الصّرخة وضجيجهم

 أشواق مهدي دومان

صرخنا في مسجد فأقاموا الدّنيا وما أقعدوها فقالوا وقلتُ ؛فهاكم ماقالوا وهاكم ماقلته :
1 – قالوا: الصّراخ في المساجد نكير ،وقد قال( تعالى ): “إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير “.
_ فقلتُ: هناك فرق بين صرخة وصراخ ،فالصّرخة هي كلمة قويّة تصدر مِن وجع في روح الذي يصرخ ،وصرخة تختلف بناء عن صراخ: وما اختلف في المبنى فقد اختلف في المعنى ، والصّرخة ضرورة و صوت فيه إلحاح وقوة ورزانة وعدم إزعاج ،فقد يصرخ قلبك لموقف يجرحك  وقد تصرخ عيناك لمنظرٍ مؤلم ،وقد تضجّ أذناك فتصرخ حين سماع مالا ينسجم ومالا يليق ،وقد تصرخ يدُكَ ورجلك وكل جوارحك ؛فصرخة الفم واللسان لا تكون إلا من عمق الرّوح ؛ بينما الصّراخ يوحي بالإزعاج فهو صراخ على ما يستحق وما لا يستحق ، فصارخ يصرخ في وجه ولده المتهاون في دراسته، وصارخة في وجه شقيقتها كمداعبة ،وصارخ في وجه زميله في العمل، وصارخة في وجه زوجها لعدم شرائه ثوبا لحفلة عرس ، وكلهم صوارخ في حالات نفسيّة انفعالية معيّنة تزول بزوال السبب المتغيّر ، فإن زال السّبب زال الصّراخ….وهو إن صح التعبير العلمي:
الصّراخ تفاعل  فيزيائي يزول بزوال المؤثّر ،وأمّا الصّرخة فهي تفاعل كيميائي مفطور به الانسان حين يشعر بوجع فقد صرخت فلسطين قبل سبعين عاما ولازالت تصرخ من وجع الاحتلال لها إلى  اليوم…
فلسطين التي انتقلت صرختها إلينا، صرخت موجوعة من صمت وجُبن وذل أبنائها حين حُرِق المسجد الأقصى مِن قبل بني إسرائيل مرّات ومرّات ،فجعل العربُ أصابعهم في آذانهم حتّى يناموا دون سماع صرختها إلا من أحفاد الأنصار الذين لأجلها قالوا: (الموت لإسرائيل )؛
أفلا يستحيي من يحرّم صرختنا أنّه نام عن فلسطين؟
فكانت ّ الصرخة الحوثية تثقل  مسامعه وكان الأجدر بهذا الذي يمنعنا من الصّرخة ،  أن يسأل نفسه: لماذا الموت لإسرائيل؟
كان الأولى به أن يتذكر فلسطين المغيّبة المنفيّة في غيابت جبّ إخوة يوسف حين رماها إخوتها العرب ونسوها هناك بين أنياب الاحتلال..
ومع ذلك فليتبلّد وليتحجّر فنحن لانرغمه على أن يصرخ لأجل فلسطين ولن نوخزه بإبرة حتّى يشعر بوجع مسرى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم  )، وما أرغمنا أحداً قبله ف: “مَن زاجره مِن فؤاده ماينفعه زاجِر النّاس “…
وقد صدق شاعرنا القائل:
مَن يهُن يسهل الهوانُ عليهِ
مالجرحٍ بميتٍ إيلامُ
فيا من تعارض الصّرخة:
– نَم واسترخِ ففلسطين تصرخ وقاتلها إسرائيل..
– نَم واسترخِ فالعراق تصرخ وقاتلها أمريكا..
– نَم واسترخِ فسوريا والسّودان الممزّقة وليبيا المقسّمة تصرخ و غريمها أمريكا وإسرائيل.
– نَم واسترخِ فبورما تصرخ وغريمها أمريكا وإسرائيل والوهابيّة التي تجمع مالا ؛ لإقامة جمعيات خيريّة فتنقلب هذه الجمعيات وتتحوّل إلى جماعات إرهابية ،مولودة مِن رحم الوهابية كداعش والنّصرة و أختهما الكبيرة القاعدة وشقيقتهن الافريقية بوكو حرام!!!
