المناضل الأستاذ محمد عبد الواسع الطيب لـ “الثورة”

> جَمعنا التبرعات بالمال في صنعاء لدعم ثوار 14 أكتوبر

> الاستقلال تتويج لتضحيات ثورتي سبتمبر وأكتوبر ومعارك الدفاع عن الجمهورية وطرد المستعمرين

> طرحت فكرة تنمية القرى في إطار التعاونيات الأهلية فكتب لها النجاح بدعم الشهيد ابراهيم الحمدي

حاوره / محمد محمد إبراهيم

انتخب رئيسا للمدرسة المتوسطة في ميدان شرارة وبعد خروجه من سجن الرادع بصنعاء، ساهم بفاعلية في تكوين المقاومة الشعبية التي كانت معظمها من الطلاب والشباب، وكان واحداً من محركي لجان جمع التبرعات بالمال في صنعاء لثورة 14 أكتوبر 1967م في جنوب الوطن ضد الانجليز.. وخلال دراسته البكالوريوس في الجزائر انتخب رئيسا لرابطة الطلبة اليمنيين في الجزائر.. بعدها عين في المكتب القانوني في القصر الجمهوري ثم مديرا، ثم وكيلا لمكتب شؤون الوحدة، وكانت هذه المحطات التي عبرها كوّن تجربة سياسية واجتماعية وإدارية ومعرفية واسعة..
إنه المناضل الوطني الكبير محمد عبد الواسع الطيب، أحد أهم القيادات السياسية والقانونية والتنموية في مسار تحقيق الوحدة اليمنية، وإحداث نهضة التحولات التنموية، فهو صاحب “فكرة لجان تنمية القرى” كأهم وأنجح مشاريع التعاونيات الأهلية التي شهدتها اليمن في عهد الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي- رحمه الله. كما انتخب رئيسا لتعاونيات قضاء النادرة وعضواً في الاتحاد العام للتعاون، ثم عمل في رئاسة الوزراء ثم مساعدا ومديراً لمكتب الإعمار في ذمار عقب زلزال 1982م، ثم مستشارا قانونيا في ديوان وزارة الشؤون القانونية..
في حديث عابر لمسار الحركة الوطنية، تطرق الأستاذ الطيب –الذي ولد في عام 1947م، وبدأ مراحل تعليمه الأولى في قضاء النادرة محافظة إب ثم التحق بمدرسة الأيتام في أواخر الخمسينيات- إلى أهم القضايا المحورية المتصلة بواحدية الثورتين سبتمبر واكتوبر، وقضية إعلان الاستقلال وغياب إعلان الوحدة يوم 30 نوفمبر 1967م، وما تلى ذلك من مساعٍ للوحدة وصولاً إلى الاتفاقية الأولى للوحدة اليمنية في طرابلس ليبيا، قضايا النهضة التنموية في عهد الرئيس الحمدي رحمه الله.. إلى التفاصيل:

