في ذكرى كربلاء لنقف أمام غزوة كربلاء الثانية

 

عبدالجبار الحاج

ما شجع الوهابيين على غزوة 1802في تدمير ونهب كربلاء هو سقوط مصر بيد نابليون وحالة التفكك والضعف والانهيارات في معظم مناطق السيطرة العثمانية وهم في العراق أكثر ضعفا .. ثم بعد ذلك سقوط مصر عام 1801 تحت سيطرة الانجليز ..
وقعت هذه الجريمة قبل احتلال إسرائيل للقدس بقرن ونصف وتزامنت مع سيطرة بريطانيا على مصر بعد هزيمة نابليون فيها … وهي فترة بلوغ الجماعات الإرهابية أوج قوتها ذلك الحين لتكون الأخطر والأشد إجراما من خلال الغزوات الوهابية الأولى على عهد عبدالعزيز بن محمد بن سعود بن مقرن الذي قاد أكثر الغزوات إهلاكا وتدميرا وقتلا ونهبا على طول صحاري وواحات شرق الجزيرة وجنوبها تجاه حضرموت وشبوة جنوبا وعسير ونجران في فترة ضعفت فيها الأئمة ابان حكم المنصور علي ..وكاد ان يقترب من مكة قبل ان يختار الكوفة بعد الإحساء والقطيف شمالا فاتجه نحو العراق ..
عن جريمة كربلاء في ابريل 1802م نلقي نظرة على جملة من نصوص المؤرخين …
فقد كتب مؤرخ الوهابية ابن بشر وهو احد ابرز مؤرخيها ومتعصبيها عن غزوة كربلاء يقول :
( سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة /يقصد مناطق اقصى شمال اليمن/ وقصد ارض كربلاء فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوا عنوة وقتلوا غالب اهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة ( بزعم من اعتقد فيها ) على قبر الحسين واخذوا ما في القبة وما حولها كما اخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر واخذوا أيضا جميع ما وجدوا في البلد في البلد من أنواع المال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الوصف ولم يلبثوا فيها الا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قريب ألفي رجل ) المصدر : فاسلييف: تاريخ العربية ص143..
أجدني بهذه المناسبة مناسبة كربلاء معنيا في اطلاع الكثير ممن ربما لايعرفون عن جرائم سعود إلا القليل والقريب وأنا أتناول هنا جريمة أخرى لا تقل بشاعتها عن جريمة قتل الحسين والعشرات من آل بيت رسول الله وهي واحدة من جرائم الوهابية مطلع القرن التاسع عشر وكامتداد لجرائم يزيد في حق الحسين وأهله وامتدت مستمرة خلال التاريخ الأموي ..
في واحدة من اشد الغزوات الوهابية حقدا وقتلا ونهبا وفي الثلاث معا تكمن الأهداف والأدوات والدوافع التي كانت تصنع جيوش قطاع الطرق الذين لا يكتفون بالمال إن ظفروا به من غزوة من مئات الغزوات التي لا عد لها ولا حصر خلال القرن الثامن عشر ميلادي ..فإنهم يزيدون بعد النهب قتلا وإسرافا فيه لنصب جدار الهيبة حد زعمهم …
هذه الغزوة البشعة ليست الوحيدة لكنها واحدة من أكثر الغزوات الوهابية تعبيرا عن بشاعة الدعوة وبشاعة أصحابها وتشوهات كل منتسب لها ..
وهي سلاح النهب والقتل والإبادة الوحشية التي استهدفت ضريح الرسول وأصحابه واستهدفت السنة قبل الشيعة والشافعية قبل الزيدية والمتصوفة قبل الرعية عدى اليهودية والنصرانية فقد خفضت وعفتهم حتى الجزية ..
( …في تقرير وصل من العراق إلى سفارة الأستانة وكتب قبل عام 1803م فالشخص الذي عاش آنذاك في العراق وتحدث شخصيا مع شهود عيان عن تدمير كربلاء ……..
……كتب المستشرق الفرنسي أ . دريو في مقدمته لتقرير رايمون المطبوع ان كورانسيز في مقالته المبكرة اعتبر عام 1802 أيضا هو تاريخ تدمير كربلاء ..
ويقول كاتب التقرير :
