبوا التعزيز وتم بالفعل تعزيزهم بمقاتلين كُثُر مع تغطية جوية وتمشيط المنطقة بقذائف المدافع..ثم قمنا بتوزيع أنفسنا بعد أن تقاسمنا طلقات الرصاص،، ثم نفذنا عملية اختراق لمواقعهم المحصنة في جنح الظلام وأفرغنا رصاصاتنا في صدورهم فقتلت وأصابت الكثير منهم الأمر الذي خلق في صفوفهم بلبلة وشكوكاً ببعضهم البعض وتبادل الاتهامات بالخيانة والعمالة وتطورت الأمور إلى مواجهة بعضهم البعض مما تسبب في وقوع الكثير من الإصابات والضحايا، فيما نحن لم يصب أحد منا ورجعنا إلى مواقعنا سالمين نبتهل ونستغفر ونحمد الله على مؤازرته لنا .
يواصل ” ابوهادي” ـ وهو في غَمْرةِ حماسته ـ حديثه قائلا : تعتبر تلك الواقعة من المعارك المهمة التي رغم عنصر المفاجأة فيها إلا أنه تم التخطيط والتحضير لها بشكل جيد حسب المتاح لدينا من السلاح، ولذلك كانت النتائج مذهلة من حيث الوقت السريع لاختراق موقع العدو وتحقيق الهدف دون سقوط أي شهيد منا, بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من القتلى في صفوف المرتزقة.
قائد ميداني علق على ما سرده لنا “ابوهادي” بقوله :عادة تكون الخطط الموضوعة لتحقيق هذه الأهداف بمنتهى الذكاء، وتعتمد الجرأة والمباغتة.. الأمر الذي تترتب عليه نتائج مذهلة.
أخيرا واصلنا سيرنا نحو المواقع التي يسيطر عليها المجاهدون والمستهدفة ضمن برنامج الزيارة حيث استغرقت الطريق من المدينة حتى مواقع المجاهدين أكثر من 4 ساعات تقريبا.
تسلقت سيارة الدفع الرباعي الطريق المؤدي إلى أحد المواقع المقابلة للعدو..
دخلنا الموقع وكان في استقبالنا مشرف الموقع وجماعته، كانت التعليمات بعدم التجمع في مكان واحد، فتم توزيعنا مع أفراد الموقع على امتداد الموقع.
يشرح لي قائد الموقع طبيعة الحرب وظروف المواجهة، وفيما كنت منهمكا في سماعه إذا بأصوات انفجارات مدوية من صوب جبهة مجاورة، أعقبها أصوات تحليق منخفض لطائرات حربية.
شددت التنبيهات علينا بالتزام التمويه والبقاء في خنادقنا، أغمضت عيني وفتحت ذاك المستودع الكئيب للذكريات القبيحة لحظة قصف صنعاء بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً عند بدء العدوان في عامه الأول.
موجة من الغبار ملأت أجواء المكان، وعلى الرغم من تحسسي منها إلا أني دعوت الله أن يضاعف هذه العاصفة الرملية، لا لشيء وإنما لأنها ستمنع عنا راصد الطائرة الاستطلاعية وتحجز عنا عين قناصة العدو . كان تنفسنا متباطئا ثقيلاً بسبب ارتفاع الحرارة، وحده اللاسلكي الخاص بالموقع الذي حافظ على نشاطه..
مر النهار مسرعا على خير وبدأنا نعيش أجواء الليل بشيء من الترقب الحذر، لحظة تفاقم فيها تمشيط العدو لكل المناطق المجاورة له بالقصف المدفعي العشوائي، رافقه تحليق مستمر للطائرات.
وفيما كنا جميعا نجتر أدفأ ذكرياتنا في أحلك ساعاتنا وأصعبها، أيقظنا دوي مروع لقذيفة مدفعية سكنت بالقرب منا!!! أوصانا المجاهدون بالتزام التسبيح والاستغفار وذكر الله كثيرا.
كنا نأخذ أمور الحياة في الجبهات مأخذًا سهلًا، لكن الواقع اثبت كم هي صعبة وقاسية أمام الذين لم يعتادوها مثلي.. هاهي قذيفة أخرى حلقت فوق رؤوسنا متعدية موقعنا إلى قرية مجاورة آهلة بالسكان!!!