في كتابكم “الطريق الوحدة “أشرتم اشارة خاطفة إلى ما أسهمتم به في جمع التبرعات بالمال لدعم ثورة 14 أكتوبر 1963م.. هلا حدثتنا عن هذه الفترة..؟!
– تلك الفترة كانت استثنائية في تاريخ النضال اليمني والتضحيات اليمنية للتخلص من الاستبداد والاستعمار، إذ لم يكن من بُد لليمنيين من رص صفوفهم وتوحيد تضحياتهم باتجاه الانعتاق من الملكية ونيل النظام الجمهوري وطرد المستعمر الغاصب لجزء كبير من وطننا الحبيب.. وإذا كانت ثورة سبتمبر 1962م، قد بدأت باحتجاجات طلاب مدرسة الأيتام في صنعاء على ذمة قضية إيقاف الغذاء عنهم، فإنها كانت الشرارة الأولى لاشتعال الحركة الوطنية والمد الشعبي للتحرر من الاستبداد المطبق على شمال اليمن، ليمتد ليهب هذه الثورة على الخارطة اليمنية في جنوب اليمن الرازح تحت نير الاحتلال، مفضياً إلى ثورة 14 أكتوبر 1963م وما تلاها من معارك الكفاح المسلح التي أجبرت الإنجليز على الرحيل وإعلان الاستقلال في فجر 30 نوفمبر 1967م..
أين كنت حينها..؟ وكيف ومن أين كانت تأتي التبرعات..؟
– كنت حينها رئيساً للمدرسة المتوسطة في صنعاء، وكنت ضمن لجان جمع التبرعات من مدرسي المدرسة، ومن المناضلين الذين كانوا ضمن الحركة الطلابية في صنعاء وتعز، ولكن لا تسعفني الذاكرة لتذكر جميعهم..
أما كيف ومن أين كانت تأتي التبرعات، فمن الجدير ذكره، أن العملية كانت تتم عبر صناديق صغيرة مغلقة بإحكام، ولا توجد بكل صندوق سوى فتحة صغيرة تسمح بدخول الريالات ورقية أو معدنية، وكان الصندوق يربط بحبل بالشكل الذي يسمح للطالب بحمله على صدره، ويجول على التجار والتجمعات الشعبية في الساحات، فيجمعون النقود منها ما هو ريال جمهوري جديد، ومنها ما هو عملة ريالات فرانصي (الفضة) وقطع ذهب..
هل تتذكرون كم المبالغ التي جمعتموها.. ؟
– هذا هو السؤال الأهم، المبالغ التي تم جمعها لم نعلم كما هي ولا كم حجمها أو وزنها.. كلما نعرفه جميعا في لجان الجمع أن الصندوق عندما يمتلئ يتم اغلاق الفتحة الصغيرة بإحكام أيضاً، وكان يتم جمع الصناديق، ووضعها داخل غرفة مكتبي في إدارة المدرسة، وظلت كما هي حتى جاءت لجان خاصة من الثوار في جنوب الوطن وتم تسليمها إليهم، وأتذكر إنهم نزلوا في فندق في صنعاء كان اسم صاحبه عبد الواحد العامري.. وجاؤوا إلى المدرسة وتم تسليمهم الصناديق، وكان منهم محسن اليافعي، وقائمة من الأسماء لا أتذكرهم بالاسم.
وهل ثمة قصص ما تتذكرونها حدثت في تلك الفترة.. تؤكد على واحدية الثورتين سبتمبر واكتوبر. ؟
– هناك قصص كثيرة، فثمة مناضلون من جنوب وشرق الوطن استشهدوا في معارك مطاردة فلول الملكيين، ومناضلون من الشمال استشهدوا في معارك الكفاح المسلح لطرد المستعمر.. والقصص كثيرة التي تؤكد واحدية الثورة ستجدونها في والمذكرات الشخصية والمراجع التي وثقت تلك الفترة.. وليس المهم سرد تفاصيل القصص، غير أن الأهم هو الإشارة إلى أن تلك الفترة كانت مشهودة بالتلاحم الشعبي والتطلع الكبير إلى فجر الاستقلال، الكل مندفع.. الشمال مندفع نحو الجنوب لطرد المستعمر، والجنوب مندفع لطرد فلول الملكيين والدفاع عن الجمهورية..
بالعودة إلى الحركة الطلابية، التي كنت شاهدا ملتحما بها.. كونك كنت مدرساً ثم مديراً في المدرسة المتوسطة.. فما هي علاقة الحركة الطلابية بواحدية الثورتين..؟
