البريطانيون يتحسرون على ” الخردة ” التي تركوها في عدن بعد 128 عاما من الاحتلال

 

*في جلسة لمجلس العموم البريطاني عقدت بعد شهرين من إعـــــــــــــــــلان الاستقلال :

ترجم المادة واعدها للنشر : عباس السيد

في الثلاثين من يناير عام 1968 ، عقد مجلس العموم البريطاني جلسة خصصت لمناقشة مصير الآليات والأجهزة والمخازن العسكرية والمدنية التي تركها الاحتلال في عدن .. الجلسة التي عقدت بعد نحو شهرين من إعلان الاستقلال ورحيل آخر جندي بريطاني من عدن ، تم خلالها استجواب وزير الدولة لشؤون الدفاع ” جي دبليو رينولدز “حول حجم تلك الأشياء والتكلفة الحقيقية لها وعن سلامة الإجراءات التي اتخذها المسؤولون المعنيون للتخلص من تلك الأشياء .
وقد كانت هذه القضية مثار جدل في الصحافة البريطانية التي اتهمت قيادة الجيش بالتقصير والإهمال والإهدار وشككت في صحة الأرقام التي اعلنها الجيش والذي قدر تكلفة الآليات والمواد التي تركها في عدن بحوالي 18 مليون جنيه استرليني فقط .

وهذا ما أكده النائب ” فيليب جودهارت ” في سؤاله للوزير ، حيث اعتبر النائب أن تكلفة المباني التي كانت مستخدمة من قبل البريطانيين وما تحتويه من آثاث وأجهزة تزيد قيمتها عن 18 مليون جنيه . وشكك النائب “جودهارت ” في الأرقام التي وردت في تقرير رسمي والتي قدرت قيمة المباني فقط بـ 24.6 مليون جنيه بالإضافة إلى الأدوات والمواد المنقولة التي تركت في المباني ولا تتجاوز قيمتها المليون جنيه ، وبحسب النائب ، فإن تلك المعلومات مضللة وتتضارب مع مصادر اخرى تقدر تكلفة المواد في مخازن سلطات الإحتلال بعدن بنحو 10 ملايين جنيه تم تركها لحكومة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ـ كبادرة حسن نية من قبل البريطانيين.
وأضاف النائب : أنا لا أدافع عن تصرفات الفرنسيين الذين مزقوا أسلاك الهاتف في المكاتب الحكومية قبل رحيلهم من غينيا .. ولكن ، هل ستقدر الحكومة الجديدة بادرة حسن النية أم ستعتبر أن ذلك ……… ! .
مخازن الذخيرة
لقد كان من الضروري أن تبقى العديد من المركبات العسكرية والذخائر في متناول قواتنا هناك حتى اللحظات الاخيرة من الإخلاء .. هذا صحيح ، ولكن هذا لا يبرر ترك تلك الكميات الكبيرة من المعدات والذخائر والمواد خلفنا . وعلى سبيل المثال ، أنفقنا حوالي 700 ألف جنيه لشحن 7 آلاف طن من الذخيرة من عدن ، ولكن التقديرات تشير أيضا إلى 44 مليون طلقة خاصة بالأسلحة الخفيفة ومن ضمنها قذائف الهاون والمدفعية الثقيلة تركناها مجانا للجيش الجمهوري ـ يقصد جيش جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ـ وطلب النائب من الوزير البريطاني أن يقدم الأرقام الحقيقية والدقيقة لكميات الذخيرة التي تركت في عدن قبل أن يطرح عليه سؤالا جديدا حول أنظمة الرادار وأجهزة الإشارة ..
أجهزة الرادار
وفي هذا الجانب ، أبدى النائب تفهمه لإبقاء ما يحتاجه مطار خورمكسر من أجهزة الرادار لكي يستمر في وظيفته كمطار مدني ، ولكنه تساءل عن ما ترك من أجهزة الرادار والإشارة الخاصة بالقوات الجوية الملكية البريطانية ، وأضاف ساخرا : لقد علمت أن الطائرات الروسية بدأت للتو باستخدام المعدات السابقة للقوات الجوية البريطانية وإنشاء أول قاعدة روسية محمية برادار بريطاني !.