– نَم واسترخِ فوطنك لاتضربه أمريكا وإسرائيل وبنوسعود وتحالف الأعراب والمستعربين ! فما الدّاعي لأن تصرخ في وجه من يضربك ويقصفك ويقتلك بنيرانه؟
ما الدّاعي لأن تتألم وأنت ديوث فاقت ديوثته دياثة خنازير البراري ؛ وقد أصبحتَ كالعبد تهوى مَن ضربك وقصفَك وقتلَك وقد صدق فيك قول   شاعرنا:
– لا تشترِ العبد إلا والعصا معه
إنّ العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ
لهذا قلتُ لك: بمايتناسب وينسجم مع نفسيتك الذليلة:
لاتصرخ معنا فالصّرخة لايليق بها الأذلّاء ، و لا يشرّفها أن تُنطق من فم جبان..
لا تصرخ ونَم كالأنعام ؛ ولكِن لا تمنعنا من الصّرخة فقد آمنّا بأنّها موجّهة لأعداء الإنسانيّة في كل وطن يئن ويصرخ ،وقد ذكرتُ لك تلك القبلة الأولى للمسلمين والتي لو كان عندك ذرّة عروبة كنتَ صرختَ لأجل فلسطين وانسَ البقيّة، ولكنّ حقدك أعماك ؛ فأردت كبت صوتي الموجوع القويّ في الوقت نفسه، أردت كبت روحي من أن أتنفّس الحريّة ،فشتّان ما بين نفسي ونفسك..
– لا تصرخ: و لا تسمي صرختي صراخا فلي الصّرخة و لك صراخك حقدا في وجهي حتّى لا أصرخ وحينها ستجد أنّ الصراخ قد يكون للحمير باسم أنيق يُدعى: نهيق وعلى هذا فإنّ أنكر الأصوات لصوتُ الحمير ؛ مع العلم أنّ صوت الحمير نشاز، قبيح ، والحمار مخلوق من مخلوقات الله ولعلّكَ متأثر بالحمار التّاريخي الذي وجده مَن يتشابه فكرهم معك في فرضة نهم ،فهؤلاء فقط من قدّسوا الحمار الذي أنكر الله صوته ، فأصبحتَ أنت وهم نكرة…
ولكنّكَ يامَن تجادلني لا تحبّ أن تقرأ الكلام كلّه فأنا أضيّع وقتك بكلامي الطويل هذا ؛ ولهذا فلي قول آخر لكَ:
هل تريدنا َ أن نجعل كاظم السّاهر أو راغب علامة يغني الصّرخة حتّى تروقكم؟ وحتّى لا تصبح نكيرة؟
وهنا ستكون ملحنة ومغنّاة برومانسيّة تليق بحضرتك وهندامكَ الأنوثي الذي ماغطّاه غبار المعارك وما اشتمّ رائحة البارود ولا حفيت قدماه وهو يرمي بقنبلة للعدو ولا قذفته صواريخ العدوان فشعر برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه!!
ولهذا اصمت ولا تتكلّم عن صرخة وراؤها ولا ينطقها إلا أُسودٌ حيدريّة أغنتكَ عن اللحاق بجبهات الشّرف لتستعيد جيزان ونجران وعسير وتقاوم عدوانا عالميا..
اترك الصرخة للرجال واختبئ وراء أمك أو زوجك أو بين جدران بيتكَ الدّافئ واترك خشونة المعارك والحروب للرّجال…
2- قالوا :
لاتصرخوا في المساجد فقد قال الله (تعالى ): “إنّ المساجد لله ”
فقلتُ: وهل ندعو بالصرخة لإلهٍ غير الله؟
وهل نمجن في المساجد حين نصرخ؟
وهل نرقص فيها؟ وهل نشرب الخمر بصرختنا في المسجد؟
ثكلتكَ أمّكَ ياهذا وليت أمّك وهي نِفاسٌ  بكَ:( أكلتكَ وخلّت الشّقري ).
3- قالوا: رسول الله وآله لم يصرخ في المسجد..
فقلتُ: لو رسول الله بيننا ويشهد مايفعله العدوان السعوصهيو أمريكي بأنصاره لصرخ ولو كان في ناموس الله أن يُبعث من في القبور(قبل يوم القيامة) لخرج  رسول الله علينا وقام ونهض من قبره واستنهض أنصاره ورجاله وجاء ووقف في صفّ رجال صرخوا بأرواحهم ودمائهم ليفتدوا وطنا وأرضا وعِرضا ؛
لو كان رسول الله وآله بيننا لكانوا في مقدّمة رجال الله ليصدوا غازيا ظالما باغيا….
