الزراعة في اليمن في ظل استمرار العدوان …واقع وتحديات

 

م. هلال محمد الجشاري *

إن العدوان وما ينتج عنه وما يهدف إليه ترك ثلاث قضايا محورية تركزت في خلق دمار غير مسبوق في جميع مناحي الحياة ، وزيادة في حجم تدهور الإنسان اليمني وحتى يولد لديه الإحساس بالعجز والاستسلام ، كما أن قوى التحالف عمدت من خلال استمرار العدوان على اليمن إلى استهداف الاقتصاد اليمني ، وجعل الجمهورية اليمنية منطقة تتلقى مساعدات فقط ، بهدف عرقلة مسيرة التنمية ..
والقطاع الزراعي كان له النصيب الأكبر من الدمار فإضافة إلى قصف المصانع والمنشآت والأسواق الزراعية وما نتج عنه من تلوث بيئي بشكل عام حيث استخدم العدوان جميع أنواع الأسلحة منها المحرمة دوليا بل إن بعضها تمت تجربتها لأول مرة في اليمن باتفاقات سرية مع بعض الدول المعنية بتصنيع وإنتاج الأسلحة وهذا بالطبع له آثار مستقبلية كبيرة تضر الإنسان والحيوان والنبات …فعلى سبيل المثال تسبب العدوان بتجريد التربة من خواص الإنتاج الزراعي سواء في المناطق التي تعرضت للقصف المباشر أو مناطق تساقط الأمطار والذي نتج عنه نزول أمطار ملوثة نتيجة الدخاخين الناتجة عن الحرائق وما تخلفه الصواريخ والقنابل وما شابه ذلك حيث أن التربة تحتاج لفترة زمنية طويلة لاستعادة هذه الخواص ، بالإضافة إلى تلوث مياه الآبار الزراعية والسدود والحواجز والمخزون المائي بشكل عام …فبهذا الخصوص إن أول ما يجب علينا القيام به قبل بدء اي نشاطات وبرامج هو حصر وتوثيق كل الأضرار بالجانب الزراعي بشقيه النباتي والحيواني …وبالنسبة للتربة الزراعية ومياه الآبار فأرى انه يجب على وزارة الزراعة تشكيل فرق فنية متخصصة لتحليل مياه الآبار وتحليل وفحص التربة في الأراضي الزراعية التي تتعرض للقصف بالقنابل والصواريخ من المواد المشعة ، وفي حالة افتقار المختبرات المختصة في اليمن من الإمكانات لإجراء هذه التحاليل والفحوص فعلى الجهات ذات العلاقة ان تسعى لعمل مايلزم ولو تطلب الأمر أخذ العينات المطلوبة وعمل تلك الفحوصات خارج اليمن لأنه على ضوء نتائج التحاليل والفحوصات نكون على علم بخفايا وآثار العدوان وبذلك نعري العدوان أفعاله وهمجيته ونعرف حجم الأضرار وطرق معالجتها إن أمكن كما انه نستطيع أن نبني برامج التنمية الزراعية مستقبلا مستندين إلى هذه النتائج وعمل الإصلاحات اللازمة إن أمكن وكما أريد الإشارة إلى انه لا يجب علينا التركيز على التداعيات الإنسانية والإغاثية فقط ، بل يجب النظر باتجاه تحقيق التنمية ولو بالإمكانيات البسيطة المتاحة في ظل استمرار العدوان , خصوصا في ظل توجهات الحكومة للتوسع الزراعي كخيار استراتيجي للصمود وهذا إذا أردنا ان يتجلى تفعيل دور الإرشاد الزراعي وتوعية المزارعين والمجتمع ، والعمل على زيادة نسب الاكتفاء الذاتي للمنتجات الزراعية المنتجة محلياً بالتركيز على زيادة الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني وتحسين نوعيته ومنح أولويات للمنتج الزراعي المحلي ، وتخفيض استيراد المنتجات الزراعية الطازجة أو المصنعة ، وعمل حلول لمشاكل التسويق الزراعي ، والذي يخلق دافعاً لدى المنتج اليمني لزيادة إنتاجيته وتحسين