المركبات
ثم ينتقل النائب ” فيليب جودهارت ” إلى المركبات التي تركها الإحتلال في عدن ، وقال : لم يكن بمقدورنا شحن جميع المركبات ، هذا صحيح ، ولكن هناك الكثير من الضجيج وطحن الأسنان حول القصص التي تثار عن ما تركناه من عربات اللاندروفر والتي تباع حاليا بخمسين جنيها في عدن ، فكم هو بالضبط عدد المركبات التي تركناها هناك ؟. وإذا علمنا أن إثنين من رجال الأعمال البريطانيين كانا على استعداد لشراء تلك المركبات بمبلغ 150 ألف جنيه ولكنهما لم يتمكنا من ذلك ، فهل قمنا بأية تعاقدات مع تجار المواد المستهلكة أو الفائضة في بريطانيا أو عدن ؟ .
وقدم النائب المزيد من الخيارات التي أهدرها المعنيون ـ بحسب رأيه ـ فيقول : على امتداد الساحل من عدن ، هناك صديقنا سلطان مسقط يسعى لتطوير قواته بسبب الوضع الأمني المتدهور في المنطقة وتنامي قدرات بلاده الاقتصادية بعد اكتشاف النفط ، فلماذا لم نبعه أو نعطه تلك المركبات أو غيرها من المعدات التي تركناها خلفنا ؟.
لا يمكننا أن ننكر الظروف التي نشأت في الأيام الأخيرة المحمومة من انسحابنا المتهور ، ولم يكن بالإمكان عمل حساب لكل شيء ، ولكننا نعلم أن انسحاب العائلات البريطانية من عدن تم قبل أشهر عديدة من مغادرتنا عدن ، وبالنظر إلى التقديرات الحالية فقد أدت عملية إعادة إسكانهم هنا إلى نفقات مالية إضافية وانعكست كما نرى على أسعار العقارات .. وقد قيل لي أن أطقم المطابخ والسكاكين والأطباق الزجاجية والصينية التي تركتها العائلات البريطانية في عدن تقدر قيمتها بـ 1,5 مليون جنيه استرليني . ومن الواضح أن 3 آلاف عائلة قد تركت آثاثها منازلها في عدن ، ولسوء الحظ ، فإن عدد من تلك العائلات التي عادت إلى هنا تعيش حاليا في حالة مضنية .
وحدات التكييف
ثم ينتقل النائب إلى وحدات تكييف الهواء التي تم التخلي عنها وتقدر تكلفتها بنصف مليون جنيه ، ومن المؤكد أن هذه الوحدات ” المكيفات ” قد أزيلت خلال الأشهر الماضية الواقعة بين زمن إخلاء مساكن العائلات وموعد المغادرة النهائية ” 30 نوفمبر ” وما بعدها .. ومن المؤسف أن الحكومة لم تكن قادرة على تقديم إجابات مقنعة عن كل التساؤلات التي طرحتها ، وهي تتباهي فقط في مجال الدفاع وتعتبر أنها حصلت على كافة الحقوق ، مع أن الأمر لا يبدو كذلك ، وهذا ما يفسر ترددهم في تقديم أي أرقام كلية في هذا الخصوص ، وقد نتفهم ذلك في إطار حساسية الموضوعات المتعلقة بالدفاع وبيع وشراء الأسلحة .
واختتم النائب ” جودهارت ” حديثه بالتذكير بما اسماها المجزرة الرهيبة التي حدثت للجنود البريطانيين في كريتر والتي لم يمض عليها سوى سبعة أشهر وعلاقة أعضاء الحكومة الشعبية لجمهورية اليمن بتلك المجزرة ، وأضاف : أنا لن أكون مندهشا فيما لو استخدمت المعدات العسكرية التي تركناها خلفنا في عدن ضد اصدقائنا في مسقط أو دول الخليج .. وبشكل غير مباشر ، وجه النائب تهمة الفساد للمسؤولين عن رسم سياسة الإحتلال في عدن وقال : أنا على ثقة بأن دافعي الضرائب البريطانيين لهم الحق في معرفة حقيقة الإجراءات التي تمت للتخلص من المعدات العسكرية في عدن وأن تفاصيل ما جرى أكثر بكثير مما تم الإعلان عنه حتى الآن .
