طقوس الحج المهذبة تلاشت وظاهرة إطلاق الرصاص في تزايد كل يوم في المدن


الظاهرة تسيء للفريضة المقدسة..لأنها قد تتسبب بمآس وخيمة على الناس
إطلاق الرصاص في القرى ضرورة تدل على مكانة الحاج عند أهله وأصدقائه
رجال أمن :إطلاق الأعيرة النارية خرق للقانون ويمس هيبة الدولة
العقيد القسيمي: وعي المجتمع أهم في ظل الانفلات الأمني ..والقانون لن يطبق في ظل هكذا ظروف

أصبحت عودة الحجاج ﻣﻦ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﺩاء ﻣﻨﺎﺳﻚ ﺍﻟﺤﺞ مشكلة لكثيرين بعد أن حولتها السلبيات المصاحبة للاستقبال إلى نوع من الإزعاج والخطر في وقت واحد..فإطلاق الأعيرة النارية بكثافة والألعاب النارية ﺍﺑﺘﻬﺎﺟﺎٍ بفرحة قدوم الحجيج من بيت الله الحرام باتت ظاهرة منبوذة لأنها قد تكون ﺳﺒﺒﺎٍ ﻓﻲ إيذاء الآخرين وتعكير الفرحة .
وفي ظل الظروف التي شهدتها اليمن خلال الفترة الماضية ومارافقها من اﻧﻔﻼﺕ أمني لاشك ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ انتشار السلاح بين الناس وخاصة في أوساط فئة الشباب والذي بسببه زادت احصائيات ممن قضوا موتا بالرصاص أو المصابين بإعاقات جراء الاستخدام الخاطئ والعشوائي للسلاح .
وتزداد الظاهرة حدة ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ استقبال الحجيج في بلادنا والتي كانت في الماضي تأخذ أشكالا طقوسية مهذبة حتى لو حدث إطلاق نار محدود يقتصر على الأرياف لكن اليوم دخلت الظاهرة المدن وعلت أصوات الرصاص داخل ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ السكنية مما يخلق أجواء تهدد الأمن والسكينة العامة للناس خاصة عندما تطلق في ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺄﺧﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ يغطون في سبات عميق .
مما يخلف ﺃﺿﺮﺍﺭا ﻣﺆﻛﺪﺓ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ فقط ﻓﻲ إيذاء السكان وإفزاع الأطفال ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺑﻞ تتعداها إلى حدوث إصابات قد تطال المستقبلين للحجاج أوالمارة على الطريق أو فقدان الشخص الذي أقيمت لأجله المناسبة ..
*******************

كانت البداية مع نبيل يوسف – موظفوالذي يقارن بين طقوس زمان واليوم بالقول : نستقبل ﺍﻟﺤجاج في اليمن ﺑﻄﻘﻮﺱ اعتدناها منذ زمن بعيد لما لهذه المناسبة من أهمية دينية يتمنى الجميع أداؤها في كل عام وهي عادات تقام في أكثر المناطق خاصة محافظة صنعاء حيث ﻳجتمع ﺍﻷﻫﻞ ﻭالجيران وﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﻭﺍلأصدقاء ويقومون بعمل ( ﺍﻟﻤﺪﺭﻫﺔ ) وتزيينها بكسوة الحج ويرددون فيها” ﻳﺎ ﻣﺪﺭﻫﺔ ﻳﺎ ﻣﺪﺭﻫﺔ .. ﻣﺎﻝ ﺻﻮﺗﺶ ﻭﺍﻫﻲ .. ﻗﺎﻟﺖ ﺃﻧﺎ ﻭﺍﻫﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﺣﺪ ﻛﺴﺎﻧﻲ .. ﻛﺴﻮﺗﻲ ﺭﻃﻠﻴﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺨﺸﺐ ﺭْﻣﺎﻧﻲ .” وأيضا ﻳﺎ ﻣﺒﺸﺮ بالحجيج ﺑﺸﺎﺭﺗﻚ بشارة .. ﻫنيت ﻟﻚ ﻳﺎ ﺣﺎﺟﻨﺎ قد ﻓﺰﺕ ﺑﺎﻟﻐﻔﺮﺍﻥ .. ﺯﺭﺕ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﻭﺗﻠﻤﺲ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ .
وزاد بالقول :لكن مايحدث حاليا هو تلاشي هذه الطقوس والتي بدأت بالانقراض في بعض المناطق و قلة من يتمسكون بها حيث لم يكن هناك أثناء استقبال الحجيج شيء اسمه إطلاق رصاص إلا في ما ندر في القرى لكن اليوم نرى الأمر في الحارات والشوارع داخل المدن احتفالا بقدوم الحجيج خاصة منذ حدوث الأزمة في البلد وعدم قدرة الداخلية على ضبط كل من يقوم بهذه المخالفات بسبب الانفلات الأمني .
