ما بعد الدعوة لوقف حرب اليمن: مسار سياسي شاقّ وطويل

الثورة نت|..

حذّرت منظمة الـ«يونيسف» أمس من أن اليمن «بات جحيماً حياً لكل طفل»

لا يمكن وصف الهجوم الحالي على مدينة الحديدة سوى بأنه عبثي، ولا يرتكز على أي مبررات سياسية أو ميدانية. ليس الأمر مرتبطاً فقط بالموقف الأميركي الأخير الداعي إلى وقف الحرب على اليمن، بل أيضاً بالسدّ المنيع المتمثّل في خطّ الدفاع الذي أقامه الجيش اليمني واللجان الشعبية على تخوم المدينة. تأتي الهجمات الأخيرة بعد أكثر من أربعة أشهر من الإخفاق المتكرّر، الذي أثبت أن العمليات العسكرية استنفدت نفسها، ولم يعد بالإمكان تحقيق إنجازات بواسطتها. أما الدافع للعمليات الراهنة، فهو محاولة استغلال الوقت الضائع قبل بدء المفاوضات السياسية. تشعر كلّ من الرياض وأبو ظبي بالحاجة إلى التعويض عن فشلهما على الصعد كافة، عبر السعي للاستيلاء على مواقع متقدمة على الساحل الغربي، لا سيما ميناء الحديدة، والتحكّم بالمنفذ الرئيس لإيصال الإمدادات لأكثر من ثلاثة أرباع الشعب اليمني في الشمال والوسط، وحرمان «أنصار الله» من موقع بحري مطلّ على البحر الأحمر. مسعى تبدو في خلفيته الخشية من أن تتحوّل دعوة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، إلى الحكم الذاتي، إلى «مرجعية» للتسوية السياسية، مع ما يعنيه الأمر من اعتراف بحضور «أنصار الله» وقوتها وحيازتها موقعاً جيو – سياسياً في الإقليم. على أن دوافع الهجمات الأخيرة على الحديدة ليست مقتصرة على مصالح «التحالف»، بل هي خليط من تخوّف الرياض وأبو ظبي الحقيقي من الهزيمة أمام «أنصار الله» وأثرها المدوي عليهما، واعتبارات محلية متّصلة بالقوى اليمنية الموالية لـ«التحالف»، والتي تخشى أن تأتي التسوية على وجودها ودورها، بعدما أنعشتها تجارة الحرب طيلة السنوات الماضية.

