مستقبل مدينة إدلب بين المجهول والأطماع الخارجية

 

أصبحت مدينة إدلب، آخر معاقل الجماعات المسلحة والإرهابية المعارضة للدولة السورية، اليوم أكثر القضايا سخونة وبحثاً على المستوى الدولي والأممي وذلك لما لها من تأثيرات كبيرة في رسم الخريطة المستقبلية للدولة السورية والمنطقة أجمع، ويعدّ السبب الأبرز لتناولها بهذه الطريقة هو تخوّف المجتمع الدولي وما تسمي نفسها بـ “المعارضة السورية” من انتهاء الأزمة السورية مع تحرير إدلب من قبل الجيش السوري وحلفائه، وبالتالي خسارة آخر ورقة مفاوضات من يد المسلحين ما يخرجهم من المشهد السياسي السوري في المستقبل، كما وتعدّ الخسارة الكاملة لسوريا نهاية وفشل المشروع الغربي الذي كان يرسم لمنطقة الشرق الأوسط والذي كان يهدف إلى السيطرة على منابع الطاقة وضمان أمن الكيان الإسرائيلي من خلال إضعاف محور المقاومة.
وتأكيداً على هذه المعطيات، أعلن وزير الخارجية الفرنسي الأسبوع الماضي في مقابلة له راديو “فرانس انتر” أن “الرئيس السوري، بشار الأسد، ربح الحرب، لكنه لم يفز بالسلام، بسبب عدم إنهاء الأزمة السورية سياسياً عبر الحوار”.
ويعدّ الوجود المكثف للجماعات الإرهابية، ولا سيما جبهة تحرير الشام (المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة والتي تصنفها الأمم المتحدة إرهابية) في إدلب من أبرز الأسباب التي تمنع المجتمع الدولي من اتخاذ قرار بمنع وقوع المعركة، لذا تحاول هذه الدول إيجاد ذرائع لتبرير حملتهم العسكرية على الجيش السوري وحلفائه وذلك لمنع عودة إدلب إلى أحضان الدولة السورية، ومن هنا وخلال الأسبوع الماضي كثرت التقارير الغربية التي تحذّر من وقوع ” أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين” في حال وقوع الحرب، إضافة إلى اتهامات للجيش السوري بالتحضير لاستهداف المدنيين بالسلاح الكيميائي.
وفي هذا الصدد حذّر ترامب وسفيرة بلاده في الأمم المتحدة نيكي هايلي الدولة السورية من العواقب الوخيمة في حال شنها حرباً على إدلب، إضافة إلى ذلك سيعقد مجلس الأمن يوم الجمعة المقبل جلسة طارئة لبحث هذه القضية في محاولة للتوصل إلى قرار أممي يمنع حصول المعركة إلا أن المعطيات تفيد بفشل المجتمع الدولي في حصول ذلك.
وكشفت مصادر أمريكية منذ يومين، أن القوات الأمريكية قد حددت قائمة الأهداف التي ستضربها في سوريا وذلك ردّاً على الهجوم الكيميائي المزعوم للجيش السوري ضد ما يسمى بـ “المعارضة السورية المعتدلة” في إدلب.
وتفيد معلومات المراصد البحرية توجُّه غواصة “نيوبورت نيوز” الأمريكية إلى شرق البحر المتوسط بعد عبورها لمضيق جبل طارق، لتلتحق بغواصتين أمريكيتين أخريين مسلحتين بصواريخ توماهوك في البحر المتوسط إلى جانب مدمرتين أمريكيتين مسلحتين بصواريخ من نفس النوع، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، انضمت غواصة نووية بريطانية من طراز” HMS Talent ” إلى القوات البحرية الأمريكية وذلك للمشاركة في الهجوم المحتمل على سوريا.
ومع ذلك، إن الهجمات العسكرية الغربية على سوريا، كالهجمات الصاروخية التي تعرّضت لها دمشق في إبريل عام 2018م بعد اتهام الجيش السوري بالهجوم الكيميائي في مدينة دوما السورية، لن يكون لها أي تأثير على نتائج المعركة إنما يمكن فقط أن تطيل أمدها لا أكثر.
معركة إدلب وضعت المسؤولين الأتراك أمام مفترق طرق خطير، حيث اصطدمت المصالح التركية هذه المرة مع المصالح السورية الهادفة إلى تحرير كل شبر من الأراضي السورية من دنس الإرهاب، فإما تقف إلى جانب المجموعات المسلحة التي تتفق معها من حيث الأهداف، وإما تنضم إلى الجانب الروسي الإيراني وتقضي على الإرهابيين، علاوة على ذلك ينتاب المسؤولين الأتراك خوف جراء بدء العملية، ما قد يؤدي إلى فرار عدد كبير من الإرهابيين وعائلتهم إلى أراضيها الأمر الذي سيهدد الأمن القومي التركي خصوصاً أن تركيا تحتضن على حدودها مع سوريا مخيمات لجوء للفارين من الحرب وتضم حوالي 3 ملايين لاجئ سوري.
