السلطة في نظام الإمام الهادي

سعاد الشامي

من منهجية الله سبحانه وتعالى في الحياة ومنذ بدء الخليقة ان كل من اصطفاهم من الأنبياء والأولياء لأداء رسالة التبليغ ما كان اختيارهم إلا على أساس خصائص بثها الله فيهم وزداهم منها دون غيرهم وهي خصائص القيادة والهداية ؛ ضمن الإعداد الإلهي الذي يؤهلهم للقيام بمسؤوليتهم العظيمة في خدمة البشرية من منطلق رحمة الله بالعباد وهو القائل :- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء-107).
وعند انحراف مسار الأمة عن منهج الرسالة السماوية بعد وفاة رسول الرحمة محمد صلوات ربي عليه وعلى آله انحرفت أيضا المفاهيم والمسميات وأصبح البشر يؤولون حقائق الأمور حسب أهوائهم بعيدا عن توجيهات الله ؛ فالسلطة مثلا أصبحت لدى روادها تشريفاً لا تكليف وغنيمة ذاتية لا مسؤولية لخدمة الناس !!
فمن يعود للتاريخ ويستقرئ الجشع الأموي بالسلطة يدرك حجم الانحراف والضلال الذي وصل إليه بنو أمية والذي من خلاله سعوا بكل مشاعر الحقد والكراهية إلى معصية الله وإقصاء العترة الطاهرة من آل النبوة من حملهم لمسؤوليتهم في هداية وخدمة أهل الأرض والتي حملوها بتوجيهات سماوية ؛ ليرتكبوا بحقهم أبشع الجرائم وبنفس أساليب وطرق اليهود في قتل الأنبياء وبدون حرمة للنبي الذي أرسله الله رحمة لهم ولم يطلب منهم جزاء ذلك إلا المودة بقرابته ؛ وكل ذلك حتى تطمس معالم الدين الجوهرية وتقام دولة الظلم والفساد وتحت مسميات إسلامية ؛ وكانت نظرة بني أمية للسلطة هي نفس نظرة إبليس التي خالف بها أوامر الله وتمرد عليه بنزعة الكبر عندما نظر إن السجود هو لآدم ولم يدرك بأن آدم ليس إلا مجرد قبلة وإن السجود في محتواه الحقيقي هو لله.
فالإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الذي ترعرع وتربى في أحضان أعلام الهدى وبدور الدجي عليهم السلام والذي اتصف منذ صغره بالقوة والشجاعة والفصاحة وغزارة العلم وسعة الإدراك ، وقد روي عن الرسول صل الله عليه وعلى آله وسلم بأنه أشار إلى اليمن وقال ” سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحيى الهادي يحيي الله به الدين ” وصدق رسول الله فقد كان الإمام الهادي عليه السلام بكل تلك الصفات العظيمة هو الشخصية القيادية والمؤهلة لإحياء دين الله وإقامة دولة العدل.
كانت نظرة الإمام الهادي عليه السلام الى السلطة منبثقة من نور الله ومنطق أعلام الهدى وأنها ليست إلا خدمة الناس لا على أساس أن يكون الناس خداما لها ؛ وأنها مسؤولية جهادية لا غنيمة مادية ؛ وتكليف ديني لا تشريف دنيوي ؛ وعلى هذا الأساس انطلق من مدينة صعدة عاصمة دولته في إرساء مبادئ الحكم العادل وجمع كلمة اهل اليمن على مبدأ الوحدة الإيمانية والعدالة الاجتماعية ؛ ومعالجة مشاكلهم وإنهاء نزاعاتهم بحنكته السياسية ؛ والاهتمام بأحوالهم وتفقد معاناتهم والقرب منهم ومخالطتهم في مجالسهم ومناسباتهم في أسمى صور العلاقات المقدسة بين الراعي والرعية وهو القائل “لوددت أن الله أصلح هذه الأمة وإني جعت يوما وشبعت يوما”.
كان الإمام الهادي سلام الله عليه وما زال النموذج الراقي والمتميز للقيادة الحكيمة فهو القائد والحاكم الذي نجح في إقامة دولة عظيمة تمتد من نجران شمالا إلى عدن جنوبا تتمتع بكل مقومات القوة و النهوض الحضاري ؛ برغم كل تلك الصعوبات والمواجهات التي كانت تعصف به أثناء مشوار حكمه من قبل القرامطة الأشرار والذين كانوا يسعون في اليمن فسادا وفجورا.
تمر السنون وتمضي القرون ويبقى الامام الهادي رمزا للحاكم العادل الذي افنى عمره في سبيل إعلاء كلمة الحق ونصرة المستضعفين وخدمة الناس ولم يدخر لنفسه فيها درهما ولا دينارا .

قد يعجبك ايضا