الذكرى التاسعة لرحيل الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني

> شاعر بحجم الوطن وعلم من أعلام الإبداع

الثورة نت / إعداد/ خليل المعلمي

أطلت علينا أمس الذكرى التاسعة لرحيل شاعر اليمن الكبير إبراهيم بن أحمد الحضراني، الذي رحل عنا في 24 نوفمبر من العام 2007م بعد رحلة عمر طويلة من العطاء والتضحيات على صعيد الكلمة والفعل الإبداعي مابين الشكل والمحتوى، السجن والحرية، المنفى والوطن، التقليد والتجديد، الحياة والموت، امتدت لتسعين عاماً تقريباً.
فبرحيله ترك فراغاً كبيراً في الحياة السياسية والثقافية والأدبية والتنويرية، كما فقدت اليمن أحد أعمدة الشعر العربي الحديث وأحد أعلام القصيدة اليمنية الحديثة، وساهم كثيرا في تطوير مسار الشعر اليمني الحديث الفصيح منه والعامي منذ النصف الاول من القرن الفائت.
رأى الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني النور في العام 1919م في قرية حضران بمديرية آنس بمحافظة ذمار، وفيها تلقى تعليمه الأولي ومنها انتقل إلى ذمار، ومن ثم درس على يد والده العلامة الكبير الأديب أحمد بن محمد الحضراني، الأدب القديم، والنحو والتاريخ والعلوم البلاغية والشرعية ثم أقبل على الكتب المترجمة فقرأ الآداب العالمية واتصل بكبار الأدباء والشعراء العرب واستفاد من اتصاله بهم.
يعد الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني من أهم المناضلين اليمنيين ومن أوائل من قاموا على النظام الإمامي وسُجِنَ في نافع بعد فشل حركة الدستور 1948م، تم تعيينه عضواً في الوفد اليمني في الجامعة العربية بالقاهرة ومستشاراً ثقافياً في سفارة اليمن بالكويت، وفي وزارة الثقافة اليمنية، كتب عنه كثير من النقاد والشعراء، منهم عبد الله البردوني، وهلال ناجي، وأحمد بن محمد الشامي، وعبدالعزيز المقالح.
بعد قيام الثورة اليمنية الأم 26 من سبتمبر في العام 1962م عين وكيلا لوزارة الاعلام وشارك في كثير من المؤتمرات الأدبية في البلاد العربية، من أهمها مهرجان المربد في العراق في الأعوام (74-80-1988م)، وله شعر كثير نشر منه في ديوانه الذي اصدرته وزارة الثقافة أثناء فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية العام 2004م وكذلك شذرات نشرها صديقه الشاعر أحمد محمد الشامي بعنوان (القطوف الدواني من شعر ابراهيم الحضراني).. ويقول في إحدى قصائده:
أنا ميت فمن يقول رثائي
بعدما غيب الردى أصدقائي؟
كيف أرثيهموا
بشعري وأنى
لجدير من بعدهم بالرثاء؟
مثخن كلما رمى الدهر سهماً
وهوى واحد تسيل دمائي.
ثم أعاد الشاعر والناقد علوان مهدي الجيلاني جمع أشعاره في كتاب بعنوان (ديوان إبراهيم الحضراني)، وقد طُبع كتاب يتناول سيرة حياته وبعض كتابات الكُتّأب عنه، بعنوان (الحضراني يعانق الخلود).
تجربة مميزة
لقد قضى الشاعر إبراهيم الحضراني معظم حياته في خدمة القصيدة اليمنية الحديثة وأفرغ خلالها جل تجربته الابداعية في تطوير مسار الشعر اليمني الحديث الفصيح منه والعامي فبرز فارساً مغواراً من فرسان هذا الأدب في اليمن منذ النصف الأول من القرن الفائت ليكتب قصيدته بحروف من نور تحت مسقط ضوء المجد الشعري اليمني.
