“مضاعفات” تقود البعض إلى الرفيق الأعلى



¶ في المستشفيات الحكومية يتغلب الشخصي على العام.. وفي القطاع الخاص الربح أولاٍ وكله على حساب المريض

المحامي الطويلــــي:
¶ لا توجد نصوص قانونية سريعة تجرم أو تعاقب مرتكبي الأخطاء الطبية..

الـحريـبـــــي:
¶ أخطاء التخدير تفلت من العقاب.. والسبب غياب التشريح في المستشفيات

” لم ينتبه الطبيب أثناء إجراء عملية اللوزتين نتيجة تغطية المريض كاملاٍ بغطاء من القطن عدا الوجه حيث كان المريض خاضعا للتخدير مرخي العضلات ولابد له من تنفس صناعي.. فحدث أن انفصلت توصيلة جهاز إمداد غازات التخدير والأكسجين عبر تلك التوصيلات من التنبيب للقصبة الهوائية.. ولم يتنبه طاقم العملية لذلك الخطأ حتى دخل المريض في حالة زرقان ولم يتمكنوا من إسعافه كون المضاعفات جاءت سريعة وكان الوقت قد تأخر حتى حصل تلف في خلايا الدماغ.. عادت للمريض نبضات القلب لكنه لم يصحو بعدها أبدا حتى توفي المريض من مضاعفات رئوية ” حسب تأكيد الأطباء.
عمليات جراحية قد تكون سهلة وبسيطة في علم الطب والأطباء ونسبة نجاحها قد تكون 99.9% إلا أن خطأ واحداٍ قد يودي بحياة المريض ألا وهو خطأ التخدير.. فأخطاء التخدير أصبحت تؤرق الجميع كون المريض يدخل في غيبوبة وطريق لا رجعة فيه..

