استعدادات اليمنيين للعيد.. لا شيء يوقف الحياة

> تبدو بسيطة لكنها تعكس عظمة الشعب اليمني وصموده لأكثر من عام ونصف من العدوان والحصار

> مواطنون : نتنازل عن الكثير ليستمر إيقاع الحياة بأفراح العيد والرسائل القصيرة تجنبنا الحرج في التهاني والمعايدات

استطلاع/ جمال الظاهري

عيد الأضحى (العيد الكبير) الذي يؤدي الحجاج فيه أهم مناسك الحج، خامس أركان الإسلام الحنيف، ويعيش اليوم مسلمو المعمورة على إيقاع الاستعداد لهذا الطقس الديني الذي تتزاوج فيه الورحانية والفرائحية متجلية في أبهى صورها.. فكيف تجري استعدادات الشعب اليمني لهذه المناسبة التي تأتي للعام الثاني على التوالي في ظل عدوان بربري، وحصار جار طال سبل المعيشة ولم يسلم منه حجيج بيت الله من اليمنيين, إما بحرمانهم وتعليق حجهم على منافذ الحدود، أو تعرضهم لامتهان وابتزاز أثناء عبورهم للأراضي المقدسة.
((الثورة)) نزلت لتلمس حال الناس والكيفية التي يستعدون بها لاستقبال العيد، وتحديدا في صنعاء (أمانة العاصمة) قبلة كل اليمنيين ورمز عزتهم وكبريائهم لما تمثله من عراقة وصمود تمثل الفسيفساء اليمني الذي لو أراد احد أن يرى اليمن بكل تنوعه الجغرافي والديمغرافي في مكان واحد فإنها القبلة الأولى الذي يجب أن يتجه إليها…. إلى التفاصيل:

