عملية “كسارة البندق” التي شنَّها الاحتلال بذريعة دعم “الحكومة الاتحادية”

3 آلاف جندي و96 طائرة بريطانية شاركت في اجتياح ردفان عام 1964

عباس السيد
اكتسبت منطقة ردفان أهمية كبيرة في كتابات المؤرخين والصحفيين المرتبطة بالاحتلال البريطاني لجنوب الوطن ونضالات اليمنيين حتى تحقق الاستقلال.
بالنسبة لنا كيمنيين، يبدو اسم ردفان مرادفاً للثورة ولكن بالنسبة للبريطانيين مرادفا للتمرد ومصدراً للقلق.
وعلى مدى الخمسين عاماً الماضية، قرأنا وسمعنا الكثير عن ردفان ودورها في ثورة الـ 14 من أكتوبر وبطولات أبنائها ونضالاتهم من أجل التحرير والاستقلال لكن “هذ الكثير” مجرد تكرار يخلو من التفاصيل واستمرت الاحداث التي شهدتها منطقة ردفان لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
الاحتلال الذي كان طرفا أساسيا في تلك الاحداث، سجل عبر وسائله المختلفة كثيراَ من تلك الاحداث والوقائع ، وبطولات جنوده في تلك المعارك، كما لم يستطع إخفاء انتكاساته وهزائمه وقد كانت وسائله الإعلامية وامكانياته التوثيقية هي الأقوى مقارنة بإمكانيات الثوار في تلك الفترة.
وهذا لا يعني أن تلك الشهادات والوثائق التي صدرت ولا زالت تصدر في شكل مقالات صحفية أو كتب أو مدونات لصحفيين وكتاب وشهود ممن كانوا قريبين من تلك الاحداث، لكن هذه المواد تقدم الصورة من زاوية أخرى.
وفي هذه المادة التي جمعناها من مصادر بريطانية وعربية متعددة محاولة لجمع قصاصات الصورة وربط الاحداث وإكمال بعض الفراغات التي غابت عن المشهد.
وهي مناسبة لمقاربة الصورة القديمة للاحتلال بالصورة الحالية التي تعيشها بلادنا في ظل الغزو والاحتلال الجديد.
في مطلع عام 1964 كانت القوات الجوية للاحتلال البريطاني في عدن قد أكملت استعداداتها النهائية لعملية “كسارة البندق” في ردفان وبحسب مصادر بريطانية فقد بلغ عدد الطائرات في القاعدة الجوية بخور مكسر 96طائرة بينها 50طائرة هجومية قاذفة من طراز هوكر هانتر وشاكلتون .
وفي مطلع الرابع من يناير بدأت عملية “كسارة البندق” بواسطة ثلاث كتائب مشاة من قوات الاتحاد الفدرالي مع سرية عربات مصفحة وعدد من الدبابات والمدفعية البريطانية وسلاح المهندسين تجمعوا في منطقة الثمير بالحبيلين 50ميلاً شمال عدن.
وتشير بعض المصادر البريطانية إلى أن الشيخ “سيف مقبل” ونحو 200 من قبيلة القطيبى كانوا الهدف الرئيسي لعملية نت كراكر وما تلاها من عمليات عسكرية في ردفان طول عام 1964
وكان الهدف الرئيسي للعملية بحسب مصادر الاحتلال.. هو الضغط على 12من “المتمردين” في ردفان وإجبارهم على مغادرة المنطقة ولكي يدرك القبائل أن “الحكومة” قادرة على دخول أي منطقة إذا أرادت ذلك، بالإضافة إلى تقديم استعراض للقوة أمام قبائل القطيبى في وادي “ميسرة” والهدف الثالث تأمين الطريق في الربوة والمؤدية إلى وادي يتم لشل حركة “المعارضين” في أي وقت.
كان لسلاح الجو الدور الأساسي في العملية وخصوصاً طائرات هوكرهنتر وشاكتون ومروحيات بالفيدي التي أصيبت إحداها بنيران القبائل في اليوم الأول لعملية كسارة البندق التي بدأت بشن غارات مكثفة على مناطق ردفان استمرت من 4 إلى 15 يناير ودخلت العملية بعدها مرحلة جديدة من المواجهات غير المتكافئة وخلال يناير فقط أطلقت طائرات هوكرهنتر 11 ألف طلقة من رشاشاتها المزدوجة عيار 30 مليمتر على أهداف في ردفان.
