“ذات مساء ذات راقصة” لـ/ عبدالناصر مجلي

■ علي أحمد عبده قاسم


كنت أقرأ في المجموعة القصصية التي وقعت بين يدي (ذات مساء وذات راقصة) للقاص المبدع عبدالناصر مجلي والتي احتوت على موضوعات متعددة اجتماعية وعاطفية وغيرها إلا أني خلال القراءة اندهشت كثيرا بالأسلوب الرفيع والمستوى الناضج للقاص وأظنه من أهم الكتاب في هذا المجال بوصف المجموعة القصصية قد صدرت الطبعة الأولى 1991م مما يعكس صورة ناضجة للقصة اليمنية القصيرة وقد تفاجأت بالقدرة للكاتب في بناء القصة والقدرة على التقاط الفكرة والتركيز على الشخصية والحدث بشكل لافت لأن القصة القصيرة هي تكثيف لفكرة ما فإن المجموعة اتسمت بالواقعية ترسيخا وتركيزا على الحدث والشخصية.
ولو تأمل القارئ أقصوصة (حزاوي على بلابله) فإنه يرتسم لديه صورة الشخص المتشرد الذي تحول إلى تسلية للمجتمع والأطفال..
“ما تشتوا مني يا جهال¿!”
سؤاله الخالد منذ عرف نفسه طالما صرخ به في كل مكان “والجهال” ذوي الملابس الرثة يطاردونه لا يدرون لماذا¿ ربما ليضحكوا من دموعه التي لها لون الشفق.. أحدهم يصفعه وآخر يخطف شاله ويفر هاربا وعلي وحده” ص2 المجموعة 2.
مما سبق يمكن القول: إن النص يعكس مأساة الإنسان المتشرد الذي حوله المجتمع إلى تسلية وملهاة يتلذذ بها مما يدل على الواقعية التي تصور التي تعكس عقلية المجتمع ليتضح من ذلك معاناة الشخصية من خلال اللغة “ما تشتوا يا جهال يطاردونه ربما ليضحكوا من دموعه أحدهم يصفعه وآخر يخطف شاله” إنها مأساة الواقع ومعاناة الشخصية ولعل رسم واقعية مأساة الشخصية رسالة لإعادة صياغة الروح الإنسانية في المجتمع الذي لا يدرك مأساة الإنسان الخارج من دائرة التعامل الإنساني فكانت كلمة “سؤاله الخالد” تعكس استمرارية الأذى من الأطفال ولأن النص يحاول أن يصور عالم العقلانية لدى الشخصية فإنه يقول: “كان “الظرافي” ممتلئا والوقت بين الشوطين والساعة كانت “على بلابله” يسدد على المرمى الفارغ من حارسه… حين ولجت الكرة المرمى دوت عاليا قهقه جماعية تشبه العواء وفي آخر الملعب من الجهة الجنوبية كان “علي” يركض في كل الاتجاهات فرحا بإحرازه للهدف المزعوم لكن لا يدري أحد هل كان فرحا لذلك مما جعله يطير ركضا أم…!” المجموعة ص2.
لعل النص يرغب بتقديم شيء من الغرابة والتردد الواقعي في فهم الحادثة حيث الفارق شاسع بين “العواء والفرح” فكان الركض سخرية من الجمهور المتوحش تعصبا للا شيء وكأن الشخصية ترد عليهم أن ما يرغبون يمكنه أن يحققه لهم ويهز الملعب ويسخر منهم فكان التساؤل أم…¿!”.
ولعل النص رسم مأساة الشخصية بابتعاد المجتمع عنها ونزع الإنسانية منها والتي بالمقابل انتزعت من المجتمع الذي تجرد من إنسانيته “هو يحب الله ويتمنى الذهاب إليه بشرط أن يكون الأهلي معه كان يؤلمه اتخاذه كمهرج لا يحفل أحد به من الداخل أو حتى يناقشه في همومه وأوجاعه” ص4.
ولعل الأقصوصة تكمن رسالتها في هذه القضية وهي تجريد الإنسان من إنسانيته واتخاذه مهرجا وإغفال المشاعر والأحاسيس وهذه محاكمة للواقع القاسي الذي ينبذ المصاب المحتاج للاهتمام والمحبة والاقتراب.
ولذلك حاول النص أن يستبدل محبة الناس بمحبة الله لشخصية فإذا ابتعد عنها الواقع اقتربت من الله فكان الفوز أكثر حجما وأعظم فضلا.. “يا الله أنا بين أحبك لأنك ما بتنسانيش عندما أنتهي من مواله واصل بوجهه الغير حليق والشمس تودعه بدموعها موغلا باتجاه الأفق الشرقي” ص5.
وإذا ما تأمل القارئ أقصوصة “رسالة” فإنه سيجد من خلال اللغة وحشية الشخصية المنحرفة من السطر الأول للسرد “يقضم أظافره يهصر نفسه يزفر كل شيء أمامه والوقت يمر بطيئا كجزء يحتضر ويمطر طاعونه في سماوات الأرصفة بعد دهمته سيارة مجنونة أول القرن العقد السنة اليوم الساعة الناس” ص6.
ولأن اللغة تعكس هوية الشخصية فإن النص السردي حاول أن يرسم الشخصية المجنونة القلقة الميتة سلفا باعتبار ذلك رؤية وموقف من الشخصية والواقع وتوظيف اللغة لترسم صورة الشخصية بدقة “يقضم أظافره يهصر نفسه الوقت يمر كجرذ يحتضر يمطر طاعونه دهمته سيارة مجنونة” مما يفضي إلى تصور النص عن رؤية السرد للشخصية وتصوراته عنها وعن واقعها “كثر شرابه وطعامه منذ عرف نفسه وهو يمارس طقوسها بملل فاضح فأصبح يشك في هذه القضية هل يأكل لأن لديه أسنان أو لأن الذئاب تأكل”.
مما يشير من خلال اللغة السردية وحشية ودموية الشخصية أو “لأن الذئاب تأكل” مما يدل على الواقع النفسي للشخصية المضطربة والبعيدة عن الله “جميل أن يكون للإنسان رب يطبطب على كتفيه إذا ما انفجر الحزن بداخله” لتعكس صورة الواقع الزمني الملتهب في داخل الشخصية والتي تعكس افتقار الشخصية للحب “لكن أمي توفت قبل أن أراها أخوته أخواته يحبهم يكرههم لا شيء يهم.. الحب ليس له ملامح… مساكين أخوتي كم أحبهم في كرهي وكم ي

قد يعجبك ايضا