“إرهاب السكاكين “…وأزلام شريعة الغاب


إعداد/ محمد محمد إبراهيم –
*علماء النفس :
جريمتا الحوطة والعرضي خروج عن الفطرة السوية

* قتل 14 جندياٍ بتلك الطريقة الغارقة في السادية.. يضع الخطاب الديني وأهمية انضباطه على المحك

أشعلت الرأي العام العربي والعالمي ومست كل ما يتصل بقيم الإنسانية والعقيدة والأكبر جرماٍ أنها تحت شعارات الدين لتضع قداسته وقيمه أمام عدوه الحقيقي بعد أن طالت كل قيم الإنسانية وخدشت حرمات الله في الأرض لتعبر بقرفها عن حفنة من وحوش البشر الذين ليسوا أكثر من أزلام لشريعة الغاب…إنها جريمة الحوطة التي راح ضحيتها 14 جنديا يحملون في قلوبهم وعقولهم حب اليمن ويوحدون الله حتى لحظة القتل الاستثنائية التي طالتهم قسراٍ وغدراٍ.

* ما الذي يمكن أن يقوله أي عاقل عن ذبح إنسان على مرأى من الناس وأمام عدسة الكاميرا التي توثق وتنقل إلى العالم هذه البشاعة.. ¿ بكل تأكيد سيعجز العقل نفسه في الحكم على بشرُ من هذا النوع ربما لأن العقل – الذي فضل الله الإنسان به على سائر المخلوقات- محكوم بقيم الاستشعار والرحمة والإنسانية وحق كل كائن في الحياة..!!
* هل يتذكر المجرمون لحظات الاستجداء الغارقة في الرحمة والتوسل التي كان الجنود يطلقونها في الفضاء الفسيح علها تجد طريقا آمنا إلى قلوب من صوان ..وهم يمارسون لعبتهم السادية المقيتة التي هي القتل ببدائية السكاكين كطريقة بشعة تطال إنسانية الإنسان..بعد أن كانت حكرا على الحالة الحيوانية فقط.
* وهل يتذكر المجرمون -بعد عودتهم إلى أطفالهم منتصرين بأيديهم الملطخة بدم بشر أبرياء¿ وبماذا سيردون على صغارهم ونسائهم حين يسألونهم عن هذه الصور التي تطعن أثير العالم بشناعتها ..¿
* وهل سيستشعرون جرم ما اقترفته أيديهم وصغارهم فرحون بعودتهم ..فيما هم مدججون بمشاعر مفخخة أزهقت أرواحا بريئة بأبشع طريقة صدمت اليمنيين والعالم..
* ثم ما ذنب أهلهم وأطفالهم يصعقهم الإعلام بنقل تلك الصور التي رفضها الذهن اليمني وعجز عن استيعابها..¿ وهل سيتمثلون -لحظة تبادل الابتسامات مع إخوانهم الصغار وأبنائهم- وصدمة أسر وأطفال وإخوان الضحايا بهذه الصور التي تعجز حتى صفات البشاعة والألم والقتل عن وصفها حين يراها إنسان غريب فما بالك بالطفل الصغير الذي كان ينتظر والده بشجن وشوق واحتياج أبوي لا يعلم حدوده أحد..¿
* أسئلة كثيرة وكبيرة يصعب على العقل استيعابها أو الإجابة عنها.. فذبح 14 جندياٍ بل لم يعودوا مجندين حيث صاروا أسرى محكومة إرادتهم وإنسانيتهم وبقاؤهم بيد الآسر الذي كان ظنهم فيه أنه بشر مثلهم وأن حقن دماء ركاب الحافلة المدنية التي كانت تقلهم مسألة قيمة إنسانية تستدعي التخلي عن السلاح والمواجهة مع المجرمين وتسليم أنفسهم – حفاظاٍ على ركاب الحافلة- للأسر فقط ليس أكثر من ذلك لكن بشاعة الصورة أثبتت أن المواجهة حتى الموت ولو انتهى كل من في الحافلة كان أهون على المجتمع اليمني وعلى كل من يرى هذا المشهد الذي يهز كيان كل جبابرة الأرض وجعل المجتمع اليمني والعربي ينظر لكل هجمات الإبادة الإنسانية في غزة بعين التقدير لظروف الحرب في كل دول العالم فما جرى في حضرموت اليمن تجاوز جرمه مرأى عين الشمس في كوكب الأرض إذ لم تشرق يوماٍ على مشهدُ كذبح هؤلاء الشباب الأبرياء..
