لا إرهاب..عدالة..(4)

هلال جزيلان

لقد طرح أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد في كتابه “الجمهورية” سؤالاً أولياً وهو سؤال منطقي يقول: “هل من الممكن ممارسة الدولة المتحكمة لسيطرتها من دون العدالة، أم أنها مضطرة إلى توخي العدالة”؟!.
وفي إجابة هذا السؤال اعتبر أفلاطون العدالة هي الحكمة، وبهذا فإن هذه السيطرة للدولة لا يمكن أن تمارس إلا بالعدالة، فالفرد مهما اتصف بالعدل فإنها تظل سمة شخصية فقط لا يمكن أن تؤثر على كافة أفراد المجتمع في أي دولة ما، فإقامة المحاضرات والندوات من طرف دولة ما لتوعية مجتمعها حول الإرهاب وهي نفسها تلك الدولة لا تحقق العدالة، فإن ندواتها للأسف ستكون هزلية لدى أفراد المجتمع، لا تحبذ لدى أفراد المجتمع، ولن تستوعب؛ لأن الفرد يفكر ويقول: كيف بالدولة أن ترشدني حول شيء وهي من تصنعه بأسلوب غير مباشر معي؟!!، لا توجد لي على سبيل المثال وظيفة ولا عملاً، بل العمل والوظائف لأصحاب الجاه والسلطان وأبناء المسؤولين والساسة والنخب، ولو أتيت لأبحث عن عمل أواجه الرشوة والإجحاف في حقي بالرغم أني من أبناء المجتمع نفسه للأسف!!.
وهنا الدولة تشكو من الإرهاب، وهنا أطرح سؤالاً: لو أنك في بيتك ولديك عمل يكفيك ويسد حاجتك وكل شيء لك ولأولادك وأسرتك مؤمن، هل ستفكر بالقيام بعمل إرهابي؟!.
لا أعتقد مهما كانت المغريات لن تقوم بمثل هذا العمل اللاإنساني، لن تفعل بل سترفض رفضاً قاطعاً، أما إذا كان حاصلاً معك العكس، كالمحسوبية والوساطة وعدم تعامل المسؤولين في تلك الدولة مع المواطنين بالشكل الذي يليق كتعامل الراعي مع رعيته بإنصاف، وفي نفس الوقت ليس لديك إيمان، فإنك سرعان ما تقوم بذلك العمل الجبان.
إن الأمر متعلق بالدولة في أي بلد، وكما هو الحال إذا كانت الدولة قائمة بواجبها لمكافحة الجريمة والسرقة لما أقدم أحد على شيء، فمتى ما كانت الدولة منصفة مع مواطنيها كان الخير والإقبال على الحياة ولا وجود للإرهاب في أوساط مواطنيها.
ومن هنا يمكننا أن نستنتج أنه متى ما طبقت الدولة العدالة كثر الإنتاج وحسن الأداء من مواطنيها، إضافة إلى ذلك أنها ستأمن وتؤمن مواطنيها، حيث يرى مصطفى أمين “قيمة الوطن أنك تجد فيه العدالة أكثر من أي مكان آخر، قيمة الوطن أنك تجد فيه الحب أكثر من أي مكان آخر”، وعندما يخلو الوطن من الحماية والعدالة والحب، يصبح المواطن غريباً، وبما أن المواطن يصبح على هذا النحو فماذا نتوقع منه، وماذا تنتظر؟!.
بلا شك إن توجهه سوف يكون غير مقبول بالنسبة لتوجه الدولة، بلا شك فكيف تريد تلك الدولة وولاتها؛ كونها لم تجد له على الأقل عدالة من تحتها تعامل الناس بمستوى واحد، لا محسوبية ولا وساطة، ولا حماية ولا رفق بهذا المواطن المغلوب على أمره للأسف الذي هو من رعاياها!!.
إن الدول لن تحتاج إلى جهد كبير لنزع فتيل الإرهاب في أي مكان من أراضيها، فبدلاً من أن توجه وتحث الناس على حرمة الإرهاب، فقط تتوجه في توعية موظفيها وحثهم على عدم المحسوبية والعمل بالعدالة قدر الإمكان، وتوضح لهم مضار ذلك، لكن ضروري أن يكون توجهاً قوياً من الدولة وولاتها بهذا الخصوص، وإن لم يكن ذلك فإن خطر الإرهاب سيكون مستمراً للأسف!!.

قد يعجبك ايضا