ريتشارد هاس: الحقيقة المزعجة حول السعودية

 

سلّط فيلم وثائقي بعنوان “حقيقة مزعجة” في 2006م، الضوء على جهود نائب الرئيس الأمريكي السابق “آل غور” لتنبيه زملائه الأمريكيين إلى مخاطر الاحترار العالمي، وما جعل الحقيقة “مزعجة” هو أن تجنب التغير المناخي الكارثي يستوجب من الناس العيش بشكل مختلف، وفي بعض الحالات، التخلي عما يحبون (مثل السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود).
ومنذ حوالي شهرين، كنا جميعاً نعيش مع حقيقة مزعجة أخرى، منذ أن اختفى “جمال خاشقجي”، وهو صحفي سعودي يعمل في صحيفة “واشنطن بوست” ويعيش في الولايات المتحدة، بعد دخوله قنصلية السعودية في إسطنبول.
هناك جزء كبير من الحقيقة لا يمكن إنكاره، فقد قتل “خاشقجي” من قبل أفراد تربطهم صلات وثيقة بالحكومة السعودية وحاكمها الفعلي، ولي العهد “محمد بن سلمان”، فيما لم تؤدِّ أسابيع من الإنكار والأكاذيب الرسمية السعودية إلا إلى تعزيز الاستنتاج بأن القتل كان مُخططاً له وتمت الموافقة عليه من مستويات عليا.
ورغم وجود دور مباشر لـ”محمد بن سلمان” في العملية، قد لا يكون مثبتًا بنسبة 100% ، فإن معظم المراقبين المطلعين على الشأن السعودي ليس لديهم أدنى شك، خاصة في ظل نظام لا يتسامح مع الكثير من العمل الحر.
وما يجعل الحقيقة غير مريحة هي أهمية المملكة الاستراتيجية، فلا تزال المملكة تمثل أكثر من 10% من إنتاج النفط العالمي، كما أن صندوق الثروة السيادية لديها يتربع على ما يقدر بـ 500 مليار دولار من النقد،
والسعودية هي أكثر الدول العربية السُنية نفوذاً، وهي تلعب دوراً خاصاً في العالم الإسلامي، بسبب موقعها كحارس لأقدس المواقع الإسلامية، ويعد الدور السعودي محوريا لأي سياسة لمواجهة إيران.
علاوة على ذلك، فإن “بن سلمان”، على الرغم من كل عيوبه، لديه جانب إصلاحي، وهو يفهم أن بلاده يجب أن تنفتح وتتنوع إذا أريد لها أن تزدهر وأن تستمر العائلة المالكة، كما أنه يتمتع بشعبية نسبية في وطنه، خاصة لدى الشباب السعودي، الذين يشكلون الجزء الأكبر من السكان.
المشكلة هي أن أخطاء ولي العهد الشاب والمندفع كثيرة، فبالإضافة إلى دوره في قتل “خاشقجي”، فإنه كان من أمر بتهور بالهجوم السعودي على اليمن، مما أشعل حرباً لبلاده تماثل حرب الولايات المتحدة في فيتنام تحولت إلى كارثة استراتيجية وإنسانية.
كما أنه اختطف رئيس الوزراء اللبناني، وفعل كل ما في وسعه لتقويض قطر، واعتقل السعوديين الأثرياء الذين رفضوا سعيه لتوطيد سلطته، وجمّد العلاقات الدبلوماسية مع كندا بسبب تغريدة ناقدة، وسجن الناشطين السياسيين، بمن فيهم النساء اللواتي يبحثن عن حقوق أكبر.
وتبدو الاستراتيجية السعودية للتعامل مع الاحتجاج على مقتل “خاشقجي” واضحة: أن تكمن وتنتظر مرور العاصفة.
ويقدّر “بن سلمان” ودائرته الداخلية أن غضب العالم سيتلاشى، بالنظر لأهمية بلدهم، ولديه سبب وجيه للاعتقاد بأن الدول العربية السنية الأخرى ستقف بجانبه، نظراً للإعانات التي يقدمها.
وقد أشارت (إسرائيل) أيضاً إلى دعمها لـ “بن سلمان”، بسبب استعداده للتحرك في اتجاه تطبيع العلاقات، والأهم من ذلك، الاهتمام المشترك بين البلدين في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، كما أن إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تقف إلى جانب رجلها، وترفض حتى الآن الاعتراف بدوره في قتل “خاشقجي” وتقاوم الدعوات لفرض عقوبات على المملكة العربية السعودية.
ما الذي ينبغي القيام به إذن؟ رسم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “جيمس بيكر” في الآونة الأخيرة سياسة موازية للسياسة الأمريكية تجاه الصين في عام 1989م، في وقت مذبحة الطلاب في ميدان تيانانمين في بكين.
فقد عملت إدارة “جورج بوش” (التي كنت جزءًا منها) جاهدة لإيجاد التوازن بين المصالح المتصارعة: إدخال عقوبات للتعبير عن عدم الرضا عن الحكومة الصينية، ولكن مع الحد من العقوبات والحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة، نظرًا لأهمية الصين، فهل ستكون سياسة مماثلة تجاه السعودية قابلة للتطبيق؟
ومن الناحية المثالية، فإن الحكومات الأمريكية والأوروبية عليها أن تجعل من الواضح أنها ستكون أكثر انفتاحًا للعمل مع السعودية إذا تم تقليص سلطة ولي العهد، ويجب أيضا أن يتم وضع حدود لمبيعات الأسلحة الأمريكية والدعم الاستخباراتي، وهي قيود من المرجح أن يفرضها الكونجرس لحسن الحظ.
ولكن الأهم من أي عقوبة هو زيادة الضغط العام والخاص على “بن سلمان” فيما يتعلق بما هو مطلوب وما يجب تجنبه، ما نحتاجه هو دفع منسق لإنهاء الصراع في اليمن، وما يجب تجنبه هو استغلال عداوة إدارة “ترامب” لإيران لإثارة مواجهة مسلحة من شأنها أن تجبر الآخرين على الانحياز إلى السعودية.
وستكون الحرب مع إيران مكلفة وخطيرة، ويجب أن يفهم “بن سلمان” أن الولايات المتحدة ستكون شريكاً استراتيجياً للمملكة العربية السعودية فقط إذا صار يتصرف بانضباط أكبر في اليمن وفي أماكن أخرى، ومع احترام أكبر للمصالح الأمريكية.
كما ينبغي إجراء مشاورات مع الصين وروسيا، اللتين هما – على خلاف الولايات المتحدة – لهما علاقات عمل مع السعودية وإيران، الأمر الذي يمنح كليهما مصلحة في منع مثل هذه الحرب من الانطلاق وإنهائها بسرعة إذا حدث ذلك.
وفي أغلب الأحيان في الشرق الأوسط، يصبح الوضع السيئ أكثر سوءا، وقد خلق “بن سلمان” وضعاً سيئاً، ويجب أن يكون الهدف هو وضع حدود كافية حتى لا يصبح الأمر أسوأ.
** الكاتب دبلوماسي أمريكي سابق ورئيس مجلس العلاقات الخارجية

قد يعجبك ايضا