علي محسن.. أسطورة الكرة اليمنية

 

القاهرة/ جمال عبدالحميد
تحل في السادس والعشرين من نوفمبر الجاري الذكرى الخامسة والعشرين لوفاة علي محسن المريسي لاعب القرن وأسطورة كرة القدم اليمنية والذي توفي في 26 نوفمبر عام 1993م الذي تألق في نادي الزمالك إحدى قلاع كرة القدم المصرية في عقد الستينيات من القرن المنصرم والذي كان واحدا من أهم وابرز عناصر الفريق الأبيض حيث كان له دور كبير في تحقيق الكثير من البطولات للقلعة البيضاء.
علي محسن هو علامة مضيئة في تاريخ الرياضة اليمنية والعربية فقد كان أول لاعب يمثل اليمن خارجياً محترفاً بنادي الزمالك المصري وهو اللاعب الوحيد الذي لعب لمنتخب مصر في مباراة ودية مع أنه لا يحمل الجنسية المصرية التي اعتذر عن قبولها بسبب حبه وولائه لليمن، وهو اللاعب العربي الوحيد الذي تم علاجه في بريطانيا بأمر من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رئيس مصر، على نفقته الخاصة، خاض تجربة التدريب مع المنتخب اليمني، وقد سمي باسمه أكبر ملعب في العاصمة صنعاء (ملعب المريسي)، حقاً هو نجم لا ينسى من الذاكرة الرياضية اليمنية والمصرية، بقدراته الفنية العالية وموهبته الكروية الفذة.
ولد علي محسن المريسى في السادس عشر من سبتمبر عام 1940م في بروسلى أحد الأحياء الشعبية في منطقة التواهي في مدينة عدن جنوب اليمن وينتمي علي محسن إلى قبيلة مريس حيث كان جده هو شيخ القبيلة وكان والده يعمل في شركة فورد للسيارات بالولايات المتحدة الأمريكية وبدأ ممارسة كرة القدم في سن صغيرة مع اقرانه في الشوارع والأراضي الفضاء في عدن ودرس علي محسن الابتدائية في مدارس التواهي بعدن، ثم انضم إلى نادي الغزال بعدن الذي حمل لاحقاً اسم نادي الشعب ثم الميناء قبل أن يذهب للدراسة في مصر عام 1950م، وذلك بناء على رغبة والده حيث عاش في منطقة الدقي ولعب كرة القدم في حواريها وشوارعها ولفت إليه الأنظار من خلال لعبه الكرة بشكل متواصل والتحق بمدرسة الدوبارة الإعدادية ومنها إلى مدرسة الثانوية الإبراهيمية والتي انضم إلى فريقها الكروي والذي شهد تألقه وتم اختياره أفضل لاعب في البطولة الكروية على مستوى المدارس الثانوية في القاهرة والجيزة فكرمته الثانوية الإبراهيمية بصرف راتب شهري قدره عشرة جنيهات مع منحه حق السكن في سكنها الداخلي.
اكتشفه مدرب الزمالك محمود قنديل، وهو صاحب الفضل في تقديمه للساحة الرياضية المصرية والعربية، ولعب دوراً كبيراً في تشجيعه، حيث شاهده وهو يلعب في بطوله المدارس الثانوية، وضمه إلى نادي الزمالك سنة 1956م لينضم علي محسن إلى صفوف الناشئين بالقلعة البيضاء ولعب في مركز الجناح الأيمن بعيدا عن مركز قلب الدفاع الذي كان يلعب فيه في اليمن وكانت أولى مبارياته أمام ناشئي النادي الأهلي وبعد تألقه في صفوف الناشئين ضمه ايفان المدير الفني لنادي الزمالك في ذلك الوقت إلى صفوف الفريق الأول الذي كان يضم العملاقة الكبار أمثال رأفت عطية وشريف الفار وسمير قطب وعصام بهيج ونور الدالي وعلاء الحامولي وذلك موسم 1958 / 1959م وكان علي محسن في الثامنة عشرة من عمرة وسجل النجم الصغير أول أهدافه في مسابقة الدوري في مرمى نادي طنطا في الأسبوع الأخير من عمر المسابقة عندما فاز الزمالك بثلاثة أهداف مقابل هدفين وجاء نادي الزمالك في المركز الثاني خلف النادي الأهلي الفائز بلقب بطولة الدوري وشهدت بطولة كاس مصر موسم 1958 / 1959م بداية التألق والنجومية لعلي محسن حيث استطاع أن يقود الفريق الأبيض للفوز بلقب كأس مصر بعد أن تغلب في المباراة النهائية على منافسه التقليدي النادي الأهلي بهدفين مقابل هدف واحد على ملعب الترسانة وقد سجل علي محسن هدفاً من هدفي الفوز الزملكاوي.
