موسكو: سنراقب عن كثب كيفية انسحاب القوات الأمريكية من سوريا

 

عواصم/ وكالات
أشار الموفد الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، إلى أن روسيا ستراقب عن كثب كيف ستطبق واشنطن قرار سحب قواتها من سوريا.
وأضاف: “لست مستعدا لوضع خطط افتراضية لاحتمالات هذا الانسحاب، لأننا تعهدنا مع الأتراك وحتى مع الأمريكيين أنفسهم، باحترام سيادة ووحدة أراضي سوريا”.
وذكّر بوغدانوف أن الوجود الأمريكي في سوريا لا يتمتع بأي صفة شرعية.
من جانب آخر اعتبرت زعيمة المعارضة الإسرائيلية أن الانسحاب الأمريكي من سوريا هو فشل سياسي وأمني لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أكد قيادي معارض آخر أن الانسحاب يرسخ لإيران موطئ قدمها في سوريا.
وغردت ليفني العضو في الكنيست عن حزب “المعسكر الصهيوني” منتقدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرة إعلانه بأن تنظيم “داعش” كان الهدف الوحيد لواشنطن في سوريا، يظهر تجاهلا خطيرا للوجود الإيراني المتنامي هناك.
وقالت ليفني: “الولايات المتحدة تسحب قواتها من سوريا مع الادعاء بأن “داعش” هو السبب الوحيد لوجودها هناك. تجاهل الوجود الإيراني المترسخ في سوريا، أمر خطير على إسرائيل وفشل سياسي وأمني سجل تحت اسم نتنياهو”.
أما رئيس حزب “يش عتيد” وعضو الكنيست يائير لابيد، فقد شدد على أن “الانسحاب الأمريكي يشكل فشلا في سياسة إسرائيل الخارجية وهو ما سيمكن إيران من ترسيخ موطئ قدمها في سوريا ويقلل من قدرة المساومة الإسرائيلية مع الروس”.
وفي الشأن ذاته، كشفت القناة الـ 10 الإسرائيلية أن نتنياهو حاول إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعدول عن قراره لكنه فشل، مشيرة إلى “خيبة أمل كبيرة” من قرار الانسحاب الذي أكدت أنه في صالح روسيا وإيران وحزب الله.
ووصفت القناة الـ10 الإسرائيلية الخطوة الأمريكية بأنها “صفعة على وجه” إسرائيل، معتبرة أن الوجود الأمريكي في سوريا كان “ورقة المساومة الوحيدة” لدى إسرائيل “لإقناع روسيا بمنع إيران من ترسيخ وجودها في سوريا”.
من جهة أخرى تشهد الساحة السورية تحوّلات سياسية متسارعة بشكل كبير، تنعكس هذه التحولات بشكل تلقائي على الأوضاع الميدانية لهذا البلد، وقد شهدنا تحركات سياسية نشطة داخل سوريا وخارجها هدفها التقرّب من الحكومة السورية إن كان من أطراف عربية أم غربية على اعتبار أن الرئيس الأسد أصبح بحكم المنتصر أو “المنتصر سلفاً” ومن هنا اكتسبت زيارة رئيس السودان عمر البشير إلى سوريا أهميتها، ليسبقها خلال الأسبوع الفائت تحضيرات في الجولة الحادية عشر من آستانا لتشكيل اللجنة الدستورية السورية بحضور الدول الضامنة ومبعوث الأمم المتحدة، ليتبعها حديث لمبعوث ترامب الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أعلن فيه أن واشنطن لم تعد تبحث عن التخلص من الأسد، ليأتي بعدها الإعلان الصادم لترامب بأنه خلال الأيام المقبلة “أقصى حد 100 يوم” ستخرج القوات الأمريكية من سوريا.
وعلى الرغم من أننا سنقرأ ونسمع وبشكل مستمر خلال المرحلة المقبلة ادعاءات لواشنطن بأنها حققت أهدافها في سوريا، إلا أن تصريحات ترامب والناطق باسم البيت الأبيض بخصوص سوريا توضّح وبشكل جلي اعتراف أمريكا بفشل استراتيجيتها في سوريا كما فشلت سابقاً في العراق.
بعد مرور سبع سنوات من اتباع سياسة “الفوضى الخلاقة” في سوريا من قبل الغرب بقيادة “أمريكا” وحلفائها العرب، من خلال الدعم السياسي والعسكري والمالي والاستخباراتي للإرهابيين وتقديم مليارات الدولارات لهؤلاء المرتزقة ومن ثم الاحتلال غير الشرعي لأجزاء من البلاد تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، نجد أن هذه الدول جميعها تقف أمام حقيقة واضحة تتمثل بـ”فشل مشروعها وخططها السياسية والعسكرية” في سوريا، وبعد أن كانت هذه الدول تطالب ليل نهار برحيل الأسد وتحرّض عبر منصاتها الإعلامية ضد الجيش السوري والعمل على تفكيكه وتمزيقه من الداخل على غرار “العراق وليبيا”، أصبحت تقول صراحة وعلانية إنها لم تعد تريد رحيل الأسد وأكثر من ذلك تعمل حالياً على خلق قنوات غير مباشرة للحوار معه وسنشهد الكثير من هذه التحركات في الأيام المقبلة، ومن هنا يمكن القول إن إعلان انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ما هو إلا تسليم بالأمر الواقع وقبول خسارة التحدي أمام المنافسين الآخرين في سوريا.