تثبيت معادلة الصمود يتطلّب نَفَساً طويلاً وحنكة سياسية

لا شكّ في أن الدعوة الأميركية إلى وقف الحرب على اليمن ـــ على فرض جدّيتها ـــ هي إقرار بالمعادلة التي فرضها الصمود الأسطوري للشعب اليمني. إقرار سيتبعه طريق سياسي تفاوضي طويل وصعب، بهدف تثبيت تلك المعادلة. وهذا يتطلّب نَفَساً طويلاً وحنكة سياسية، لأن الجولة التفاوضية المقبلة ستتخلّلها مناورات ومحاولات خداع، وإغراءات بإعادة الإعمار وتحسين الوضع الإنساني، ورهن الأمرين بالتنازلات السياسية على أمل إفراغ معادلة الصمود من مضمونها، وتحقيق إنجازات بالسياسة عجز العدوان عن تحقيقها بالحرب. بمعنى آخر، لن تكون المعركة السياسية أقلّ ضراوة وشراسة من المعارك العسكرية. الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف جدية الموقف الأميركي، وما إذا كان استجابة مؤقتة لضغوط الرأي العام، لا سيما بعدما دخلت الحرب على اليمن في حسابات الانتخابات الأميركية، وأضحى على إدارة دونالد ترامب مقاربتها بطريقة مختلفة عن السابق، أم أنها تعبير عن إدراك واشنطن حجم المآزق التي أوقعت حليفتها (السعودية) نفسها فيها، من دون أن تنجح في وضع استراتيجية للخروج.
في حال ثَبُت الاحتمال الأخير، فهو يأتي مدفوعاً بواقعة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، والتي كشفت هشاشة النظام السعودي، وأظهرت أن مركب ولي العهد محمد بن سلمان مثقل بحمولة زائدة تكاد تغرق نظامه، وتدخل المصالح الأميركية والإسرائيلية في المجهول. ومن هنا، تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى تخفيف تلك الحمولة، من خلال مساعدة المملكة على وضع استراتيجية للانفكاك من الأزمات الإقليمية، وتوجيه الجهود نحو تعزيز الاستقرار الداخلي السعودي، وتوظيف ما بقي من قدرة خارجية في مصلحة المشروع الأميركي ـــ الإسرائيلي، لا سيما على مستويَي «صفقة القرن» والعقوبات ضد إيران.
على أي حال، يبقى الثابت أن واشنطن استفاقت على أزمة إنسانية كانت صورها تملأ الفضاء على مرّ الأعوام الثلاثة الماضية. ولم تكن صورة الطفلة أمل وهي تتضوّر جوعاً، ثم إعلان وفاتها بعد يومين هي الوحيدة أو اليتيمة. لقد أسمعت الأمم المتحدة العالم أن اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية على الإطلاق، كما حمّلت لجنة الخبراء التابعة لها أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الماضي «التحالف» المسؤولية عن سقوط معظم الضحايا المدنيين. ومع ذلك، لم يرفّ للإدارة الأميركية جفن. وفي كل مرة، كان يخرج الناطقون والمدراء والوزراء الأميركيون، بعد أن يتحلّلوا من مسؤولية الانتهاكات، ليجدّدوا الدعم الكامل للنظامين السعودي والإماراتي، ويؤكدوا الالتزام بالاستمرار في المشاركة الاستخباراتية واللوجستية والفنية، وتزويد الطائرات جواً بالوقود، إضافة إلى توفير الحماية السياسية اللامحدودة.

الحديدة: هجمات متواصلة لا تخترق الدفاع

تواصلت، أمس، محاولات القوات الموالية لـ«التحالف» تحقيق تقدم باتجاه مدينة الحديدة، لكن الجيش اليمني أعلن أنه تمكّن من إفشال تلك المحاولات. وأكد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، يحيى سريع، أنه تم «كسر هجمات العدو ومرتزقته، والتي تواصلت من ليلة أمس (السبت) حتى مغرب يومنا هذا (الأحد)، باتجاه كيلو 16، وباتجاه شرق وغرب مطار الحديدة، مسنودة بغطاء جوي كثيف». وأشار سريع إلى أنه «تمّت مفاجأة العدو بعمليات عسكرية نوعية ناجحة»، أسفرت خلال الساعات الـ24 الماضية عن «سقوط 215 من مقاتليه بين قتيل ومصاب، وتدمير وإعطاب 20 مدرعة وآلية عسكرية متنوعة». وشدد على أن «ما يروّج له العدو في وسائل إعلامه من انتصارات وهمية ما هو إلا تضليل إعلامي سبق أن استخدمه وثَبُت فشله». بالتوازي مع ذلك، أعلنت القوة الصاروخية في الجيش واللجان الشعبية إطلاق صاروخ باليستي من طراز «بدر1-P» على تجمع للقوات الموالية لـ«التحالف» في الساحل الغربي. وأفاد مصدر عسكري في صنعاء بأن الصاروخ «أصاب هدفه بدقة، مُخلّفاً أعداداً من القتلى والجرحى في صفوف العدو». وجاء هذا التطور بعد ساعات من إطلاق صاروخ مماثل على تجمع آخر للميليشيات المدعومة إماراتياً في الساحل الغربي أيضاً.

(الأخبار)

قد يعجبك ايضا