الدولة المدنية وكوابح التغيير
نبيل نعمان
نبيل نعمان –
نبيل نعمان
الدولة المدنية الحديثة .. مفردة باتت تتردد على كثير من الألسن وشعارا يصدح في كثير من المحافل رغم أنه مطلب قديم لليمنيين ناضلوا من أجله لعقود .. لمع أمامهم مع انبلاج فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م لكنه سرعان ما خفت وهجه وسار تاليا في تعرجات ومحطات كثيرة توارى أحيانا وبرز في أخرى ولم يتحقق هذا الحلم حتى اليوم.
من المحزن بالطبع أن نهدر نحو نصف قرن دون أن نصل بهذا الحلم إلى حقيقة واقعة بل ولا نزال في المربع الأول الذي عادة ما ترتفع فيه الأصوات وتتعدد الدعوات لضرورة قيام الدولة المدنية دون الولوج في صلب متطلبات تحقيق هذا الهدف الذي سبقتنا إليه دول كثر وترسخت أوطان كانت قبل نصف قرن تعيش خارج الزمن وبعضها لا وجود لها على الخارطة.
اليوم لم يعد مقبولا الوقوف طويلا أمام أهمية وضرورة الدولة المدنية وأن نظل نلوك هذا بعيدا عن الإجراءات العملية والأسس العلمية في بنائها .. لأن لا الوقت ولا الظروف الراهنة يمكنها تحمل المزيد من الهدر أو التسويف فالفرصة المواتية لا يمكنها أن تتكرر وعدم استثمارها أو التفريط بها وبمخرجاتها سيكون خسارة لليمن واليمنيين في تحقيق التغيير الذي ينشدونه بعنوانه الأبرز والعريض .. الدولة المدنية الحديثة.
إن فكر التغيير يمثل الأداة لتأسيس الدولة المدنية وتأصيله يرسخ عوامل بقاءها وتجذرها وتنقيتها من آية شوائب رافقت لبناتها الأولى وهو أمر في غاية الأهمية باعتبار أن التغيير ضرورة تاريخية تعمل كحاضن لنموها وتطورها وتجذرها وبالتالي فإن الخلل الذي قد يصيب هذا الفكر سيطال الدولة ذاتها ويعرضها للاهتزاز والضمور والعكس صحيح فكلما بهتت مقومات المدنية دخل الفكر في حالة من التيه فاقد القدرة على الفعل الخلاق.
وكما أن التغيير ضرورة حضارية واجتماعية يجد طريقه للتنفيذ بفعل الإنسان وهو غير التغيير الذي عادة ما يكون خارج الإرادة ويتم بفعل عوامل طبيعية عادة فإن مقاومة التغيير تلازم الكثير وهي حالة مفهومة وصفة إنسانية نابعة من الخوف والتوجس من كل ماهو جديد وفيه مغامرة غير محسوبة النتائج وفقا لتصور البعض لكن هذه الحالة أيضا مفهومة تبعا لطول بقاء أي مجتمع في حالة ركود وهي وضعية تختلف من مجتمع لآخر ولهذا يكون التغيير مقبولا وسريع النتائج في مجتمع دون غيره بينما أخرى تحتاج أي وقت وجهد لإحداث التغيير.
وفي واقعنا اليمني يمكن القول إن هناك ثلاثيا معوقا للتغيير ومعه بالضرورة الدولة المدنية .. وهذا الثلاثي يتمثل في الخوف من التغيير أو فوبيا التغيير الفكر التقليدي ومنظومة الفساد .. فكل واحدة من هذه المعوقات لها أدواتها وأساليبها في وضع الكوابح وإعاقة كل ما يمكن أن يقود أو يؤسس لدولة مدنية وكلما تشكلت أضلاع هذا المثلث وتقاطعت مصالحها كانت قدرتها على الكبح أكبر وأعمق.
يتصور معرقلو التغيير بأنهم مستهدفون بعضهم بدافع الخوف من التغيير وآخرون يتحسسون صلعتهم فيعرفون أن الزمن سيتجاوزهم ولهذا يعمدون إلى اختلاق المعوقات ويركبون كل موجة يعتقدون أنها ستحد من تصحيح الأوضاع من قبيل بث روح الإحباط والتقليل من أهمية التغيير وفاعليته في تحقيق الأفضل مستغلين حقيقة أن التغيير عملية بطيئة النتائج وتحتاج إلى وقت وجهد وبيئة مناسبة لكي تثمر وتلامس هموم وتطلعات الناس.إن فوبيا التغيير يعد المعيق الأكبر لإحداث اختراق حقيقي في جدار أي &