الإعلام الرقابي .. خطوة متأخرة لكنها في الطريق الصحيح

 

محمد عبدالكريم القليصي

يعتبر الفساد العائق الأول والرئيسي لجهود التنمية، ففي ظل انتشاره تتضاءل قدرة الدولة على تحقيق اهدافها التنموية وتحقيق العدالة بين المواطنين وفرص العيش الكريم ، فالفساد يؤدي إلى التهام الجزء الأكبر من الموارد المخصصة لتمويل برامج التنمية..
وعلى الرغم من قيام الحكومات المتعاقبة بجهودٍ لمكافحة هذه الآفة ، إلا أن تلك الخطوات لم تأت بنتيجة تذكر كون تلك التحركات لم تتوفر لها الارادة السياسية الجادة بل اتت مجاراة للمجتمع الدولي بصورة افرغت المنظومة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد (الاجهزة الخاصة بمكافحة الفساد وحماية المال العام ) من محتواها، وجعلتها مكبلة وعاجزة عن تأدية المهام التي وجدت من اجلها ، ومن ضمن تلك القيود غياب الإعلام الرقابي الفاعل والمواكب لجهود الدولة في حربها مع الفساد بل وتغييبه وحصره في زاوية ضيقة ومهام جعلته أكثر نمطية، في الوقت الذي اصبح الإعلام سلاحاً اقوى وامضى من ذي قبل بفضل التقدم العلمي والثورة التكنولوجية التي شهدها القرن الماضي، بل وأصبحت وسائل الإعلام المختلفة تمارس دورًا جوهريًا في إثارة اهتمام الجمهور بالقضايا والمشكلات المطروحة، لتصبح بذلك أداة بالغة التأثير ليس على ‏الصعيد الإعلامي فحسب، وإنما على جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والسياسية، لاسيما الإعلام التفاعلي لما يتميز به من خصائص التفاعلية والتدويل والانتشار حيث بات مصدرًا رئيسياً يلجأ إليه الجمهور في الحصول على المعلومات.
ويعد الإعلام من أهم وسائل التعبير عن آراء المواطنين في النظم الديمقراطية ،وبات بلا منازع أداة الرأي العام الأولي في التعبير عن اتجاهاته واحتياجاته ورغباته ،فمن خلاله يستطيع المواطن أن ينتقد التجاوزات الحكومية والتي لا تخلو منها الجهات الحكومية، ويكشف عن المعوقات ويحدد مصادر الخلل، وليس من قبيل المبالغة أن يطلق على الاعلام بالسلطة الرابعة وهذا دليل على ما يقوم به الإعلام من وظائف رقابية إعلامية وصحفية على أجهزة الحكم ومؤسساته.
ولا يختلف اثنان على أن الرأي العام المسلح بالمعرفة بات من الاساسيات الخاصة لتحقيق النزاهة ومكافحة الفساد على اعتبار انه يمثل الأرضية الصلبة التي يبنى عليها مستقبلاً ونواة الرأي العام المناهض للفساد والقوة الضاغطة امام أي معوقات على طريق الاصلاحات وهذا لن يكون إلا بإعلام رقابي يمثل حجر الزاوية لأي خطوة لمكافحة الفساد ، على اعتبار أن الإعلام الرقابي بمثابة الحامل الرئيسي لجهود مكافحة الفساد، فمن خلاله تكون الوقاية السابقة من توعية وتثقيف ، وعن طريقه تكون الرقابة المصاحبة من كشف وفضح وترهيب ، واليه تسند مهام المعالجة الشاملة من اشاعة ثقافة النزاهة بما تحويه من محاور، فهو اذن قناة الاتصال التي سينهل منها المجتمع بمنظماته وشرائحه المختلفة ليتحقق بذلك تمكين الشعب وتعزز بذلك ادوار المجتمع المدني في المجتمع، كون الوصول إلى المعلومة بات امراً حاسماً لتعزيز الشفافية والمساءلة واداة قوية لمكافحة الفساد، فمن خلال حق الحصول على المعلومة واطلاع المواطن عليها يتم تقييم أداء انظمة الحكم الى جانب بعض المؤشرات الاخرى لمكافحة الفساد ومتطلباتها كالنمو الاقتصادي والاصلاح الاجتماعي والمشاركة.