الحاج علي مهدي 50 عاماٍ دخل المستشفى لإجراء عملية لتصحيح النظر في أحد المستشفيات المتخصصة بالعيون ونتيجة عدم انتباه الطبيب لتشخيص حالته بأنه يعاني من ارتفاع نسبة السكر في الدم خرج الحاج علي من غرفة العمليات وكان كل أمله أن يستطيع رؤية أحفاده بشكل جيد لكنه فوجئ بعد إجراء العملية بدخوله حياة مظلمة لأنه فقد النظر كلياٍ..
الطفل “وهيب 7 سنوات” أصيب بالتهاب حاد في الزائدة الدودية وأْسعف لإحدى المستشفيات –تعمدنا عدم ذكر اسم المستشفى– ونتيجة لإهمال فني التخدير وعدم مراقبة أي طارئ قد يحدث أومضاعفات توفي الطفل.. هذه حالة من حالات أخرى كثيرة حدثت دون رقيب أو حسيب.. وما خفي كان أعظم..
من خلال هذا التحقيق قمنا بزيارة مستشفيات خاصة لعلنا نجد معلومات حول أخطاء التخدير.. إحدى المستشفيات الخاصة والتي زرناها لم يسمحوا لنا بمقابلة المسئول عن التخدير أو حتى طبيب تخدير معللين السبب بانشغالهم طوال الوقت في غرف العمليات ولا يمكننا مقابلة أي منهم..
مستشفى آخر من المستشفيات الخاصة والرائدة في الأمانة حاولنا مقابلة المدير العام حين تعذر علينا مقابلة أي من أطباء التخدير فاعتذر بحجة انشغاله بعملية جراحية..
أكثر العلوم حساسية وخطورة
ومن خلال التعاون الذي لقيناه من رئيس قسم التخدير بمستشفى الثورة الدكتور يحيى علي الحريبي والأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة صنعاء في مجال التخدير والعناية المركزة حاولنا معرفة أكثر ما يمكن معرفته حول عملية التخدير والأخطاء التي قد تصاحبها في حال الإهمال.
يْعرف الدكتور الحريبي التخدير قائلاٍ: هو وضع المريض في حالة من الغيبوبة المؤقتة أو النوم المؤقت خلال فترة العملية إذ لا يحس المريض بأي ألم أو ردود أفعال أيا كان نوعها وإلى أن ينتهي الطبيب من إجراء العملية الجراحية حينها يحتاج المريض لغرفة إفاقة حتى تعود كل ردود الأفعال الحسية والعصبية بشكل جيد بعدها ينتقل لقسم الرقود..
ويضيف الحريبي: بالنسبة لمجال التخدير فقد أصبح علماٍ قائماٍ بذاته ويدخل في إطاره العناية المركزة وهو أكثر العلوم من ناحية الحساسية والخطورة ويحتاج إلى إلمام علمي شاسع فالجراح هو ملم في حقل الجراحة لكن طبيب التخدير لابد أن يكون ملما بجسم الإنسان من كل النواحي لهذا لا بد من المتابعة الحثيثة قبل وخلال فترة إجراء العملية من ناحية الضغط والحرارة ونسبة الشعور بالألم أيضاٍ في حال حدوث نزيف بحيث يتم اختيار نوع التخدير المناسب .. هل يكون تخديرا كليا أم نصفيا أم موضعيا.. حتى على مستوى وضعية المريض فوق طاولة الجراحة هذه أيضا مسؤولية طبيب التخدير وأكد ضرورة الانتباه قبل العملية من حيث إن كان هناك أي مشكلات قد تعيق إجراء التخدير من ناحية التشوهات الخلقية لذا لابد من الإلمام والاطلاع على كل حيثيات ملف المريض وخلال العملية من البداية حتى نهاية العملية.
الصندوق الأسود
ويشدد الحريبي على ضرورة إيجاد بروتوكول خاص بالمستشفى كما البروتكول الذي يتعامل به مستشفى الثورة العام حيث يتم معرفة كل المعلومات قبل العملية وأثناء العملية من خلال تصنيف العلاجات والغازات والمحاليل ونوع التخدير نصفي أم عام أم بتنبيب القصبة الهوائية إضافة إلى وضعية المريض فوق الطاولة.. وقال: من المهم توثيق كل ما حصل للمريض من قبل العملية وحتى نهايتها لأنه من خلال البروتوكول نستطيع قراءة ما عمله طبيب التخدير.. وإذا لم يكتب هذا البروتوكول فيعتبر خطأ جسيماٍ لهذا نشدد على أن يكون البروتوكول مع كل مريض خضع للجراحة بحيث نعرف كيف كانت المجريات وهذا أمر يعد بمثابة الصندوق الأسود..
وفيما يخص الأخطاء الطبية يقول: لا يوجد أي طبيب لديه النية المسبقة لارتكاب خطأ قد يقع على مريض ولكن يلعب في ذلك مسألة الإلمام بالمهنة والتقيد بتعاليم المهنية والكفاءة في هذا المجال أيضا والخبرة والضمير لأن مجالنا حساس ففي غرفة العمليات تكون المضاعفات سريعة وتحتاج لتدخل سريع ولذا تبرز أهمية التخدير كون علم التخدير يخاف منه الجميع “ويظنون أن من ينام به لن يصحو منه” .. ولفت إلى أن الأخطاء التي قد تحدث تكون غالباٍ بسبب أن يكون للمخدر جرعة أكثر من اللازم أو ينظر للتخدير على أنه أمر عادي أو عدم وجود الخلفية العلمية لدى الطبيب.. لكن الأشياء الأخرى تكون خارجة عن إرادة طبيب التخدير.. والأخطاء التي قد تحدث ما هي إلا 3- 5% من إجمالي المضاعفات مثل قطع عصب نزيف دموي وجلطة وهذه ليست مسؤولية طبيب التخدير.. لذا لابد من الحرص وكتابة مجريات العملية في البروتوكولات الخاصة.
فحص وتدقيق
ويأسف رئيس قسم التخدير بمستشفى الثورة قائلاٍ : “المجال ليس مفتوحا بالنسبة للتشريح بحيث تم إثبات تلك الأخطاء أو عكسها إلا في ما ندر” وهذه فلسفة مجتمعية تستند إلى الدين أو شعور خاص بالأسرة أو الأقارب أو في بعض الأحيان ينظر لها من ناحية دينية بحتة بحيث لا يجوز معها الشكوى مع أنها مشروعة في كل دول العالم الإسلامية.
متمنياٍ أن يتم فتح المجال للتشريح حيث وفي الخارج لا يوجد حالة وفاة تخرج من المستشفى إذا لم تشرح وهناك تظهر الحقائق أكثر عادة عند حدوث نزيف ولا يمكن أن تتم السيطرة عليه هذا ليس خطأ التخدير وحده لكن دائماٍ طبيب التخدير هو في فوهة المدفع..
