المفكر أسامة الخضر لـ “الثورة”: الصراع سنة إلهية ومن منظور قرآني هو صراع بين الحق والباطل

المفكر والباحث الإسلامي أسامة علي الخضر لــ” الثورة”:

 

¶سبب الصراع العربي الإسرائيلي هو ديني وليس سياسياً أساسه الحقد اليهودي

¶ مشكلة المسلمين اليوم عدم تطبيق كلمة الوحي القرآني وهي (اقرأ)

الباحث الإسلامي أسامة علي الخضر- باحث علمي اهتم بإبراز قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم وأصدر كتابين الأول بعنوان (رؤية قرآنية لقوانين الكون) وذلك في عام 1998م وقد كتب له مقدمة كتابة المذكور المفكر الإسلامي د. مصطفى محمود صاحب برنامج (العلم والإيمان) الشهير أما الكتاب الثاني فهو بعنوان (القرآن والكون من الانفجار العظيم إلى الانسحاق العظيم) وذلك في عام 2003م وقد كتب له مقدمة هذا الكتاب كل من البروفيسور/ حميد مجول النعيمي- عضو الاتحاد الفلكي والمهندس/ خليل قنصل – رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك آنذاك، وقد تمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية وأصبح مرجعية علمية في العديد من الجامعات العالمية.
وفي حديثنا هنا مع الباحث أسامة الخضر نحاول أن نقرأ معه نبذة تاريخية عن أسباب الصراع العربي الإسرائيلي مستوحين ذلك من الكتب المقدسة لدى اليهود والنصارى (التوراة والأناجيل) ومن القرآن الكريم، حيث يرى الباحث الخضر أن اليهود والنصارى لو قرأوا كتبهم المقدسة بإنصاف ونزاهة لدخلوا في دين الله أفواجا ولكنه التكبر والعناد والجحود… إلى التفاصيل :

لماذا هناك صراع أصلاً في حياة البشرية ؟ وما الفرق بين فكرة الصراع من المنظور القرآني والصراع من وجهة نظر الإيديولوجيات البشرية ؟
– بالنسبة لفكرة الصراع فقد احتار الكثير من الفلاسفة ورجال الفكر الإنساني عبر التاريخ حول سبب وجود هذا الصراع أصلاً بين أفراد البشر مع أن مؤهلاتهم المتفوقة كان من المفترض أن تجعلهم يعيشون حياة أكثر سعادة أو على الأقل أن تكون التفاهمات أكثر من التناقضات ولكن من المؤسف برهن التاريخ والواقع أن التناقضات والصراعات التي أدت إلى الحروب والدمار وسفك الدماء وقتل الأبرياء هي ما وسم تاريخ الإنسان والى اللحظة التي نحن فيها.. لماذا هذا ؟
الحقيقة أن الإنسان عندما ينسلخ من المنظومة الأخلاقية ويبتعد عن الوحي الإلهي الذي يهديه إلى ما ينبغي أن يكون فإن الرغبة في السيطرة والإحساس بالتفوق والقوى المسخرة لإخضاع الآخرين وشهوات الإنسان المتجذرة والعميقة الدائمة التقلب والتجدد والتي لا حد لإشباعها تصبح هي المحرك الأساسي لسلوكيات الإنسان فينشأ عنه الصراع المأساوي الذي يعيشه الإنسان في كل مكان وزمان وبسبب أن الإنسان له القدرة على صياغة التبريرات العقلية والتمويهات الإيديولوجية التي تخفي الأسباب الحقيقية لفكرة الصراع التي ذكرناها فقد ظهرت العديد من التفسيرات البشرية لفكرة الصراع نذكر منها فكرتين تغلغتا في الفكر الإنساني في القرنين العشرين والواحد والعشرين وهما:
أولاً: الماركسية وهي الإيديولوجية الإلحادية التي تنسب إلى (كارل ماركس) والتي توجت بالثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي واستمرت قرابة السبعين عاماً ثم سقطت سقوطاً مدوياً بافتضاح زيف هذا الفكر الذي اعتمد اعتماداً رئيسياً على فكرة الصراع الحتمي بين الطبقات كمحرك رئيسي لعجلة التاريخ على أساس فلسفي يرى أن الكون مادة ولا وجود للإله الذي خلق كما تقول الأديان… وقد لا يعرف الكثيرون أن المادة الخام الذي استلهم منها (ماركس) فكرة الصراع التاريخي هي نظرية التطور (لدارون) التي فسرت الطبيعة على أنها حلبة صراع بين الكائنات الحية وأن البقاء للأصلح.