* أن يزهق دم إنسان في حرب فذاك حاصل اقتتال بشري محتمل فهي سنة الحياة وسنة صراع الخير والشر في هذا الوجود لكن أن يذبح إنسان بتلك البشاعة فتلك جريمة لا تقاس بمدى الجرائم الإنسانية بقدر قياسها بالجرائم الوحشية في شريعة الغاب التي صار لها أنصار ينتمون لفصيلة الإنسان المكرم والمفضل على سائر الكائنات بالعقل.. لقد اندهش وخرس العالم بحادثتين في اليمن نالتا من البشاعة والصفات ما لم تنله أي جريمة في العالم.. الأولى جريمة مستشفى العرضي ومجمع الدفاع التي طالت – في ديسمبر 2013م- بالرصاص وبدم بارد الممرضات والطبيبات اللاتي يلبسن الأبيض المميز لأرقى مهن الإنسانية في الكون ولم تتوقف الرصاص الوحشية عند هذا الحد بل طالت أطباء ومرضى على أسرة الإنعاش نساء وأطفالاٍ دون رحمة أو أدنى شعور بجسامة ذلك الجرم الذي جعل عدد الشهداء يصلون الى 56 شهيداٍ منهم (16) شهيداٍ من طاقم المستشفى و(23) من القوات المسلحة و(4) من الأشغال العسكرية والمؤسسة الاقتصادية و(14) من الزوار والمرضى…
* وحينها قرأت عن هذا الحدث مقالاٍ للكاتب العربي الكبير (محمد علي الهرفي) في صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4119 – الثلاثاء 17 ديسمبر 2013م الموافق 14 صفر 1435هـ قال فيه: من جملة الأحداث الكبرى التي شغلت الرأي العام العربي والعالمي في نهاية الأسبوع الماضي الجريمة البشعة التي ارتكبت في مستشفى العرضي العسكري في صنعاء ومع أن كل الجرائم بشعة ومرفوضة إلا أن هذه الجريمة تشكل كل أنواع البشاعة التي تفوق الوصفº فمسرح الجريمة كان مستشفى والمستهدفون كان معظمهم من المرضى ومن الأطباء والممرضين والممرضات. وقد شملت تلك الجريمة بعض زوار المستشفى وكل ذلك كون لوحة مأساوية سوداء خصوصاٍ أن من شاهد تلك الجريمة ورأى كيف كان بعض القتلة يلاحقون الطبيبات والممرضات لمنعهن من إنقاذ المصابين ومن ثم قتلهن يشعر بعمق الجريمة وبشاعتها كما يشعر بتجرد القتلة من كل المشاعر الإنسانية..
* الجريمة الثانية جاءت على نفس البشاعة والشناعة بل بأدوات أكثر إيلاماٍ وتهديدا لكل قيم العقيدة والإنسانية حيث ارتكب تنظيم القاعدة الإرهابي مساء الجمعة 8 أغسطس جريمة بشعة في مدينة الحوطة التابعة لمدينة حضرموت بدأت باختطاف واعتقال 14 جندياٍ كانوا بلباسهم المدني مسافرين على متن حافلة ركاب نقل بري وتم إعدام بعضهم هناك ذبحا بالسكاكين أمام عدد كبير من الأهالي والمواطنين..
