الأسواق الشعبية.. تراث وثقافة ” الحلقة الثالثة “

 

يحيى جحاف


تعتبر الأسواق الشعبية ملتقى الناس الأسبوعي ومحطة استراحة للتاجر المتجول القادم من المناطق القريبة، والبعيدة على حدا سوى، بدءا من ذلك التاجر الذي يحمل بضاعته البسيطة على ظهره، وذلك الذي يأتي بها على ظهور الجمال والحمير والسيارات، ليستقر بها كل يوم من أيام الأسبوع في فناء المساحات المكشوفة لتلك الأسواق التي يرتادها الناس أسبوعيا،لاتقي رأسه وجسده من حرارة الشمس،إلى تلك الشماسيات، والطرابيل الملونة بألوان الطيف ، ليتشابه المشهد في تلك المساحات الواسعة لناظرها من بعيد مصايف شواطي البحار الجميلة، التي يرتادها الناس هربا من حرارة الجو وبحثا عن الهواء والمتعة والهدو، مع الاختلاف بين الحالتين شكلا ومضمونا، فالأول يبحث عن الرزق والآخر لقضاء وقت ممتع .

تعريف ألا سواق:
السوُقُ لُغَةً: موضعُ البَيع والشراءِ ، وسُميَتْ سُوقاً لأنَ البَضائِعَ تُساقُ نحوَها وتَجتمِعُ فيها .يقال للمحل الذي يباع ويشترى فيه سوق، سميت بذلك لأن التجارة تُجلب وتُساق إليها، وهي تذكّر وتؤنَّث.
وكانت أسواق العرب إمّا ثابتة؛ وهي التي تكون في المدن والقرى وأماكن السكن.
وإما موسميه وهي التي تعقد في مواسم معيّنة، وتقع في مواضع متناثرة من جزيرة العرب.وكان بعض هذه الأسواق مقتصرًا على مايجاوره من القرى كسوق هجر وحُجْر اليمامة والشِّحْر وغيرها، ومنها ما كان عامًّا يفد إليه الناس من أطراف الجزيرة كلّها مثل سوق عكاظ. والمقصود هنا الأسواق الموسمية التي تعقد في أيام معينة ويقصدها النّاس.
معر فتهم بألاسواق:
عرف العرب الأسواقَ،والتجارة في وقت مبكر وذلك بحكم موقعهم الجغرافي المتوسط للدول والحضارات القديمة التي تتنازع النفوذ،والسيادة في العالم والمتمثلة في إمبراطوريتي فارس والروم،والتي كانت على علاقات تجارية وسياسية مع بلاد العرب في الشمال والجنوب.فكانت بلاد فارس تقع من شمالها الشرقي،ومن شمالها الغربي بلاد الروم،ومصر،ومن غربها الجنوبي بلاد الحبشة،ومن جنوبها بلاد الهند،وتقل نحواً من ذلك في علاقتها مع الحبشة والهند/ اليمن،وعمان والبحرين. باعتبار التجارة كانت من أشرف الحرف قدراً ومنزلة عند العرب. كما شغلت الدول العربية القديمة مثل تدمر وسبا، والمعينين المراكز الممتازة في تجارة الشرق حتى ذكرتهم التوراة ووصفت ثروتهم وتجارتهم، في الجاهلية،وكان لهم نوعان من الأسواق موسمية،وخاصة.ولافت للانتباه استئثار اليمنيين بتجار الجزيرة العربية مع غيرها من الممالك يحملون التمر والزبيب والأدم والبخور والحجار الكريمة مع ما يصنعون من الطيب والعطور التي يصنعوها ويبيعونها في أسواق العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا فظلوا لفترة غير قصيرة مشرفين على تجارة العالم(5) وفي هذه الأسواق يباع كل شيء من عروض التجارة والسلع المختلفة الأصناف كالزبيب والتّمر والزيت والسَّمن والأدم والورس والطيب والبرود والحيوان على اختلافه، كما كان الرقيق أيضًا يباع فيها ويشترى. بالإضافة ان هذه الأسواق لم تكن تُقصد للتجارة وحدها، فقد كانت ملتقى أدبيًا يتناشدون فيه الأشعار ويتفاخرون ويتنافرون. وكان لهم حكام يفصلون بين المتنافسين من أشهرهم النابغة الذبياني الذي كانت تضرب له قبة حمراء من أدَم،فيحكم بين الشعراء. هذه المنتديات الادبية تقام في الجاهلية والإسلام أدَّت دورًا مهمًّا في حياة العرب الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
طرقهم التجارية:
كان للعرب طريقان للتجارة احدهما من الشرق يصل عمان بالعراق وينقل بضائع اليمن والهند وفارس براَ مروراً بغرب العراق إلى البادية وينتهي بأسواق الشام.أما الطريق الغربي فيصل اليمن بالشام،والحجاز وينقل بضائع اليمن والحبشة،والهند والشام والعكس من ذلك لنقل إلى الحبشة والهند عبر البحر(6).
