الأدبيات الدبلوماسية في حقبة ترامب

 

عواصم/وكالات
يُقال إنه “بين الجنون والذكاء شعرة واحدة”، أما في حالة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب فهناك الكثير، فهو يمثل كلمة “مجنون” أو “Crazy” باللغة الإنجليزية بكل ما للكلمة من معنى، فمنذ صغره كان يتصف بالجنون حتى أنه طُرِد من المدرسة بسبب سلوكياته الإشكالية وهو في سن الثالثة عشرة، ليلتحق بالأكاديمية العسكرية في نيويورك، رغبةً من أهله في توجيه طاقته المفرطة إلى منحى إيجابي، ليُكمل دراسته ويلتحق بكلية وارتون في جامعة بنسلفانيا.
أسلوب ترامب الهجومي العدائي ظهر للعلن منذ حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية، حين بدأ بالهجوم على من كان يحاول انتقاده كـ “السيناتور الجمهوري المتوفى حديثاً جون ماكين” الذي وصف المجتمعين في أحد حشود ترامب بـ “حفنة من المجانين”، ليرُد عليه ترامب في تغريدة وصفه فيها بـ “الغبي الذي كان الأخير في صفه”، وعند سؤاله إذا كان يليق بمرشح رئاسي أن يصف بطل حرب مثل ماكين بالغبي، رد ترامب: “إنه ليس بطل حرب لأنه تعرّض للأسر، أنا أُحب الذين لم يتعرضوا للأسر”.
هذا الأسلوب أخذ يتطوّر يوماً بعد يوم خاصة خلال المناظرة العلنية بين ترامب والمرشحين عن الحزب الجمهوري، التي تبثّ مباشرة عبر الوسائل الإعلامية الأمريكية إلى جميع أنحاء العالم، مطلقاً مجموعة من التصريحات النارية التي تتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين، حيث قال إن المكسيك لا تُرسل أفضل ما عندها من المُهاجرين إلى أمريكا، بل ترسل “مجرمين بينهم مغتصبن، وأفترض أن بعض هؤلاء جيدين”، محملاً إياهم المسؤولية كذلك عن جزء من البطالة التي تعاني منها أمريكا، الأمر الذي دفع 80% من الرأي العام اللاتيني الأمريكي إلى وصف هذه التصريحات بالعدوانية، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة يونيفيجين، التي أعلن لاحقاً أنه يُقاضيها للتعويض بمبلغ 500 مليون دولار!”.
توقع البعض بعد دخول ترامب للبيت الأبيض أن يحسّن الكرسي من أسلوب كلامه، إلا أن الأمر أخذ في الازدياد أكثر وأكثر بل إن الأخطر في الموضوع أنه أثّر بشكل كبير على سياسة أمريكا الخارجية، حيث أصبحت أمريكا أكثر عدائية ووضوحاً في عهده وفي هذا السياق نذكر أمثلة عديدة:
ترامب والسعودية
حتى الحلفاء التقليديين لأمريكا في الشرق الأوسط لم يسلموا من أسلوب ترامب التحقيري التهديدي، حيث كتب في تغريدات سابقة أن “السعودية لا تملك أي شيء سوى الألسنة، التخويف.. جبناء يملكون المال، ولا يملكون الشجاعة”، كما وقال في تغريدة أخرى أن آل سعود يشكلون البقرة الحلوب لبلاده، ومتى ما جفّ ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وأعداؤها وعلى رأسهم آل سعود.
ترامب والأسد
ومن أبرز التصريحات التي لن ينساها التاريخ هي تصريحات ترامب حول الرئيس السوري بشار الأسد، حين قال إن الرئيس السوري بشار الأسد سيدفع “ثمناً باهظاً” لشنّه هجوماً دموياً بأسلحة كيماوية على مدنيين وألقى باللوم على إيران والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم “الأسد الحيوان”، هذه الكلمات تعكس أخلاق ترامب، وتبرز أيضاً أنه شخص غير متوازن في تصرفاته وأفعاله.
ترامب والسود
أيضاً، ومن بين التصريحات الترامبية التي تعكس واقعه المريض وغير العقلاني، تصريحات أطلقها خلال اجتماع له حول الهجرة في البيت الأبيض، حينما وصف دولاً إفريقية وهايتي بـ “الأوكار القذرة”، وهنا تظهر هذه التصريحات العنصرية المتغلغلة داخل الرئيس الأمريكي الذي يطلق مراراً وتكراراً عبارات كـ ” الزنجي” وغيرها من العبارات القبيحة التي تظهر عداءه للسود الأفارقة والأمريكيين حتى.
ترامب والصين
وبعد مرور سنتين على وصوله إلى البيت الأبيض، استمر ترامب في أسلوبه الهجومي التهديدي معتقداً أنه من خلاله يستطيع إخضاع أي عدو كبيراً كان أم صغيراً ككوريا الشمالية، وهذه المرة وجّه مدافعه نحو التنين الصيني، فارضاً مجموعة من الرسوم الجمركية على بعض السلع الصينية وقال ترامب في مقابلة مع شبكة “فوكس” الإخبارية: إنه “حان الوقت لاتخاذ وقفة مع الصين”، مضيفاً: “ليس لدينا خيار.. لقد انقضى وقت طويل.. إنهم يلحقون بنا الأذى”، مؤكداً أن “أمريكا أقوى من أي وقت مضى ولن تستطيع الصين الوقوف أمام عظمته”.
ترامب وروسيا
وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي قد أبدى إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أنه يصرّ على استعمال بلاده للأسلوب العدائي تجاه جميع دول العالم، وفي الحالة الروسية نرى أنه منذ وصوله إلى البيت الأبيض زاد من فرض العقوبات على موسكو، التي كان آخرها يوم أمس حين أصدر مرسوماً يأمر فيه وزارة الخزانة بالتنسيق مع وزارة الخارجية بفرض عقوبات جديدة على روسيا، ويتضمن القرار إصدار قواعد ولوائح جديدة في إطار قوانين “مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات”، و”دعم الحرية في أوكرانيا”، وفي هذا السياق أدرج ترامب في قائمة سوداء 33 مسؤولاً وكياناً قال إنهم مرتبطون بالجيش والاستخبارات في روسيا.
هذا الأسلوب انعكس بشكل واضح على أعضاء فريق ترامب، وخاصة نيكي هيلي، سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة، التي هددت أعداء الكيان الإسرائيلي بالضرب بالحذاء، في حال التصويت ضد قرار داعم لإسرائيل في مجلس الأمن، أو حينما وصفت منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بأرضية الحمام المتسخة والتي تحتاج إلى تنظيف.
ختاماً.. إن واشنطن لن تتمكن بهذه العقلية الهجومية العدائية للرئيس الأمريكي وإدارته من الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية وقد تخسر الكثير من الأصدقاء على المدى البعيد، كما هو الحال بالنسبة لخسارة ترامب لشعبيته في الداخل الأمريكي، وقد تتحول عبارة “أمريكا أولاً” والتي كانت سبباً في نجاح ترامب ووصوله إلى السلطة إلى “أمريكا آخراً” في حال لم يتم إنقاذ السياسة الأمريكية من يد “المتهور ترامب” وإعادة القليل من التوازن إليها.

قد يعجبك ايضا