شيخوخة الدولة السعودية الثالثة 4-4

محمد ناجي احمد

عندما وضع الملك فهد ” النظام الأساسي ” للحكم لم يكن النظام الأساسي سوى تدوين لواقع الممارسة المتراكمة للحكم المطلق الذي أسسه عبد العزيز بن سعود ؛ أي تجميع كل السلطات بيد الملك . وبهذا لم يأت النظام الأساسي بجديد ، بل جعل إرادة الملك بتغيير ” النظام الأساسي ” هي الأصل ” فقد تم استبعاد أية فكرة للتصويت على النظام الأساسي من قبل الشعب عبر الاستفتاء العام أو مناقشته عبر مجلس شورى منتخب ، ولا يزال النظام السعودي يرفض إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية أو أخذ رأي الشعب في تعيين الملك القادم . ويواصل استمراره على أساس القوة والقهر والغلبة ، مع أخذ البيعة من الناس بشكل صوري لا يقدم ولا يؤخر ” ص152 الفكر السياسي الوهابي –أحمد الكاتب.
وهو بهذا ينطلق من الفكر الوهابي الذي يكفر الشعب، ويرفض المساس بهيكلية النظام الأساسي ويرفض فكرة توزيع السلطة التي تم إحرازها عن طريق الفتح والقهر والغلبة. ص152 المرجع السابق.
كان القضاء على حركة فيصل الدويش ، التي كادت أن تخلع الملك عبد العزيز بن سعود ، وعدم التهاون مع أية إمكانية لتمرد الوهابية عن الدولة السعودية – أن جعل المذهب في حالة تهجين وخضوع لمتطلبات السلطة . فآل الشيخ الذين توارثوا السلطة الدينية في السعودية امتزجوا عن طريق الزواج والمصاهرة مع آل سعود ، بل ووصل الأمر بالملك فيصل بن عبد العزيز أن جعل عبد العزيز بن باز على رأس هيئة كبار العلماء الذين حددهم ب 17عضوا ، في إزاحة للرمزية المعنوية لآل الشيخ ، وفي عهد الملك فهد أعاد الرئاسة الدينية لآل الشيخ إلاَّ أنها عادت مقصوصة الجناح ، أو في كنف جناح الملك لا موازية له في السلطة .
تعاملت الدولة السعودية الثالثة في عهد مؤسسها عبد العزيز آل سعود بصرامة وعدم تهاون مع كل موقف معارض ولو كان بالقول وإبداء الرأي للناس علانية . ففي عام 1944 حين كان عبد العزيز بن باز قاضيا وواعظا في (الخرج ) خطب ضد موالاة الأمريكان وتسليم معادن البلاد وثرواته لهم ، فما كان من عبد العزيز آل سعود إلاَّ أن دعاه وناقشه أمام جمع من الأمراء والعلماء الذين شهدوا في خاتمة النقاش بأن الملك على حق وأن ابن باز على خطأ ، عندها أصدر الملك عبد العزيز حكمه على ابن باز بالاعتذار خلال 24 ساعة وإلاَّ قطع عنقه !
والحقيقة أن الملك هنا قد حكم على ابن باز بأن يصبح من وعاظ السلاطين طيلة حياته ،فحين قامت حركة (جهيمان بن يوسف العتيبي) و(المهدي محمد بن عبد الله القحطاني) عام 1979م ، واعتصموا داخل الحرم المكي ، فكان أن استعان الملك خالد بقوات فرنسية وأمريكية لصعقهم بالكهرباء والماء داخل الحرم ، أصدر بن باز حكمه على قادة هذه الحركة بأنهم دعاة هدم وضلالة ، بل وحذر من كل دعوة للمعارضة والإصلاح فقال ” أو صي بالحذر من دعاة الهدم ،من دعاة الضلالة ، مثل ( المسعري ) وأشباهه ومن يتعاون معه على التخريب والفساد وتضليل الناس ، هذا شر عظيم وفساد كبير ” وطالب بالتعاون مع ولاة الأمور ، ووصف أمثال (محمد المسعري) بالضلال والجهل ،وأنهم باعوا دينهم على الشيطان .

 

قد يعجبك ايضا