ارتفاع حجم إجمالي الديون على الدول الناشئة الى اكثر من 1.3 تريليون دولار عام2019م

 

*نتيجة الهيمنة الأمريكية:

توسّعت سياسة الإقراض (أو الخط الائتماني) الرخيص إلى كافة مناطق العالم، خلال العقد الأخير، من خلال ضخ استثمار المصارف الأمريكية كميات ضخمة من الدولارات – التي اشترتها من الاحتياطي المركزي بدون فائدة – في المصارف والشركات الأجنبية (غير الأمريكية) بفائدة أعْلَى، وقدَّرَ معهد التمويل الدولي في واشنطن (من مؤسسات مجموعة “البنك العالمي”) ارتفاع ديون الأسر والحكومات والشركات والقطاع المالي في أكبر 30 سوق “ناشئة” من نسبة 143 % من إجمالي الناتج المحلِّي سنة 2008 إلى 211 % في بداية سنة 2018.
بينما تضاعَفَ حجم ديون هذه “الأسواق النّاشِئَة” سواء بالعُملات المحلِّيّة أو العملات الأجنبية (كالدولار واليورو) في أمريكا الجنوبية أو تركيا أو البلدان الآسيوية – باستثناء الصين – من نحو 15 تريليون دولار سنة 2007 إلى 27 تريليون دولار بنهاية سنة 2017، وفق البنك العالمي، وتجاوزت الديون الخارجية للشركات التركية لوحدها 300 مليار دولار (يونيو 2018)، أو أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي للبلاد… من مهام الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي أيْضًا مُحاولة تشديد الحصار وخَنْق اقتصاد بعض الدول المغضوب على حكوماتها (أو أنظِمَتِها) مثل إيران وروسيا والصين، وكوبا وفنزويلا وكوريا الشّمالية، وأَلْحَقَ بها تُرْكيا مُؤَخّرًا.
ولم تشفع لتُرْكيا عضوية حلف شمال الأطلسي ولا العلاقات العسكرية والاقتصادية المُتَطَوِّرَة مع الكيان الصّهيوني، ولهذه الأسباب تُحاول بعض الدّول، ومنها روسيا والصين وإيران ودول أخرى الابتعاد عن الاعتماد على الدولار الأمريكي في معاملاتها التجارية الخارجية، لكن ذلك ليس بالأمر البسيط، حيث تقارب نسبة الدولار 88 % من إجمالي معاملات الصرف بالعملات في العالم، ونحو 65 % من احتياطي المصارف المركزية في العالم، ولم تتجاوز حصة “اليورو” 20 % من احتياطيات العالم، وتجري معظم الصفقات الدّولية لتجارة النفط والذهب والسلع بالدولار…
استغلّت الولايات المتحدة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية للعام 2008، لتوسيع رقعة هيمنة الدولار، عبر سياسة التّيْسِير النّقدي، كما أسلفنا، وزادت هيمنة الاحتياطي الفيدرالي على المنظومة المصرفية العالمية (وبالتالي على الاقتصاد) مع الارتفاع التّدْرِيجِي لسعر الفائدة، ما يَدْفَعُ العديد من الشركات والحكومات لاقتراض المزيد من المبالغ المُقَوّمَة بالدولار، لإعادة تمويل الديون القديمة بالدولار، ولكن القُروض الأولى كانت أَرْخَصَ من الثانية، مما رفع من حجم إجمالي الديون المستحقة على أسواق الدول “الناشئة” إلى أكثر من 1,3 تريليون دولار، سنة 2019.
وكُلّما ارتفعت قيمة دُيون شركات وحُكُومات العالم، المُقَوّمَة بالدّولار، انخفَضَ حجم ديون وزارة الخزانة الأمريكية التي اشترتها من المصارف والشركات التي اعترَضَتْها صُعُوبات، وارتفع حجم سندات المصارف التي جَمَعها الاحتياطي الفيدرالي، من المصارف (بفعل سياسة “التّيْسِير الكمِّي”) من حوالي 900 مليار دولار سنة 2008 إلى نحو 4,5 تريليون دولار، سنة 2014،
ويُخَطِّطُ (الاحتياطي الفيدرالي) لخفض حجم حيازة السّندات، وخَفْضِ قيمة هذه الديون بأكثر من 30 % قبل نهاية 2018. في الأثناء استثمرت المصارف الأمريكية هذه القُروض الرخيصة التي وَفّرَها لها الاحتياطي الفيدرالي، في النّفط الصّخري الذي جعل من الولايات المتحدة مُصدّرا للنفط والغاز الصخريّيْن، ومنافسة غاز روسيا في أوروبا وآسيا (بفضل الضّغط الأمريكي على أوروبا)، استثمرت جُزْءًا من هذه السُّيُولة في قطاع الإسكان الذي خَرَجَ من أزمته الحادّة، وجُزْءًا آخَرَ في الأسواق “الناشئة”، التي كانت تُوَفِّرُ أربَاحًا مُرْتَفِعة، رغم ارتفاع المخاطر، ومن بينها الهند وتركيا وإندونيسيا والبرازيل والأرجنتين، وكذلك في الصين وروسيا.
وأي مكان آخر يُوَفِّرُ نسبة أرباح تفوق أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، قبل الرفع التدريجي لسعر الفائدة بنهاية 2017، وقبل تشديد العقوبات الأمريكية ضد الصين وروسيا، وقبل إعلان الحرب التجارية الشاملة ضد الحُلَفاء والمنافسين والخُصُوم، ويُؤَدّي رفع الفائدة في الولايات المتحدة إلى خُرُوج الاستثمارات من الإقتصادات “النّاشِئَة” وتدفقها (بالدّولار) من جميع أنحاء العالم نحو الولايات المتحدة بقيمة أربعين إلى خمسين مليار دولار شهريًّا.
وأدّت سياسة رَفْعِ قيمة الفائدة إلى انخفاض قيمة العُملات الأخرى مقابل الدّولار، وعلى سبيل المِثال فقد انخفضت قيمة الليرة التركية بحواليْ 50 %، خلال ثمانية أشهر من سنة 2018، مقارنة بالدولار الأمريكي، مما يعني أن شركات الإنشاء والعقارات وغيرها من الشركات الكبيرة في تركيا لن تستطيع اقتراض دولارات رخيصة (بلغت دُيونُها الخارجية نحو 300 مليار دولار )، ووجب عليها أن تَتَدَبَّرَ ضعف مبلغ الدولارات الأمريكية لخدمة تلك الديون، أو ما يُعادِلُ نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ما حَصل في تُركيا، حَصَل أيضًا (مع اختلاف في التّفاصيل) في بلدان آسيوية أُخرى (باستثناء الصِّين).
وضَخّت المصارف الأمريكية بين سنتيْ 2008 و 2015، حوالي 2,1 تريليون دولارا في اقتصادات البلدان الآسيوية، عندما كان سعر الدولار منخفضًا، لكن ارتفاع سعر الدولار بمعدّل 7 % مُقابل العملات الآسيوية خلال ثمانية أشهر من سنة 2018، قد يُؤَدِّي إلى أزمة في بلدان مثل باكستان أو تايلند أو حتى كوريا الجنوبية، بداية من سنة 2019، شبيهة بأزمة أسواق المال الآسيوية سنة 1997، بفعل تأثير ارتفاع الدولار، وكذلك بفعل تأثير الحرب التّجارِيّة…

قد يعجبك ايضا