أنفــاس الليــل

تتوالى أنفاس الليل معلنة يوما آخر من صور الأشياء العتيقة, كل ما في الجوار يدعو للموت مبكرا ..!
ينتظر ذلك الجسد الملقى في إحدى زوايا المكان المتهالك, نهايته التي يبدو أنها بطيئة في خطواتها …!
حتى أنه مل الشكوى, كما مل مسبقا الانتظار ..!
يأتي لزيارته الكثير من المراقبين لملامح الموت في وجهه, ممن يشاركونه نفس البقاء, يتناقلون فيما بينهم كلمات تكرر عند كل زيارة, يتنفسون معه الهواء نفسه, تدور أعينهم حول المكان تبحث عن ملمح آخر للبؤس, صورة أخرى للملل فيعاود الصمت مسيرته, منتظرا ساعة الدهشة تزحف باتجاه الجثة .
تخيل أنك ذلك الجسد المنهك, أن العمر الذي غادر منه مخلفا ذلك الإحساس من الوحدة والخوف من الموت وحيدا دونما أحد, قد سلب منك لحظة القوة التي كنت تتباهى بها في يوم ما, وأرداك قتيلا للوحشة والانتظار للحظات الأخيرة من عمرك .
كم يبدو المشهد مرعبا ¿ وكم هي قاسية لحظاته ¿ التي تسرق منا البهاء وتكسونا ثوبا من الحزن الذي لا يندمل ولا تحده المسافات .
قد لا تدرك عمق الألم إلا عند مروره بعد وقت قليل, يعود إليك حاملا رسالته المعنونة بفقدان الشخص وحاجتك إلى رؤيته أو التحدث إليه, وتقديره ومصاحبته طوال الوقت .
ربما كنا كثيرا من الوقت غائبين عن أولئك المفقودين, متناسين ألمهم, بينما نحن نحتفي بكامل صحتنا وقوتنا, وهم أجساد تلقى على قارعة الموت تنتظر موعدها المقدر لها, وما أصعب ذلك الانتظار ¿ ما أقسى ساعاته ¿
تختبئ في صدورهم أنات متقطعة, لا نرى أنيابها وهي تحفر بقسوة, ولا نشاهدها وهي تغلق باب الروح, تظل ترقد
على صدورهم كل مساء, لا يشاركهم أحد في محنتهم, يخوضون معارك لساعات طويلة مع الألم وأخرى مع الوحدة, ينتصرون تارة ويهزمون أخرى, دون أن نقدر لحظات الحياة الطيبة التي نعيشها ونحن ننعم بحياة أفضل وصحة أكمل .
المهم أن لا تغيب صور أولئك المقعدون, ونتذكر أن لو بإمكاننا تقليل المعاناة, أو معالجتها, أو التخفيف عنها . إن كنا قادرين فلا نتأخر, ولا نتراجع في فك القيد, وإعادة الروح في جسد أعياه المرض وقلة الحيلة, و أنهكه المرقد منتظرا ساعة الصفر, عافانا الله وإياكم من كل داء, وعافا المتعبين منه وعجل لهم بالفرج

قد يعجبك ايضا