لقد رأى ماركس نتيجة لهذه النظرية الداروينية الخاطئة جملة وتفصيلاً بأن عجلة التاريخ البشري محكومة بالصراع الحتمي بين الطبقات الذي سينتهي إلى الشيوعية وإنهاء الفوارق بين الناس لكن على أساس الصراع الدموي الذي يغذيه الحقد وحمامات الدماء.
وفي النهاية تصدعت هذه الإيديولوجية لأنها على النقيض تماماً مما برهنت عليه العلوم الطبيعية في كل ميادينها فما قام على باطل فهو باطل.
ثانياً: البراجماتية الأمريكية: الولايات المتحدة الأمريكية وهي التي تسيطر على العالم اليوم وتثخن فيه الجراح الغائرة لها إيديولوجية تقوم على دعامتين أساسيتين :
1- البراجماتية: وهو الفكر النفعي الذي يرى أن صلاحية أي فكرة تقوم على نجاحها العملي فالمصلحة والانتهازية والتي لا تعرف القيم الأخلاقية ولا الضوابط السلوكية هي مربط الفرس عند هذه الفكرة.
2- الداروينية: أيضاً نظرية دارون تعد من أهم المصادر التي استقت منها الإيديولوجية الأمريكية غذاءها فهي نظرية -كما أسلفنا- تقوم على فكرة الصراع والتنافس والبقاء للأصلح والأقوى وبذلك ترى الإمبريالية الأمريكية أنه ما دام البقاء للأقوى فمن حق الأقوياء بسط النفوذ واستغلال الشعوب وفرض السيطرة والظلم واستعباد الضعفاء وهذا ما نراه أمامنا وتعاني منه الدول التي انبطحت وفقدت كل مصادر قوتها تجاه هذا الغزو الساحق، ولكن ما دامت هذه الإيديولوجية اعتمدت على نظريات وأفكار خاطئة فالمآل حتماً هو السقوط والتصدع كما سقطت الإيديولوجية الماركسية بلا جدال.
إذن ما مفهوم الصراع من المنظور القرآني والوحي الإلهي؟
-مفهوم الصراع من المنظور القرآني مختلف تماماً، فهو ليس صراع الحقد والكراهية الذي يتطلب الغرق في حمامات الدماء وليس هو الصراع من أجل السيطرة والهيمنة واستغلال الشعوب بل هو صراع بين الحق والباطل … صراع بين فريق آمن بالله تعالى خالقاً ومدبراً لهذا الكون وبالتالي فالحاكمية والسلطان له وحدة والإنسان مخلوق لله أعطاه كل هذه المؤهلات الفريدة من بين الكائنات ليكون خليفة الله في الأرض يطبق شريعة الله تعالى الداعية إلى العلم والعمل وإقامة العدل وعمارة الأرض وفعل الخيرات كما قال تعالى ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)) [ص:26] ، وبين فريق كفر بالله وجحد كل الدلائل التي تبرهن على قيوميته وسلطانه وأنضم إلى حزب العدو الأزلي للإنسان وهو الشيطان الذي أمر بالفساد والعداوة والحروب العبثية وكل المظالم التي نراها اليوم وقد فضح الله تعالى في قرآنه العظيم هذه الدسائس الشيطانية في قوله تعالى ((وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً)) [الإسراء : 64].
صورة حيوية فيها معركة واضحة بالصوت والجيوش والفساد في الأموال والأولاد والوعود الكاذبة والمضللة توضح أجندة الفريق الثاني من الجاحدين واتباع حزب الشيطان اللعين.
إذاً كيف نفهم أسس الصراع العربي الإسرائيلي على ضوء التأصيل الذي تراه من الكتب المقدسة وهي التوراة عند اليهود والأناجيل عند النصارى وكيف جاء القرآن الكريم ليؤطر هذا الصراع في إطاره الصحيح؟
-أولاً: لا بد من كلمة عن إعجاز عظيم موجود في القرآن الكريم ولم يفطن إليه الكثيرون وهو أن جميع الأسماء الأعجمية والعبرية التي وردت في القرآن الكريم سواء أكانت أسماء أنبياء لبني إسرائيل أو أسماء أماكن قد وردت ترجمتها الدقيقة في سياق الآيات القرآنية التي تتحدث عن هذه الاسماء وسنبين ذلك من خلال السرد في هذا اللقاء.
ثانياً: لا بد أن نعرف من هم اليهود وما هي التوراة التي يقدسونها حتى نوضح منشأ الصراع الحقيقي.
