الدبلوماسية السورية

إسكندر المريسي –
تتميز الدبلوماسية العربية السورية عن غيرها من دبلوماسيات العالم بالشفافية والوضوح¡ فهي تعتبر من أرقى الدبلوماسيات الدولية¡ حيث تبدو للمتأمل في خفة حركتها ونشاطها الإقليمي والدولي أنها سهلة¡ ومرجع ذلك إلى تلك الشفافية والوضوح¡ لكنها تقف في السهل الممتنع¡ وما كان ذلك ليكون لولا تراكم الخبرة والتجربة العلمية¡ وفيها من الكفاءات والقدرات ما يجعلها – بالتأكيد – قائمة على العمل المؤسسي.
ويخطئ م◌ِنú يعتقد أن الدبلوماسية السورية مبنية على القرارات العشوائية أو الفردية أو الارتجالية¡ فالمعلن عنها للرأيين العربي والدولي ضمن ما هو معروف في طاقمها الدبلوماسي الظاهر للعيان غير خبراء الدبلوماسية السورية غير المعلنين والأكثر كفاءة◌ٍ وقدرة من المعلن عنهم في مختلف هيئات وفروع السلك الدبلوماسي السوري¡ لذلك فإن الثابت الذي لا خلاف عليه أن تلك الدبلوماسية التي ترتكز على جملة ثوابت محددة تطغى عليها الاستراتيجية وينخفض مستوى التكتيك فيها¡ مما يجعلها تقف على أرض صلبة وليس على أرض رخوة¡ وما يؤكد حقيقة ذلك أن العالم كان يراهن على فشل الدبلوماسية العربية السورية عند عتبة الجامعة العربية¡ وأن ذلك العالم لا يحتاج إلى نقل صراعه مع الدبلوماسية السورية إلى المحافل الدولية وسط اعتقاد كان يراود البعض بأن السياسة الخارجية السورية دخلت مأزق الانكماش الاستثنائي في نشاطها الدبلوماسي¡ بالنظر إلى حالة الحصار غير المعلن¡ الذي تواجهه دمشق من جوارها العربي ومحيطها الإقليمي والدولي¡ إلا أن الخبرة المتراكمة والتجربة المتميزة والجانب العلمي كان بمثابة الرصيد الضخم الذي لم تصمد الدبلوماسيات العربية أمامه¡ وكان ذلك أمرا◌ٍ طبيعيا◌ٍ لارتكاز الدبلوماسية السورية على الجانب العلمي المحض¡ وهو ما جعلها – رغم حرصها على التضامن العربي – تتجاوز وبسرعة أزمتها داخل الجامعة العربية¡ م◌ْرحøöلة◌ٍ تلك الأزمة إلى الجامعة ذاتها¡ وكان ذلك السبب الكافي الذي دفع القوى الدولية إلى نقل الشأن السوري إلى المحافل العالمية¡ اعتقادا◌ٍ من أولئك الناقلين أن الدبلوماسية السورية ستفشل في مواجهة أعرق الدبلوماسيات العالمية.
وكانت تلك بالتأكيد حسابات خاطئة¡ حيث أظهرت الحقائق قدرة الدبلوماسية العربية السورية على الحركة في مجالها الحيوي¡ لأنها تعاملت مع الجامعة العربية وفقا◌ٍ لرؤية تكتيكية محتفظة بكل أوراقها أمام الجامعة العربية¡ لإدراك دمشق أن معركتها الدبلوماسية الحقيقية ستكون في المحافل الدولية¡ وهو ما تم فعلا◌ٍ¡ حيث استطاعت سوريا أن تجعل من الدبلوماسيتين الروسية والصينية البديلتين للنظام الإقليمي الرسمي المنتهي تماما◌ٍ¡ وبذلك قلبت الدبلوماسية السورية السحر على الساحر داخل أروقة مجلس الأمن¡ وما يؤكد حقيقة ذلك أن إرسال بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا ليس إلا مراوحة فاشلة تكرر مسألة العودة إلى نقطة البداية المتمثلة في إرسال بعثة المراقبين العرب إلى دمشق.

قد يعجبك ايضا