كسارة البندق تدخل مرحلة جديدة
فبراير: دخلت العمليات العسكرية البريطانية في ردفان شهرها الثاني تحت اسم “رستم” بهدف السيطرة على مناطق ردفان من خلال قوات برية. ومع ذلك، كان البريطانيون يدركون أن الضربات الجوية العنيفة التي استمرت خلال يناير في عملية “كسارة البندق” لم تمهد الطريق تماما للعملية التالية ولم تكسر شوكة القبائل في ردفان ولذلك استمرت مشاركة الطائرات الحربية في عملية رستم.
وفي اليوم الأول والثاني والثالث والخامس عشر والسادس عشر ،19،21،24،25،26، من فبراير شنت طائرات هونتر من السرب الثامن والسرب 208 هجمات عنيفة على ردفان وكانت طائرات أخرى تنفذ طلعات استطلاعية يومية لمراقبة الحدود البرية والشواطئ.
عمليات تهريب الأسلحة “للمتمردين
وخلال فبراير نفذت طائرات السرب الثامن وحدها 31عملية جوية 24منها كانت غارات على المساكن والباقي تغطية جوية للمعارك الأرضية.
مارس: كانت العمليات الجوية في شهر مارس مكثفة وبلغت عدد الطلعات الجوية 226طلعة متنوعة المهام- بين هجومية وأخرى لإخلاء المصابين – كما شملت الطلعات الهجومية أهدافا في “اليمن” وإسقاط منشورات.
في الثالث من مارس أطلقت الطائرات البريطانية 58صاروخاً و4371 طلقة عيار 30ملم على أهداف في “وادي تيم” بردفان ونتيجة لأعمال المنشقين –يقصد المقاومة على الأرض –ثم استدعاء مروحيات السرب 26 بلفيدي لإخلاء القتلى والجرحى وكان من بين الجرحى المسؤول عن تحديد الأهداف الأرضية للطائرات.
في التاسع عشر من مارس أطلقت طائرات هونتر من رشاشاتها المزدوجة 1600طلقة عيار30ملم ضد رجال القبائل في وادي الربوة المجاور لمنطقة الثمير وفي اليوم التالي أطلقت 940 طلقة على نفس المنطقة.
وفي اليوم السابع والعشرين من فبراير كانت طائرات الهونتر على أهبة الاستعداد لعملية “رستم” وبدأت بإطلاق 680طلقة على أهداف في “تله استراتيجية” شرق الثمير تمهيداً لتمشيط المكان والسيطرة عليه من قبل المظليين والكوماندوز.
الهجوم على حريب
بدعم المصريين كان نشاط “المنشقين” يقصد الثوار يتزايد في عدن والمحميات كما قامت الطائرات اليمنية بسلسلة غارات عبر الحدود وكان أخطر تلك العمليات قيام طائرتي ميج بمهاجمة قرية قريبة من بيحان تسمى “بلق-Bulq” وصدر أمر الانتقام الثوري في الثامن والعشرين من مارس حيث قامت 8 طائرات هونتر بالعملية وبعد إسقاط المنشورات أطلقت الطائرات ما مجموعه54 صاروخاً ضد حصن حارب في حريب داخل حدود الجمهورية العربية اليمنية”.
بالإضافة إلى 2895 قذيفة عيار 80 ملم وقد أظهرت الصور التي التقطت للموقع بعد العملية أن الحصن دمر بالكامل وتناثرت قطع المركبات والمدافع المضادة للطيران بين الركام.
وعلى إثر ذلك تقدمت “الجمهورية العربية اليمنية بشكوى إلى الأمم المتحدة التي طالبت الطرفين بضرورة حفظ السلام.
إبريل 64: العمليات العسكرية في ردفان أدت إلى زيادة التوترات في عدن ولذلك وضعت الطائرات الحربية على أهبة الاستعداد كما زادت عمليات مراقبة الحدود وفي السابع عشر من أبريل سقطت طائرة هونتر في منطقة “Rusels” ولم يتأكد المحققون من أسباب السقوط في حين تم اعتبار القبائل في تلك المنطقة قبائل معادية.