كانت الساعة تشير إلى الثانية وإحدى عشرة دقيقة بعد منتصف الليل ، وعندها بدأ دور النائب ” تشارلز موت ” في استجواب وزير الدولة لشؤون الدفاع البريطاني ” رينولدز ” حول نفس القضية . وقد استهل حديثه بتكرار الإعتذار للوزير عن استجوابه في تلك الساعات المتأخرة ، وأضاف شكوكا إلى شكوك زميله السابق حول التكلفة الحقيقية للمباني التي أخلاها البريطانيون في عدن وأكد أن تكلفتها تتجاوز 24,6 مليون جنيه بكثير ، وضرب مثلا بالمباني السكنية والمرافق الترفيهية للجنود والعائلات البريطانية في عدن الصغرى وحدها التي زارها في ابريل 67 ، و تقدر تكلفة تلك المنشآت بـ 16 مليون جنيه ، وقد كان بعضها في طور الإنشاء . وكان هناك محطة توليد ضخمة تكلفتها مليون جنيه لم يكتمل انشاؤها وقد كان يجري تفكيكها ونقلها شيئا فشيئا إلى البحرين ” باسم الاقتصاد ” .
لقد كانت المساكن والسكان في عدن الصغرى تتمتع بكل وسائل الخدمات الحديثة والترفيهية ، فهل يعقل يا معالي الوزير أن تقدر تكلفة تلك المنشآت بـ 8 ملايين جنيه فقط ، وأن يكون المبلغ الإجمالي الذي قدمته الحكومة كأساس لطلب التعويض عن كافة العقارات ـ في عدن وعدن الصغرى ـ هو 24 مليونا فقط .
كان هناك كل الآلات في أحواض ستيمر بوينت ” الإسم الذي كان الإنجليز يطلقه على الجزء الغربي من التواهي حيث كانت تتواجد المقرات الرئيسية لسلطات الاحتلال ” وفي ” ستيمر بوينت ” كان هناك مقر الجيش ، ومقر قيادة الشرق الأوسط ، ومبنى دار الحكومة ” المندوب السامي ” الذي لا يمكن وصفه ، وهناك كما ذكر زميلي المطار والرادار و… ، فهل يقدر تكاليف كل ذلك بـ 24 مليونا ؟! .
وكرر النائب ” موت ” مخاوف زميله من استغلال الإمكانيات المتطورة والحديثة لمطار عدن بمرافقه المختلفة والتي تتجاوز قدرات حكومة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ، وحذر قائلا : إن استغلال مطار بإمكانياته المتطورة من قبل أي قوى خارجية كالإتحاد السوفيتي سوف يؤثر على استراتيجية الدفاع في منطقة الشرق الأوسط على المدى الطويل . وتطرق في حديثه إلى تصريح رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون الذي قال أن المخازن والمعدات العسكرية تم بيع كميات منها إلى الحكومة الفيدرالية المحلية ” حكومة اتحاد الجنوب العربي ” وإلى حكومات أخرى . وتسآءل النائب مستغربا : أين هي الحكومة الفيدرالية التي يتحدث عنها ” هون المحترم ” وأين كانت خلال الإنسحاب ، لقد نسي هون ” هارولد ويلسون ” أنه ورفاقه في الحكومة قد قضوا على الحكومة الفيدرالية في عدن بمفاوضاتهم مع الإرهابيين ” يقصد الجبهة القومية ” . ثم يتسآءل : لمن سلمت المعدات ومخازن الجيش في عدن إذا علمنا أن وقت التسليم لم يكن هناك حكومة أصلا .؟؟
ثانيا ، ماهي الحكومات الأخرى التي ابتاعت منا كميات من عتادنا في عدن ، هل هو سلطان مسقط ، أم حكومات الخليج ، هل هي اليمن أم مصر .. أنا أسأل رئيس الوزراء لمن باع تلك المعدات ؟!
ومثل زميله السابق ألمح النائب ” موت ” إلى احتمال وجود صفقات مشبوهة في عمليات التخلص من معدات الاحتلال وذلك بالنظر إلى وجود سوق سوداء حرة لتجارة السلاح في الشرق الأوسط .. كما أنتقد قيام سلطات الاحتلال بنقل شحنات كبيرة من تلك المواد إلى القواعد البريطانية في الشارقة والبحرين التي يعتزمون الجلاء عنها عام 71 ، وعن ماهية الجدوى الاقتصادية من نقل المواد من قاعدة إلى أخرى .