دليل مكانة الحاج
ومن جهتها تتحدث فاطمة الأسودي – مرددة موالد (نشادة ) بالقول : هناك عادات متعارف عليها عند توديع الحجيج للذهاب إلى مكة في القرية وهي مشتركة أيضا مابين المدن والقرى ومنها ( تجهيز الحاج للسفر و المجابرة من قبل الناس وغيرها ) تقول فاطمة : إن الطقوس الحقيقية تبدأ قبل قدومه من الحج والتي نبدأها في أيام عيد ﺍﻷﺿﺤﻰ وتكون هناك ﺘﻘﺎﻟﻴﺪ نقوم بعملها ﻣﺜﻞ المدرهة وهي الأكثر شيوعا لاستقبال الحاج وتزيينها بكسوة الحج ونقوم بعمل ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﺪ التي نقرأ فيها الأدعية للحاج بأن يرجع سالما غانما وكذلك يقوم أهل القرية بترديد اﻷﻏﺎﻧﻲ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ والزوامل والرقص وﻋﻘﺮ ﺍﻟﺬﺑﺎﺋﺢ وإطلاق الرصاص في الجو وكذلك ﺍﻷﻟﻌﺎﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ..وأيضا عندما  يتصل الحاج بأهله وإعلامهم بوقت رجوعه وقتها تبدأ التجهيزات للعودة.
وتابعت بالقول :في القرية إذا كانت قريبة من المدينة حال وصول الحاج يذهب الأهل لاستقباله في المطار بينما أهل القرية من رجال ونساء وأطفال ينتظرون مجيء سيارة الحاج وفيها التسبيح ويصطفون على الطريق وقد تكون القرية بأكملها وعند وصوله يقوم الأطفال بإطلاق المفرقعات والألعاب النارية وأما الرجال يقومون بإطلاق الأعيرة النارية والرصاص من على أسطح المنازل أو في قارعة الطريق وبين جمع المستقبلين .
وأضافت :هذه كلها عادات تعبر عن الفرحة بقدوم الحاج من بعد أدائه الشعائر المقدسة وكما تستقبله النساء بالزغاريد حتى وصوله منزله وكذلك يتم استقباله بإطلاق الأعيرة والألعاب النارية عندما يذهب إلى منزل أحدهم للغداء لديهم بمناسبة قدومه وهي عادات متوارثة منذ القدم ولا زالت إلى الآن في القرية لأن لا ضرر من إطلاق الرصاص في القرية كما في المدينة .
صحيح ثمن الرصاص غال,لكن كثافة إطلاق الرصاص يدل على مكانة الحاج لدى أقربائه وأصدقائه حسب الشائع .
فـــوضــى
فيما يجد عبدالله مهيوب – معلم بأن الفوضى قد عمت البلد ولم يعد هناك أمن وسكينة كالسابق وأن البعض بقيامهم بهذه الأعمال يخرقون القانون ويمسون هيبة ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ لأنهم ينشرون حالات ﺍﻟﻔﺰﻉ ﻭالإزعاج بين ﺃﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ الذين لا ذنب لهم وهم آمنين في منازلهم خاصة أثناء مجيء الحاج في وقت متأخر من الليل .
وناشد ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ بأن تضع ﺣﺪآ ﻟﻬؤلاء ﻭأن تتخذ إجراءات صارمة في ذلك بتطبيق ﺍﻟﻌﻘﻮﺑات ضد ﻛﻞ ﻣن يستخدم السلاح في غير الضرورة ﻭﻣﺼﺎﺩﺭﺓ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﻢ للحد من هذه السلبيات المنبوذة من المجتمع . 
أسوأ وسيلة للتعبير
من جانبه يقول محمد الشدادي “ أن استخدام وإطلاق الأعيرة ﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ في مناسبة قدوم الحجاج ﻫﻮ ﺃﺳﻮﺃ ﻭﺳﻴﻠﺔ للتعبير ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺮﺡ وقد يحول ذلك المناسبة إلى ﺣﺰﻥ ﻭﻣﺄﺗﻢ يكون ضحيتها من أقيمت من أجله المناسبة أحيانا كما حدث في بعض المناطق.
مستغربا من ﻘﻴﺎﻡ البعض بهذه ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ غير اللائقة وتحت مبرر أنها تدخل البهجة والسرور إلى قلوب الحجاج ﺭﻏﻢ ﺃﻥ تكلفة الرصاص كبيرة باﻋﺘﺒاﺮ ﺃنها نوع من المفاخرة ومجرد جمالة للحاج أو لمن تقام لأجله المناسبة أيا كانت .