في تلك الأثناء تزايدات أنشطة “المنشقين” بما في ذلك قيامهم بتلغيم طريق عدن – الضالع وقد كانت القوات البريطانية تستعد لبدء العملية الرئيسية انطلاقا من القاعدة العسكرية التي أنشئت في الثمير عند سفوح جبال ردفان وحشد فيها 3 آلاف جندي كان الهدف الأول للعملية التي اسميت “رستم” هو السيطرة على أعلى قمة في ردفان “جبل حورية” والذي يرتفع أكثر من 6 آلاف قدم عن سطح البحر ما يعادل 1861 مترا.
وفي الـ 30 من أبريل كان فريق الاستطلاع البريطاني محاصراً في وادي تيم وخلال ذلك اليوم نفذت الطائرات الحربية 18 غارة على القبائل التي تحاصر مجموعة الاستطلاع المكلفة بتحديد وتأمين منطقة الإنزال المظلي وفي تلك الغارات أطلقت الطائرات البريطانية 127 صاروخاً و7131 قذيفة 30 ملم.
مايو الحرب في ردفان:
يعتبر البريطانيون أن حربهم في ردفان تجرى بناء على طلب “الحكومة الاتحادية” ومن أجل تحقيق الأهداف السياسية التالية: منع توسع التمرد القبلي تأكيد سلطة الحكومة الاتحادية، وأخيرا وقف الهجمات على طريق الضالع.
ولإضفاء الصبغة “المحلية” على معارك ردفان تم إشراك ثلاث كتائب من الجيش الاتحادي بقيادة مدعومة بعدد من المدرعات الخفيفة والمدفعية البريطانية.
وقبل انطلاق العملية الرئيسية تم تقسيم ردفان إلى عدة مناطق أعطيت كل منها إسما رمزيا وأطلق على “جبل حورية” اسم “كاب بادج- Cap padge- وسميت قمة أخرى “حلة الرز” .. كما تم تحديد المناطق المحظورة من الضربات الجوية ومنح الطيارون مساحة كبيرة من الحرية في ضرب الأهداف على الأرض والتي شملت القلاع وأبراج المراقبة المباني والأملاك التابعة لزعماء القبائل وأنصارهم المباني التي تشعل فيها مواقد الطبخ أو فوانيس الإضاءة وكل شيء يتحرك في المنطقة حتى قطعان الماشية لم تستثن من الضربات الجوية.
وخلال شهر مايو 1964م تناوبت الطائرات البريطانية في ضرب تلك الأهداف إذ كانت طائرات هونتر تقوم بعمليات القصف خلال النهار سواء بإطلاق الصواريخ أو من خلال مدفع مزدوج في مقدمة الطائرة عيار 30 ملم بينما تقوم طائرات شاكلتون بعمليات القصف الليلي ودعم القوات على الأرض عبر إسقاط القنابل الضوئية لمساعدتها على التقدم نحو أهدافها.
ومن أجل استمرار القصف الليلي استدعيت طائرتا “شاكلتون” إضافيتان من السرب 37 المتواجد في مدينة جبل طارق – المدينة الاسبانية التي يحتلها البريطانيون حتى الآن.
يونيو:
تواصلت العمليات العسكرية خلال يونيو ورمت القوات الجوية بكل ثقلها في المعركة .. وهذا يكشف مدى تورط القوات البرية على الأرض وحجم المقاومة التي تواجهها من قبائل ردفان .. لقد كانت المعركة الحقيقية تدور على الأرض ومع ذلك تجاهل إعلام الاحتلال تفاصيل ما يدور في تلك المواجهات رغم اعترافه بوجود مصاعب عديدة أمام قواته التي وجدت نفسها متورطة في أودية مسرا دوبان والدرة والمصراح.
وضع القوات على الأرض أدى إلى زيادة كثافة الطلعات الجوية وفي الأسبوع الأول كان معظم الطلعات استطلاعية أو تدريبية فوق الأودية الضيقة المحيطة بمنطقة “جبل حورية” حيث بدأ الجنود من الفوج الإنجيلي الأول والكتيبة الثانية من “الجيش الاتحادي” عمليات صعود المنحدرات مصحوبة بدعم متواصل من طائرات هونتر التي كانت تطير على ارتفاعات منخفضة جداً من الصباح وحتى الساعات الأخيرة من النهار.
