فتى الحجارة وأصحاب الكهف

 

أمل المطهر

عاد إلينا لفترة وجيزة ليكون آية من الله لنا وحجة ملقاة علينا.
رغم أنه كان على وشك الارتقاء في معركة الحجارة إلا أن الشهادة اقتربت منه هامسة في أذنه:(ليس الآن مازال أمامك مهمة أخيرة ).
(أبو قاصف) قصة من قصص كثيرة سمعنا عنها منذ بداية العدوان عن شدة وبأس وإيمان ووعي المجاهدين في ساحات البطولة والكرامة.
لكن هنا وفي هذا المقام تغيرت بعض الأحداث واختلف الأمر .
فنحن أعتدنا أن نرى وجوه أولئك الأبطال على شاشات التلفاز ونسمع وصاياهم المسجلة قبل ارتقائهم ورحيلهم إلى السماء.
نسمع عنهم وعن حكاياتهم وبطولاتهم وآيات الله وتأييده من ذويهم أو رفاق دربهم الجهادي .
لكن حكاية (ابوقاصف) هو من عاد ليحكيها ويسرد وقائعها خطوة بخطوة عاد لحكمة إلهية عظيمة وليكن آية للناس.
كانت عودته إلينا كعودة أصحاب الكهف وصحوتهم من نومتهم الطويلة داخل الكهف، فأصحاب الكهف حظوا بالعناية الإلهية والتأييد قبل نومتهم وهم نائمون أيضا في كهفهم وكانوا معجزة ذلك الزمان .
وفتى الحجارة حظي بذلك الدعم والتأييد وهو في ساحات الجهاد وهو يضرب عدوه بيديه المجردتين إلا من الحجارة في مقابل ترسانات بشرية وحديدية فأرعبهم وقذف في قلوبهم الرعب كما حصل مع أصحاب الكهف حينما أرعبوا عدوهم وهم نيام بقوة الله وبأسه.
وكما عاد أصحاب الكهف وتبارك بهم القوم، والتفوا حولهم ليسمعوا قصتهم وما جرى معهم وهم يقارعون ظلمة عصرهم ويجاهدون في سبيل الله، عادوا وكان لعودتهم أثرها في النفوس ليتيقن من في قلوبهم شك أو ريب تجاه قوة الله وتأييده لأوليائه.
وكانت كذلك عودة (ابو قاصف) ليحكي لنا بصمته قبل حديثه عن تأييد الله له ومنحه الغلبة والتمكين على عدوه، فبمجرد النظر إليه، وهو بذلك الجسد النحيل والوجه المضيء بنور الإيمان المرهق من تضاريس المكان ترى أنه آية الله في عصره ليضعنا أمام عيوبنا ويقيم علينا الحجة ويحملنا المسؤولية ويرحل إلى من تعلق بهم وتعلقوا به .
كان من فتية الكهف الذين علموا قومهم دروساً ورسموا لهم منهجية عظيمة لمواجهة اعدائهم .
عاد ليقول لنا لا تنظروا إلى العدو ولا إلى ما يملكه، بل أنظروا إلى أنفسكم هل ارتقت بوعيها وإيمانها لتكونوا بمستوى أن تمنحوا التأييد من الله والتمكين والغلبة على عدوكم .
عاد ليقول لنا يجب أن تملأوا قلوبكم حبا لله وثقة به وبنصره ولا تلتفتوا لضجيج العدو ولا تخافوا من مكره وكيده كي تكملوا طريقكم في معركة التحرر من قوى الاستكبار الاستكبار .
عاد فتى الحجارة ليقدم لنا دروسا عظيمة في كيفية الثبات وعدم اليأس وإن كنا في اصعب المواقف وأحرجها، فكما تغلب هو على ترسانات العدو وجيشه بحجارة جعلها الله أشد عليهم من الصواريخ، فسيحصل نفس الشيء معنا في كل تحرك نتحركه في طريق جهادنا المقدس ضد أعداء الله، لكن لن يكون لنا ذلك إلا إن كنا مثل ابو قاصف بروحيته وإخلاصه وقوة إيمانه وثباته وتحديه لكل الصعاب للوصول إلى هدفه وغايته.
فهل سنفهم هذه الدروس ونستوعبها جيدا ?
هل سنضع تلك الآية وتلك المحطة الإلهية أمامنا لنسير على منهجيتها في تحركنا?
هل سنصبح بوعيه العالي الذي جعل منه أسطورة سنظل نحكيها وتحكيها أجيالنا?
هل سنصنع ونزرع ونتحرك ونعد لهم العدة في كل جبهات مواجهتنا لهم؟
أم أننا سنظل مكاننا نتنازع أمرنا بيننا؟
هل سنبني عليه بنياناً أم سنبني عليه مسجدا ونسير بعيدا عن تلك الدروس العظيمة التي عاد ليقدمها لنا !!
ورحل إلى السماء حيث مستقره الطبيعي بين امراء الجنة، كما عاد أهل الكهف أيضاً بعد توضيح الغموض وإقامة الحجة وتقديم الدروس .

قد يعجبك ايضا