ومِن ثُمّ: ما أدراكَ أنّ رسول الله لم يصرخ بطريقته وأسلوبه في وجه الكفّار وبني قينقاع وقريضة وخيبر والمنافقين في جاهلية ما قبل الأربعة عشر قرنا؟
ما أدراكَ أنّ آل بيته لم يصرخوا في وجه الظالمين؟
ولعلّكَ لم تدرِ أنّه بسبب صرخاتهم في وجه البغاة من بني أمية قُتلوا ومثل بنو أمية على رأسهم معاوية بن هند آكلة الأكباد وابن سفيان أحد الطلقاء وأخ أم جميل زوجة أبي لهب…
وهل تستطيع أن تنكر أنّ الحسن سُمم والحسين والإمام زيد قُتلوا ومُثّل بجثثهما وأحرقت الجثث الطاهرة إلا بسبب وقوفهم وصرخاتهم في وجه بغاة ومرتدي ومنافقي الأرض..
وهم القائلون في صرخاتهم:
هيهات منّا الذّلة..
ومَن أحبّ الحياة عاش ذليلا…
وأضيف لكَ يامن تعارِض صرختنا في المساجد:
و أقولُ لكَ:
المساجد في زمن رسول الله كانت موطن الصّرخات على الكفّار من الأعراب واليهود ، فلماذا تريدون أن تحجّموا وتقزّموا دور المسجد وهو المدرسة والجامعة المحمديّة العملاقة التي تخرّج منها عمالقة دولة محمد بن عبدالله ورجاله مغاوير الحروب ورهبان الليل وفرسان النّهار..
– أو حسبتم أنّ من نصروا رسول الله تخرّجوا مِن برج خليفة أو من ناطحات أمريكا أو من البيت الأبيض؟
– أو تحسبون أنّ عمالقة وصحابة وآل بيت رسول الله تخرّجوا من جامعة الدول العربية أم من مجلس الأمن أم من الأمم المتحدة؟
-أو حسبتم أنّ رسول الله وآله وأصحابه وأتباعه تخرّجوا من فنادق الرّياض وشقق تركيا وسروال محمد بن عبدالوهاب؟
استحوا ولا تذكروا مساجد الله إلا بأنّها جامعات الإسلام العظمى والتي تخرّج على يدي رسول الله فيها السّاسة والقادة والعظماء والأدباء والفقهاء…
فهل تريدوننا أن نحجّر ونُميت ما أحياه رسول الله ؛ حتّى ترضوا عنّا؟؟.
4- قالوا:
حرام قانونا  لعن طائفة لطائفة و اليهود من الطّوائف !!.
فقلت: قانون الله ودستوره الذي يلزمني ويوجهني وهو مرجعيتي الوحيدة والأولى هو كلام الله ، وليس كلام البشر ؛ وهو القرآن الكريم الذي لعنهم الله الواحد الأحد فيه وهو  المحكم؛ فمَن أنا أو أنتم لنخالف إقرار ربّ العالمين الأعلم بهم؟؟
لعنهم الله في قرآنه ؛ فقد بآؤوا بغضب من الله فكانوا هم المغضوب عليهم وضرب عليهم الذّلّة والمسكنة.
–  لعنهم ومسخهم إلى قردة وخنازير لقتلهم الأنبياء..
– مسخهم حين كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه…
– لعنهم فقد لعنتهم وكِبرهم على خالقهم ؛ فتأتي أنتَ لتحرّم لعنتي لهم..
استحِ قليلا من خالقك ومن قرآنه…
استحِ حين لم تمر عليك آيات لعن الله لهم على لسان أنبيائه ورسله: داوود وسليمان وعيسى وموسى ومحمد (عليهم السّلام )..