نوعية منتجه ، وتوفير البذور المحلية عالية الإنتاجية خصوصا الحبوب عبر مؤسسات الدولة الزراعية ، وتعريف المزارعين بالبدائل الممكنة من الأسمدة العضوية المحلية والمبيدات النباتية والمصنعة محليا ، كما انه من المهم تشجيع صغار المزارعين على الاستمرار في العملية الإنتاجية ، والتوسع في زراعة البن واللوز والفواكه الهامة والاقتصادية والتوقف عن التوسع في زراعة القات والبناء العمراني العشوائي خصوصا في القيعان الزراعية وخلق فرص عمل إضافية في المجال الزراعي ، لكي يسهم الجميع في دعم الأمن الغذائي بدلاً من بقائهم عالة على الدولة وعلى المنظمات ، كما أنه من المهم توجيه أنشطة الصناديق والمشاريع الزراعية والقروض الزراعية نحو تطوير الإنتاج وتوفير مدخلاته ، وتشجيع المزارعين بتوفير شبكات الري الحديثة ، وأنظمة الطاقة الشمسية لمضخات الآبار كمصدر بديل عن الديزل …إلخ كل هذا سيسهم بدعم المزارع اليمني كي يتمكن من العودة لممارسة نشاطه الزراعي وسد حاجة السوق من المنتجات الزراعية ومن اجل العمل على الحد من ارتفاع أسعار تلك المنتجات والاستيراد من الخارج ومواجهة أي أزمة اقتصادية قد تهدد البلاد في ظل استمرار العدوان .. وذلك من خلال التنمية الزراعية بكفاءة لتحقيق أهدافها ، التي تتمثل في النهوض بمستوى معيشة المزارعين ، وتحسين مستواهم الاقتصادي ، وتزويد المزارعين بالمعلومات والمعارف والخبرات حول الطرق الفنية في الإنتاج ، ومساعدة المزارعين على تحديد مشاكلهم وإيجاد الحلول المناسبة لها وتلمس احتياجاتهم … نعم البلاد تمر بعدوان وحصار جائر ولكن هذا لا يبرر التدهور الكبير الحاصل حاليا في القطاع الزراعي فالعكس صحيح المفروض ان نستفيد من هذا الحصار وعلى الجميع البحث عن بدائل ممكنة وبذل جهد أكثر لحل كل المشاكل المتعلقة بالمزارع والقطاع الزراعي كما يجب على الحكومة التوجيه بتكثيف البحث العلمي للبحث عن كل جديد واستنباط واكثار أصناف جديدة والحفاظ على الأصول الوراثية للبذور وابتكار طرق زراعة حديثة وإرشاد وتوعية المزارعين في تركيب منظومات الطاقة الشمسية وترشيد استخدام المياه والتوسع في شبكات الري ، والحد من انتشار زراعة القات ، واستصلاح الأراضي والتوعية بأخطار التوسع العمراني في الوديان والسهول الزراعية ، واستغلال مياه الإمطار وحصاد مياه السيول ….إلخ كذلك لا ننسى مرحلة ثانوية وليست أساسية نعتمد عليها ألا وهي ضرورة توجيه المنظمات والمشاريع والصناديق التوجيه السليم إلى دعم القطاع الزراعي بدلاً من أن تهدر اغلب دعمها في التدريب وبرامج بعيدة كل البعد عن التنمية والأمن الغذائي . كل هذا سوف يساهم في التخفيف من معاناة المزارعين وتجاوز هذه الأزمة والحرب والعدوان ولو بالقدر الكافي مع إمكانية تطوير وزيادة الإنتاج الزراعي وتغطية السوق المحلية وبإذن الله وبعزيمة الجميع وجهودهم وإصرارهم سوف يأتي اليوم الذي نعتمد على أنفسنا وتتصدر بلادنا قائمة التصدير بأقل التكاليف الممكنة وبالطرق العلمية الصحيحة … قال تعالى : “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” …صدق الله العظيم.
*مدير عام مكتب الزراعة والري بمحافظة ذمار

قد يعجبك ايضا