الحرية مفتاح بناء الثقة

 

عبد العزيز البغدادي
يستخدم مفهوم بناء الثقة في الإجراءات التي تتخذها الأطراف المتصارعة أو المتحاربة لتعبر من خلالها عن الرغبة في السلام وإنهاء حالة الصراع أو الحرب.
وفي اعتقادي أن الثقة الحقيقية لا تبنى إلا بين متحاربين أحرار يمتلكون قرار الحرب والسلم ، أما الأدوات والعبيد الذين يَقتُلون ويُقْتَلون بالأجر اليومي أو بالمقاولة فلاوجود لهم في المعادلة ، وفي العدوان على اليمن أو الحرب التي استخدم فيها جمهوريو الكبسة بتوجيههم ليلجأوا إلى أعتى الملكيات يتسولون الملك وولي عهده إنقاذ الجمهورية ، قرار هذا العدوان و الجنوح إلى السلم إنما يملكه مولاهم ، وهكذا هي الحروب القذرة التي انتهكت كل القيم والأخلاق التي تعارف عليها البشر حين كان لديهم بعض أخلاق الفرسان وبنوا عليها آمالهم في بناء عالم حضاري يحمل قدراً من القيم والأخلاق وتضمنتها بعض المعاهدات والاتفاقات والمواثيق وأصبحت مكسباً إنسانياً بحاجة إلى تضافر جهود البشر الأسوياء والأحرار من أجل احترامها وتحديثها ووضع آلية دولية جادة وفاعلة لتنفيذها على جميع الدول بدءاً بأقوى قوة في العالم (أمريكا) ا لأنها الدولة الأكثر مروقاً!؛
أماّ أن تتحول قواعد الحرب وامتلاك أسلحة الدمار المحدود والشامل رهن إرادة وقوة الأقوياء فهذا ليس سوى الوجه الجديد لسيادة مبدأ: قانون القوة بدلا عن قوة القانون !؛
لقد كانت أطروحات بعض ممثلي من يطلقون على أنفسهم (الحكومة الشرعية) في اجتماع ما يسمى مشاورات السلام في ريمبو- ستوكهولم -السويد مستفزة وهم من يجدون في العالم مساحة من القبول إما من المتأثرين بالتضليل الإعلامي أو بسلطة المصالح المتوحشة التي تقود العالم اليوم إلى الهاوية !؛
والمتأمل في هذه الأطروحات يتضح له أن من بيده قرار وقف العدوان إنما هي الإدارة الأمريكية التي أعلن عادل الجبير من عاصمتها بدأه وهو ما صار مكشوفاً لدى أغلب المتابعين والمهتمين منظمات وأفراد ويبدو أنه من مقدمات ما يسمى صفقة القرن التي صار فيها الدور السعودي ومحمد بن سلمان على وجه الخصوص المرسوم أمريكيا واضحاً وحَلْبَة القرن المقاربة قيمتها المعلنة لـ : ترليون دولار جزءاً منها ويبدو أن مبلغا آخر لايزال مستوراً هو ثمن المحاولة المستميتة المستمرة من ترامب وبعض منتسبي البيت الأبيض للتستر على بن سلمان باعتباره المجرم الرئيسي في مقتل الصحفي جمال خاشقجي الذي نجحت البروبجندا الإعلامية الصارخة في جعلها أبرز جريمة قتل وقعت في التأريخ وفضحت النظام السعودي وبن سلمان ومملكة القتل والفساد!، وهي نفس الأجهزة الإعلامية التي عملت على إخفاء أفظع جرائم القتل والإبادة الجماعية لعشرات  الأطفال اليمينيين والمدنيين والنساء وتدمير المدارس والمطارات والطائرات المدنية وصالات العزاء والأعراس وآبار المياه وسيارات المسافرين ومزارع الدجاج والأبقار وكل ما يخطر ولا يخطر على بال القارئ من أهداف مدنية ومجرّم استهدافها إنسانياً !