في موسم 1959 / 1960م شارك النجم اليمني المتألق علي محسن مع نجوم القلعة البيضاء الكبار في تذوق نادي الزمالك طعم بطوله الدوري لأول مرة في تاريخه بعد مرور 9 مواسم من عمر المسابقة وفاز الزمالك باللقب بعد صراع ومنافسة قوية من شواكيش الترسانة ولم يكتف أصحاب القميص الأبيض بالدوري بل فازوا أيضا ببطولة كأس مصر بعد الفوز في نهائي الكأس على النادي الأولمبي السكندري بثلاثة أهداف مقابل هدفين وسجل علي محسن هدفين من أهداف فريقه الثلاثة ليجمع الزمالك بين الدوري والكأس وهي المرة الأولى التي يجمع فيها الفريق الأبيض بين البطولتين.
بلغ علي محسن ذروة تألقه الكروي في موسم 1960 / 1961م عندما حقق لقب هداف الدوري المصري برصيد 15 هدفاً حسب موقع شبكة الكرة المصرية بينما تشير صحيفة الأهرام إلى أن علي محسن فاز بلقب الهداف برصيد 16 هدفاً وجاءت أهداف نجم الزمالك في مرمى المصري 2 وفي اتحاد السويس 2 ( تقول صحيفة الأهرام 3 أهداف) وفي طنطا 2 وفي القناة 1 وفي المصري 1 وفي طنطا 2 وفي الأهلي 1 وفي الاولمبي 3 وفي الترسانة 1 ومن أشهر المباريات التي خاضها علي محسن في هذا الموسم الذي خسر فريق الزمالك خلاله لقب بطولة الدوري لقاء قمة الكرة المصرية والعربية الأهلي والزمالك الذي أقيم في الأسبوع الرابع عشر من عمر المسابقة الذي تفوق فيه نجوم القبيلة البيضاء على الشياطين الحمر بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد وكانت هذه هي أول هزيمة للنادي الأهلي في ذاك الموسم وكان النجم علي محسن قد افتتح أهداف فريقه في هذه المباراة في الدقيقة الأولى عندما تخطى فؤاد أبو غيدة مدافع الأهلي بمهارة كبيرة وأرسل صاروخا أرض جو هز شباك حارس الأهلي الكبير مروان كنفاني حيث كان علي محسن يتميز بالتسديدات القوية والمحكمة التي كانت تسبب قلقا وتوترا للمدافعين وحراس المرمى.
وبعد تألق علي محسن الكبير وظهوره بشكل أكثر من رائع طالب الشارع الرياضي المصري بمنحه الجنسية المصرية لكنه رفضها معتذرا بتمسكه بجنسيته اليمنية وبسبب حبه وولائه لليمن رغم عدم حصوله على الجنسية المصرية، إلا أن موهبة ومهارة وأسلوب علي محسن في اللعب أجبرت مدرب منتخب مصر بال تيتكوس على ضمه لصفوف الفراعنة في لقاء المجر الودي الذي أقيم يوم 17 فبراير 1961م والذي خسره الفريق المصري بهدفين نظيفين.
في موسم 1963 / 1964م حصل نادي الزمالك على لقب بطولة الدوري للمرة الثانية في تاريخه حيث ثأر من جاره نادي الترسانة الذي حرمه من الفوز باللقب في موسم 1962 / 1963م وخرجت جماهير القبيلة البيضاء تهتف لأول مرة هتافها الذي أصبح الأشهر (يا زمالك يا مدرسة … لعب وفن وهندسة) وذلك بفضل كتيبة من النجوم الأفذاذ يأتي على رأسهم ابن اليمن علي محسن الذي صال وجال في ذلك الموسم وأحرز 7 أهداف لفريقه ساهم بها في فوز فريقه باللقب ومن أشهر الأهداف التي سجلها علي محسن في هذا الموسم هدفه في مرمى نادي البحرية عندما راوغ أكثر من مدافع ووضع الكرة في الشباك مسجلا هدفا ولا أروع ومن الذكريات الطريفة التي لا تنسى في هذا الموسم أيضا عندما التقى نادي الزمالك مع نادي طنطا في الأسبوع العشرين وفاز الفريق الأبيض بهدفين سجلهما علي محسن كانا السبب في هبوط نادي طنطا إلى الدرجة الثانية وظل جمهورا بناء السيد البدوي يهتف ويردد (ليه يا علي ليه .. نزلت طنطا ليه).