رغم أن عيد اليمنيين مؤجل ومظاهره بسيطة إلا أن أبناء اليمن يدركون أهمية هذه المناسبة ويعملون على إحيائها بكل الوسائل, رغم الحصار ورغم الدمار والقتل اليومي, يعشقون الحياة ويخلقون السعادة وينبتون الأمل في كل لحظة وإن من تحت الركام, وفي ظل اقسى الظروف, يتمسكون بحقوقهم في الاستمتاع كتمسكهم بحقهم في الحياة.. هكذا تبدو ملامح اليمنيين على أبواب عيد الأضحى المبارك، فماذا عن انطباعاتهم تجاه الاستعدادات اللازمة للعيد.. ؟
ردًّا عن هذا السؤال أحمد صاحب محل بهارات يبدأ حديثه بالحمد والشكر لله يقول: الناس تستعد للعيد حسب إمكانياتها, الأسواق وإن لم تكن حسب ما ألفناها قبل العدوان من حيث الإنفاق إلا أنها تشهد بعض الحركة والنشاط في البيع والشراء, على العموم باقي للعيد ثلاثة أيام وقد يزداد نشاط البيع والشراء خلالها خاصة في ما يتعلق بالسلع العيدية.
الوضع بخير
عبدالله قتران يقول: الجميع يستعد للعيد كل واحد حسب دخله, صحيح أن الوضع المعيشي صار (جور) ولكننا مطالبون بإدخال الفرحة إلا قلوب أطفالنا وأسرنا,  وهناك من استعد ووفر لمناسبة العيد وآخر استدان, والبعض من ميسوري الحال يسافرون إلى أقاربهم في الأرياف لقضاء عطلة العيد, والوضع بخير حتى أولئك الذين فقدوا بعض أقاربهم أو أولئك الذين نزحوا من مناطقهم يستعدون للعيد بأشياء بسيطة الجميع يجتهد ويحاول أن يدخل السرور على أهله وأطفاله.
فيما خالد يقول: هذا هو العيد الثالث الذي يمر علينا دون أن نشعر بالفرحة والسعادة التي كنا نعرفها, ولكن الحمد لله على كل حال, وأملنا في الله كبير بأن يعوض على أبناء اليمن ويفرحوا ويسعدوا بالنصر ونهاية الحرب والحصار الظالم الذي افقدنا الفرحة وجعلنا نشعر بالخجل أمام أطفالنا بسبب عدم قدرتنا على توفير طلباتهم العيدية.
الرسائل القصيرة
واثق شاب ثلاثيني بدأ حديثه المقتضب والمعبر عن حالة الكثيرين من أبناء اليمن في أيام عيدهم في ظل الحصار الخانق وتوقف الكثير من النشاطات والأعمال والتي نتج عنه فقدان مصادر الدخل لمئات الآلاف من الناس, بأسلوب ساخر حيث قال: رسائل التهاني العيدية صارت بوابة الهروب من الحرج وعدم القدرة على زيارة الأهل والأصدقاء, وتجنب نظرات الأطفال التي عودناهم على (العسب) في الأعياد, الوضع المعيشي صار ضاغطاً وبالكاد يتدبر الواحد منا نفقاته الشخصية وبالذات في العيد لذا وتجنباً للإحراج نتبادل التهاني عبر الرسائل القصيرة.
أعيادنا جبهاتنا
ويواصل سخريته الممتزجة بالأمل قائلاً: نحن نقدر ما يتعرض له وطننا من عدوان وحصار وما لحق بالبلاد من أضرار, وهذا واضح في تعامل الناس مع الواقع دون تذمر أو (شكوى) لبعضنا البعض, ولكن إيماننا بالله قوي بأن هذه الحالة ستنتهي قريباً بفضل الصمود والتضحيات الكبيرة التي يقدمها شبابنا في كل الجبهات, وما بعد العسر إلا اليسر, وعزاؤنا الوحيد ومبعث فخرنا الذي يزيل عن قلوبنا أوجاع الحاجة هم أولئك الذين يقدمون أرواحهم فداءا ودفاعا عنا, وعيدنا الكبير إن شاء الله سيكون عيد النصر, أما في ظل هذه الظروف فإن أعيادنا جبهاتنا.
الحصار والعدوان
أما البحري فقد بدأ حديثه عن العيد بالتعبير عن أمله في أن توفق قيادة البلاد في إيجاد مخرج لموضوع الحصار الذي اضر بالشعب أكثر من ضرر العدوان وغارات الطيران, وأن تتحسن ظروف العيش وتخفف معاناتهم بتدخل الأجهزة الرسمية لوضع حد لمن يستغل الظروف التي فرضتها الحرب والحصار.
وعن كيف استعد لاستقبال العيد قال: كغيري من أصحاب الدخل المحدود, استقبلت العيد بالاستدانة والتنازل عن بعض الأمور التي اعتدناها كزيارة الحدائق أو السفر إلى البلاد, واكتفيت وأبنائي الكبار بغسل الثياب القديمة وكيها كي اشتري لأطفالي الصغار ثياب العيد وبعض الأشياء التي تشعرهم بالسعادة.
واستطرد قائلا: أعمل ومثلي الكثيرون المستحيل من اجل أن نتغلب على الحصار ونتنازل عن الكثير من أمور حياتنا ونقبل بالسلع المهربة والرديئة, ولو أن القائمين على أمور الناس يساعدونا في تثبيت أسعار أنبوبة الغاز بالسعر الرسمي المعقول وكذلك أسعار وايتات الماء فإنهم حينها سيكونون قد خففوا الكثير من المعاناة كون هاتين السلعتين ضروريتين وتستنزفان اغلب دخلنا الشهري, وأملنا في الله كبير.
خلاصة العظمة
هكذا يتجلى الصمود, ففيما يعاني سكان اليمن من غياب الخدمات الأساسية وفقدان فرص العمل، ووضع اقتصادي خانق, وظهور للمنتجات المهربة، التي شكلت مجالا خصبا لنمط اقتصادي فرضته ظروف استثنائية نتج عنها ما يعرف بـ (نمط اقتصاد الحرب) الذي يصاحبه الاختلال و(الفساد), ويدفع كلفة كل ذلك المواطن البسيط من ذوي الدخل المحدود… ومع ذلك يحي اليمنيين تفاؤلاً عجيبا يعكسه الصمود والإصرار على مواصلة الحياة.. فالنازحون والمحاصرون، والعاطلون عن العمل والمدمرة بيوتهم، أيتاماً وأراملا يفتقدون لأبسط متع الدنيا ووسائل الفرحة بهذه المناسبة الدينية.. لكن عيونهم ترنو إلى البعيد إلى يوم النصر العظيم والفتح المبين, ولسان حالهم: عيدنا جبهات القتال:.
يعشقون أرضهم ويفاخرون بتاريخهم ونضال أسلافهم, ويتمثلون كل قيمهم التي ضحوا من أجلها, رافعين رؤوسهم ويرفضون الاستسلام والانكسار مهما كان الجور الذي سيصيبهم أو المغريات التي قد يساومون بها مقابل وطنهم ومعتقدهم واعتزازهم بانتمائهم, ثلاثية العشق للحياة والوفاء للعقيدة والعيش بكرامة وشموخ, دونها القتال والاستشهاد والفداء بكل غال ونفيس.
تصوير/ عبدالله حويس

قد يعجبك ايضا