– هناك علاقة كبيرة بل ومحورية، فلم يقتصر دور الطلاب في التمهيد لقيام الثورة باحتجاجاتهم التي بدأت بالمدرسة المتوسطة ومدرسة الأيتام في صنعاء، بل امتدت إلى محافظة تعز حيث مدرسة الأحمدية الأولى في اليمن من حيث الزخم الطلابي بل تجاوزت ذلك إلى مدارس عدن التي عززت شارع الاحتجاجات الجماهيرية في عدن المحتلة من قبل الاستعمار البريطاني، حيث حدثت احتجاجات عدن قبل ثورة 26 سبتمبر بيوم أو يومين، بل كانت احتجاجات تتصل بالتنديد بهمجية عسكر الإمام في قمع وملاحقة زملائهم الطلاب في صنعاء وتعز واحتجاجاً على النظام الإمامي في صنعاء.. بل إن الحركة الطلابية لعبت دوراً محورياً في إسناد المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة السبتمبرية وامداد جبهات الكفاح المسلح ضد الانجليز -بعد انفجار ثورة الـ 14 من أكتوبر- وذلك بالشباب الفتي المسلح بالعلم واليقظة والوطنية..
هل تقصد أن الحركة الطلابية صارت جزءاً من جيش الثورتين سبتمبر واكتوبر..؟ وكيف تم تسليحها..؟
– كانت الحركة الطلابية جزءاً من المقاومة الشعبية، في البدء، بل محور المقاومة الشعبية، وبعد ذلك قامت قيادة المقاومة بتسليح الطلاب جميعا، وتوزيعهم على جبهات القتال المسلح ضد الانجليز، وعلى جبهات الدفاع عن النظام الجمهوري.. فمثلاً أتذكر أنه تم في صنعاء توزيع الطلاب على الحراسة الليلية والدوريات وكانت هذه الخطوة ناجحة حيث تمت الحراسة بشكل مكثف وتم التصدي للمحاولات المتفرقة للإطاحة بالنظام الجمهوري والحفاظ على الثورة وتم التفتيش في جميع أنحاء العاصمة وضبط أسلحة وغيرها ورفعها لقيادة المقاومة.. وبعدها توزعت المقاومة على جميع أنحاء العاصمة وخرجت إلى مناطق كثيرة وتعرضت لمشاكل كثيرة في الحراسات الليلية والدوريات خاصة في حصار السبعين يوما ولا زلت أذكر تلك المتاعب التي عشتها بمرافقة الأخ السفير يحيى محمد السياغي وكثيراً من الإخوة الذين ضحوا واستشهدوا وبذلوا الغالي والنفيس من أجل نجاح المقاومة الشعبية حتى أنهم كانوا قد لا يجدون من شدة البرد قليلا من الحطب لتدفئة أنفسهم حتى أن أيديهم كانت تتجمد من البرد فلا يستطيعون تحريكها.. وفي الجنوب أيضا قدم الطلاب إلى جانب قيادات ورموز الحركة الوطنية تضحيات كبيرة في الكفاح المسلح من أجل التحرر من الاستعمار حتى فجر الاستقلال 30 نوفمبر 1967م ورحيل آخر جندي بريطاني من الوطن.. والذي كان اليمنيون ينتظرون فيه إعلان الوحدة اليمنية.. لكن للأسف كما يقولون: “تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ”..
ما الذي حدث حتى غاب إعلان الوحدة اليمنية في هذه المناسبة..؟ وكيف تبلورت اتفاقية الوحدة الأولى في طرابلس وهي الاتفاقية التي كنتم فيها عضواً في اللجنة القانونية..؟
– الذي حدث هو نشوب الصراع الشديد بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في الجنوب، وفي الشمال حدوث حركة 5 نوفمبر التي أطاحت بالسلال. هذه الأحداث شغلت الجانبين الرسميين للأسف الشديد، لكن الوحدة ظلت هماً للساسة، وحلماً للشعب اليمني شمالاً وجنوباً.. وظلت المساعي قائمة باتجاه تحقيق الوحدة.. وتوجت تلك المساعي بين قيادتي الشطرين بالاتفاقية الأساسية الأولى لدولة الوحدة اليمنية التي بدأت المداولات عليها منذ 1972م في قمة ليبيا، وكنت يومها عضواً في اللجنة القانونية بحكم عملي في المكتب القانوني في القصر الجمهوري ثم مديراً لمكتب شؤون الوحدة.. وأتذكر أن الاتفاقية تضمنت المبادئ والأسس لقيام وحدة يمنية بين كل من الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. وشملت هذه المبادئ 15 مادة حددت شكل ونظام الحكم والأحكام الختامية.. وما انبثق عن هذه الاتفاقية من لجان فنية مشتركة من الشطرين وصل عدد أعضائها نحو (152) تولت العمل على تنفيذ الاتفاقية..