التوراة في القرآن تعريف للفظة (تورا) العبرية اسم الكتاب الذي نزل على موسى عليه السلام وعند علماء العبرية والمعاجم المعتمدة لديهم وخاصة معهم (هملونهداشلتناخ) وهو أكبر المعاجم العبرية

قاطبة (تورا) معانيها الآتي :
1) العلم.
2) الإظهار والإبانة.
3) الهدى والهداية.
4) الإراءه والتبصر.
وقد ألم القرآن الكريم في تفسير لفظة (تورا) بهذه المعاني الأربعة فمثلاً فسر القرآن التوراة بمعنى العلم في قوله تعالى ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً)) [محمد : 16]، والذين أوتوا العلم هم الذين أوتوا التوراة وهم اليهود.
وفي قوله تعالى ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)) [آل عمران: 19] والعلم هنا بمعنى التوراة لأن اليهود لم يختلفوا فرقاً إلا من بعد ما جاءتهم التوراة.
وأيضاً فسر القرآن التوراة على معنى البيان والإبانة في قوله تعالى ((أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى)) [طه: 133] والصحف الأولى كناية عن التوراة… وكما قال تعالى ((وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ)) [البينة: 4] أي ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم التوراة.
وفسر القرآن معنى التوراة على معنى الإظهار والإبانة في قوله تعالى ((وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ)) [الصافات: 117]، والكتاب المستبين هو التوارة الذي جاء به موسى وهارون عليهما السلام.
وفسر القرآن التوراة على معنى الهدى والهداية في قوله تعالى ((وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)) [الإسراء: 2].
وعلى معنى الإراءة والتبصر فسر القرآن معنى التوراة في قوله تعالى ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ)) [القصص: 43].
وهكذا يتجلى إعجاز القرآن في ترجمته لكل معاني التوراة التي وردت في المعاجم العبرية.. فأي إعجاز وأي علم !!
والتوراة تطلق على مجمل أسفار (العهد القديم) أي أسفار الأنبياء وأسفار الكتبة أي (توراة الأنبياء والكتبة) لأن أصحاب تلك الأسفار ليسوا بأنبياء بل كتبة مثل سفر (عزرا) كاتب شريعة الله بعد سبي بابل والكتبة في ديانة اليهود هم حفاظ التوراة نسخوها بأيديهم.
وتنسب الأسفار الخمسة الأولى من توراة الأنبياء والكتبة وهي “سفر التكوين وسفر الخروج وسفر العدد وسفر اللاويين وسفر التثنية” إلى موسى عليه السلام فهي وحدها توراة موسى تليها أسفار أنبياء وكتبه مثل “سفر المزامير” لداوود أي الزبور كما قال تعالى ((وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً))[الإسراء : 55].
أما كلمة اليهود وهي “يهوديم” في العبرية ويهودائيين في الآرامية فزعم اليهود أنهم سموا هكذا نسبة إلى يهوذا بن يعقوب.. وهذا على انتشاره وشهرته غير صحيح لأن المحققين تساءلوا “لمــاذا يهوذا بالذات يحظى بهذا الشرف وفيهم والدهم النبي يعقوب وفيهم أيضاً يوسف الذي آواهم وأدخلهم إلى مصر فلماذا يهوذا بالذات”؟
السر في هذا أن كتبة التوراة كانوا يكتبون أسفارهم في ظل بيت داوود الملك ومن المعروف أن داوود وسليمان من سبط يهوذا.
لكن المعاجم العبرية تقول إن (هودا) من معانيها بالعبرية (التوبة والعودة) وقد فسر القرآن الكريم هذا المعنى العبري لكلمة يهود في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام في استغفاره في فتنة العجل ((وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ)) [الآعراف: 156] أي تبنا وأنبنا وعدنا إليك.
ومن معاني (هودا) في اللغة العبرية هي الهوادة والانصياع والطاعة وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى في تفسير الذين هادوا ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا)) [المائدة: 44]. أي الذين أسلموا وخضعوا واستسلموا.
لكن كيف بدأت قصة اليهود ورحلتهم مع أنبيائهم عبر التاريخ ؟
-لا يمكن في هذه العجالة إعطاء تفاصيل كاملة عن هذا التاريخ ولكننا سنتوقف عند المحطات الكبرى من تاريخهم.
تبدأ قصة اليهود أصلاً مع خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.
وإبراهيم عليه السلام في القرآن هو تعريب لكلمة (آبراهام) في التوراة ومعناها العبري كما جاء في قاموس (هملونهداشلتناخ) (إمام الناس) وهذا ما جاء في القرآن تماماً في قوله تعالى ((وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)) [البقرة : 124].