ثم كانت أجمل هدية من جيل الستينيات الذهبي الذي حقق شعبية كبيرة لنادي الزمالك حيث قدم أجمل العروض الكروية وحصل على بطولة الدوري موسم 1964 / 1965م بعد أن جاء في المركز الأول برصيد 35 نقطة جمعها من الفوز في 15 مباراة وتعادل في 5 مباريات وخسر مباراتين فقط وشارك علي محسن مع فريقه في مباريات قليلة في هذا الموسم بسبب انخفاض مستواه بعض الشيء وفى الموسم التالي انخفض مستوى علي محسن بشكل ملحوظ وبقي طويلا على طاولة الاحتياط فأثر ذلك على معنوياته كثيرا إلى أن فجر اتحاد الكرة المصري مفاجأة مدوية بشطب علي محسن من سجلاته الكروية بناء على بعض الاتهامات التي قدمت ضده وقد قيل أنها مؤامرة مدبرة من احد رجال الدولة الكبار الذي أمر بإبعاد علي محسن عن مصر بسبب شعبيته الكبيرة وقيل أيضا أن تلك الشخصية الكبيرة كانت غاضبة من بعض تصرفات علي محسن، ليعود على محسن إلى بلاده ووطنه الأم اليمن في عام 1966م بعد أن تألق في ملاعب الكرة المصرية عدة سنوات قاد خلالها نادي الزمالك إلى منصات التتويج حيث ساهم في حصول الزمالك على العديد من البطولات منها كأس مصر والدوري العام ونال لقب هداف الدوري المصري موسم 1960 / 1961م.
وقد تميز علي محسن بالقوة البدنية العالية والمهارة الفنية وكثيرا ما أمتع الجماهير المصرية والزملكاوية بشكل خاص، وكان معشوق الجماهير كونه موهبة نادرة التكرار وأطلقت عليه الصحافة العديد من الألقاب مثل (أبو الكباتن) و(الواد اليمني) و(الهرم الرابع) و(السفير الأول) و(علي اليمني) و(عابر القارات) أما شيخ النقاد نجيب المستكاوى فأطلق عليه لقب (علي أطلس) نسبة إلى الصاروخ ماركة أطلس حيث كانت ركلته للكرة بسرعة الصاروخ ومن أشهر الألقاب التي أطلقت على النجم الفذ علي محسن لقب (قاهر ويستهام) وذلك بعد الفوز الكبير الذي حققه نادي الزمالك على فريق ويستهام الإنجليزي عام 1966م بخمسة أهداف مقابل هدف واحد في مباراة تعتبر من أروع مباريات الزمالك التي لعبها أمام الفرق الأجنبية حيث فاجأ الفريق الأبيض الجميع وحقق انتصاراً مدوياً على النادي الإنجليزي العريق والذي كان يضم نخبة من كبار نجوم المنتخب الإنجليزي الفائز بلقب كاس العالم 1966م، منهم بوبي مور قائد منتخب إنجلترا وجيف هيرست الهداف الشهير ومارتن بيترز وفي هذه المباراة تألق علي محسن وأبدع وقد قال عنه كابتن ويستهام بوبي مور إنه يملك القدرات الفنية التي تؤهله للاحتراف في أفضل الأندية الأوروبية.