في عهد الشهيد الحمدي الذي شهد تحولات تنموية لم تزل متفردة حتى اليوم.. يذكر الكثير من المناضلين أن فكرة تنمية القرى هي من صنع المناضل الطيب.. وقد حظيت بدعم كبير من الشهيد الحمدي رحمه الله.. هل ذكرت لنا قصة هذه الفكرة..؟
– كان للشهيد الحمدي بصمته في التشجيع على صناعة التحولات التنموية في البلد معتبراً هذا الأمر محوراً جوهريا لأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المباركة.. وتالياً لذلك فقد جعلنا جميعاً في تفاعل إيجابي مع مقتضيات النهوض بالتنمية في الحضر والريف، وأتذكر أن فكرة تنمية القرى التي طرحتها يومها مبتدأ من محافظة إب كانت في إطار المبدأ العام للتعاونيات الأهلية التي كانت أهم انجازات حقبة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي – رحمه الله- والتي فتحت الباب لكل فرد في المجتمع ليكون له شرف الاسهام في بناء الوطن..
على ماذا تقوم فكرة تنمية القرى..؟
– فكرة تنمية القرى كانت قائمة- ولم تزل حتى اليوم جزءاً رئيسياً من أي مشروع يريد النجاح- على أساس تحقيق ديمومة عطاء المشاريع التي تنفذ في قرية من قرى اليمن، وبمساهمة كل مواطن.. شريطة تعهد هذا المشروع أو ذاك بالصيانة المستمرة والتوسع، والتحديث والإشراف على حمايتها من أي ضرر أو إهمال، وفق آلية تحدد العناصر المسؤولة عن المشروع مسؤولية مباشرة أمام الهيئة العليا للتعاون الأهلي، وأمام المواطنين عن سلامة سير العمل في المشاريع والحفاظ عليها بصفة مستمرة باعتبارها حق عام لجميع المواطنين.. ولتحقيق هذا الهدف الأساسي تم انتخاب لجنة من ثلاثة أشخاص في كل قرية على أن يكون عضو الجمعية العمومية رئيساً للجنة إن وجد في القرية وإن لم يكن الأكثر حيازة على الأصوات رئيسا للجنة على أن تتم الانتخابات تحت اشرافه في القرى التي يمثلها ويعتبر المسؤول الأول أمام الهيئة بحيث يوافيها بصفة دورية بتقارير عن سير العمل في المشاريع التي تنفذ والتي تحتاجها القرى وحل الصعوبات التي تواجهها اللجان، لتتولى الهيئة الإدارية تلك المشاريع ومعرفة تكاليفها، ومقدار مساهمة المواطنين ووضع الحلول المناسبة لتنفيذها..
كنت صديقاً مقرباً من الشهيد ابراهيم الحمدي – رحمه الله.. فماذا تتذكرون من مواقفه المتصلة بالتنمية والقرب من الناس..؟
– قصص الحمدي المتصلة بالتنمية والمجتمع وهموم البسطاء لا تنتهي ولا يتسع هذا المقام لسردها…. لكن ما يجب الإشارة إليه، هو أن أهم القصص التي لم أنسها حدثت تقريبا في العام 1976م حيث التقينا ذات يوم بالرئيس ابراهيم الحمدي في منزل الأستاذ عبدالله حمران – رحمهما الله جميعاً.. فسألني الرئيس الحمدي يومها عن أوضاع الناس والتنمية في محافظة إب وتحديدا الأوضاع في مديرية الشِّعِر والنادرة والسَّدَة ودمت وغيرها من المديريات، فطلبت منه زيارة المنطقة الوسطى، فوافق مؤكدا عزمه الزيارة على وجه السرعة، ووجهني بأن أسبقه إلى المنطقة الوسطى، وفعلا دون أي تسويف وصل اليوم الثاني إلينا وقدم لهيئة التعاون في هذه المديريات مليوني ريال، وعمل مستشفى وادي بناء الذي لا يزال قائما حتى اليوم، ومشروع مياه العود وغيرها من المشاريع التنموية التي تحققت بعد تلك الزيارة..

قد يعجبك ايضا