بعبارة أخرى واشنطن تعلم أن بقاءها في سوريا “غير شرعي” ومحفوف بالمخاطر ولا يمكن أن يستمر في ظل تقدم الجيش السوري وحلفائه واستعادتهم أغلبية الأراضي السورية، فضلاً عن اعتبار دمشق للقوات الأمريكية “قوات محتلة” ويجب التعامل معها على هذا الأساس، ووجود أمريكا شرق سوريا لا يحظى فقط بمعارضة سوريا بل الأمر ذاته تشترك به كل من “روسيا، العراق، إيران، تركيا وحتى الصين” ولكل من هذه الدول رؤيتها الخاصة لكنها تجتمع على رفض بقاء واشنطن في سوريا تحت أي ذريعة، وبالتالي خروج القوات الأمريكية بقرار أمريكي خير لهم من أن يخرجوا بطريقة مذلة على غرار ما حصل معهم في العراق، على اعتبار أنهم تعلموا من التاريخ القريب، الذي يقول وبكل صراحة إن أبناء هذه المنطقة لا يرحبون بالأمريكي ولا يتفقون معه.
على الرغم من أن ترامب “مُجبر ضمناً” على سحب قواته لأسباب آنفة الذكر، إلا أنه يراوغ قدر الإمكان ويحاول استغلال جميع الظروف لمصلحته، لذلك وجدناه لا ينفك يبرر خروج القوات بالقول أن هذا الانسحاب هو لمصلحة أمريكا وحلفائها، إلا أن الإسرائيليين قلقون من هذا الانسحاب لكونه يخفف الضغط على أعداء “إسرائيل” وفور إعلان ترامب الانسحاب وجّهوا سهامهم نحو إيران وبدؤوا بمحاولة البحث عن أساليب جديدة للضغط على طهران ومنعها من التلذذ بسلسة انتصاراتها في الاقتصاد والسياسة والعسكر، ولكن حقيقةً ما أسباب إعلان الانسحاب بهذا الشكل السريع بعد أن كان ترامب وطاقمه يصرحون مراراً وتكراراً بأن قواتهم باقية لأجل غير مسمى؟.
بطبيعة الحال، إن الانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من سوريا، والذي رافقه معارضة لأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، لن يكون من دون تكلفة.
الأكراد ضحية جديدة لسياسة واشنطن، قدمتهم على طبق من فضة للأتراك في عفرين، وها هي تكرر الأمر ذاته شرق الفرات، وقد اعترف الأكراد بأن ما فعلته واشنطن كان بمثابة طعنة في الظهر، وعلى إثر القرار الأمريكي تعهدت “قوات سوريا الديمقراطية”، بأن تقاتل “حتى الموت” الجيش التركي الذي يستعدّ لشن عملية عسكرية كبيرة ضد المسلحين الأكراد شرق الفرات، ومع ذلك نعتقد أن فرصها ستكون ضئيلة في مواجهة الجيش التركي نظراً لإمكانيات الأخير الكبيرة وكشف الغطاء عن الأكراد من قبل الأمريكي، ولكون الأكراد في سوريا والعراق تعرّضوا لسلسة طعنات موجعة من واشنطن سنجدهم في المستقبل القريب يتجهون للتحالف مع موسكو على اعتبار أنها قوة كبيرة مؤثرة وفاعلة في المنطقة.
وبطبيعة الحال سنجد تودداً أكبر من قبل الأكراد نحو دمشق وسيسهل انسحاب واشنطن من تسريع العلاقات بين الأكراد والحكومة المركزية في دمشق، وهذا لن يكون محطّ إعجاب “الإسرائيليين والإماراتيين والسعوديين” على اعتبار أن هؤلاء لا يريدون لدمشق أن تخرج قوية من هذه الحرب وتعلن انتصارها بعد دفع كل هذه المليارات، ولا يريدون في الوقت نفسه لتركيا أن يتعاظم نفوذها في سوريا أو يخف الضغط عليها من قبل الأكراد، لكن على ما يبدو لا حلّ أمام واشنطن سوى الانسحاب ولو كره حلفاؤها ذلك.
لكن لحظة!!
واشنطن لم تعطِ برنامجاً واضحاً لانسحابها من سوريا، ونظراً لطبيعة ترامب الازدواجية والتي تشبه بلاده إلى حدّ كبير، لا نستغرب أن يتراجع ترامب في أي لحظة عن هذا القرار، على اعتبار أنه كرّر ذلك في السابق، ويمكن أن يكون ترامب يبحث عن المزيد من الأموال من الدول الخليجية وما قراره سوى استفزاز جديد للسعودية والإمارات لدفع المزيد من الأموال، وفي نفس الوقت يريد ترامب أن يرضي تركيا ويمتص غضبها تجاهه لكونه يموّل الأكراد وهم أعداء أردوغان ولذلك يمكن القول إن ترامب يحاول أن يصطاد عدة عصافير بحجر واحدة، وهذه الحجر ستوجع فقط الأكراد على أقل تقدير، فهل سيتعلم الأكراد من هذا الدرس أم للحكاية تتمة؟.

قد يعجبك ايضا