ففي الشعر الوطني تقول أدبيات تكريم الحضراني الصادرة عن وزارة الثقافة عام 2006م إن أجود شعر الحضراني هو شعره الوطني شعر النضال والكفاح ومقارعة الظلم والجهل والفقر، شعر الثورة والصمود والمطاولة في الجهاد والبذل من أجل المبادئ السامية والتضحية في سبيل الوطن فالشاعر الحضراني يقف في الصف الأول بين شعراء اليمن المناضلين أمثال محمد محمود الزبيري وعبد الله البردوني وعبدالعزيز المقالح وغيرهم من الشعراء، وكانت له مواقفه المعروفة تجاه قضايا وطنه وشعبه وله مواقفه مع الحكم الذي فرض عليه وعلى أبناء شعبه0
ثلاث مراحل
وقسم الأدباء والنقاد شعر الحضراني الكفاحي إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة الشباب والتي صدر الشعر فيها عن شاعر امتلك عليه حب وطنه حياته وآماله، ومن قصائده التي كتبها في هذه المرحلة وهو لم يتجاوز العشرين من عمره هذه الأبيات من قصيدة نشرها في مجلة الحكمة اليمانية عام 1939م ..
شمروا ياأمة الضاد شيوخاً وشباباً
واحذروا ما يكسب الأعراض شتماً وسباباً
وادخلوا للنسر وكرا ولجوا لليث غابا
أمم الأرض غدت فيها ليوثاً وذئاباً.
وفي إحدى قصائده يذّكر الحضراني أبناء شعبه بأن الفردوس المفقود لهذا الوطن السعيد لا يعاد بل يستعاد بالعمل والنضال:
إن يكن باد مجدنا
وهوى ركنه المشيد
وانقضى عز حمير
وخبا باسمه الشديد
قد دوت في عروقنا
صرخة الماضي البعيد
وسرت في نفوسنا
نشوة السؤدد المجيد
قسما لن نعيش في
أرض آبائنا عبيد
إلى أن يقول:
أيها الظالم اتئد
وعلى رأسك الوعيد
لم تصن حق أمة
عشت في أهلها سعيد
فلتزل عن طريقها
ثم دعها وماتريد.
أما المرحلة الثانية: عندما زج به في سجن ( القاهرة ـ حجة ) على إثر ثورة 1948 م ضد الحكم الإمامي ومالاقاه من ظلم واضطهاد وما شاهده من قوافل من خيرة أدباء اليمن وعلمائها يساقون إلى ساحة الإعدام في (قاع شرارة) سجل الحضراني هذه الحوادث المأساوية في شعره.
والمرحلة الثالثة هي مرحلة مابعد السجون مرحلة الحرية: وفي هذه المرحلة اتسعت الآفاق أمامه وازدادت رحابها وشدته إلى كونه الداخلي والخارجي أبعاد شتى لعل من أبرزها:
البعد الوطني القومي واعتزازه بوطنيته وبعروبته وقوميته مثلما هو معتز بالدين الحنيف، وذلك في قوله:
الهوى كان الهوى للوطن
والمنى في نسمات اليمن
يا دماء القلب في علته
يا بلادي ياشفاء الحزن
نحن في الذكرى وفي الذكرى لنا
شجن أعظم به من شجن
أين منا نسمات السحر
من سفح” صنعاء ” وريا “عدن ”
وحقول البن تزهو في الربا
وشذى المسك بوادي تبن
يابلادا نبت العز بها
وروى الأمجاد عن ذي يزن.
كما أن شعره ينبض بالروح العربية الأصيلة، فنراه يدعو دائما إلى تآخي العرب واتحادهم والى وجوب تلاقيهم على المحبة والود والايثار حيث يقول في قصيدة بعثها من غزة الى كل محارب عربي، وله ايمان راسخ بتاريخ أمته، ووحدة الأرض العربية حيث يقول:
آمنت بقومي تاريخا
مهما كانوا وكما كانا
أمنت بأرضي انهارا
تجري بالخصب وكثبانا
من ارض الشام إلى نجد
فإلى بغداد وتطوانا
امنت بهم وبوحدتهم
فكرا وشأوا ، أو وجدانا.
وفي الجانب الإنساني نجد في أشعار الحضراني دعوات إنسانية باتجاه حل مشكلة الحرية داخل الإنسان الفرد والانقلاب على المقاصد الذاتية والترفع عن الدنايا ورفض أشكال الهوان والإذلال.