لم أصدق أولا ما رأيته! لم استوعب ما حدث!!!
لم أصدق ساعتها وقاحة المرتزقة وتطاولهم وتصميمهم على الغدر، ليس بمقاتلي الجيش واللجان الشعبية وإنما الغدر بسكان المنطقة.
على خاصرة خط النار الحي بين قواتنا والقوات المعادية أحسسنا أن الزمن توقف.. بين كل قذيفة مدفعية وأخرى كان يطلقها العدو علينا، أحيانا تقصر فتغدو مدة حياتنا عشرين مترا ، وأحيانا قد تطول قليلاً لتمتد إلى خمسين مترا، وما بينهما هي مسافة العبور الحتمية التي قد يكون الموت فيها مجرد نصيب وحظ عاثر، والحياة نظنها للحظة مرهونة بعضلات سيقاننا وسرعة خطواتنا، حتى أنّه كان يخيّل إلينا للحظة عندما تتساقط القذائف وتتطاير منها شظايا قاتلة من حولنا أنّا قد نجري بسرعة تفوق سرعة الضّوء فنسبق الشظايا الساعية خلفنا ككلاب مسعورة ضربها الجوع.
من تكرار القصف المدفعي على الموقع راودنا الشك أننا أصبحنا مكشوفين أمام العدو وصار من السهل بمكان استهدافنا، فجاءت التوجيهات من المجاهدين بتغيير مواقعنا، كإجراء احترازي ليس إلا.. توكلنا على الله وألسنتنا تلهج بالتسبيح والاستغفار، انطلقنا صوب بطون الأشجار والصخور كسهم أطلق من نشاب، وصوت القذائف يدوي خلفنا وأمامنا لا يعلوه سوى صوت أنفاسنا ودقات قلوبنا ، حينها لا سبيل للتوقف والتفكير، فعيوننا وعقولنا قد سبقتنا للطرف الآخر منتظرة أن نقفز القفزة الأخيرة مبتعدين عن أيدي عزرائيل الطويلة وعينيه الواسعتين، وأي تمهل أو توقف في هذه الرحلة القصيرة الطويلة المفرحة المحزنة يعني أنك لن تصل الجهة الأخرى مرة أخرى أبداً.
ذلك كان حالنا نحن زوار الجبهة، وتلك كانت مشاعرنا الوجلة إزاء كل الصعاب والمتاعب التي واجهتنا ونحن نتفقد المجاهدين في الخطوط الأمامية من المواجهة مع قوات المعتدي.
كان من أهداف زيارتنا للجبهة أن نرفع من معنويات المقاتلين، لكن لما عايشنا واقعهم الجهادي كما وقع، وشاهدنا بعيوننا عظمة الشجاعة وقوة الإيمان الذي يتحلون به في مواجهة الموت، كانت معنوياتنا هي التي ارتفعت، وحينها أدركنا حقيقة المقولة الشهيرة للرئيس الشهيد صالح الصماد في حق المجاهدين.. حين قال ” نفض الغبار من على نعال المجاهدين خير من كل مناصب الدنيا”
على المرتفعات وسفوح الجبال يعرّفنا القائد الميداني “أبوعلي ” ونحن على مرمى حجر من مواقع العدو، بأن غالبية المجاهدين الذين يشرف عليهم في ريعان شبابهم بين العشرين والخمسة والثلاثين عاما، يمتلكون خبرة عسكرية تدربوا على بعضها في معسكرات تدريبية تستمر أكثر من ستة شهور أحيانا.
نافيا الشائعات التي تقول بأنه يتم الزج بأطفال في المعركة أو حتى شباب قليلي الخبرة.
يقول “أبوعلي ” بكل ثقة واطمئنان: هؤلاء المقاتلون الشباب سيكونون أقوى منا بكثير، مفعمين بالحياة والطاقة والحيوية.
في الميدان نفتخر عندما نشاهد ونلمس قوة كل واحد فيهم، يصعدون إلى الجبال ويركضون مسافات طويلة ويخوضون المعارك الشرسة بقوة جسدية عالية.
