معسكرات ومهرجانات تقيمها القاعدة لاستقطاب الشباب والأطفال في حضرموت

> استهدفت الأطفال والنساء والمختلين عقلياً ..

تقرير / خاص

يوما بعد أخر، تتسع رقعة تمدد تنظيم القاعدة المُتطرف في مناطق حضرموت، ليس على الأرض فحسب، بل أيضاً في عقول وفكر أطفال المحافظة التي لطالما عُرفت بأنها مهد السلام. حيث حذر ناشطون في مجال حقوق الإنسان وحماية الطفولة في حضرموت من تزايد معدلات الاستقطاب التي يقوم بها تنظيم القاعدة الإرهابي في صفوف الشباب والأطفال في مدن ومناطق ساحل حضرموت من خلال إقامة المهرجانات والأنشطة وتوزيع الجوائز المغرية والمبالغ فيها للأطفال لجذبهم وأغرائهم واستخدامهم بعد ذلك في تنفيذ أجنداته ومشاريعه الإرهابية المُتطرفة، بالإضافة إلى الخطورة التي يُشكلها هذا الأمر في خلق جيل جديد يؤمن بأيدولوجية التطرف.

وفي هذا المسعى شهدت العديد مدن ساحل حضرموت كالمكلا والغيل والشحر خلال الفترة الماضية وحتى الأسبوع الماضي تنفيذ التنظيم للعديد من المهرجانات الدعوية والإنشادية تحت مُسميات مختلف من بينها مهرجان ( قادمون يا أقصى). حيث شملت تلك المهرجانات أستمرت لأيام وفي ظاهرها دعماً لصمود الشعب الفلسطيني وفي باطنها دعوة للالتحاق بالقاعدة والترويج لها من خلال توزيع المطويات الورقية والمُلصقات والسيديهات المُعرفة بتنظيم القاعدة وأهمية الجهاد ضد من وصفتهم بالكفار والروافض. والقيام بالتوزيع الكثيف للهدايا الثمينة كالدراجات النارية والأجهزة الإلكترونية الباهضة الثمن على الأطفال والشباب.

وقالت الناشطة في مجال حماية حقوق الطفل بالمكلا (ش.س.م)، أن مسلحي تنظيم القاعدة رفعوا من وتيرة استقطاب الأطفال والشباب المراهقين لصفوفهم من خلال أتباع وسائل إغرائية تتمثل في جذب الشباب. مُشيرة في حديثها لـ (الثورة) أنها تلقت بعض البلاغات عن اختفاء بعض الأطفال بعد أن بدأوا في حضور مثل هذه المهرجانات التي تقيمها القاعدة.
ويتخذ مسلحي جماعة أنصار الشريعة المُنبثقة من تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب عددا من المعسكرات والمواقع الخاصة بتجنيد وتدريب الأطفال والشباب صغار السن، ومن بين تلك المواقع معسكر اللواء 27 ميكا ومعسكر اللواء 190 دفاع جوي في منطقة الريان شرق المكلا، بالإضافة إلى معسكر شرطة النجدة ومواقع أخرى أمنية يُسيطر عليها مسلحي القاعدة منذ سيطرتهم على المكلا في الثاني من أبريل العام الماضي .

معسكرات تجنيد للشباب والأطفال :

منذ أن سيطرة القاعدة المكلا، رفعت شعار قتال الحوثيين والمد الإيراني المزعوم كفزاعة لأثارة الرعب والخوف وكذلك الغضب في صفوف سكان المدينة تجاه الجيش واللجان الشعبية، وكذلك لضمان الحصول على فرصة لاستقطاب المزيد من شباب المدينة لتنفيذ مخططاتها الإجرامية وفتح المعسكرات التدريبة الخاصة بها بذريعة الدفاع عن المدينة، قبل أن تزج بهم في محرقة زعزعة أمن واستقرار الوطن في جبهات مختلفة في محافظات أخرى. وهنا يقول الشاب (محمد حسين) 16 عاماً، وهو أحد الشباب الذين تم تجنيدهم لفترة من قبل مسلحي القاعدة أنه والمئات من الشباب تم التغرير بهم وخداعهم من قبل القاعدة وبعض المشائخ الذين على صلة بها. وهم الذين أقنعوهم بالالتحاق بمعسكرات القاعدة والتدريب في معسكر اللواء 27 ميكا. مضيفاً بالقول أنه والمئات من الشباب ذهبوا للتجنيد بعد أن أستمعوا لأحاديث بعض المشائخ في عدة مساجد في المدينة ومن بينها مسجد (الشهداء) بديس المكلا وهم يتحدثون عن أهمية الالتحاق بمعسكرات التدريب التي يُقيمها مسلحي القاعدة والذين كانوا يطلقون على أنفسهم تسمية ( أبناء حضرموت) للتعلم على حمل السلاح وقتال الروافض والحوثيين (جماعة أنصار الله).

وأضاف في حديثه لـ(الثورة) أنه وخلال فترة التدريب التي استمرت لأكثر من شهرين، كان عناصر القاعدة يحرصون على أن يُشاهدوا بصورة شبه مستمرة مقاطع فيديو لما يتعرض له المسلمون في فلسطين ومينمار وغيرها من المناطق من عمليات قتل وسحل، ويخبرونهم أن الجيش والحوثيون سيفعلون بهم ذات الشيء أن هم سيطروا على حضرموت.