ولما كانت بلادنا قد خطت خطوات في هذا الجانب وذلك من خلال تشريع بعض القوانين ، والتي جاءت رغبة من المشرع اليمني الى الالتزام باستحقاقات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والذي اصبح احد اطرافها منذ 28 /12 /2003م وتم التصديق عليها بالقانون رقم (46) لسنة 2005م بتاريخ 20 /7 /2005م
صدر القانون رقم (13) لسنة 2012م بشأن حق الحصول على المعلومة في 24 /4 /2012م والذي جاء لإكمال اصدار التشريعات السابقة في هذا الجانب والتي شكلت منظومة تشريعية لمكافحة الفساد ،والذي وطبقاً الى المادة (3) منه يهدف إلى تأمين حق المواطن في الحصول على المعلومة ، وتعزيز مقومات الشفافية ، وتمكين المجتمع من الاستفادة من المعلومات.
إلا انه وطيلة الفترة الماضية ومنذ بدء صدور قانون الحصول على المعلومات والذي يمثل إضافة كبيرة للإعلام والمجتمع المدني في اليمن، على اعتبار أن صدور هذا القانون بات ضرورة لا غنى عنها من اجل التصدي للفساد استناداً إلى أن العلاقة بين الفساد والشفافية هي علاقة عكسية، فكلما ارتفعت مؤشرات الشفافية، انحصرت مؤشرات الفساد وهو ما تؤكده منظمة الشفافية الدولية ، ظلت المعلومة مع ذلك حبيسة الادراج ولم تر النور وهو ما اكدته منظمات يمنية ناشطة في مجال الشفافية ومكافحة الفساد عند اختبارها للقانون السالف الذكر العام 2013م ، غير اننا اليوم وفي ظل العتمة التي تحيط بنا امامنا بارقة امل والمتمثلة في توجه قيادة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الى تفعيل قانون الاطلاع على المعلومات والسماح لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام بالاطلاع على البيانات والتقارير الصادرة عن الجهاز إلى جانب تشجيع الدور المجتمعي في الابلاغ عن قضايا الفساد وممارساته المختلفة ، كون العلانية تعد العنصر الأساسي لقاعدة الشفافية ، وتتيح للمراقب سواء كان من المجتمع المدني، أو أي جهة كانت، متابعة ومراقبة ما يعتمل في دهاليز الجهاز الاداري للدولة وهو ما قامت به قيادة الجهاز مؤخراً وذلك فيما يتعلق بطريقة تعاطيها مع القضايا المختلفة التي تطرقت اليها وعلانية تحويلها لبعض تلك القضايا ممن تلفها شبهات فساد الى النيابة العامة وبصورة لم يؤلفها – على الأقل – الإعلام اليمني من قبل ، وبتوفرها – أي العلانية – يكون الجهاز قد وضع قدميه على طريق الرقابة، اضف الى ذلك الخطوات الحثيثة لقيادة الجهاز والمتعلقة بتأسيس إعلام رقابي والذي من شأنه أن يعيد جزءاً من اعتبار السلطة الرابعة ويساعدها في إعادة تموضعها الصحيح لتؤدي بذلك دورها المفترض في دعم جهود مكافحة الفساد ، على اعتبار ان الإعلام الرقابي يمثل اولى خطوات محاربة الفساد ، وهذه بداية مبشرة من قيادة الجهاز وإن جاءت متأخرة في مسيرة الجهاز الرقابية غير اننا نتمنى ألا تكون الاخيرة كون مكافحة الفساد عملية مترابطة ودائماً محكومة بالنتائج ، وبحاجة الى تضافر جميع الجهود وهو ما يحتم علينا كإعلاميين ان نضم اصواتنا إلى صوت من يواجه الفساد بخطوات مدروسة وصولاً الى تحقيق الشفافية والمساءلة المجتمعية والتي بلا شك ستكون شاقة ووعرة جداً وتلفها المخاطر ، إلا انه لا خيار لنا كيمنيين اجهزة رسمية ومنظمات مجتمع مدني وإعلاماً وبقية المكونات الاخرى سوى المضي قدماً في هذا الطريق مهما كلفنا الثمن لأن التخاذل عن محاربة الفساد المالي والاداري لا يقل فداحة عن التخاذل والإرجاف في الجبهات

قد يعجبك ايضا