(( رأينا مؤخرا المصير الرهيب الذي كان من نصيب ضريح الإمام حسين مثالا مرعبا على قساوة تعصب الوهابيين فمن المعروف ان هذه المدينة قد تجمعت فيها ثروات لا تعد ولا تحصى وربما لايوجد لها مثيل في كنوز الشاه الفارسي لأنه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الذهب والفضة والأحجار الكريمة وعدد كبير من الأحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة وحتى تيمور لنك صفح عن هذه الحضرة وكان الجميع يعرفون أن نادر شاه قد نقل إلى ضريح الحسين وضريح الإمام علي قسما كبيرا من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند وقدم معه ثروته الشخصية وهاهي الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح الأول تثير شهية الوهابيين منذ أمد طويل .فقد كانوا دوما يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة ان دائنيهم حددوا موعد تسديد الديون في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق فيه أحلامهم!! )ص132 فاسلييف .
ويواصل اليكسي فاسلييف في كتابه تاريخ العربية في طبعته الرابعة ص133
(ها قد حل هذا اليوم, وهو 20نيسان / ابريل عام 1802م فقد هجم 12الف وهابي فجاءه على ضريح الإمام حسين وبعد ان استولوا على الغنائم التي لم تحمل لهم مثلها اكبر الانتصارات وتركوا كل ما بقي للنار والسيف وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء البرارة وكانت قساوتهم لا تشبع ولا ترتوي ولم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء انهارا وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك أكثر من أربعة آلاف شخص ونقل الوهابيون ما نهبوه على أكثر من أربعة آلاف جمل …) المصدر نفسه 133
….وبعد النهب والقتل دمروا الضريح وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء وحطموا المنابر والقباب خصوصا لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من ذهب ..) اليكسي فاسلييف 133..
وفي وصف مينجين لتدمير كربلاء ..حصل الوهابيون على اغنى الغنائم ومنها السيوف المرصعة بالأحجار الكريمة ولؤلؤة بحجم بيضة الحمام وقد استاثر ابن سعود شخصيا بالسيوف واللؤلؤة . واستولوا كذلك على مزهريات وفوانيس مرصعة بالمعادن النفيسة وسجاجيد فارسية وحلى على الجدران مرصعة بالذهب ومعادن نفيسة ومبالغ طائلة من النقود المعدنية وألفي بندقية وألفي سيف وعبيد …الخ.
في هذه الغزوة تتجلى فيها طبيعة التعصب المشحون بأعلى درجات الحقد والكراهية لكل ما يمثل في الإسلام ورجاله وتاريخه المشع والمضيء والمشرق والمتقدم وجوهر الإسلام فكان الهدف من هذه الغزوة هو ارض العراق وساحة كريلاء و قبر الحسين وجموع الزائرين عقب انتهائهم من فريضة الحج في مكة ..
قبل كل غزوة كانوا يصوبون عيونهم نحوها قبل أي شيء تنصب عيونهم على مال أو إبل أو غنم او خيل أو ذهب أو فضة ومجوهرات وأحجار وعلى كل ما له ثمن ما غلا منه وقل أو رخص وكثر ..فكانت عيونهم منصوبة هذه المرة على ما تحتويه ويحيط ساحة كربلاء وما تحت وفوق قبابها من نفيس الجواهر التي تطرز تلك اللوحات والمباني الجميلة المرصعة بها .
فالعصبية الوهابية الدينية الجديدة القائمة على الكراهية والتكفير للمسلمين هي دين القتلة الجدد و هي روح التعاضد لفرق الغزو القادم من نجد التي كادت تستكمل خلال خمسين سنة حروب الغزوات الليلة الغادرة وقد استكملت حتى العام 1802م شرق ووسط الجزيرة واقتربت من جنوبها ونالت الكثير من مكة وان لم تخضعها بعد كليا حتى هذا التاريخ . فاتجهت نحو الكوفة ونحو كربلاء وصوب ضريح الحسين طمعا في تلك المناهب التي أوردها عدد من المؤرخين وقد رأينا مؤرخي سعود أنفسهم كيف يتحدثون عن تلك الجرائم بفخر وغرور …

قد يعجبك ايضا