ويؤكد الحريبي أن ما يساعد على وجود الأخطاء هي الجهات المعنية التي توظف أطباء التخدير الذين لا يوجد لديهم خبرة كافية أو شهادة علمية خاصة في القطاع الخاص وفي القطاع الحكومي أيضاٍ حيث تتغلب المصالح الضيقة على مصلحة الناس..
ويشدد على أنه لابد من لجان مختصة للفحص والتدقيق عن العاملين في مجال التخدير والأجانب من حيث الشهادات والتخصص والكفاءة وهذا يقع على عاتق المجلس الطبي.. ولابد أن تكون هناك رقابة قوية من وزارة الصحة بدرجة أولى وتعاون من رئاسة الوزراء لمتابعة هذه الأشياء بحزم.. ويقول: “لست راضياٍ عن مجريات الأمور من حيث التدقيق في المجالات الصحية سواء في المنشآت الحكومية أو الخاصة هناك ثغرات خاصة في المجالات الحساسة في التخدير أو الجراحة”.
لا يتسرع في الحكم
ومضى في حديثه يقول: المجلس الطبي من مهامه الأساسية الإشراف على كل الأطباء ومن ضمن ذلك التخدير لهذا هناك لجنة خاصة تفحص الشهادات وتصنفها وتقول بإصدار رخصة مزاولة المهنة لهؤلاء الأخصائيين في مجال التخدير والعناية المركزة وهذه هي مسؤولية المجلس الطبي.. وتابع بالقول لهذا نرجو أن يتم التدقيق من قبل المجلس الطبي باستمرار ومتابعة المخالفين ومتابعة المنشآت الخاصة والحكومية والإبلاغ عن أي توظيف يتم في كل المهن الطبية حتى يتم مراجعة ملفات المتقدمين من قبل المجلس الطبي وإصدار شهادات مزاولة المهنة بعد ذلك..
وختم الحريبي حديثه بالقول: أيضاٍ يجب على المواطن ألا يكون متسرعا في الحكم أن ما حصل هو خطأ من طبيب التخدير قبل أن يكون هناك تحقيق والخروج إلى أي نتيجة بحيث تكون في التحقيقات مصداقية وتكون علمية وشفافة.. حيث والمريض سلم الأطباء روحه وحياته فلابد من وجود ضمير.. والانتباه التام خلال العملية من أولها حتى آخرها وإعطاء الأشياء المناسبة حسب نوعية العملية والمتابعة المستمرة بالنسبة للحالة..
***
ثغرة وفراغ قانوني
المحامي والناشط الحقوقي عبدالله الطويلي: لم يشرع المشرع اليمني أية مواد قانونية صريحة وواضحة ضمن قانون طبي يحاسب على قانون الأخطاء الطبية هذا الأمر صنع ثغرة وفراغا قانونيا كبيرا حيث يعتمد القضاء بالدرجة الأولى على قانون الجرائم والعقوبات إضافة إلى قانون المجلس الطبي وقانون مزاولة المهن الطبية ومواد أخرى من بعض القوانين هذا إذا ثبت أن مرتكب الخطاء الطبي كان متعمدا..
ويضيف الطويلي: إن الخطأ الطبي من حيث الرؤية القانونية نوعان: مرتكب الخطاء الطبي المتعمد ومرتكب الخطأ الطبي غير المتعمد وهذا الأكثر حيث جاء في المادة الثامنة من قانون الجرائم والعقوبات “لا يسأل شخص عن جريمة إلا إذا ارتكبها عمداٍ او بإهمال” وفي السنوات الأخيرة تم إنشاء المجلس الطبي وهو هيئة مستقلة عن وزارة الصحة ويتبع رئاسة الوزراء مباشرة وتم إسناد إشكاليات الأخطاء الطبية لهذا المجلس الذي أصبح هو المخول بالنظر في قضايا الأخطاء الطبية والتحقيق فيها..
مواد عقابية
وينصح الطويلي بأن من أصيب بخطأ طبي فعليه التوجه بشكوى مع الإثبات إلى المجلس الطبي للنظر فيها أو إلى أي من لجان المجلس المنتشرة في المستشفيات المركزية بالمحافظات إذ عندها يقوم المجلس الطبي بالتحقيق فيها عبر لجان مشكلة من أخصائيين كل قسم على حد ويرفع المجلس تقريره إلى النيابة العامة التي تباشر إجراءاتها القانونية وعبرها إلى المحاكم..
أما من الناحية القانونية فيقول الطويلي: لا توجد مواد صريحة تجرم أو تعاقب مرتكبي الأخطاء الطبية بشكل واضح وصريح حتى في قانون المجلس الطبي أو قانون مزاولة المهن الطبية إنما مواد قانونية عقابية إذا خالف الطبيب المهنة وشروط المهنة كما ذكرت ذلك المواد 21/33 من قانون مزاولة المهن الطبية رقم 26 لسنة 2002م كذلك المادة 36 من نفس القانون التي نصت على: “لا تحول مساءلة ومعاقبة المخالف وفقاٍ لأحكام هذا القانون عن مساءلته جنائياٍ إذا ترتب على مخالفته حدوث فعل أو أفعال تعد جريمة معاقباٍ عليها وفقاٍ لقانون الجرائم والعقوبات أو التشريعات الأخرى النافذة ومراعاة تعويض كل من لحقه ضرر طبقاٍ للقانون”..
***
والمجلس الطبي تم تأسيسه في العام 2002م لإصلاح و تطوير العمل الطبي والصحي في اليمن وحماية المواطن اليمني من الأخطاء التي قد تنتج عن مزاولة مهنة الطب بمختلف فروعها المهنية والحد من الاختلالات في هذا المجال والعمل على متابعة ومراقبة تنفيذ القوانين المرتبطة بالمهن الطبية واللوائح المنفذة لها .
حيث صدور مؤخراٍ قرار جمهوري رقم (182) لسنة 2013م بتشكيل المجلس الطبي تم ترشيح الدكتور زايد أحمد عاطف رئيسا للمجلس الطبي الأعلى بعد أن توقف عمل المجلس فترة من الوقت.. غير أننا ننتظر من المجلس الجديد أفعالاٍ لا أقوالا فيما يخص أخطاء التخدير والأخطاء الطبية بشكل عام.. كون المتضرر لا يمكنه اللجوء للقضاء في ظل غياب مواد صريحة تجرم أو تعاقب مرتكبي الأخطاء الطبية بشكل واضح وصريح حتى في قانون المجلس الطبي أو قانون مزاولة المهن الطبية فكيف يكون الأمر في ظل غياب المجلس الطبي وتوقف مهامه عن العمل¿!

قد يعجبك ايضا