ولد إبراهيم عليه السلام في مدينة (أور) في العراق، وكذلك زوجته سارة والدة إسحاق عليه السلام ولدت في (أور) أيضاً فهما من قبائل عربية آرامية عراقيا المولد والموطن ولغتهما عربية آرامية وقد شغل إبراهيم في طفولته بالبحث في ملكوت هذا الكون للبحث عن الإله الحق وكان والده (أزر) يصنع التماثيل ويبيعها ومعروف قصة إبراهيم في تكسيره للإصنام وإلقاءه في النار وكيف أنجاه الله تعالى منها ثم خروجه مهاجراً إلى ربه مع أبن أخيه لوط… وكانت سارة زوجته لا تنجب فتزوج النبي إبراهيم من (هاجر) التي أنجبت له النبي إسماعيل عليه السلام وكانت بداية الخط النبوي الأول الذي سيأتي من خلاله خاتم الرسل وأعظم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)… وبعد أن هاجر إبراهيم عليه السلام إلى فسلطين ذهب إلى شبه الجزيرة العربية بأمر من الله تعالى ليستوطن إسماعيل وأمه هاجر في هذه المنطقة الجرداء وحادثة إسكان إسماعيل عليه السلام في منطقة شبه الجزيرة ومجيء أمة عظيمة من منطقة الجزيرة العربية قد وردت في التوراة فقد جاء في سفر التكوين (16 : 7-13) [فقال لها (لهاجر) ملاك الرب ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها وقال لها ملاك الرب: وتكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة وقال لها ملاك الرب: ها آنت حبلى فتلدين أبناً وتدعين اسمه إسماعيل].
وجاء في سفر التكوين (17: 20) [وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنذا أباركه وأثمره وأكثره جداً اثني عشر رئيساً وأجعله أمة كبيرة].
وجاء في سفر التكوين (18: 21) [قومي أحملي الغلام (إسماعيل) وشدي يديك به لأني سأجعله أمة عظيمة وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء].
وقد وردت في القرآن حادثة إسكان إسماعيل وهاجر في شبه الجزيرة العربية عندما قال تعالى على لسان إبراهيم ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) [إبراهيم: 37]
ومن هنا بدأت رحلة مجيء خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي سيحيي حنيفية جده إبراهيم عليه السلام وهي ديانة الإسلام.
النبي إسماعيل عليه السلام في القرآن فهو تعريب لكلمة (يشمعيل) العبرية في التوراة ومعناها العبري (يسمع الله) وفي القرآن نجد ذلك المعنى في قوله تعالى ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)) [إبراهيم: 39] تأمل المشاكلة في الآية بين إسماعيل وسميع الدعاء.
أما الخط الثاني وهو بداية تاريخ بني إسرائيل فكان بميلاد النبي إسحاق عليه السلام الابن الثاني لنبي الله إبراهيم الذي رزق به من زوجته سارة وقد كانت عجوزاً عقيماً وإبراهيم كان كبير السن فكان إنجابهما إسحاق آية من آيات الله كما قال تعالى ((قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)) [هود : 72].
وقد ولد إسحاق في منطقة (جرار) شمال سيناء خارج فلسطين واسم إسحاق هو تعريب للكلمة العبرية (يصحاق) في التوراة ومعناها بالعبري (الضاحك أو الضحوك) ومن إعجاز القرآن المذهل أننا نجد هذا المعنى لإسحاق في سياق الآية الكريمة التي قال فيها تعالى ((وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ)) [هود: 71].
أي أن سارة ضحكت وهي قائمة تخدم ضيف إبراهيم من الملائكة عجباً وكأن ضحكها كان مناسبة يصاغ منها اسم المولود، أي الضاحك أو الضحوك (إسحاق) أو بالعبرية (يصحاق)… فأي أعجاز وأي علم.
ثم جاء النبي يعقوب وهو (إسرائيل) الذي جاء منه الأسباط الذين أنحدر منهم بنو إسرائيل ويعقوب هو ابن إسحاق وهو في التوراة (يعقوب) من الجذر العبري (عقب) وهو نفسه الجذر العربي (عقب) أي العاقب أي التالي الذي يلي ويعقب وقد فسر القرآن اسم يعقوب في قوله تعالى ((فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ)) [هود: 71]، والوراء هو العاقب أي يعقوب عقب إسحاق.