* أيا كانت التفاصيل وبشاعتها فالمقام هنا لا يتسع لبشاعة وشناعة كهذه لكن الصور التي نشرت بتلك الهمجية في المواقع الالكترونية والفضائيات ومقاطع الفيديو التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي تعني بكل دقة أن من ارتكبوا هذه الجريمة ليس لهم دين ولا عقيدة وسوية وإنسانية.. فهم خارجون عن الفطرة السوية تماماٍ كما وصفهم كثير من علماء النفس الاجتماعي والقيمي وكما أعتبرهم كل أرباب الفكر ودعاة الديانات السماوية الأخرى التي تحرم سفك الدم بتلك البشاعة فهم لا يريدون الإساءة لليمن فحسب بل يريدون النيل من الإسلام واليمن والمجتمع بأسره..
* ومثلما عاش المجتمع اليمني صدمة استثنائية وغرابة لم تجد مطلقاٍ مقارنة بين أبشع الجرائم في العالم وجريمة ذبح الجنود اليمنيين الـ 14 في حوطة حضرموت تابعها الرأي العام السياسي والجماهيري على الصعيدين العربي والعالمي بأسى كبير وبصدمة تفوق التصورات ولعلنا تابعنا التعازي التي تلقتها القيادة السياسية من الزعامات العربية والدولية التي كان آخرها ما تلقاه  الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية أمس الأول من اتصالات هاتفية كان أبرزها اتصال مساعدة الرئيس الأميركي باراك أوباما للأمن القومي ومكافحة الإرهاب ليزا موناكو .. والتي عبرت فيه عن تعازي الرئيس أوباما والشعب الأمريكي للحادث الإجرامي الإرهابي بحق الجنود الـ 14 في محافظة حضرموت.. معتبرة من ارتكبوه جماعة إرهابية إجرامية ليس لها دين ولا أخلاق .. معلنة إدانة أمريكا القوية لهذا الفعل الإجرامي الذي لا يمت للإنسانية بأي صلة..
* لقد اشتعلت قنوات الإعلام العالمية بخبر هذه الجريمة النكراء.. وجعلت الجميع ينتبه للمفارقة العجيبة بين شريعة الوحوش وشريعة من ارتكب الجريمة فأي جريمة هي خصوصاٍ جميعنا يدرك أن الشرائع السماوية جميعها لا تبيح هذا الجرم ولا تجيز سفك الدماء بأي شكل من الأشكال.. فالله خلق الحيوان وأودع فيه رغبات ونزوات بلا عقل.. وخلق الإنسان وأودع فيه النزوات والعقل فإذا تغلب العقل على النزوات والشهوات صار الإنسان أرقى من الملائكة أما إذا تغلبت النزوات فصار أدنى من الوحوش والحيوانات..
– لهذا يجمع أهل العقل والدين والقيم الإنسانية أن السكوت عن الحق مفتاح لأبواب الباطل والشر والإساءة للدين الإسلامي وقيمه العظيمة التي تبيح إشهار السيف في وجه المسلم ولا تبيح القتال إلاِ في حالة الدفاع عن النفس والمقدسات وحرمات الله ولم تبح قتل أي إنسان من الديانات الأخرى أياٍ كان أسيراٍ أو فاراٍ من أرض المعركة (وقاتلوا في سبيل الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا).. فما بالنا بمثل هذه الجريمة ذبح أسرى من الوريد إلى الوريد وعلى مرأى من العالم أجمع.. وما جرى في اليمن على أيدي عناصر الإرهاب يتطلب من كل يمني اليقظة والتضحية لدحر هذا الخطر الذي يستهدف في المقام الأول الدين الإسلامي ويستهدف اليمن ويستهدف الإنسانية جمعاء.. وبالتالي فإن قتل 14 جندياٍ بتلك الطريقة الغارقة في السادية.. يضع الخطاب الديني وأهمية انضباطه على المحك.

قد يعجبك ايضا