استحِ واسأل نفسك:
أ أنتَ أعلم بهم من  الله وأنبيائه؟
5- قالوا: بتلعنوا اليهود ومنهم مسالمون لا يستحقون اللعن…
فقلت:
لأنّكم لم تتبصّروا القرآن وتفقهوه،  وقد
تكلّم القرآن عن اليهود ولم يخصّص المسالمين ومع هذا سأجيبكم من خلال ثلاث نقاط:
– الأولى: قرآن الله لا ينطق عن الهوى ولو كنتَ مؤمنا به فلا تؤمن ببعضه وتكفر ببعض…
ستقول لي:
كيف؟
سأقول لكَ:
الله أعلم بخلقه وهم من خلقه ولم يلعنهم إلا وهو الأعلم بنفسياتهم فقد عاقبهم بعقوبات كثيرة تتناسب وجرائرهم وذنوبهم وتنوع عقاب  المولى لهم  فمرّة:
عاقبهم بالدّم ،ومرّة بالضّفادع، ومرّة بالقمل ، ومرة بالطوفان ، ومرة بالجراد…
– الثانية: لم تدرِ أنّ القرآن أبلغ وأفصح وأسمى وأعظم كتاب أعجز بلغاء وشعراء العرب الجاهليين و كانوا فحولا في الشّعر واللغة و الفصاح
فتأمّل معي  قول  الله (تعالى ): ” يجعلون أصابعهم في آذانهم “..
فهل الخمس الأصابع تستطيع أن تجعلها في أذن واحدة؟
فيكون في كل أذن من آذانك خمس أصابع كاملة؟
الجواب: لا
–  إذن القرآن استخدم لفظة عامة : الأصابع وهو يقصد  اصبعا واحدة فقط فلا يمكن أن تدخل الأذن سوى اصبع واحدة ، والعلاقة بين كلمة الأصابع والاصبع تسمّى في علم البلاغة علاقة الكليّة فالأصابع كل والاصبع: جزء من الكل…
فلعننا لليهود هو لعن لرموزهم السيئة؛ لحكامهم العنصريين، لمن يحكمون بالاحتلال للأوطان ، لمن حرّفوا الكتب السّماوية: التوراة والإنجيل ، لمن يضربون غزّة ؛ لمن يضربون لبنان ،لمن يضربون الجولان ، لمن يضربون اليمن وهؤلاء مجموعون في دولة إسرائيل التي تحلم أن تسمى مستقبلا دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من المحيط إلى الخليج والتي تساعدها أمريكا في تمدّدها وتمولها دول الخليج وبنو سعود ؛ ولهذا فكّكوا الجيوش العربيّة في سوريا وليبيا والعراق  واليمن ليسهل على إسرائيل احتلالنا بواسطة أمريكا التي صنعت داعش وأخواتها،  وقد اعترفت أنّها صانعة هذه الحركات التي تعيث في وطننا الفساد وتذبح وتسحل باسم الاسلام لتشويهه وهي في الأصل جماعات إسرائيلية أمريكية تعمل جنبا لجنب لهدم الأقصى وبناء هيكل سليمان..
ولهذا نصرخ في وجهها ولأننا صرخنا فهي تحاربنا ؛ لأننا بشعارنا نحاربها نفسيا وسياسيا و هي تكره أي حركة مناهضة لإسرائيل ولهذا حاربت حزب الله في لبنان لأنّه مقاوم لإسرائيل  ، وحتّى تضيّع الحقيقة فقد أوجدَت شرخا بيننا كمسلمين  باسم الطائفية، والمذهبية ،وباسم الثورات العبرية ؛ فتسمّي محاولة احتلالها للشّام (وقلب الشّام هي سوريا) باسم إسقاط نظام بشار..
– وفي ليبيا لا يوجد بشار المقاوم والمناهض لإسرائيل ،  ولكن يوجد غاز ونفط ، وفي السودان يوجد غاز ونفط ،وفي اليمن يوجد غاز ونفط..
إذن: فلتفهم أنّ:
أمريكا وإسرائيل لا تقاتل مِن أجلك أيها الأحمق….
هي تقاتل لأجل عيون إسرائيل !!.
فلا تصرخ ودعنا نصرخ نحن…
ولأنّ  العدوان يقصف وطني في أي زمان ،ومكان يريده فمن حقي أن أصرخ في أي وقت ومكان دون أخذ الإذن من أحد فليس في صرختي مايؤذيك أيّها اليماني إلا إن كان لك عِرق أمريكي أو إسرائيلي ماسوني ينبض حقدا على أنصار رسول الله ويمجّد إسرائيل ويدعوها لإقامة إسرائيل الكبرى. وكفى.

قد يعجبك ايضا