ويعقوب هو إسرائيل التي تعد تعريب للكلمة العبرية (يسرائيل) في التوراة فأما (أسر) العبرية فتكافئ (أصر) العربية أي العهد والميثاق وأما (إيل) فهي الله بالعبرية والمعنى لإسرائيل (إصر الله) يعني عهد أو ميثاق الله… وهذا ما نجده في قوله تعالى ((كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ)) [آل عمران: 93] أي أن إسرائيل حرم على نفسه بعض الطعام فكان عهداً منه إلى الله.
بعد النبي يعقوب كيف بدأت رحلة اليهود مع أنبياءهم ؟
-طبعاً أحد أبناء النبي يعقوب عليه السلام هو النبي يوسف الصديق عليه السلام ومعروفة قصة يوسف الخالدة وتآمر اخوته عليه وذهابه إلى مصر وقصة محنته مع امرأة العزيز ثم دخوله السجن وخروجه وبعد أن أصبح عزيزاً لمصر ومهارته الاقتصادية في تخليص مصر من خطر مجاعة كارثية إلى أن التقى باخوته وأدخل جميع أسرته إلى مصر وبذلك بدأت فترة جديدة لليهود بدخولهم مصر وتكاثرهم فيها… الذي يعنيني هنا أن أسجل إعجازاً رائعاً للقرآن الكريم في تفسيره لكلمة يوسف التي تعبر أصدق تعبير عن دور النبي يوسف في تاريخ بني إسرائيل.
يوسف في القرآن هي نفسها في التوارة (يوسف) وفي العبرية يجي الجذر (اسف) بمعنى الإيواء والضيافة وقد فسر ذلك المعنى القرآن الكريم في قوله تعالى ((فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)) [يوسف : 99].
وفي قوله تعالى ((وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ)) [يوسف: 69] إذاً يوسف في هاتين الآيتين يعني الذي استضاف وآوى فهو الآوي المضيف وهو أسم – كما قلنا- يلخص أبلغ تلخيص دور يوسف في تاريخ اليهود الذي أدخلهم وآواهم إلى مصر.
ثم كانت هناك فترة تقارب على اختلاف الروايات حوالي 400 سنة حتى أرسل الله تعالى النبي موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل لتخليصهم من عبودية فرعون… وموسى في القرآن ليست كما يظن كثيرون تعريباً لكلمة (موشيه) التي في التوراة اسم نبي الله موسى عند اليهود وإنما موسى في القرآن تعريب قرآني مباشر لهذا الاسم في لغة (آل فرعون) المصرية القديمة لأنه عقلاً لا يصح أن امرأة فرعون تلتقط الطفل من اليم فتتعمد تسميته تسميه عبرانية وهم كانوا عبيداً للمصريين وإنما المنطقي أن تسمية بلغتها أي المصرية القديمة… ويؤكد البحث اللغوي أن (موسى) لفظة في المصرية القديمة منحوتة من جذر في تلك اللغة هو (مس) بمعنى ولد أو يلد وهذه اللفظة (مس) كانت تلصق بأسماء مثل (تحتمس) اي (تحوت + مس) … فإذا معنى (مس) المصرية القديمة هي الولد ومن إعجاز القرآن العظيم أنه يفسر اسم موسى بالمصرية القديمة في قوله تعالى ((وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)) [القصص: 9].
وقال تعالى ((أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)) [الشعراء: 18].
ثم بدأت رحلة جديدة لبني إسرائيل بخروجهم من مصر ودخولهم فلسطين وتوالي الأنبياء عليهم حتى جاء المسيح عليه السلام فكان آخر أنبيائهم، والجدير بالذكر أن جميع أنبياء بين إسرائيل قد بشروا بمقدم خاتم الأنبياء وأعظم الرسل محمد (صلى الله عليه وآلهوسلم) والبشارات كلها موثقة في كتبهم وهذا الأمر هو جوهر الحقد والكراهية عند اليهود على العرب المسلمين إلى يومنا هذا وسنبين ذلك لاحقاً.
نريد أن نعرف ما هي العلاقة الدقيقة بين القرآن الكريم والتوراة خاصة وأنه من المعروف أن التوراة قد أصابها التحريف؟
– لقد رسم القرآن الكريم معالم هذه العلاقة … فقد اعترف القرآن أنه قد جاء مصدقاً لما في التوراة من أنباء كما قال تعالى ((وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)) [البقرة: 41]. وأيضاً يخبرنا القرآن بأن كتبة التوراة قد حرفوا وبدلوا وغيروا ما أرادوا وفق أهوائهم ومصالحهم كما قال تعالى ((أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [البقرة: 75]. \
ومن العجيب أن التوراة نفسها تعترف بالتحريف حيث قد صرحت أن جميع اليهود قد أسهموا في تحريفها فقد جاء في سفر أرميا (23: 31) [أما وحي الرب فلا تذكروه بعد الآن لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا].