وفي أوج تألق علي محسن اتجه نجم الزمالك الكبير إلى عالم الفن حيث شارك بالتمثيل في الفيلم السينمائي حديث المدينة الذي تم إنتاجه عام 1964م وشارك فيه عدد كبير من نجوم الكرة المصرية في ذلك الوقت منهم الشاذلي، وريعو، ورفاعى، وشحته، والفناجيلي، والروبي، وعبده نصحى، وحمدي فراج، وأحمد صالح وطه إسماعيل ودارت أحداث الفيلم حول لاعب كرة تتسبب فتاة في تراجع مستواه ويقوم زملاؤه بمساعدته للعودة إلى مستواه مرة أخرى وقد قام بدور البطولة في الفيلم ثنائي الزمالك عصام بهيج وعلى محسن المريسى، بالإضافة إلى طه إسماعيل نجم الأهلي السابق، أمام سميرة أحمد وشويكار، ودارت أحداث الفيلم حول لاعب كرة تتسبب فتاة في تراجع مستواه ويقوم زملاؤه بمساعدته للعودة إلى مستواه مرة أخرى وبعد عرض الفيلم أتيحت الفرصة لعلي محسن ليقوم بالتمثيل في 3 أفلام أخرى ولكنها لم تكتمل.
بعد عودته من الاحتراف والتألق في صفوف الزمالك المصري أعلن علي محسن اعتزاله كرة القدم وهو في السادسة والعشرين من عمره رغم تلقيه عرضا للعب في احد الأندية الكويتية واتجه علي محسن إلى التدريب حيث قام بتدريب نادي الهلال في اليمن ووصل به من نادي درجة ثانية إلى نهائي الدوري اليمنى ثم نادي الشعب (شباب التواهي في ذلك الوقت) ثم نادي الميناء إلى أن تولى الإشراف على منتخب اليمن الجنوبي حينها قبل أن يقود نادي هورسيد الصومالي في موسمين متتالين 1972م ـ 1973م إلى إحراز بطولة الدوري الصومالي وبطولة شرق إفريقيا، كما ساهم في الإشراف على منتخب الصومال الوطني ثم تولى مهمة تدريب نادي الهلال السعودي بعدها عاد إلى اليمن ليتولى تدريب المنتخب الأول ومنتخب الشباب لجمهورية اليمن الديمقراطية وحقق بهما نتائج أكثر من رائعة في الدورة الآسيوية السابعة عشرة للشباب في الكويت ودورة الألعاب العربية الخامسة عام 1976م في سوريا.
في السادس والعشرين من نوفمبر عام 1993م كان السطر الأخير في حياة نجم الكرة اليمنية وأسطورتها الخالدة علي محسن حيث انتقل إلى جوار ربه في اليمن البلد التي كان يعشقها بعد حياة حافلة بالتألق والإبداع لاعبا ومدربا وكان علي محسن يحظى بمكانة كبيرة لدى أبناء الشعب اليمني، لا يضاهيها أحد من الشخصيات الرياضية على مستوى المحافظات الشمالية والجنوبية، وتقديراً لتاريخه الحافل، قررت الحكومة اليمنية ووزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة اليمني، إطلاق اسمه على أكبر ملعب بالعاصمة صنعاء كأكبر تكريم له ولعطائه وإنجازاته (ملعب المريسى) وينظم فرع الاتحاد اليمني لكرة القدم بعدن مسابقة سنوية باسمه كما أطلقت السلطة المحلية بعدن اسمه على الشارع الذي كان يسكن فيه في مدينة التواهي وقد طغت شخصية علي محسن المريسي على كل الشخصيات الرياضية في اليمن، ونال لقب شخصية القرن في اليمن عام 2000م وفقاً لاستبيان أجرته وكالة الأنباء الرسمية.
ولم يكن تكريم النجم الراحل بعد وفاته فقط, ففي حياته تم تكريمه مرات ومرات فأثناء لعبه في نادي الزمالك كرمه الرئيس المصري الخالد جمال عبد الناصر والذي كان قد اصدر قرارا جمهوريا بعلاج علي محسن على نفقة الدولة في بريطانيا عندما تعرض لإصابة خطيرة في ركبته وكان أول لاعب أجنبي يصدر له هذا القرار وكان نجم الكرة الزملكاوية واليمنية تخرج من الكلية الحربية في مصر برتبة ملازم وعمل معلما في الكلية الحربية اليمنية ووصل إلى درجة مستشار بوزارة الشباب والرياضة اليمنية وتم تكريم علي محسن أيضا من عدد من الرؤساء اليمنيين سابقاً وكرمه نادي الزمالك في حفل كبير أقيم بمقر النادي عام 1992م.

قد يعجبك ايضا