وعند حلول الظلام يأتي دور طائرات شاكلتون التي كانت تسقط قنابل ضوئية لمساعدة الجنود في عمليات التسلق والتقدم نحو قمة الجبل التي ترتفع 6 آلاف قدم عن سطح البحر، وقد تم ذلك بالفعل مساء 10-11 يونيو أي بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء الهجوم على ردفان في الرابع من يناير عام 1967م.
خلال شهر يونيو شهدت المنطقة المحيطة بجبل حورية ما يعتبره البريطانيون المعركة الرئيسية في ردفان وبحسب إحصاء القوات الجوية بلغ مجموع الصواريخ التي أطلقت في المعركة 1242 صاروخاً و84.302 قذيفة عيار 30 من خلال 250 طلعة جوية لطائرات هونتر من السربين الثامن والثالث والأربعين خلال يونيو فقط.
في حين نفذت طائرات الاستطلاع 63 طلعة لتوفير الصور قبل وبعد الضربات الجوية.. كما بلغ عدد القنابل الضوئية التي اسقطتها طائرات شاكلتون فوق ردفان 2648 قنبلة جوية حيث استمرت عملية محاصرة السكان في القرى ورصد تحركاتهم إلى أواخر عام 1964م.
وخلال الثلاثة الأشهر الأولى فقط من معركة ردفان نفذت طائرات شاكلتون 85 غارة جوية أطلقت خلالها 18195 قذيفة عيار 20 ملم و14 قنبلة وزن كل منها ألف رطلاً بالإضافة إلى 3504 قنابل مضادة للأفراد ذوات 20 رطلا و445 قنبلة ضوئية قياس 4.5 إنش.

الثمير ” الحبيلين “

أثناء الحملة العسكرية التي شتتها القوات البريطانية على مناطق ردقان , عام 1964 هـ , كانت المنطقة المعروفة حالياً بالحبيلين تسمى الثمير والتي كانت آنذاك عبارة عن قرية صغيرة في الجهة الشرقية من الطريق الواصل بين عدن والضالع .
ومنذ أواخر عام 1963 عملت قوات الاحتلال البريطاني على إنشاء قاعدة عسكرية في الثمير أصبحت في ما بعد المنطلق الرئيسي لكافة العمليات العسكرية التي كان يقوم بها البريطانيون ضد القبائل في ردفان والمناطق الحدودية مع الشمال نزولاً إلى المنطقة الجنوبية من البحر الأحمر وجزيرة بريم .
كانت الحبيلين عبارة عن قطاع طويل من الأرض المستوية تم تغطيتها بسطح قوى مصنوع من مواد خاصة ولديه القدرة لتحمل عمليات إقلاع / الطائرات بما فيها طائرات بيفرلي , فاليتا , دي سي 3.
المدرج الرئيسي للطائرات في الحبيلين أو الثمير , وقد كان معبداً بطول ألف متر ويستخدم من قبل الطائرات المقاتلة والقاذفة – هونتر وشاكلتون – ويقع على بعد أقل من مائة متر شرق الطريق الإسفلتي الذي يمر بالحبيلين نحو الضالع والشمال .
والآن بعد أن أصبحت الحبيلين بمثابة مدينه صغيرة ابتلعت بداخلها قرية الثمير يبدو مدرج الطائرات حاليا كشارع خلفي مواز للشارع الرئيسي – الطريق العام – ولا تزال بقايا اسفلت المدرج واضحة .
المقال يركز فقط على مساحة محددة في إطار القاعدة العسكرية بالثمير أو الحبيلين , وهذه المساحة كانت مخصصة فيما بيدو للشحن والتفريغ يتم فيها إفراغ المواد والذخائر القادمة عبر الطائرات من عدن إلى القاعدة وتزويد الجنود البريطانيين الذين يتمركزون في عدد من المواقع الجبلية داخل ردفان بما يحتاجونه من أسلحة وذخيرة ومواد أخرى .

جبل حورية

أواخر أبريل 1964 كان صوت ارتال المدرعات والشاحنات البريطانية يهدر ليل/نهار على طريق الضالع باتجاه قرية الثمير بالحبيلين الواقعة في سفوح جبال ردفان وكانت الثمير بمثابة قاعدة رئيسية لتجميع القوات ومركزا لإدارة العمليات العسكرية في قرى ردفان .