اعتراف صريح من كتبة التوراة أنفسهم بأن التوراة قد أصابها التحريف والتغيير كما ذكر ذلك القرآن الكريم.
وعلى هذا يتبين إعجاز القرآن الكريم عندما حدد معالم العلاقة بينه وبين الكتب المقدسة عن اليهود والنصارى عندما قال تعالى ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)) [المائدة: 48]. أي القرآن يصدق ما صدق في التوراة والإنجيل أي هو الشاهد لهما بالصواب حين الإصابة أما عند الاختلاف فالقرآن هو المصوب الفيصل البات وقوله الحق.
هل يمكن إعطاؤنا بعض الأمثلة عن كيفية هيمنة القرآن على التوراة وكيف صحح بعض الأخطاء فيها ؟
-نعم: سأعطي مثالين فقط لبيان كيف القرآن يهيمن ويصحح الأخطاء التي في التوراة :-
1- من هو الذبيح هل هو إسماعيل أم إسحاق ؟.
2- في أي عصر كان وجود النبي يوسف عليه السلام ؟.
أولاً: من هو الذبيح إسماعيل أم إسحاق؟.
الذبيح هو إسماعيل عليه السلام بلا جدال فلو رأينا ما جاء في التوراة سيلاحظ المدقق أن ما ورد بها عن تحديد الذبيح بأنه إسحاق عمل تزويري ملفق فقد جاء في الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين (1: 3) [إن الله أمتحن إبراهيم فقال له: يا إبراهيم ..فقال :ها أننا فقال خذ ابنك وحيدك إسحاق الذي تحبه واذهب به إلى جبل الموريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك].
إن وضع الاسم (إسحاق) مع كلمة وحيدك تناقض واضح لأن إسحاق لم يكن وحيداً لإبراهيم فقد ولد إسحاق وعمر إسماعيل 14 سنة كما قالت التوراة وبقي إسماعيل وإسحاق معاً حتى مات إبراهيم ودفناه معاً في مدينة (الخليل) كما جاء في سفر التكوين الإصحاح الخامس والعشرين (1: 3).
أما في القرآن فالذبيح هو إسماعيل قطعاً حيث نرى الآيات من سورة الصافات من آية (99) إلى آية (112) أن إبراهيم بشر غداة خروجه مهاجراً إلى ربه بغلام حليم وأن هذا الغلام نفسه بلغ معه السعي فكان به البلاء المبين وأن الله عز وجل عقّب على اجتياز إبراهيم هذا الاختبار أن بشره بغلام آخر هو إسحاق كما قال تعالى ((وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ)) [الصافات: 112].
ثانياً: في أي عصر كان وجود يوسف عليه السلام؟
اختلف المؤرخون وعلماء الأديان في أي عصر كان يوسف أما اليهود فعندهم في التوراة أن يوسف كان في عصر أحد الفراعنة المصريين كما جاء في سفر التكوين (41: 14) [فأرسل فرعون ودعا يوسف فأسرعوا به من السجن فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون].
والحقيقة أن الدراسة التاريخية المدققة تبرهن على أن يوسف لا يمكن أنه قد كان في عصر أحد الفراعنة المصريين فمن المستحيل أن يرضى المصريون بأن ينصبوا عبرانياً دخيلاً عليهم في منصب كعزيز مصر والدراسة الفاحصة تؤكد أن يوسف عليه السلام قد تواجد في عصر الهكسوس ومعنى الهكسوس (الملوك الرعاة) وهم

من أعراب الجزيرة العربية وقد اجتاحوا مصر مدفوعين بالقحط الذي كان قد أصاب الجزيرة العربية وسوريا وقد انتهز الهكسوس فرصة انحلال الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية فاستولوا على الدلتا وكونوا أربع أسر التي حكمت مصر مدة 150 سنة، وكما تؤكد الوثائق التاريخية أن الهكسوس (الملوك الرعاة) كانوا ساميين ويدينون بديانة التوحيد التي تعود أصلها إلى إبراهيم عليه السلام وهذا ما يفسر لنا تمكين يوسف النبي عليه السلام في مصر فالرابطة واضحة بينه وبين هؤلاء الملوك.