كما أن شعر الحضراني في الغزل على قلته مفعم بالمشاعر والحيوية يتبدى من خلال صفاء الشاعر وصدقه الشعوري وله أشعار كذلك في الحكمة والرثاء والمدح.
أشعاره الغنائية
له أشعار غنائية كثيرة ومن أشهرها القصيدة التي غناها الفنان أحمد السنيدار والتي تقول:
ياقلب كم سرك لقاء الحبيب
وكم قد استانست قربه
وكذلك قصيدة غناها الفنان فؤاد الكبسي والتي تقول:
لاعتب لاعتب / قده مقدر لمن حب
ان ينال التعب / وطول عمره معذب.
ولا ننسى أن نذكر أهم روائعه الغنائية الشهيرة (دان بانسمر على نغمة الدان) والتي غناها الفنان الكبير أيوب طارش عبسي:
دان بانسمر على نغمة الدان..
عانقي يا جبال ريمة شماريخ شمسان
وانت يا وادي القرية تفسَّح ببيحان..
قالوا الأمس في صعدة حصل حفل طنَّان
والتقينا الجميع في عرس حسنا وحسَّان
***
إن الحديث عن الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني يطول ويطول ولا تكفيه المؤلفات عن أشعاره وقصائده الغنائية والوطنية والإنسانية، لذلك رأينا أن أبلغ ما يمكن أن يصل إلى القارئ هو انتقاء بعض قصائده الرائعة التي يتذوقها كل قارئ يمني بمختلف مشاربهم وتنوعاتهم الثقافية والاجتماعية ومن هذه القصائد ما يلي:
رمال عطشى
الندامى، وأين مني الندامى
ذهبوا يَمْنة، وسرت شآما
يا أحباءنا تنكَّر دهر
كان بالأمس ثغرُه بسَّاما
ما عليكم في هجرنا من ملام
قد حملنا عن الليالي الملاما
وطوينا على الجراح قلوباً
دميت لوعة، وذابت غراما
سوف يدري من ضيع العهد أنا
منه أسمى نفساً وأوفى ذماما
نحن من لقّن الحمام فغنى
ومن الشوق عطَّر الأنساما
والندى في الرياض فيضُ دموع
من جفون لنا أبت أن تناما
كم سجا الليل والجوانح هيمى
بتباريحها تُناجي الظلاما.
على قبر جوته
أنا على قبركَ يا شاعري
أستلهم الفنَّ وأُذكي الشجونْ
وتعبر الذكرى على خاطري
في لحظاتٍ تتخطّى القرون
أنا هنا جئتُ من المشرقِ
أزور مثواكَ بأقصى الغروبْ
من قال: أنّا قطُّ لا نلتقي؟
قد جمَّعتْنا خفقاتُ القلوب
أنا هنا حيث ترى مقلتي
مجالَ عينيكَ النديَّ الفسيحْ
حيث تناجي السفحَ في رقّةٍ
وحيث تدعو القلبَ أنْ يستريح
هنا أرى السحرَ الذي ألهما
وألمس الحسنَ الذي تيّمكْ
أنا و الحبيب
أريه أني قد تجنّبتُه
ولم يعد قلبيَ في أسره
لكي أرى منزلتي عنده
وأعرف المكنون من سرِّه
معتقداً أني سأقضي على
دلاله الزائد، أو كِبره
ولا تسل عما تكبدتُه
من ألم الصّبر ومن ضرّه!
فيا لسوء الحظ لم يجدني
شيئاً، سوى أن زاد في هجره.
وقد احتفى منتدى الحضراني بالتعاون مع مكتبة البردني العامة في محافظة ذمار بهذه الذكرى بحضور لفيف من الأدباء والمثقفين ومسؤولين من السلطة المحلية، حيث نوه المشاركون بأهمية الحرص والاهتمام والتذكير برموز النضال الوطني ممن سطروا بالكلمة والسلاح أروع ملاحم الانتصار للوطن في مختلف المحطات والمراحل.
ونوهوا بالدور الوطني البارز للشاعر المناضل إبراهيم الحضراني في مقارعة الحكم الإمامي وصولا إلى تحقيق الثورة المباركة، كما قدمت خلال الفعالية عدد من أوراق العمل استعرضت في مجملها حياة المناضل الحضراني وموروثه الشعري.

قد يعجبك ايضا