السعودية من الداخل !!

أحمد يحيى الديلمي
بعد انقطاع دام أكثر من عام عاد الدفء وعادت الحرارة إلى هاتف احد الزملاء والأصدقاء من أبناء الحجاز حيث تلقيت اتصالا منه وعاتبته لان الحوار الذي دار بيننا منذ زمن انقطع فجأة ولم اعرف السبب ، لكنه سرعان ما بدد الهواجس وكما يقال في المثل إذا عُرف السبب بطل العجب فالزميل الذي حدثني من دولة أوربية انطلق في الحديث عن ذكر الأسباب وشرح المبررات التي أدت إلى انقطاع ما كان بيننا من حوار ، حيث قال ان الممارسات والانتهاكات الفظيعة ضد الصحفيين والكتاب والمثقفين بشكل عام والقمع وتضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير من قبل اللجنة الأمنية التابعة مباشرة لمكتب ولي العهد محمد بن سلمان ، أوقف المكالمة وقال وهو يجهش بالبكاء بقية التفاصيل سأرسلها لك عبر رسالة في الواتس آب وهاكم نص الرسالة :-

(( لا أبالغ إذا قلت ان الرؤية المزعومة وما تلاها من برنامج أصلاح ومحاربة للفساد تحول إلى أعظم كارثة في حياة شعبنا المظلوم إعمال الاعتقالات التعسفية والقمع والتنكيل طالت كل الفئات والمكونات الاجتماعية لم تستثن احداً مع ان الدولة رفعت شعارات مخملية وعدت بالرخاء والانفتاح بعيداً عن لاءات التحريم وبلطجة دهاقنة المؤسسة الدينية ، واستبشرنا خيرا لأنه أصبح بإمكاننا انتقاد رجال الدين وفضح ممارساتهم التعسفية باسم الدين بما مثلته من إجحاف وتأمر على منهج العقيدة ذاته عبر تصوير الدين بأنه كابح للحريات وعدو لدود للحداثة والهوية الثقافية ازددنا أملا وثقة بالمستقبل عندما سمعنا ولي العهد ينتقد رجال الدين ويعتبر الوهابية أساس التخلف ومصدر الجمود والانغلاق نفس الخطاب التهكمي المستهدف للفكر الوهابي صدر عن أشخاص ينتمون إلى المؤسسة الدينية ، اتسع نفس الخطاب ووصل إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ومنابر المساجد الكل في سباق لإعلان البراءة من الوهابية بشكل لافت أشاع التفاؤل في النفوس خاصة بعد الخطوات العملية التي تمثلت بتحقيق حلم المرأة المزمن والسماح لها بقيادة السيارة واستضافة فنانين عرب وأجانب والسماح لهم بإقامة حفلات غنائية فتح المجال أمام إقامة دور عرض للسينما إلى غير ذلك من التحولات غير المسبوقة في حياة الناس.
من أهم المؤشرات الايجابية في هذا الجانب ان الشعب أصبح على درجة عالية من الوعي فأستطاع بتلقائية أن يُدرك بأن ما يجري مجرد زوبعة في فنجان وأن نوايا النظام الحقيقية معروفة وإنها لا تعدو كونها فقاعات بائسة لاستهداف الخصوم وتقليم أظافر من يرفع صوته وأخيرا وهو الأهم الظفر برضى ما يسمى العالم الحر ومنها أوروبا وأمريكا هذا الكلام صار حديث الشارع ، وورد في مئات الآلاف من التغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ما أفزع النظام وأثار حفيظة مؤسسة الحكم أن عددا كبيرا من التغريدات اظهر حسرة كبيرة على الثمن الباهظ الذي دفعته السعودية ، اضافة الى الحديث عن نفاق أمريكا والغرب لان مجرد حصولها على المال جعلها تتغاضى تماما عن ممارسات النظام السعودي وتناست الثوابت التي تدعي الدفاع عنها ومنها حرية التعبير ، هذه التغريدات أثارت حفيظة النظام ومن ثم توالت التداعيات الخطيرة ومنها فرض رقابة محكمة على نوافذ التعبير بما في ذلك الاتصالات الهاتفية وكل وسائل التواصل الاجتماعي وهذا كان سبب انقطاع الاتصالات ، أحد الزملاء غاب وانقطعت أخباره لمجرد انه استشهد في تغريده له  بشعر لأديب اليمن البردوني ، وآخر طلب ان يصل عطاء مركز سلمان للإغاثة إلى كل اليمنيين ، تم اقتياده إلى السجن بتهمة الإرهاب بالعمالة لدولة أجنبية ، اما الصحف وقنوات البث الإذاعي والتلفزيوني فقد تحولت إلى ثكنات عسكرية ، مقص الرقيب الأمني يمر على كل صغيرة وكبيرة ، هذا هو حالنا يا أخي في مملكة الموت بدعوى ان الدولة تتعرض للعدوان ، ومحاولات إيرانية لإسقاط النظام المبرر الأخير أصبح موضعا للسخرية والتندر من اغلب المواطنين وهو ما يجعل النظام وأجهزة الاستخبارات والأمن في حالة استنفار ولهذا انقطع حوارنا مع انه اتسم بالجدية والتمهيد لدور محوري تقوم به الشعوب يزيل الحواجز النفسية التي صنعتها الأنظمة داخل كل إنسان وهي أساس التوتر ومبعث إثارة الضغائن وإشعال الحروب التي لا يستفيد منها إلا الأعداء وتجار الحروب المنتفعون بها .
أنا الآن خارج المملكة والأمل ان نعود إلى نفس الحوار للإسهام في يقظة شعوبنا وتفعيل القواسم المشتركة كأمة واحدة في العقيدة والجغرافيا والتاريخ واللغة ، لا يجب ان تسحقنا رغبات الحكام المريضة وأن نُحيي مشاعر الأخوة في النفوس والى رسالة أخرى ….
شكراً للزميل والصديق العزيز وأتمنى له وبقية الزملاء في داخل السعودية المظلم السلامة والظفر بنصر مبين للخلاص من جبروت وطغيان هذا النظام الموغل في التوحش والفساد ، وأطمئنه أننا في اليمن نكن لجيراننا وأشقائنا في نجد والحجاز كل الحب والود وأننا نؤمن بالثوابت الجامعة التي تحدث عنها وأنها تعتمل في نفوسنا لا مجرد شعارات للتباهي والبهرجة لكنها اختيارات حتمية ومرتكزات مقدسة من الصعب التفريط بها او التنازل عنها ، وهي للآسف احد أسباب ما نواجهه من عدوان همجي سافر وما نلاقيه من انتهاكات صارخة لكل مبادئ الإنسانية وانتهاك للقوانين الدولية ، وان شاء الله يستمر تواصلنا مع بقية الزملاء لكي نكون نحن الشعوب المغلوبة على أمرها مرتكزات أساسية للحوار وتجاوز الأزمات الصعبة التي يصنعها الحكام ..

قد يعجبك ايضا