هيكل الدولة الجديدة وعقدها الاجتماعي سيعززان وحدة اليمن وسيادتها واستقلالها

أوضح المحلل السياسي الدكتور طارق مصطفى سلام رئيس المركز اليمني لحقوق الإنسان أن هناك إجراءات وتدابير هامة يجب أن تتوافق عليها المكونات كافة التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني للتأسيس السليم للمرحلة الجديدة القادمة التي نخوض غمارها حالياٍ والتي لا تحتمل تعديلاٍ جزئياٍ بل يجب التوافق على إجراء تغيير شامل للحكومة القائمة وتشكيل حكومة انتقالية جديدة تشرف على التحول التدريجي إلى الفيدرالية .
الثورة أجرت معه لقاء سلط الضوء على النقاط المركزية للمرحلة الراهنة..نتابع:

* برأيك ما الإجراءات التي ينبغي على الحكومة اتخاذها لتأسيس دولة الأقاليم¿
– بعد إجماع مختلف الأطراف السياسية على استبعاد فكرة الدولة المركزية البسيطة والتخلي عن خيار استعادة الدولة الجنوبية ينبغي على الحكومة في الفترة القادمة ان تعمل بجدية ومثابرة كافية على تهيئة المجتمع اليمني ومؤسسات الدولة كافة لمتطلبات إقامة الدولة الاتحادية الفيدرالية والتأسيس لنظام الأقاليم ونشر الوعي القانوني في المجتمع في هذا الجانب, مع التعجيل بإرساء البنية التحتية والأساسية التشريعية والمؤسسية وعلى المستويات كافة, وبحسب ما يتطلب لقيام الدولة الاتحادية وتعزيز دور المركز في البناء الفيدرالي, وكذا على مستوى البناء لقيام سلطة الأقاليم من خلال إعداد وتقديم القوانين والتشريعات اللازمة, وتهيئة مؤسسات الدولة القائمة كافة للمهام القادمة . وهنا لابد للحكومة من دراسة وثائق مؤتمر الحوار كافة ووضع رؤية إستراتيجية شاملة وخارطة طريق دقيقة ومصفوفة متكاملة من الخطط والبرامج التي تؤدي لتنفيذ قراراته ومخرجاته كاملة وفق آلية مزمنة تحدد أولويات العمل والمهام في هذا الجانب . وفي مقدمة هذه المهام والبرامج المطلوبة من الحكومة يأتي دورها في دعم ومساندة لجنة وضع مسودة الدستور الجديد وتذليل كافة الصعوبات التي تقف أمامها من أجل وضع هيكل وعقد اجتماعي جديديúن يرسيان وحدة الدولة الاتحادية الجديدة وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها, وعلى أن تتضمن مواد الدستور الجديد أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان والمساواة, وينص بأن الإرادة الشعبية هي الأساس لسلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات وفقا لمتطلبات الديموقراطية بنسبها التمثيلية والتشاركية ولضمان التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة . كما يجب أن تعمل الحكومة خلال الفترة القادمة وبمسؤولية تضامنية وبوتيرة عالية وكوحدة واحدة على بناء الدولة الاتحادية الجديدة مع الاعتراف الكامل بالأخطاء والمظالم الجسيمة التي ارتكبت في الجنوب والشمال في الماضي, ولذلك يتعين على الحكومة اليمنية معالجة هذه المظالم بجدية وعاجلا بما فيها التطبيق الكامل للنقاط العشرين والإحدى عشرة خلال فترة الانتقال إلى الدولة اليمنية الاتحادية الجديدة ووفق جدول زمني يحدد في إطار متابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل . كما يجب على الحكومة خلال الفترة القادمة أن تهتم بتوفير التمويل اللازم للوفاء بالتزامات جبر الضرر, وضمان تنفيذ ذلك بشكل كامل وفقا لمبادئ العدالة الانتقالية ومن دون تمييز من أجل التأسيس لمستقبل يتجاوز جميع مظالم الماضي ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة.