أحمد الخولاني – عامل ورشة يرى أن مثل هذه الظاهرة كثيرا ما تحدث ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ مراكز وﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﻭعن أنظار الأجهزة ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ فيستخدم إطلاق ﺍﻟﺮﺻﺎﺹ ﺑﻜﺜﺎﻓﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍٍ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺮﺣﺔ ﺑﻘﺪﻭﻡ ﺍﻟﺤﺎﺝ ووصوله سالما معتبرا.
وقال أنها ﻈﺎﻫﺮﺓ ﺴﻠﺒﻴﺔ ﻓﻲ مجتمعنا اليمني وأنه لابد من القضاء عليها و ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺘﻮﻋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ , لما لها من ﻣﺨﺎﻃﺮ وخيمة .
إقلاق الأمن العام
فيما تؤكد ﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ ﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ التحذير من إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات وأنه لابد من ﻣﻨﻊ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ التي يسببها إطلاق الرصاص في الهواء وهو ما يسمى بالرصاص الراجع أو التصويب الخاطئ  للسلاح وذلك ﺣﻔﻈﺎ ﻟﻸﺭﻭﺍﺡ ﻭﺍﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺕ ..
إلا أن البعض لم يتقيد بها وهنا يوضح العقيد / ناصر القسيمي – يعمل في جهاز الأمن العام : أن ظاهرة إطلاق الرصاص والتي باتت ترافق استقبال الحجاج عند عودتهم إلى الوطن غير مستحبة ومقلقة للأمن العام والسكينة العامة للمواطنين وقد تؤدي إلى خسائر بشرية بسبب المبالغة في استقبالهم وقيام أهلهم وذويهم بإطلاق الرصاص العشوائي والألعاب النارية إيذانا بوصولهم حيث يحدث ما لا يحمد عقباه من إزهاق لأرواح الناس أو إصابات جراء إطلاق النار سواء كان ذلك أثناء ارتباك من يقوم بإطلاق النار الذي قد يتعثر أثناء إطلاقه للرصاص فيوجه الطلقات باتجاه الناس أو قد ترجع الرصاصة من الهواء(الرصاص الراجع ) وتسقط على البعض وترديه قتيلا وخاصة الرصاص التي تطلق من أسلحة قديمة الصنع وقد انتهت حلزونات مواصيرها وأصبحت ملساء بسبب زيادة الاستخدام .
وأضاف : من هنا قد يتحول فرح استقبال الحاج في لحظة إلى حزن عند حدوث القتل أو الإصابات .
ويواصل القسيمي حديثه بالقول : السيئ الذي يقلق الأمن العام وسكينة المواطنين هو أن بعض الحجاج يصلون في وقت متأخر من الليل ويقوم أهاليهم باستقبالهم بإطلاق الأعيرة النارية مما يثير ذلك فزع المواطنين الذين لايعلمون سبب اطلاق الرصاص .
وأكد أن هناك مهاماٍ ملقاة على عاتق رجال الشرطة والوحدات العسكرية المكلفة بحماية الأمن والسكينة العامة للمواطنين والذين يلزم عليهم متابعة هذه الظاهرة والحد منها كونها لا تزيد من شأن الحاج في شيء بل يكون الحاج بسببها قد ارتكب ذنوبا كبيرة عندما يسمح لأهله بإطلاق النار ويتسبب بقتل أو إصابة عدد من الناس.
الوعي قبل القانون
وأضاف :نحن في هذا الظرف الصعب والمعقد الذي يعيشه البلد مع عملية التغيير والتحول في إرساء مداميك بناء الدولة الحديثة والحكم الرشيد القائمة على نظام المؤسسات وبناء أسس الدولة الوطنية نأمل بأن تختفي هذه الظاهرة من على الوجود تماما ..
ويرى القسيمي أن وجود قانون في ظل حالة من شبه انهيار الدولة المركزية لن يتم تنفيذه مالم يوجد وعي لدى المجتمع اليمني لأن الوعي ضعيف جدا ويجب أن يرتقي المواطن إلى مستوى الوعي الأمني وأن يكون مساعدا لأجهزة الأمن لأن القضية تكاملية وبدون تعاون المواطنين مع الجهاز الأمني سيكون الأداء الأمني ناقصا.
متمنيا من كل أهالي الحجاج العائدين من الأراضي  المقدسة بعد أداء شعائر الحج بأن يتقوا الله وأن يحافظوا على سمة هذه الفريضة المقدسة التي قام الحاج بأدائها وان يتم استقباله بالتسبيح والتكبير والاستغفار كي تتحقق الفرحة والبهجة وتستمر بدون أي مآسُ. 

قد يعجبك ايضا