الـخيـال الـعـلـمـي وأدب الـمـستـقـبـل

سناء الشعلان

سناء الشعلان –
> عمان ـ تعد رواية أعشقني للأديبة الأردنية سناء الشعلان امتدادا لروايات الخيال العلمي عبر توليفة سردية روائية رومانسية وباختصار نستطيع أن نلخص فكرة الرواية في كلمة بطلتها في البداية حيث تقول: «وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينتظم هذا الكون العملاق أنا لست ضد أبعاد الطول والعرض والارتفاع والزمان ولست معنية بتفكيك نظرية إينشتاين العملاقة التي يدركها ويفهمها جيدا حتى أكثر الطلبة تواضعا في الذكاء والاجتهاد في أي مدرسة من مدارس هذا الكوكب الصغير ولكنني أعلم علم اليقين والمؤمنين والعالمين والعارفين والدارين وورثة المتصوفة والعشاق المنقرضين منذ آلاف السنين أن الحب هو البعد الخامس الأهم في تشكيل معالم وجودنا وحده الحب هو الكفيل بإحياء هذا الموات وبعث الجمال في هذا الخراب الإلكتروني البشع وحده القادر على خلق عالم جديد يعرف معنى نبض قلب وفلسفة انعتاق لحظة أنا كافرة بكل الأبعاد خلا هذا البعد الخامس الجميل».
فهذه الرواية تقدم مساحات النفس الإنسانية بما فيها من معضلات فكرية ونفسية وجسدية عبر منظور زمني عامودي يخترق أكثر من ألفي عام من تاريخ الحضارة الإنسانية حتى النفاذ إلى ألف عام أخرى مستقبلية مفترضة حيث عام 3000 ميلادي عبر توليفة استشرافية فنتازية لما قد يكون عليه مستقبل البشرية في ضوء معطياتها الحاضرة وانطلاقا من أزماتها الراهنة في إزاء خيال علمي يعد بالكثير من التقدم على المستوى التقني في حين يظل عاجزا عن الارتقاء بإنسانية الإنسان وقاصرا عن السمو بقلبه وعقله ليظل هو الآخر حبيس أزمات الإنسان ومعضلاته وأفكاره وأسئلته الكبرى.
هذه الرواية تهجر التخوم لتدخل إلى عوالم الأسئلة الكبرى عند الإنسان مثل: الموت والحياة والسعادة والخلق والقوة والعلم والجنس والعشق والدين والسلطة والثورة والنصر والهزيمة والفرد والجماعة وتحاول أن تقدم تجربة عشقية هاربة من عالم المادي التقني المفترض في المستقبل في ضوء الخيال العلمي لتقدم تجربة طوبائية للعشق والجنس والخلود والامتداد البشري.
وهي بذلك تهزأ من تشيؤ الإنسان في الوقت الحاضر وتقدم نبوءة متشائمة لمستقبل البشرية إن أصرت الإنسانية على ما هي عليه من فرقة وقسوة وحروب ووحشية وانتهازية ودمار فترسم عوالم مستقبلية في جغرافية كونية هائلة تمتد إلى كل كواكب درب التبانة وتشمل البشرية جمعاء في مشهد بشري مأزوم في مستقبل يدين للآلة والبراغماتية والعلم المقطوع عن الإنسانية وعن السماء ويحول الإنسان إلى رقم كوني مفرغ من الأمل والمشاعر والذاتية بل ومن السعادة.
وفي هذا الفراغ الروحي القبيح حيث لا جسد بمعناه التفاعلي ولا أسماء ولا أحلام ولا ذاتية ولا أوطان ولادين ولا أمل ولا جمال يولد العشق بين القاتل والمقتول ويجد بطل الرواية نفسه سجينا في جسد اغتاله ضمن توليفة سردية تقوم على افتراض نقل دماغ الإنسان من جسد إلى آخر في المستقبل القريب ثم يجد نفسه حاملا بطفل الجسد الذي يسكنه وهنا تبدأ رحلته مع نفسه ومع جسده الجديد ومع جنينه ومع أسئلته الكبرى ليجد في النهاية كل الإجابات عن أسئلته المعلقة التي تقهر وجوده المستلب في عالم المستقبل المفترض فيقع في عشق جسده الذي كان في يوم ما هو جسد المرأة التي اغتالها بعد أن يعرفها عبر دفتر يومياتها ويؤمن مثلها بالعشق ويهجر الإلحاد حيث الإيمان بالرب ويؤمن من جديد بإنسانيته وبحق البشرية في فرصة أخيرة في الحياة والسعادة والعشق ويعشقها بكل عمق وصدق ويقرر أن يبدأ حياة جديدة بجسده الأنثوي الذي يضم رجولته العاشقة لتلك المرأة التي تركت جنينها في جسدهما.
وينتصر خيار الحياة والعشق في نهاية الرواية ويقرر بطل الرواية أن يحتفظ بالجنين وأن يلده عندما يحين وقت ذلك ليهرب به إلى كوكب آخر ويبدأ به جيلا آخر من البشرية يكون حاملا للواء المحبة والإخاء والعدل والمساواة بعيدا عن ظلم البشرية وسيرها في طريق الهلاك الحتمي.
هذه الرواية هي انتصار العشق والحياة على الموت والفناء إنها دعوة مفتوحة لبدايات جديدة وآفاق أرحب وفرص أخيرة. إنها خيار السعادة لمن أرادها بحق بعيدا عن المادة الباردة الموغلة في العزلة.
وعن سبب اختيار الشعلان للكتابة في جنس الأدب الروائي القائم على الخيال العلمي تقول: «الخيال العلمي يفتح شرفة ثلاثية الأبعاد على مستقبل التقدم المعرفي وممكن الإنسان المحتمل الحدوث في محددات زمانية ومكانية ومعرفية قادمة ضمن سيرورة التقدم العامودي والأفقي في مدارج الحضارة وشكل الرواية التقليدي في ضوء سلطات معرفية جديدة تعöد بأن تقدم معطيات حداثية للشكل الحكائي السردي بما يتناسب مع أيدولوجيات الطرح المختلف ومعطيات العوالم المقترحة والإمكانيات

قد يعجبك ايضا