عراقيل
* يتم الحديث بشكل واسع عن مصاعب تعيق قيام الدولة الاتحادية الفدرالية, برأيكم ما هي أهم هذه المعوقات في هذا الجانب, ومدى تأثيرها السلبي في المستقبل¿
– أصبح موضوع التأسيس لدولة اتحادية فيدرالية في اليمن والتباين في عدد أقاليمها والتحديات التي باتت تواجهها واحدة من القضايا الأكثر إثارة في الحياة السياسية اليمنية في الوقت الراهن, وهي معوقات داخلية وخارجية أما عن المعوقات الخارجية فيمكننا الحديث عن تدخلات محتملة وبعضها قائمة, حيث لا يقتصر الجدل الدائر الآن بشأن المسار نحو النظام الفيدرالي على اليمنيين وحدهم بل تتدخل فيه دول الجوار الجغرافي محاولة توجيهه وجهة تقلل من آثاره السلبية على اليمن وعلى أمنها القومي كما أن المنطقة تعيش حالة تسلط من قبل حكام يفرضون مركزية قاتلة على شعوبها ويهدرون الثروات الوطنية بحجة الحفاظ على قيم الدين ووحدة الوطن ومحاربة الاستعمار الجديد والصهيونية العالمية .. الخ وغيرها من الشعارات الزائفة والمعروفة لنا جميعا, أما عن المعوقات الداخلية فأجد أن الإعلام اليمني أهم معالمها الأساسية, إذ أن الإعلام الرسمي بسوء أدائه يخلق مصاعب جمة في التهيئة للدولة الاتحادية القادمة, وبعض الإعلام الأهلي الذي ينحاز كليا إلى جانب المناهضين لقيام النظام الاتحادي الفيدرالي وهو من يؤجج اليوم لفتنة الأقاليم ويعمل على تعبئة الرأي العام اليمني بل والخليجي والعربي ضد قيام النظام الفدرالي وتعدد الأقاليم في اليمن مهولا من تبعاته وأخطاره على وحدة البلاد والعباد كما ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإدارية الحالية لليمن هي من أهم المعوقات الداخلية التي تواجه قيام الدولة الاتحادية بأقاليمها المتعددة, حيث ان زيادة عدد الأقاليم وما ينتج عنه من حكومات وهيئات محلية ومستويات إدارية مختلفة تفرض زيادة في التكلفة والأعباء المالية, وتتطلب موازنات اضافية لا تتحملها موارد اليمن حاليا.
انتماء حضاري وديمقراطي
* كيف تقر أن البعد الحضاري لشكل الدولة الجديدة¿
– الخارطة الإنسانية تظهر الشعب اليمني سليلاٍ لحضارة خالدة وأصل العروبة الذي يناضل لينتصر لإنسانيته ومدنيته, ومن الناحية الحضارية والتنموية فإن فكرة النظام الفيدرالي يعتبر من اهم الحلول لكثير من القضايا الراهنة وهي السبيل لبناء اليمن الجديد وبرؤية عصرية مناسبة بعد عقود طويلة من الظلم والاستبداد, والنظام الفيدرالي الاتحادي هو المخرج لمشكلات اليمن ونظام الدولة في اليمن القديم كان فيدرالياٍ وفي ظل هذا النظام سيولد وعياٍ وطنياٍ عميقاٍ ودولة وطنية قوية تعتز بانتمائها الحضاري والديمقراطي والعصري وبالتالي ستختفي النزعات المناطقية والسلالية ونزعة الهيمنة والتطرف وممارسة الإقصاء والإلغاء وستوقف الفيدرالية بالضرورة حمام الدم في اليمن الذي من أسبابه العديدة سلطة الدولة المركزية, وتسهم الفيدرالية في بناء الدولة اليمنية الديمقراطية المدنية والحديثة التي يسودها النظام والقانون والأمن والاستقرار والعدل والمساواة والحرية وحقوق الإنسان, وستقيم المشروع الحضاري والتنموي والتنويري الذي توفره المنافسة بين الأقاليم . كما ان نظام الأقاليم هو توسيع للمشاركة الشعبية والمجتمعية في السلطة والثروة وفي الرقابة الشعبية ويحقق التنمية الشاملة والمستدامة وبوتائر عالية, كما أن شكل الدولة الجديد يحمل محددات حقوقية وتنموية زاخرة بالعطاء وتساهم في تعزيز وحدة اليمن من خلال ترسيخ روح المواطنة والانتماء الحضاري الواحد وخلق وعي مجتمعي بالهوية الفيدرالية وأهميتها والدفع باتجاه تحقيقها باعتبارها الممثل الحقيقي عن مصالح المجتمع .. وتحقيق الفيدرالية بعد قانوني يتطلب تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين استناداٍ للعقد الاجتماعي الجديد الذي يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع وبعد اقتصادي اجتماعي يستهدف إشباع الحاجيات المادية الأساسية للمواطنين ويحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم, وبعد ثقافي حضاري يعنى بالجوانب الروحية والنفسية والمعنوية للأفراد والجماعات على أساس احترام خصوصية الهوية الثقافية والحضارية ويرفض محاولات الاستيعاب والإقصاء والتهميش والتنميط.
قوى متضررة
* هل بالفعل هناك قوى تسعى للانقلاب على مخرجات الحوار ¿
– نعم هناك قوى تسعى للانقلاب على مخرجات مؤتمر الحوار ووأدها في مهدها, وهي القوى التقليدية التي تضررت مصالحها من عملية التغيير كما تضررت أيضا من تلك المهام العديدة الوارد ذكرها في قرارات ومخرجات مؤتمر الحوار فرفضت التوقيع على مخرجاته ووثائقه النهائية, وهي أيضا تلك القوى التي تحمل السلاح وما زالت ترفض وضعه جانبا والالتحاق بركب الحضارة في البناء والتشييد لليمن المدني الجديد, هذه القوى التقليدية المرتبطة بالعهد القديم والتي تسعى إلى إعادة الفوضى من جديد هروبا من تنفيذ مخرجات الحوار والانقلاب على المبادرة الخليجية والتي تسعى لاحتواء القوى المدنية في اليمن.