الوزير يرد على النواب
بعد قرابه نصف ساعة من استماع وزير الدفاع للشؤون الإدارية ” جي دبليو رينولدز ” للتساؤلات التي طرحها النائبان عليه جاء دورالوزير للرد ، وفي البداية حاول الوزير التقليل من حجم الأرقام التي أوردها النائبان أو التي ذكرت في الصحف حول تكلفة الأشياء التي تركها البريطانيون في عدن ، وهي ـ بحسب الوزير ـ ضئيلة جدا مقارنة بتكلفة الأسلحة والذخيرة التي تركها الجيش البريطاني عند انسحابنا من السويس عام 1956 .. وعلاوة على ذلك ، فقد تم استخدام تلك الأسلحة ضدنا في أماكن كثيرة بالشرق الأوسط .
يتضح من رد الوزير وماتلاه من تعقيبات للنواب وجود توظيف سياسي للقضية بين الأطراف السياسية المتنافسة في بريطانيا وتبادل للتهم حول مسؤولية الحزبين ـ العمال والمحافظين ـ فيما حدث في عدن والسويس . وبعد ذلك حاول الوزير تقديم المبررات وأكد أنهم واجهوا مشكلة حقيقية خلال الأنسحاب تتمثل في نقل 20 ألف شخص مع عائلاتهم من عدن في وقت واحد ، وعبر عن أسفه لعدم قدرته على ذكر كافة المعلومات والتفاصيل المرتبطة بتلك الفترة ..
وقال : بغض النظر عن من استخدام الطائرات الروسية لمطار خورمكسر ، فهو لا يدخل ضمن مسؤوليتي باعتباره مطارا مدنيا .. أما بالنسبة للمخازن العسكرية في عدن فقد تم التصرف بها على النحو التالي :
حوالي48539 طنا تم شحنها بالسفن إلى المملكة المتحدة ، بينما نقلنا 68009 أطنان إلى أماكن أخرى معظمها في منطقة الخليج ، كما نقلنا بواسطة الطائرات حوالي 2758 طن إلى المملكة المتحدة و 12803 أطنان إلى أماكن أخرى بينها منطقة الخليج .
المركبات والمدرعات
كما بلغ إجمالي الشحنات من الآليات والمعدات التي نقلت من عدن خلال الإنسحاب 132110 أطنان ، بعضها نقلت إلى المملكة المتحدة والخليج ومناطق آخرى . خمسون في المائة من المركبات التي نقلت هي سيارات من نوع ” لاندروفرز ” والباقي مركبات ثقيلة ومدرعة .
عدد المركبات التي نقلت إلى الخليج 1082 مركبة ، ونقلنا خلال نفس الفترة 1060 مركبة إلى المملكة المتحدة وأماكن أخرى ، وبذلك يكون مجموع المركبات التي نقلناها من عدن 2142 مركبة .
بالنسبة للذخيرة والمواد المتفجرة ، فقد نقل ما مجموعه 6225 طناً من عدن إلى هنا وإلى أماكن أخرى ، كل هذه الشحنات نقلت في وقت كانت فيه قواتنا تعمل في ظل ظروف صعبة للغاية .
المفروشات والأجهزة المنزلية
ثم انتقل الوزير رينولدز إلى الحديث عن الممتلكات الخاصة بالأفراد بما في ذلك الأجهزة المنزلية والمفروشات ، فقال : المفروشات التي شحنت إلى منطقة الخليج تقدر تكلفتها بـ 400 ألف جنيه استرليني ، وقد اتخذ ذلك الإجراء بعد أن تبين لنا أن تلك الآثاث رخيصة مقارنة بالحصول على مثيل لها في أسواق لندن أو أي مكان آخر . ولا تزال في عدن كميات كبيرة من الآثاث يجري حاليا دراسة تكلفتها لاتخاذ قرار بشأنها ، فإما إن تستعاد إلى هنا أو يتم التخلص منها بطرق أخرى وفقا للجدوى الاقتصادية ، وعلى سبيل المثال ليس هناك فائدة من شحن طاولات المدارس أو أسرة المستشفيات .
