اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ 73.. مِنْ فشل حل الأزمات لإشعالها

 

في هذا الوقت من كل عام يستعدّ العالم لعقد أكبر حدث دبلوماسي، وهو الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث يعدّ من أكبر التجمعات لقادة العالم. وسيجري في الفترة بين 24 – 27 سبتمبر في نيويورك، وستنطلق فعالياته الأساسية في 25 سبتمبر، وتستمر لمدة أسبوع، وسيتحدث خلال هذه الفترة 93 رئيس دولة و41 رئيس حكومة، و55 وزير خارجية، في القضايا الدولية المهمة، وسيتبادلون المواقف والآراء المختلفة، ويسعون من أجل إيجاد صيغة مشتركة لفهم أهم التهديدات للسلم والاستقرار الدوليين، ووضع أسس مشتركة للتصدي لها.
ومن هنا تعدّ الأمم المتحدة أبرز وأكبر منظومة للأمن الجماعي في تاريخ العلاقات الدولية حيث تسعى إلى إيجاد حلول لمنع انتشار العنف والصراعات الدولية وأزمات اللاجئين والمجاعة وآثار ظاهرة الاحتباس الحراري إلى الصراع في الشرق الأوسط خاصة في سوريا واليمن وأفغانستان وليبيا وفلسطين وصولاً إلى الأزمة الكورية وغيرها من الأمور.
ستعقد الدورة الثالثة والسبعون للجمعية العامة هذا العام في وقت تزايدت فيه الأحادية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب خلال العام الماضي، ويمكن رؤية هذه الأحادية عبر خروج واشنطن من العديد من الاتفاقات الدولية المهمة، بما في ذلك اتفاقية باريس حول تغير المناخ، واليونسكو، والاتفاق النووي مع إيران وتهديد منظمات ومؤسسات دولية كبرى مثل المحكمة الجنائية الدولية، وخفض المساعدات المالية المقدمة إلى الأمم المتحدة، ووقف المساعدات لمنظمة الأونروا، وبالإضافة إلى ذلك، قوّضت سياسة “أمريكا أولاً” الخاصة بالرئيس ترامب علاقات واشنطن مع العديد من حلفائها التقليديين حول العالم، بما في ذلك بعض التحالفات المستمرة منذ عقود، إضافة إلى زيادتها للضغوط على دول أعضاء حلف الناتو وذلك بهدف زيادة مساهمتهم في ميزانية الدفاع، وموقف البيت الأبيض من مواصلة التعاون العسكري في التحالف مع الأوروبيين ما يضع الطرف الأخير أمام تحدٍ لمواجهة الأزمات الأمنية لوحدهم في المستقبل، كما أن السعي وراء السياسات التجارية الهجومية التي تتبعها واشنطن والإعلان عن حرب تجارية مع دول أخرى يتحدى دورة النمو الاقتصادي العالمي.
وفي هذا السياق، نقلت تقارير إعلامية عن السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عراب سياسة “أمريكا أولاً” سوف يتناول مواضيع حول حماية سيادة واستقلال أمريكا، إضافة إلى أنه سيعارض مرة أخرى اتفاقية باريس للمناخ، وسوف يتحدث عن الاحتباس الحراري ويبرم معاهدة دولية جديدة بهدف تنظيم مسألة الهجرة. وفي هذا السياق كشف موقع ” Axios” نقلاً عن مصادر، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيتحدث أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة عن “إصلاح التجارة الدولية”، وأفاد أحد المصادر أيضاً بأن ترامب سيخطب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، فيما قال آخر إن “الاحترام المتبادل والسيادة” سيكونان موضوعين محوريين في مسألة التعاون مع الدول الأخرى.
وفي المقابل، من المتوقع أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحد الرؤساء الذين سيدينون الانفرادية والتعصب الامريكي، وسيدعم تعددية الأطراف باعتبارها مفتاح السلام. ولذلك، فإن جزءاً مهمّاً من أجواء اجتماع الذكرى الثالثة والسبعين للأمم المتحدة سيكون إعلان معارضة السياسة الأحادية، وزعزعة استقرار وتقويض النظام الدولي الحالي من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.
جزء آخر من القضايا الرئيسية التي ستثار في الجمعية العامة للأمم المتحدة هي استعراض مختلف الأزمات السياسية والإنسانية والبيئية التي يواجهها العالم اليوم، وقد أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن المنظمة تلقت 342 طلباً لعقد الاجتماع هذا الأسبوع. وتشمل هذه الطلبات اجتماعات حول النزاعات في سوريا وليبيا واليمن ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى مشكلات مسلمي الروهينجا في ميانمار، ومساعدات للفلسطينيين، وتعليم الفتيات، والعبودية الحديثة، والتهديدات البيئية، والجهود المبذولة لإنهاء الفقر، ويمكن القول إن هذه الأزمات إلى تصاعد وذلك بسبب ازدياد الانقسام في العالم وازدياد التنافس بين الشرق والغرب ومن الصعب إيجاد الحلول لها في الوقت الراهن.
ففي الازمة الكورية، ورغم التفاؤل الكبير الذي حصل بعد جلوس ترامب إلى جانب الزعيم الكوري كيم جونغ أون على طاولة الحوار وتعهد الطرفين بتقديم تنازلات من أجل حل الأزمة، ورغم معارضة روسيا والصين لها، وصلت الأمور إلى طريق مسدود وذلك بسبب إصرار واشنطن على استمرار فرض الضغوط على كوريا الشمالية.
أما في الأزمة السورية، وفي الوقت الذي يبذل فيه الغرب وحلفاؤه الإقليميون قصارى جهدهم للحفاظ على الإرهابيين في مدينة إدلب كآخر ممثلين لوجودهم في سوريا، تسعى الحكومة السورية وإيران وروسيا والصين، باعتبارهم المحور الأساسي لمناهضة التدخل الغربي في سوريا، إلى القضاء على جميع الإرهابيين في سوريا وتحرير مدينة إدلب منهم وإعادتها إلى حضن الدولة السورية.
أما بالنسبة لأسوأ أزمة إنسانية شهدها التاريخ في اليمن، فهي مستمرة، حيث يواصل التحالف السعودي الإماراتي المدعوم من الدول الغربية منذ 3 سنوات حربهم على اليمن ما أدّى إلى قتل الآلاف من الأبرياء من النساء والأطفال، إضافة إلى أزمة إنسانية كبيرة تهدد حياة الملايين جرّاء النقص الغذائي ومرض الكوليرا، وحتى الآن، كانت الجهود الدولية لإنهاء هذا العدوان الدموي والإبادة الجماعية الواضحة لليمن غير مثمرة بسبب عدم اهتمام الغزاة ومؤيديهم الغربيين بالوضع الإنساني هناك، ومن المتوقع أن تعقد اجتماعات كثيرة لتنسيق الجهود للتعامل مع المجاعة والكوليرا والنزوح إلا أنه لا يوجد إرادة غربية التي تدّعي حقوق الإنسان من أجل إنهاء هذه الأزمة.
ختاماً إن مستقبل الأمم المتحدة بات مهدداً اليوم، وذلك بسبب تحوّلها إلى حلبة مصارعة بين الدول الكبرى من جهة، وتغلغل البيروقراطية بداخلها من جهة ثانية، بالإضافة إلى عدم احترام الكثيرين لميثاقها وأهدافها يضع العمل الجماعي الدولي على المحك.

قد يعجبك ايضا