فيما يقول صديقه (ناصر) ذو 18 عاماً، أن عمليات التدريب في معسكر اللواء 27 ميكا وهو الأكبر من حيث المساحة وأعداد المُتدربين به، كان يضم أثناء فترة تواجده أكثر من 1200 شاب غالبيتهم من حديثي السن. حيث يتم تقسيمهم إلى مجموعات يتم توزيعها بأشراف المسئول على المعسكر وكانوا يطلقون عليه لقب (العم صالح). بحيث تتلقى كل مجموعة تدريبات على نوعية مختلفة من الأسلحة، فمنهم من يتدرب على صنع المُتفجرات والعبوات الناسفة وأخرين على المدفعية والقنص وغيرها.
وأشار الشابين في حديثهما إلى أنهما وطيلة فترة تدريبهما لم يتمكنا من التواصل مع عائلاتهما، بعد أن منعتهم القاعدة من ذلك وصادرت هواتف الجميع منذ اليوم الأول للتدريب. موضحين أنهما اضطرا إلى الهرب من المعسكر والعودة إلى البيت بعد أن طلب منهم مشرف مجموعتهم الاستعداد للتوجه إلى شبوة للقتال. مؤكدين أنهما ألتحقا بالتدريب بغرض تعلم التعامل مع السلاح للدفاع عن مدينهم وليس للذهاب للقتال في صفوف القاعدة وأنه تم التغرير بهم.

الذهاب للجنة :

ولا ينهي هنا الحديث عن اختفاء الشباب و التغرير بهم ودفعهم للالتحاق بالجماعة التكفيرية والتورط بعد ذلك في ارتكاب عمليات إرهابية. فحكاية الطالب في المعهد التقني الصناعي بالمكلا، سعد غرامه، لاتزال شاهدت على فتى لم يكمل العشرين من عمره، ليجده أقاربه وأصدقائه في يوليو الماضي يُعلن مسئوليته في حديث متلفز بثته قناة الملاحم التابعة للقاعدة عن ارتكاب عملية إرهابية بسيارة مفخخة استهدفت ثكنة عسكرية خلف العديد من القتلى والجرحى.

ويقول مقربين من عائلته أن( سعد) كان قد أختفى لعدة أسابيع بعد ألتحاقه بإحدى الدورات التدريبية التي أقامتها القاعدة، دون أن يُشعر والدته التي كان يعيش معها برفقة شقيقاه الأصغر. وفيما كانت الأم المكلومة والمفجوعة تبحث عن طفلها، كان شياطين القاعدة يُجهزونه لتنفيذ عملية انتحارية يستهدف بها عناصر من الجيش في منطقة (وادي سر) القريبة من مديرية القطن بوادي وصحراء حضرموت ما أسفر عن مقتل خمسة وجرح عشرين جندي

وبحسب رواية المقربين من العائلة فإن والدة (سعد) والتي لاتزال تُعاني من حالة نفسية، ذهبت عدة مرات إلى القاعدة لسؤالهم عن طفلها بعد أن أخبرها أصدقاؤه أنه ألتحق في دورة لتعليم حمل السلاح، فأنكروا معرفتهم به. ليأتوا إليها بعد ذلك وبكل برودة ووقاحة، ليخبروها أن طفلها نفذ عملية انتحارية وأنه ذهب للجنة !!

مراحل يمر عبرها التجنيد :

ويُحذر الباحث في علم لاجتماع في جامعة حضرموت الدكتور سعيد بانصر، من أن عمليات تجنيد الأطفال والشباب المراهقين في صفوف تلك الجماعات ُسهم إلى حداً كبير في خلق جيل مؤمن بالأيدولوجية المتطرفة للتنظيم، الامر الذي سيجعل من القضاء عليه او على الفكر الذي يمثله مستقبلاً أمراً في غاية الصعوبة. مؤكداً لـ (الثورة) أن عمليات التجنيد وغسل الأدمغة تتم عبر مراحل، حيث تكون البداية غالباً من المساجد ومن حلقات تحفيظ القرآن الكريم، خصوصاً في تلك المساجد التي لا تخضع لرقابة وأشراف وزارة الأوقاف. ومع غياب الدولة وسيطرة الجماعات المُتطرفة على مقاليد السلطة في مدن ساحل حضرموت بات تعمل على تنويع مصادرها من الموارد البشرية لديه، فبالإضافة إلى المساجد ، عمدت القاعدة إلى إقامة المهرجانات والمخيمات الصيفية والترفيهية ليس فقط لطلاب المساجد بل كذلك لطلاب المدارس الأساسية والثانوية خصوصاً في مناطق أرياف المكلا.

فيما يرى بعض الباحثون في شؤون الجماعات الإسلامية والمُتطرفة أن زيادة معدلات تجنيد الأطفال تأتي متوافقة مع تحول أولويات الجماعات المتطرفة في طرائق المواجهة وتحويل الأطفال إلى وقود للعمليات الانتحارية. وأن تجنيد الأطفال ليس فقط ناتج عن سهولة تجنيدهم وتحويلهم إلى كوادر يمكن الوثوق بها، بل أيضاً لاستخدامهم كجواسيس بسبب قدرتهم على التنقل والتخفي ومعرفة الطرق على الأرض. بالإضافة إلى أن نقص معدلات الاستقطاب منذ بدايات ما يُسمى بالحرب على الإرهاب، دفعت بالجماعات المسلحة والمتطرفة إلى البحث عن فئات جديدة للاستفادة منها، على رأسها الأطفال والنساء، وحتى المختلون عقلياً.

قد يعجبك ايضا