هذه الحقائق تنبئنا عمن يملك قرار الحرب والسلم في هذا اليمن المبتلى ببعض أبنائه وفي المقدمة بعض نخبه السياسية وبالتالي من يملك مفاتيح بناء الثقة؛
أساس بناء الثقة يقع حيث يقع في رأس من وجه بالعدوان وأشرف عليه وأداره ولايزال وليس في هذه الرؤوس الخاوية التي تمثل ما يسمى الشرعية في مشاورات السويد؛
هل يعقل أن تصبح جريمة إغلاق مطار صنعاء العاصمة لمدة أربع سنوات والحصار الكامل لسواحل اليمن ومطاراته مادة لهذا التجاذب السخيف أو مصارعة ستوكهولم لمجرد أن عباقرة أو أثوار ما يسمى (الشرعية ) صار لهم من يشجعهم دولياً على التمادي في السخرية بضمير العالم ووجدانه من خلال استمرار جريمة الحصار وإغلاق المطارات والموانئ أمام الملاحة المدنية وجعلها محلاً للنقاش مع أنها جريمة مطلوب إيقافها ومحاكمة من يقوم بها، بل وأن يشترط الطرف المستدعي للعدوان لفتح مطار صنعاء ليس فقط بأن تفتش الطائرات بل وأن يكون المعتدي المجرم هو من يفتشها ؟؟!!!؛
هل هناك سخرية بالعقل الإنساني أكثر من هذا الذي يحدث على مرأى ومشهد من العالم؟!
في هذا البلد :(الزمن لا يأتي بأحسن):
حين كان اليمنيون أقرب إلى فطرة الحرية ولم تكن فِرَق الارتزاق قد تشكلت على هذا النحو السرطاني وفي مناطق لم تكن متوقعة حينها كان اليمنيون قادرين على إخماد نار الفتن كلما أشعلتها السعودية باستخدام أدواتها بفضل الفطرة السليمة ونقاء الوعي والتمسك بالوطنية اليمنية وبخاصة في تلك المناطق التي ترعرعت فيها بدايات الحركات التحضرية الجديدة.. كثيراً ما كانت تتحول النار إلى برد وسلام واتفاق على الوحدة ، حدث ذلك في اجتماع القاهرة سبتمبر 1972 بين الأستاذ علي ناصر محمد رئيس الوزراء في الشطر الجنوبي من الوطن والأستاذ/ محسن العيني / رئيس الوزراء في الجمهورية العربية اليمنية أي بعد أيام قليلة من وقوع الصدام المسلح ومهد اللقاء  لبيان  طرابلس ليبيا 26 في نوفمبر عام 1972م   وفي الكويت ما رس عام 1979م وجميعها لقاءات انتهت بالاتفاق على الوحدة حينها لم تكن الجامعة العربية قد وصلت إلى ما وصلت إليه من مستوى مؤسف تجلى في دورها القذر في محاولة شرعنة العدوان على اليمن وفي سوريا وغيرها !!؛
في لقاء السويد كم يبدو هؤلاء الصغار صغاراً وهم يتحدثون عن إجراءات بناء الثقة وهم على ثقة بأنهم ليسوا محل ثقة من يستخدمهم بمزعوم دعم شرعيتهم ويقوم بتدمير بلادهم تدميراً مادياً ومعنوياً ممنهجاً منذ أربع سنوات وبعضهم يتلذذ بمشاهد أطفال بني جلدته لأسباب نعف عن ذكرها لأنها إنما تعبر عن قلة مريضة من المحسوبين على الجنوب أما أحراره فهم مغيبون شأنهم شأن كل الأحرار اليوم وسينهضون مستقبلاً نهوضاً إنسانياً نقياً تُداس في ظله الانتماءات الضيقة عديمة البصر والبصيرة
إننا بحاجة فعلية لبناء الثقة لكنني أعتقد أننا نحتاج أولاً لأن نُطهر أنفسنا من العصبية بأنواعها وأن نشد أيدي بعضنا لنتجه معاً نحو بوابة الحرية الحقيقية الخالية من الأحقاد والأمراض المناطقية والطائفية والأطماع القاتلة فالحرية هي بوابة بناء الثقة!

قد يعجبك ايضا