الجهود النبوية في مكة المكرمة قبل الهجرة

 

محمد أنعم

كان نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم يقوم في مكة بدور كبير في محاولة تغيير المفاهيم المتجذرة لدى من اتبعه وآمن به في المجتمع المكي.
كانت تلك المفاهيم متوارثة في المجتمع العربي المكي منذ عشرات السنين بل مئات السنين، وجاءت رسالة الإسلام مناقضة لكثير من تلك المفاهيم، وخاصة مفهوم الاعتقاد الفاسد في الأوثان والأصنام، وأنها تنفع وتشفع عند الله، وكذلك مفهوم الحرية الشخصية المطلقة في ارتكاب المحرمات مثل الزنى وشرب الخمر ولعب الميسر والاستقسام بالأزلام ووأد البنات وغيرها من التصرفات التي جاءت الرسالة الجديدة بمنعها ووضع العقوبات المغلظة تجاهها.
ومن أهم تلك المفاهيم التي جاءت الرسالة الإسلامية لتجذيرها في المجتمع المكي هو مفهوم الأمة الواحدة التي يوالي أفرادها بعضهم البعض، ويعملون بشكل جماعي في القضايا العامة والكبرى تحت قيادة واحدة مستقلة عن الامبراطوريات الكبرى المتغطرسة التي كانت تتبعها بعض التجمعات السياسية العربية، مثل تبعية دولة الغساسنة في الشام للدولة البيزنطية في القسطنطينية، وتبعية دولة المناذرة في العراق للدولة الساسانية في فارس.
كل تلك المفاهيم كانت صعبة –وصعبة جدا- في مجتمع ضعيف متخلف مثل المجتمع المكي، قام اقتصاده على الشعائر الدينية المحرفة، وعلى سياسة عدم التدخل في أي شؤون سياسية أو أممية، والتفرغ لإدارة الحج والتكسب منه، دون أي طموح في التوسع ومواجهة الظلم والغطرسة والطغيان الذي اجتاح العالم حينذاك.
ورغم ذلك اجتهد النبي صلوات الله وسلامه عليه اجتهادا عظيما في هذا الطريق الذي أمره ربه عز وجل به، وآمنت به أقلية مستضعفة في مكة، واجهت صنوف التشويه والحصار والأذى المادي والمعنوي، ولكن القائد الرباني صلوات الله وسلامه عليه استمر في غرس تلك المفاهيم الإيجابية في الجماعة المؤمنة، واستمر على تربيتهم بشكل يومي طوال ثلاث عشرة سنة في مكة على معاني الثقة بالله عز وجل، والولاء للمؤمنين، والسعي للنهضة ونشر دين الله في كل مكان، والحرص على بناء الأمة، ورفض الموروث القديم في الشرك وعبادة الأوثان وارتكاب المحرمات.
وقد كان من أشد حرص النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله هو بناء الشخصية المسلمة المعتزة بدينها، والصابرة والصامدة على ما تواجهه من الأذى، وكان يربطهم بالله وباليوم الآخر، ويعدهم بما وعدهم الله به إن ثبتوا وتمسكوا بدينهم وهو الجنة والنعيم الدائم المقيم في الدار الآخرة، والنصر والتمكين في الدنيا بعد مرحلة من التمحيص والعناء كما جرت سنة الله في الكون.
ولقد نجح النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نجاحا باهرا في مهمته، فلم يهاجر إلى المدينة المنورة “يثرب” بعد ثلاثة عشر عاما في مكة إلا ومعه مجموعة من المؤمنين الصادقين الصابرين الذين تكاثرت أعدادهم وأمسوا آلافا مستعدين أن يتركوا ديارهم وأراضيهم وأهلهم من أجل هذه الرسالة الخالدة، ثم فتح الله عليهم بعد سنوات، فلم تمر سنوات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا والأمة الإسلامية هي أكبر امبراطورية في العالم، وقد تهاوت أمامها امبراطوريات فارس الساسانية والروم البيزنطية في الشام ومصر.
وهذا دليل على النجاح الساحق للرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه في بناء الفرد الصالح والأمة الناجحة القوية، فنتيجة العمل هي التي تدل على جودته.

قد يعجبك ايضا