ويكمل القائد “ابوعلي”: أبطالنا يقاتلون بعقيدة وإيمان لا يتزعزع على عكس مقاتلي المرتزقة الذين يقاتلون بدافع المال ليس إلا.. كما توجد ميزة أخرى في المجاهدين وهي أنهم يتماهون مع أي أرض تختلف عن أرضهم التي اعتادوا العيش فيها، يتكيفون مع كل الأجواء والمناخات والطقوس المتفاوتة، وهذا بحد ذاته مكسب كبير وأحد عوامل النصر.
من الواضح أن علاقة القائد “أبوعلي” بالمجاهدين ممتازة ، الجميع يلقي عليه التحية بحرارة العناق كأنه أب لهم.
سألناه عن علاقته بالمجاهدين؟ فرد قائلاً : نحن جميعاً في ميدان معركة، وكوني مسؤولا عليهم عليَّ أن أكون دائماً بجانبهم، فمهما يكن فلكل منهم ظروفه الخاصة وبحاجة إلى اهتمام رغم كل شيء، حتى ولو أني مسؤول يجب أن أتصرف معهم كإخوة في جانب معين.
مضيفاً : نحن في أرض المعركة ويجب علينا أن نلتزم بأخلاق القرآن، فالكلمة الطيبة، والاطمئنان لهما أثر كبير في التخفيف عليهم، والقائد عليه أن يتمتّع بهذه الصفات القرآنية وألا يتصرف بعجرفة مع أحد ، وفي أوقات الجد يكون حازماً ولا يسمح بالخطأ أبدا”.
مشيراً إلى أن ثمة علاقة أخوية نشأت بين المجاهدين، مبنية على الاحترام المتبادل والثقة والتضحية معا في وجه العدوان ومرتزقته.
وفيما أنا أفكر بالبطولات التي يجترحها المجاهدون في ميادين الدفاع عن الأرض والعرض والكرامة والسيادة على مدى سنوات أربع من عمر العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، اقترح كثير من الزملاء زيارة المدرعتين اللتين احرقهما المجاهدون عندما تجرأت قوات المرتزقة التعمق في الجبهة المجاورة.. وفي الطريق التقينا تعزيزات مهولة من المجاهدين الذين لبوا نداء الجهاد ضد الغازي ومرتزقته، والذي سيتم توزيعهم على الجبهات، معظمهم شباب في مقتبل العمر.
أقبل واحد منهم ويده على الزناد متجها نحونا حين سمع زميلي يشيد ببطولات المجاهدين وكيف أن آمال عامة الناس معقودة بهمة وبسالة وشجاعة المجاهدين، وأن تحرير البلاد من القوات المعتدية والغازية لبلادنا مهمة صعبة لا يقوى على تنفيذها غير الشباب المؤمن.
جلس ذلك المجاهد على حافة صخرة صلدة كانت بالقرب منا، وضم سلاحه إلى صدره قائلاً لنا بنبرة الواثق بعدالة قضيته الثابت على المبدأ والعقيدة : “دخلت هذه الحرب، يافعاً، والآن كما ترى يغزو البياض شعر رأسي!!! طيلة بقائي في الجبهة ما سددت باباً أمام الموت، إلا وفتح العدوان علينا براكين حقده، تحالف أكثر من 22 دولة طالبوا ومازالوا يطالبون برأس كل يمني، حياً أو ميتاً.
اليمن أُمنا، أرادها العدوان ضعيفة مهانة مقسمة، وجريمتنا نحن المجاهدين أمام ذلك التحالف الآثم أنها موطننا وبيتنا وأرجوحة قلوبنا ، “فلمن أقاتل إذا لم يكن لها وعنها” .. وبهكذا جملة أنهى المجاهد حديثه!!!
انضم إليه مجاهد آخر يتحدث إلينا بنوع من الإيمان المطلق بالنصر وبلهجة لا تخلو من الإحساس بالعزة والكرامة:
في الغد القريب سيشرق لكم وطن، حينها سيتمتم بعضكم مواربة: “لولا صمود وبسالة المجاهدين لما كنا هنا نستطيب بعض ما لدينا.”
مجاهدون من شتى ربوع البلاد، تثلمت سيوفهم وهم يذودون عن ثغور الساحل الغربي وتعز والبيضاء ومارب ونهم وصعدة وحجة، كل سيوف الأعراب والعالم مجتمعة.