وفيما يتعلق بالسؤال حول الثلاجات فقد أخذنا حوالي 20 بالمائة منها إلى الخليج ، وتعرضت بعضها للكسر ويجري العمل لإصلاحها ، وقد واجهنا مشكلة في شحن مثل هذه الأجهزة التي تتعرض للتلف أثناء النقل ، ولذلك جرى التخلص من كثير منها في الأسواق المحلية بعدن ، وكثير من الثلاجات والأجهزة المنزلية تم تسليمها مع المساكن والمباني ، وقد ورد في الكتاب الأبيض ـ يقصد ورقة الدفاع البيضاء التي أعلنت فيها الحكومة البريطانية نيتها التخلي عن عدن بعد فترة محددة ـ تفاصيل تسليم المباني للحكومة المحلية عام 1966بما تحتويه من أجهزة تكييف وغيرها .
وأضاف الوزير : تم التخلص من كميات من الأجهزة والأدوات محليا عن طريق عمليات بيع بموجب عقود بيع خاصة بقيمة 283581 جنيهاً ، كما جرى بيع كميات من المواد للحكومات المحلية ” يقصدالسلطنات والإمارات ” بقيمة 13 ألف جنيه ، وكذلك تم بيع كميات من الآثاث والمفروشات وأدوات المطابخ التي كانت في في التجمعات السكنية للعائلات البريطانية التي رغبت في بيع ما لا تستطيع نقله إلى بريطانيا بسبب تكاليف وصعوبات الشحن . وعلى الرغم من محدودية الأسواق التجارية فقد تم بيع ماقيمته 64218 جنيهاً من أغطية الأسرة ” الطراحات ” وأدوات المطبخ .
وأكد الوزير على أن تكلفة المباني المقدرة في ورقة الدفاع البيضاء هي 24,6 مليون جنيه ، وأن تكلفة الأصول ” الأجهزة والآثات ” الموجودة في تلك المباني لا يتجاوز قيمتها المليون جنيه ، ولأن الحكومة المحلية ليس لديها القدرة لدفع تكلفة تلك الأصول فقد أتفقنا على تسليمها مجانا .. ” وتم تحاشي أية إجراءات أو ترتيبات قد تشكل سابقة لأي انسحابات مستقبلية من أماكن أخرى ” .
ونفى الوزير أن تكون القوات البريطانية قد تخلصت من بعض معداتها في جزيرة العبيد ” جزيرة العمال حاليا ” كما جاء في الصور المنشورة بمجلة التايم وصحيفة الدايلي تلجراف بتاريخ 23 يناير 1968 .. . وأضاف : لقد بعنا مثل تلك المعدات التي ظهرت في الصور لجهات محلية ، وربما تكون تلك الجهات أو الأشخاص قد قامت بنقل تلك المعدات إلى ” جزيرة العبيد ” لأسباب خاصة .
وقد كان من بين مانشر في الصحافة البريطانية صور لمحركات الطائرات متروكة في العراء . وقال وزير الدفاع أن 13 محركا خاص بطائرات ” بيفرلي ” تم التخلص منها في عدن عام 67 باعتبارها خردة أو خارج الخدمة . كما نفى الوزير ما نشرته صحيفة ” صنداي تايمز ” في 3 ديسمبر عام 67 ، والتي قالت بأن قيمة المخازن التي تركت في عدن تقدر بعشرة ملايين جنيه . وقال : تلك الأرقام لا تنطبق على حقائق الواقع ، أنا أتكلم هنا حول المواد أو المخازن وليس حول الأصول التي قدرناها بـ 24,6 مليون جنيه الواردة في الإتفاق مع الحكومة المحلية . وعلينا أن ندرك أن تأثير المناخ وظروف الاستخدام لها تأثير كبير على الأجهزة والمركبات في منطقة مثل عدن ، وحين تستخدم تلك الأشياء في الأغراض العسكرية يجب أن تكون بحالة جيدة ـ هنا حاول الوزير تبرير ما اعتبرته الصحافة البريطانية إهدار للمال العام أوسلوك ترفي باذخ في التخلص من تلك المعدات ـ .
