أين كنا .. وكيف أصبحنا …!

 

حسن سعيد الدبعي

إنه حقاً عصر السرعة .. السرعة في تقلب المبادئ وتغير المفاهيم .. على مدى العقود الستة الماضية كان الحديث عن إجراء مفاوضات مع العدو الصهيوني – مجرد الحديث – يعتبر خيانة عظمى في حق القضية القومية للأمة العربية.
واليوم نتحدث دون حياء أو خجل عن ضرورة الجلوس مع العدو على طاولة المفاوضات .. بالأمس القريب كان الجميع يطالب بالحسم العسكري لإنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين , وكان البعض يتعهد بإلقائم في البحر.. واليوم تكونت قناعات عند قيادات خليجية ترى أن السلام في الشرق الأوسط هو مفتاح حل القضية الأزلية.
بالأمس القريب لم نكن نسمع كلمة “إسرائيل” في إذاعاتنا ووسائل إعلامنا المختلفة , بل كنا نسمع العدو الصهيوني والكيان اليهودي , ولما قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بإقامة علاقات مع إسرائيل قامت الدنيا ولم تقعد وقطعت الأنظمة العربية علاقاتها بمصر وتعنترت وسائل الإعلام في التصعيد ضد مصر والكيان الصهيوني معاً .. واليوم صار من المألوف جداً أن نسمع كلمة إسرائيل , بل وأصبحنا نسمع عن رئيس وزراء إسرائيل وسفارة إسرائيل لدى…. ومندوب إسرائيل في الأمم المتحدة , وهي تعابير تدل بلا شك على انبطاح عربي واعتراف غير مباشر بهذا الكيان وبوجوده وبضغط منظور من الإدارة الأمريكية الراعية القوية لهذا الكيان الغاصب.
اليوم نقرأ مقالات كثيرة تطالب بالسلام مع الكيان الصهيوني , ويتحمس الكثير من أدعياء الوطنية وتجار الشعارات القومية واليسارية للدعوة إلى تطبيع الأوضاع في المنطقة باعتبار أن الكيان الصهيوني أصبح واقعاً يجب التعامل معه وضرورة يجب التسليم بها تحت شعار” رحم الله امرئ عرف قدر نفسه” أو شعار “اليد التي لا تقدر على كسرها بوسها” والنتيجة تصفية القضية وقلعها من جذورها وتوزيع شتات الشعب الفلسطيني .
اليوم نرى بوصلة الانبطاح قد وصلت إلى أقصى النهاية , فهناك دول تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتتوسط بين الكيان المحتل والفصائل الفلسطينية المغلوبة على أمرها على قبول هذه الفصائل لما هو حاصل , وهناك دول عربية أخرى تستقبل مسؤولين إسرائيليين في أرضها ووفوداً مختلفة التخصصات وترفع العلم الإسرائيلي في المهرجانات والاحتفالات المقامة فيها دون اي اعتبار لشعوبها او مراعاة أمة بكاملها قدمت تضحيات مادية وبشرية نصرة للشعب الفلسطيني , بل وتمادت في المشاركة بتمزيق اللحمة الفلسطينية وتوسيع الخلافات العميقة بين مكوناتها .
وآخر تقليعة لهذا الانبطاح المشؤوم ما سمعناه عن قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالشفاعة لدى الإدارة الأمريكية لتخفيف ضغوطها على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعدم الإضرار به على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا , وأكد نتنياهو أن محمد بن سلمان حليف استراتيجي لإسرائيل .. اللهم سترك مما سيأتينا في تالي الأيام من قبل الرؤساء التنابلة وشيوخ الخيام المشبعين بروح البداوة والنفاق والانهزامية والذل الرخيص.

قد يعجبك ايضا