وبحلول نهاية إبريل تجمعت في الثمير قوة هائلة ضمت قوات من الكلوماندوز , ومشآة البحرية الملكية والمظلاث والمدفعية .
العملية التي أطلق عليها أسم ” كاب بادج ” cap Badgf قادها “اللواء” لويس هارجرفس وكانت خطته تقتضي إسقاط مظليين مساء الثلاثين من أبريل فوق تلة استراتيجية في عمق ردفان وكانت السيطرة عليها بحسب الخطة تعنى امتلاك المفتاح الرئيسي لردفان وقد أعطيت هذه التلة اسما رمزياً أو شفرة ” كاب بادج ” فيما تقوم كتيبه 45 مغاوير ” كوماندوز” بالتوغل عبر وادي بوران والالتحام مع المظليين لإحكام السيطرة على التلة ” كاب بادج وهي تطل على وادي دوبسان الذي كان يعتبر معقلاً رئيسيا للثوار .
وقبل ذلك كانت مجموعة تضم 10 أفراد من قوات (sAs) الخاصة بالعمليات السرية قد نقلت مساء عبر طائرات الهيلوكوبتر إلى وادي يتم بهدف تأمين المكان وتحديد أماكن إنزال 120 مظليا وتحديد أهداف للقصف بالطائرات في الصباح تمكن شباب ردفاني من اكتشاف المجموعة أثناء قيامهم بتحديد منطقة السقوط وقام بإبلاغ الثوار في القرى المحيطة .. وعلى القور تم تطويق المكان ومحاصرة المجموعة خاضت القبائل في ردفان أشرس المعارك ضد قوات الاحتلال البريطاني التي قررت إخماد الثورة في تلك المناطق وإخضاع القبائل الردفانية التي عززت علاقاتها مع النظام الجمهوري في الشمال وحصلت منه على دعم لوجستي هام في معركة التحرير .
وعلى مدى ستة أشهر من المعارك سطر ثوار ردفان ملاحم بطولية نادرة في مواجهة جيس أقوى إمبراطورية في العالم استخدم أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية لمواجهة الثوار الذين كان سلاحهم الحقيقي هو إيمانهم بعدالة قضيتهم .
بعد سته أشهر من المعارك تمكنت القوات البريطانية من السيطرة على عدد من المرتفعات الجبلية الاستراتيجية في ردفان واستطاعت قواتها الخاصة مساء الحادي عشر من يونيو 1964 أن تتسلق ” جبل حورية ” أعلى جبل في ردفان (1876م) وصعدت إلى قمته تحت تغطية جوية مكتفة من الطائرات التي كانت تنخفض إلى أدنى مستوى لمنع الثوار من إعاقة العملية .
بالنسبة للاحتلال كان الوصول إلى قمة جبل حورية هو الهدف النهائي للعملية التي استمرت نحو ستة أشهر فقد كان الاحتلال يدرك أنه لم يتمكن من اخماد المقاومة وكسر عزيمة الثوار وكان يدرك أيضا أن تواجده في أكثر من موقع في ردفان سيشعل أكثر جذوة المقاومة عند الردفانين وبحسب أحد ضباط الاحتلال فإن تواجد البريطانيين في ردفان هو بالنسبة للقبائل بمثابة فرصة للتدريب على إطلاق النار .
ولذلك اعتبر الاحتلال أن مجرد وصول قواته إلى قمة جبل حورية هو الهدف النهائي للعملية العسكرية التي تحولت في نهايتها إلى مايشبه مغامرة رياضية مشابهة لعملية تسلق قمة ايفرست .
وكما هو معروف فإن أي عملية عسكرية ينبغي أن تحقق هدفا سياسيا والهدف السياسي لقوات الاحتلال كان إخماد الثورة في ردفان وإخضاع القبائل للسلطة الاتحادية التي صنعها المحتل وهذا مالم يتحقق ولم يتوقعه الانجليز لذلك اعتبر وصول قواته إلى قمة جبل حورية بمثابة إنجاز تاريخي تلقفته وسائل إعلامه ووجدت فيه مادة دعائية لترميم صورة الإمبراطورية التي كانت آيلة للسقوط في كثير من المستعمرات حول العالم .

قد يعجبك ايضا