وأضاف : فيما يتعلق بالمركبات ، لا يمكن القول بأننا تركنا خلفنا الكثير ، ففي عام 66 ، بعنا نحو 7 مائة مركبة نصفها سيارات لاندروفر لم تكن صالحة للمزيد من الخدمة العسكرية ، وفي عام 67 وحتى خروجنا من عدن تخلصنا من ألف مركبة عسكرية .
عاود النائب ” جودهارت ” استجواب الوزير ، وسأله : إذا كانت تكلفة المخازن العسكرية المقدرة بعشرة ملايين جنيه ليست حقيقية كما تقول ، فما هو القيمة الحقيقية ؟ .
ورد الوزير : ليس في الوقت الراهن ، سنقول في الوقت المناسب ، ولكن الأرقام التي ذكرتها سابقا تشكل الجزء الأكبر من الصورة . وبعض تلك المواد تركناها عمدا وهي مباعة للحكومة المحلية ” يقصد الحكومة الإتحاد ” وكذلك بعنا عدد من المركبات ـ ليس بالكثير ـ لحكومة جمهورية اليمن الجنوبية .
مخزونات الوقود
تحدث الوزير ” بحسرة ” عن كميات الوقود التي تركها الإحتلال في عدن ، وتقدر بأكثر من 522 ألف طن ، والطريف أنها كما قال أنها محتجزة في الأجزاء السفلية من الخزانات ولا يمكن إخراجها ” شفطها ” لأن الخزانات بنيت على هذا الأساس ” أي على أساس أنها لا تفرغ نهائيا من محتوياتها ” وبحسب الوزير ، تقدر قيمة الوقود المحتجزة في الخزانات بـ 60 ألف جنيه لم نحصل منها على قرش واحد ، واستدرك قائلا : ” ليس هناك شك بأن كميات الوقود تلك لا ثمثل قدرا كبيرا من الخير لأحد ـ يقصد : لا لنا ولا لهم ـ .
واختتم الوزير البريطاني حديثه بوجوب إدراك وتفهم الظروف العامة التي مر بها الجيش ومن يعملون معه خلال تلك الفترة ، كما لم يكن لديهم خطط بديلة لأنهم لم يعرفوا الموعد الحقيقي للانسحاب من عدن إلا قبل أسابيع ، إذ كان هناك أكثر من تاريخ ، حيث تركت الخيارات السياسية كلها للحكومة في لندن . وفي هذا الجانب يلقي الكثير من العسكرين والمحللين البريطانيين بمسؤولية الأخطاء والارتباكات التي حدثت أثناء الانسحاب البريطاني من عدن على المسؤولين السياسيين الذين أنفردوا وحدهم بقرار الانسحاب دون التشاور مع العسكريين على أرض الواقع .. وهذا ما يعمل البريطانيون على تحاشيه في حالة أفغانستان التي يعتزمون الانسحاب منها خلال العام القادم ، و خلال الأعوام القليلة الماضية كتبت الكثير من الموضوعات في الصحافة البريطانية تدعو إلى ضرورة عدم تكرار الأخطاء التي حدثت أثناء الانسحاب من عدن عند الانسحاب من أفغانستان في 2014 ، والأخطاء المقصودة هنا لا تقتصر القضايا التي وردت في هذا الموضوع فحسب ، بل يشمل مابعد الانسحاب ” أي مستقبل العلاقة مع الحكومة المحلية التي تتسلم السلطة بعد مغادرة البريطانيين ” .
فالسياسيون البريطانيون متهمون في وسائل إعلامهم بأنهم فرطوا في أصدقائهم وحلفاء المستقبل المفترضين ” حكومة اتحاد الجنوب العربي ” حين اعترفوا بأن الجبهة القومية هي الممثل الوحيد للشعب في الجنوب ، وشرعوا في إجراء المفاوضات الرسمية معها لتؤول السلطة في الجنوب إلى ” الماركسيين ” وفقدت بريطانيا نفوذها نهائيا لصالح عدوها الاستراتيجي ـ الاتحاد السوفيتي ـ .
أخيرا :
تلك كانت خاتمة الاحتلال البريطاني الذي دام 128 عاما ، وما من شك في وصول الاحتلال الجديد إلى خاتمة مشابهة ـ مع الفارق ـ . فهل يعتبر قادة الاحتلال الجديد ؟
aassayed@ gmail.com

قد يعجبك ايضا