إعاقة العملية السياسية
* في تقديرك..هل لبت مخرجات مؤتمر الحوار تطلعات الشعب اليمني في التغيير.. والشباب بالتحديد¿
– لقد نالت مخرجات الحوار الوطني ثقة الشباب والمجتمع الدولي الذي كان له دور كبير في دعم العملية السياسية التوافقية في اليمن , ومن ضمن الضمانات اللازمة لتنفيذ مخرجات الحوار استمرار دور المجتمع الدولي في دعم تنفيذ مخرجات الحوار وإيداع وثيقة الحوار الوطني في مجلس الأمن حتى يتم معاقبة أي طرف يحاول أن يقوض العملية السياسية ويعيق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني . شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية كانت مطالبهم عالية ووطنية وأهداف ثورتهم تشمل معالجة لكافة القضايا الوطنية والانتقال إلى رحاب الدولة المدنية الحديثة وبالتالي فإن مخرجات مؤتمر الحوار ومعالجتها للقضايا الوطنية هي انتصار لإرادة الشباب ومن ضمن مسارات أهداف الثورة التي يعمل الشباب على استكمال تحقيق أهدافها ولن يتوانوا حتى يتم استكمال تحقيق كافة الأهداف . وكان من أبرز مقررات مؤتمر الحوار والوثائق التي خرج بها هي وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي شملت كل تقارير الفرق التسع المنبثقة عن المؤتمر إضافة إلى وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية. حيث شملت وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار محددات دستورية وقانونية سيتضمنها الدستور القادم لضمان التنفيذ الفاعل لمخرجات الحوار التي يضع عليها الشباب آمالاٍ كبيرة في تجسيد طموحاتهم كافة وفي المستقبل المنظور كما حرصت مخرجات الحوار الوطني على صعيد الحقوق والحريات أن تكفل للشباب حقوقهم الكاملة للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والعمل المدني وكذلك حقهم في الوصول إلى مراكز صنع القرار وفق ضمانات ومحددات دستورية واضحة وقاطعة.
مشاركة الشباب
* وماذا عن دور الشباب في المرحلة القادمة¿ وفي تمكينهم من مراكز صنع القرار¿
– ان تنمية وتطوير قدرات الشباب هو الطريق للنهوض بالبلدان ودفع عجلة الحكم الرشيد وبناء السلام وتنفيذ أهداف الألفية للتنمية, فجاز لنا أن نقول بأن الشباب هم اكبر الفئات التي تعبر عن التاريخ الإنساني بلا منازع ويعول عليه في عمليات التحديث والتغيير والديمقراطية والتحول المجتمعي والقيم والارتقاء بحياة الإنسان وتأمين حاجاته الضرورية في عالم متراكم الأمواج تواجهه تحديات شتى . لذا ظلت المجتمعات المستنيرة تراهن على سواعد الشباب وتنادي بتفعيل دورهم في المشاركة السياسية وأطلقت عشرات المبادرات تحمل هذا المضمون وتثمن دور الشباب وتدعو لمعالجة إشكالاتهم ولذلك علينا في اليمن وبموجب عملية التغيير الجارية في البلد تمكين الشباب من ممارسة دورهم في صناعة القرار وتعزيز مشاركة الشباب والشابات في صناعة القرار في المؤسسات الحكومية والأهلية ورفع قدراتهم لتقلد مناصب قيادية وتزايد دورهم القيادي في مراكز صنع القرار من خلال تمثيلهم وتواجدهم الكثيف في دوائر صناعة القرار وعلى كافة المستويات والأصعدة.
تجسيد مخرجات
* وكيف تنظرون لدور القيادة السياسية في إنجاح المرحلة الانتقالية نحو الدولة المدنية الجديدة ¿
لا شك ان مخرجات الحوار سوف تجسد على أرض الواقع بعد تحويلها إلى مصفوفة برامج وخطط للحكومات المتعاقبة خلال للفترة القادمة, بالرغم من كل المصاعب والتعقيدات التي في معظمها مفتعلة من قبل قوى ترغب بشدة في إفشاله ووأد التسوية السياسية وعملية التغيير في مهدها وبداياتها الأولى, خاصة أن الوطن يمر بمنعطف تاريخي هام أوشك أن شعبنا على الانزلاق فيه, بل كان الوطن بأكمله والشعب بمجمله على شفير الهاوية والحرب الأهلية والوقوع في الشرك المجهول والولوج في النفق المحظور لكن على القيادة السياسية الآن أن تكمل مشوارها وتختار المسار السليم, والدرب الآمن والطريق القويم للعبور باليمن وأهله إلى بر الأمان والسلام والازدهار للتعزيز من روح الانتصار وتجسيد معاني الإيمان بحق الوطن في نفوس كل اليمنيين.

قد يعجبك ايضا