ومن إعجاز القرآن الكريم أنه عندما يتحدث عن قصة يوسف لا يقول على الحاكم لقب فرعون بل الملك حيث يقول تعالى ((وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ)) [يوسف: 43]، ويقول تعالى ((وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)) [يوسف: 54]. وهذه دلالة تاريخية دقيقة من القرآن تؤكد أن يوسف عليه السلام قد كان في عصر الملوك الرعاة (الهكسوس) وليس في عهد الفراعنة.
أما أن هؤلاء الهسكسوس كانت لهم بقايا من ديانة التوحيد فقد ورد في القرآن على لسان النسوة عندما دخل عليهن يوسف حيث قال تعالى ((فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)) [يوسف: 31]… واضح من هذه الآية ديانة التوحيد في قول النسوة (حاش لله).
وهذا أيضاً من التصحيحات القرآنية للأخطاء التاريخية التي وردت على يد كتبة التوراة.
وماذا عن عيسى عليه السلام والإنجيل؟
-بعث عيسى عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة رسولاً إلى بني إسرائيل وفلسطين يومئذ ولاية رومانية تحكمها روما مباشرة والعالم القديم وثني مشرك إلا بني إسرائيل، وكانت رسالة المسيح عليه السلام قاصرة على هذا الجيل الضال من بني إسرائيل الذين حار فيهم طب النبوة وقد قال المسيح في الإنجيل صراحة [لم ارُسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) [متى 5/22] وهذا ما قاله القرآن الكريم حيث قال تعالى ((وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)) [آل عمران: 48-49].
وقد كان مولد المسيح معجزة خارقة والآيات التي أيد الله تعالى بها المسيح كانت معجزات خارقة وذلك لأن اليهود كانوا قد أنكروا القوى الروحية ولم يعدوا يؤمنون إلا بالماديات والمحسوسات فكانت رسالة المسيح عليه السلام استجابة لهذا التحدي.
والملاحظ أن كتاب أنبياء بني إسرائيل بدأ بمعجزة خارقة وانتهى بمعجزة خارقة فكان مولد إسحاق معجزة خارقة من أب كبير في السن وأم عجوز عقيم وكان مولد المسيح معجزة خارقة حيث ولد دون أب فكأنها إشارة إلهية، أن تاريخ بني إسرائيل سيكون ملتصقاً بهذه المعجزات التي تعطل نواميس الكون وذلك لقصور عقولهم وماديتهم المفرطة.
أما الإنجيل وهو (العهد الجديد) الذي يتعبده المسيحيون فيضم 27 سفراً وهي انجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا وهم ليسوا معاصرين للمسيح بل ناقلين وهي أناجيل تحكي سيرة المسيح وأقواله وأفعاله ووصاياه.. ويقل مؤرخو المسيحية أن الأناجيل في البداية لم تكن أربعة وإنما كانت بالمئات نحو 300 إنجيل ولكن الكنيسة بعد أن استقرت عقيدة التثليث استبقت هذه الأناجيل الأربعة فقط.
وقد دخلت في الديانة المسيحية الكثير من التشوهات والتحريفات مثل عقيدة التثليث أي أن الله تعالى مكون من ثلاثة أقانيم (الأب والأبن والروح القدس) وهذه العقيدة منسوخة من عقائد وديانات قديمة.
فالكتاب المقدس مجلد يضم التوراة والإنجيل معاً فهو الكتاب أي (The Bible) وأصلها باليونانية (Biblion) معناها الكتاب وقد أصبحت (Bible) علماً على التوراة والإنجيل معاً.
ومن إعجاز القرآن أنه يذكر مطلع القرن السابع الميلادي أن الطائفتين (اليهودية – المسيحية) سيكون لهما كتاب واحد فيقول تعالى ((وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ)) [البقرة: 113].
والقرآن بهذا يسبق بقرون المعاجم الأوروبية التي استحدثت لفظة (اليهودية –المسيحية) وباللغة الإنجليزية (judeo- christioanian) فأي إعجاز وأي علم.
بعد هذا التوضيح نريد أن نعرف جوهر الصراع الديني بين العرب وإسرائيل على ضوء دراستك للكتب الدينية ؟
أولاً: ليس في القرآن صراع بين الأديان بل حوار بين الأديان كما قال تعالى ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) [آل عمران: 64].