واستطرد قائلا : ثقوا بأننا وكافة الأبطال في جبهات العزة والكرامة سنكون غدكم المشرق بمشيئة الله، وإن كتب الله لنا الشهادة، فقد تركنا فيكم ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدنا: “اليمن الحبيب” نعم تركنا لكم اليمن فهي بسواحلها وجزرها وحقولها وجبالها وسهولها ووديانها، تناديكم جميعا بلا استثناء لتتمسكوا بها وتذودوا عنها أطماع وأحقاد المتربصين ..
صوت من أقصى المكان لمجاهد آخر صدح عاليا يقول: أعوام أربعة ونحن من خندق إلى آخر، ومن جبهة إلى أخرى ، ومن جبل إلى وادٍ، ومن عطش إلى جوع، ومن وجع الخيانات وغدر المرتزقة المهووسين بالمال المدنس إلى خذلان المجتمع الدولي.
ورغم ذلك نحن على ثقة بالنصر والتمكين..
وعما قريب سنهديكم خلود الوطن، فاذكرونا في غدكم، وارفعوا إن شئتم، صورنا المنسية، وكونوا أهلا لأهلنا، ورددوا على أرواحنا، بعضاً من أعظم التراتيل والدعوات المباركة.
انتهى المجاهدون من سرد أحاديثهم لنا وكما لو أنهم قدموا لنا وصاياهم الأخيرة وهم متأهبون للذهاب إلى الجبهة..
الأميز في وجوههم أنها كانت واثقة من الحياة والنصر.. وكأنهم أعاصير في وجه بيادر الشر، مدربون كما يجب، مستعدون للحرب كما يجب، أقوى مما يجب. اشجع بكثير من حدود المعقول، هؤلاء هم مقاتلو جيشنا ولجاننا الشعبية.
صوت نعالهم على الحصى موسيقى من وزن خاص.. أصغي إلى قلوبهم أيضا، وإلى أنفاسهم؛ فأكاد أسمع أفكارهم وهي تبحر إلى أرض أخرى تستعير منها الشغف، تستمد منها المعنى لما هم قادمون عليه في سبيل الدفاع عن الوطن وسيادته.
انتهى برنامج زيارتنا.. وبدأ البعض يجمع أمتعته عائداً إلى أهله وبيته حيث الأمن والأمان والاستقرار كما نزعم!!! بيد ان كل ذلك ليس إلا في ميادين العزة والشرف، كانت من أهم الدروس والعبر التي تعلمناها من المجاهدين هي الأجواء الروحانية التي يحرص الكل على ممارستها وهم في الجبهات.. الشجاعة والصبر والصمود والثبات ، تغليبهم مصلحة الوطن وأمنه واستقراره على المصالح الشخصية..
وأمام بطولاتهم وتضحياتهم يجب علينا أن ندعم صمودهم وثباتهم معنويا وماديا، وأن نرعى أسرهم وأسر الشهداء والجرحى.
ولنتذكر أنهم على مدى سنوات العدوان يواجهون الألم بالثبات.. والضعف بالتصميم.. وظروف الحرب بالتحدّي.. لم يستسلموا يوماً.. بل تعلّموا وعلّموا كيف يكون طعم النصر والفوز.. ونحن في الجبهة التربوية كنّا معهم وسنبقى.
وهناك ملاحظة لفتت انتباهي فيما يخص القيادات المرتبطة بميادين القتال ارتباطا مباشرا لاحظت فيهم أنهم شديدو الذكاء.. متوقدو الذاكرة.. سريعو البديهية، منطلقون في أحاديثهم كأنهم أساتذة جامعيون متخصصون في علوم اللغة والخطابة والإعلام الحربي. وما أن تعرفهم عن قرب فإنك «إما أن تحبهم أو تحبهم جدًا».
وربما الصفة الأهم في شخصيتهم هي تواضعهم الفطري والمودة التي يغمروك بها.‏. كل ذلك استوعبته سريعا، لكن ما لم أستطع استيعابه حتى الآن هو سر روح الدعابة والمرح التي يتمتعون بها وتلك الابتسامة الجذابة التي لا تفارق وجوههم رغم أن جُلهم أمضوا سنوات عديدة من أعمارهم تحت أزيز الرصاص ولهيب النار متنقلين من جبهة إلى أخرى‏.

قد يعجبك ايضا