ومن هنا وبعد اللقاء الذي احتضنته العاصمة الإيرانية طهران لرؤساء الدول الثلاث، الإيراني الروسي والتركي، غرد الأخير على تويتر قائلاً: “إنه لا يمكن أن نكون شركاء في معركة ستكون بنفع بشار الأسد والنظام السوري”، وعلى إثر ذلك أمر أردوغان إرسال تعزيزات عسكرية إلى ريف إدلب السوري من أجل التموضع هناك تحسبّاً لأي خطر قومي قد ينتج عن هذه المعركة كسيطرة الأكراد على مناطق شاسعة من محافظة إدلب، وبالنظر إلى هذه الاعتبارات، يمكن القول إن أردوغان في موقف ضعف، فهو من جهة لا يريد بدء العمليات في إدلب، ومن جهة أخرى يريد القضاء على الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن القوي التركي.
ورغم التهديدات الغربية بتنفيذ هجوم عسكري على سوريا، تصرّ دمشق وحلفاؤها (روسيا وإيران) على تنفيذ العملية، حيث يرى محللون أن استمرار الأزمة السورية سيسمح للدول الغربية وحلفائهم الإقليميين كالسعودية وغيرها بالتدخل أكثر فأكثر في هذا البلد وتدمير موارده وبنيته التحتية، الأمر الذي يصبّ في مصلحة الكيان الإسرائيلي، ولهذا السبب، تصرّ سوريا وحلفاؤها على ضرورة حلّ قضية إدلب بأي ثمن من الأثمان، كما أنه لا تستطيع الدول الغربية القيام بأي شيء سوى خلق سلسلة من التحديات أو عمليات محدودة وغير فعالة، وفي هذا الصدد قال بوتين في اجتماع طهران: “نعتقد أنه من غير المقبول أن (شخصاً ما) يحاول حماية الإرهابيين بذريعة حماية المدنيين”.
ولذلك، وبالنظر إلى الذرائع التي يضعها الغرب في محاولة لمنعه تحرير إدلب، وإطالة أمد الأزمة السورية، وبالرغم من التهديدات الأمريكية، أجرت القوات البحرية الروسية الأسبوع الماضي مناورات بحرية ضخمة أمام السواحل السورية في محاولة لإيصال رسالة أن روسيا حاضرة إلى جانب الجيش السوري وستردّ على أي هجوم عسكري على سوريا، كما أن روسيا وطهران تسعيان إلى جذب الجانب التركي في هذه العملية كما استطاعوا جذبه من الناحية الاقتصادية، وبالتالي يمكن القول إن الوضع اليوم في إدلب معقد للغاية.
من جانب آخر نفت المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، يوم أمس الأول، المعلومات التي تناولتها بعض الصحف الألمانية عن أن برلين تجري محادثات مع حلفائها بشأن المشاركة في عمل عسكري محتمل في سوريا إذا استخدمت دمشق أسلحة كيميائية.
وفي مؤتمر صحفي أكدت زايبرت على “عدم وجود أي طارئ يستلزم اتخاذ قرار حتى الآن”.
بدوره علّقت زعيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، ثاني أكبر أحزاب البلاد، أندريا ناليس على هذه المعلومات رافضة بشكل قاطع أي دور لألمانيا في الحرب السورية.
وفي بيان مقتضب أصدرته أمس، قالت ناليس إن “الديمقراطيين الاجتماعيين في الحكومة والبرلمان لم يوافقوا على مشاركة القوات الألمانية في أي عمليات عسكرية بسوريا”، مؤكدة على “دعم الحزب لجهود وزير الخارجية هايكو ماس (وهو من أعضائه) الرامية إلى تفادي أزمة إنسانية في محافظة إدلب السورية عن طريق التفاوض مع تركيا وروسيا”.
يذكر أن صحيفة “بيلد”الألمانية قد كشفت في وقت سابق من يوم أمس الأول أن وزارة الدفاع الألمانية تدرس خيارات محتملة للانضمام إلى القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية في أي عمل عسكري في سوريا مستقبلاً في حال استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا.

قد يعجبك ايضا