ومن الثابت في السيرة النبوية المطهرة أن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حاور اليهود والنصارى وقدم من خلال آيات القرآن الحجج والبراهين على صدق نبوته ورسالته التي يعرفونها في كتبهم ولكنهم جحدوا وأنكروا وهنا يتبين سبب الحقد اليهودي والمسيحي على المسلمين وهو مجيء خاتم الأنبياء من نسل إسماعيل وليس من نسل إسحاق والآن يجدر بنا أن ننعطف إلى دراسة بعض البشارات الناصعة التي وردت في التوراة والأناجيل عن مقدم رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نتأكد بأن اليهود والنصارى لو قرأوا كتبهم بإنصاف لدخلوا في دين الله أفواجا.
أولاً: بشارات وردت في التوراة:
1-انتقال الشريعة والنبوة من بيت يهوذا إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
جاء في سفر التكوين (49: 10) [لا يزول صولجان من يهوذا أو مشرع بين قدميه حتى يأتي شيلوه ويكون له خضوع الشعوب).
هذا النص التوراتي جاء ضمن وصية النبي يعقوب عليه السلام لأبنائه عندما حضره الموت وهو يخبرهم بأن الصولجان وهو دلالة على الحكم والشريعة والنبوة باقية في أبناء يهوذا حتى يأتي نبي منتظر ستخضع له الشعوب وقد تحققت هذه النبوءة حرفياً في رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء في القرآن الكريم الذي حل محل الصولجان اليهودي القديم وكلمه (شيلوه) تعني بالعبرية “الأمين” وهو لقب سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصادق الأمين.
2-بشارة توراتية عن رسول الله للعالمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي سيقاتل على جبل سلع في المدينة المنورة.
جاء في سفر إشعيا (42) [أيها المنحدرون في البحر وملؤه الجزائر سكانا لترفع البرية ومدنها صوتها للديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال يهتفون ليعطوا للرب مجداً ويخبره بتسبيحه في الجزائر الرب بالجبار تخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه يخزي خزياً المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا].
هذه البشارة لم تتحقق إلا على يد رسول الله محمد صلى الله عليهوآله وسلم ويكفي بها تلك الإشارة الواضحة إلى موطن ظهور المختار وأنها الديار التي سكنها قيدار، وقيدار هو ثاني ابناء إسماعيل كما ذكرت التوراة، والنص التوراتي يذكر شريعة وتسبيحه جديدة تبدد الظلمات التي يعيشها الناس وأنهم سيعبدون الله تعالى من فوق الجبال بما فيها جبل سالع أي جبل سلع الذي في المدينة المنورة الذي دارت بجانبه غزوة الأحزاب وأن هذه الرسالة ستنتصر على عبدة الأوثان والأصنام وهم العرب الذين كانوا يعبدونها في شبه الجزيرة العربية.
ثانياً: بشارات وردت في الإنجيل:
1-تغيير القبلة من بيت المقدس إلى مكة:
جاء في إنجيل يوحنا (4: 19-21) [قالت له (للمسيح) يا سيدي أرى أنك نبي أباؤنا سجدوا في هذا الجبل وانتم تقولون أن في اورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في اورشليم تسجدون للأب).
يدل الحوار السابق بين امرأة من أهل السامرة الذي يعتبرون جبل جرزيم أقدس بقعة وأنسبها للعبادة وبين عيسى عليه السلام الذي هو من بني إسرائيل الذي يعتبرون الهيكل بالقدس مكان العبادة الأفضل على أن الله يختار قبلة جديدة للعبادة بعد عيسى عليه السلام وهو ما لم يتحقق إلا بعد تحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة.
2-عيسى عليه السلام يبشر بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم:
جاء في إنجيل يوحنا (16: 12-13) [أن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تتحملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية].
هذه بشارة من بشارات عديدة في الإنجيل عن مقدم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومعجزته العظيمة القرآن الكريم وفي النص إشارة واضحة إلى أن هذا النبي لن يتكلم من تلقاء نفسه بل كل ما يسمع أي أنه أمي وهذا ينطبق على رسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال عنه الله في القرآن الكريم ((وما ينطق عن الهوى * إنه إلا وحي يوحى)) [النجم: 3، 4].
والنتيجـــــــــــــــــة
هذه فقط أمثلة من عشرات البشارات التي وردت في التوراة والأناجيل من مقدم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم واليهود والنصارى يقرأونها ولا يعترفون عناداً وجحوداً ولعل هذه القضية هي أساس الصراع العقائدي والديني بين المسلمين وبين اليهود والنصارى الذي تحول للأسف إلى صراع سياسي قتل هذه الروح الإيمانية الكبرى في نفوس المسلمين. وصدق الله تعالى في قرآنه العظيم ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [البقرة: 146].

قد يعجبك ايضا