اليمن وإحياء الرسالة

العلامة / سهل ابراهيم بن عقيل
ما أرسل الرحمن أو يرسلُ من رحمة تصعدُ أو تنزلُ
إلا وطه المصطفى عبـده نبيه مختارهُ المرســلُ
واسطة فيها وأصل لهـا يعلم هذا كل من يعقـلُ
الحمد لله رب العالمين الذي أصطفى سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وجعله خاتم المرسلين، وجمع في رسالته ما تفرق في كتب الأولين، بغير تحريف ولا تبديل، كلاماً واضحاً يعلمُ هذا كل من يعقلُ، وذلك حفظاً للرسالات القديمة التي حرفها الكثير من الأحبار وعلماء الديانات، فأدخلوا فيها ما ليس منها، وجاء الكتاب الكريم واضحاً ومبيناً لذلك الاختلاف، ومشيراً بأمانة وتجرد إلى ماهية الرسالات السابقة، وجعل كتابه مهيمناً، حتى يكون التصحيح والتوثيق لما جاء عن الله، لا يقبل الشك ولا الريب (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. الآية.. بمعناهُ أن هذا الذكر هو أصل وصدق الرسالات التي سبقتهُ، في كتاب مكنون وفي لوح محفوظ، كما جاء عن الله … (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) الآية.. هنا إشارة إلى أن الرسالات واحدة، وإن كانت قوانينها وفروضها تختلف من رسالة إلى أخرى، وذلك حسب حاجة الإنسان في التطور البشري والإنساني..
وأمر المؤمنين بحفظ ذلك والالتزام به في التجديد لهذه الرسالات بالرسالة المحمدية ليضع عن البشرية إصرهم والأغلال التي كانت عليهم… ( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى) وهذا… لمن كان له قلبٌ وألقى السمع وهو شهيد…
وإن في سورة المدثر: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر قمْ فَأَنذِرْ) .. قم فأنذر أمرٌ له ( صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) لينذر البشرية أنها إن لم تستجب لرسالته فعليهم إصرهم وأصر من تبعهم حتى يوم القيامة … (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) أي أن الفسحة إلى أن ينفخ في الصور النفخة الأولى، فيموت من في السماوات ومن في الأرض، إلا من أراد الرحمن بقاءه، وذلك يوم مشهود، ثم تأتي النفخة الثانية للقيام والحياة.. وهنا لا ينفع نفس لم تكن آمنت بما جاء في القرآن منذ أن قال الله لنبيه محمد : ( قم فأنذر)..
وهنا، إذا رأينا في التاريخ منذ البعثة المحمدية إلى يومنا هذا صدق قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ( بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ).. الحديث أو معناه..
وهنا، بعد انتشار الرسالة المحمدية إلى حيث يصل الحافر، حيث قالها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لعمه أبي طالب عندما جاء المشركون ليساوموه على دم المصطفى وإيقاف رسالته والتمسك بآلهتهم، وإلا فهي الحرب والمقاطعة، وقد حقق الله قول نبيه محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( لا تزال فرقة من أمتي قائمة على الحق وإن خالفها الناس) الحديث أو معناه ( في حديث الإثنين وسبعين فرقة).
وإنا نرى في هذا الحديث وفي هذه الأقوال المتوافرة ما يشير إلى ما نحن فيه الآن، فقد تجمعت الأمم علينا من شرقها وغربها والمنظمات التخريبية ليخمدوا هذه الشعلة (الثورة الشعبية)، (وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ)، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ)، وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( الإيمان يمان والحكمة يمانية وإني لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن) .. وهذه إشارة واضحة (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).. ( والنَّفسُ)… كلمة واحدة لها مدلولان الإحياء والإماته.. (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا)، (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
الرحمــن
الرحمن من أسماء الله الحسنى ومن أسمائه الحسنى الحي القيوم وهو الذي لا يموت وهو الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء، فإذا عرفنا المعنى في هذا الشيء بقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( وإني لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن)ً، إذاً أنه مهما تخلى الناس عن الاسلام في كل أنحاء المعمورة، فأنه يبقى متجذراً عميقاً إلى يوم القيامة في هذا البلد الطيب (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) وهي اليمن، وكفى بها من إشارة وشهادة هي من شهادة الله عز وجل خالق الخلق جميعاً أنها ثابتة وأنها حق، وإن ثورتنا هذه هي من نفس الرحمن الذي لا يموت، والميت لا يتنفس كما هو معلوم بالحقيقة، فالرحمن حي باق.
( إن الذين يسارعون في الكفر بعد الإيمان)
قد فضحهم الله في كل دعواهم من أول أمرهم إلى آخره فأدخلوا اليهود والنصارى إلى بيت الله الحرام مكة المكرمة وإلى المسجد النبوي وإلى بيت المقدس وإلى المسجد الإبراهيمي، كما نشاهد كل يوم. رغم أنهم يُلبسون الباطل بالحق في دعواهم تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:( والله لو أن أحدكم يعمل عملاً في صخرة صماء ليس لها كوة – فتحة – لا يعلم به أحد من الناس إلا خرج عمله إلى الناس إن خيراً فخير أو شراً فشرً).. وهذا يكفي.
فقد ظهروا على العالم بحقيقتهم بأنهم أشد كفراً ونفاقاً من اليهود وذلك تصديقاً وتوضيحاً للرسالة المحمدية على صاحبها وآله الطيبين الطاهرين أفضل الصلاة والسلام..

* مفتي محافظة تعـــز

قد يعجبك ايضا