وقد مارس العرب التجارة رجالاً ونساءً على السواء، وكان التجار يحرصون على خروج تجارتهم في قوافل كبيره تُوفر لها الحماية أللازمة وفي أزمنة محددة معروفة، وكانت القوافل تستريح في محطات وأسواق تجارية أقيمت على طول الطريق التجاري، يجري فيها البيع والشراء.ومن اجل حماية قوافلهم التي تمر في أراضي القبائل الأخرى. وكان تجار قريش يسترضون سادات القبائل بأساليب مختلفة، منها إشراكهم في رأس المال بأخذ ما عندهم من سلع يتوسطون لهم ببيعها، أو شراء ما يريدون شراءه من تلك الأسواق، ومنها مصاهرتهم ودعوتهم إلى زيارة مكة والحج  إلى الكعبة، ومنها دفع الأتاوى لهم. وكانوا يوثقون كل ذلك بعقود (إيلاف) تحدد قواعد مرور قوافل مكة وأصولها وحقوقها، فكانت القوافل تمر بسلام من دون أن تتعرض لأذى أو يعترضها أحد، وكان سيد القبيلة بنفوذه وسيادته على قبيلته كفيلاً بأن يعيد إلى القافلة ما انْتُهِبَ منها في أرضه إن حدث ذلك.
خصائص أسواقهم الموسمية:
ومن خصائص هذه ألأسواق الموسميةُ أنها تُقامُ في مَواضعَ مُعينة وفي أيامٍ معينةٍ من السَّنة وهي عامّه يَفِدُ إليها الوافدونَ مِنْ أطرافِ الجزيرةِ ولها أيام معينة تقام فيها ويؤمها الناس. .لذلك بَلَغ عدَدُ الأسواقِ الموسميةِ قبلَ الإسلامِ أكثرَ من عشرينَ سُوقاً من أهمها:
عُكاظُ ، وذو المجاز، وَمَجنّة، ودومةُ الجندْل، وعدنُ، وحضرموت، وصنعاء ، ومكةُ ، وهجَرُ ، وأذرعاتُ ، وبُصْرَى . إلا أن أعظمها سوقُ عُكاظ . وموقعها في واد بين مكة والطائف،مع اختلاف المؤرخين حول عددها فقد أورد الهمداني في جزيرة العرب 11 سوقاً، عدن مكة، الجند، نجران ذو المجاز،عكاظ بدر، محبه، متى، حجر اليمامة، هجر البحرين(7) لكنها كانت المعرض العربيَّ العام قبل الإسلام ، والمجمع الأدبيّ اللغوي الرَسميَّ ، لها مُحَكِّمونَ تُضرَبُ لهم القبابُ ، فيعرض شعراء كلِّ قبيلةٍ عليهم شعرهم وأدبهم ، فما استجادُوهُ فهوَ الجيد ، وما بَهْرَجوه فَهوَ الزائف ، وحولَ هذه القباب الرواةُ والشعراءُ من عامةِ الجزيرة ، فما ينطقُ الحكمُ بحُكمه حتى يتناقل أولئك الرواةُ القصيدة الفائزةَ فتسيرَ في أغوارِ الجزيرة ونجادها ، وتلهجَ بها الألسنُ في البوادي والحواضر. يحملُ إلى هذه السوق التهاميّ والحجازيُّ والنَجديُّ والعراقيُّ واليماميُّ واليمنيُّ والعُمانيُّ كلِّ ألفاظ حيِّه ولغةِ قطره ، فما تزال عُكاظ بهذه اللهجات نخلاً واصطفاءُ حتى يتبقّى الأنسبُ الأرشقُ ، ويُطَّرَحُ الجفو الثَقيلُ. وهي السوقُ التجاريةُ الكبرى لِعامةِ أهل الجزيرةِ ، يحملُ إليها كلُّ بلدٍ تجارته وصناعَته كما يَحملُ إليها أَدَبَه، تُباعُ فيها زيوتُ الشامِ وزَبيبُها وسلاحُها مما اعتادتْ قُريشٌ أن تحمِلهُ في قفولها إلى مكة فَمَنْ كانتْ لَهُ إتاوة على قبيلة نَزَل عُكاظَ فجاؤوهُ بها ، ومن أرادَ تخليدَ حيِّهِ رَحَلَ إلى عُكاظ وخلّدَهُ فيها شِعراً ، ومن أرادَ إعلانَ حرب على قومٍ أعلنها في عُكاظ . لذلك كانتْ هذه السوقُ شاهداً على أهمِ أحداثِ العربِ في بيعهم وشرائهم وتخاصُمهم وتفاخِرهم وحروبهم وسلمهم .
لذا ظلت هذه الأسواق مركزا إعلاميا حتى حرص الرسول على نشر دعوته فيها حيث طاف الأسواق لمدة عشر سنوات يدعو الناس لدعوته الأمر الذي ساهم على نشر الإسلام من خلال هذه الأسواق والرحلات(8)ومن هذا المنطلق فإنه يمكننا أن نصنف هذه الأسواق أصنافاً ثلاثة:
ـ أسواق تخضع لنفوذ أجنبي وتدار بنظم خاصة وتتضاءل فيها الصبغة العربية (وهي الأسواق التي تقام في أراض يسيطر عليها الفرس أو الروم).
ـ أسواق أنشأها العرب في الجزيرة العربية لحاجتهم إليها، فصارت تمثل عاداتهم في البيع والشراء والخصام والدين والزواج والحقوق، كعُكاظ.
ـ أسواق ذات صبغة مختلطة كأن تكون على ساحل البحر كعدن وصُحار ودَبَي، وفيها يجتمع تجار من شتى البلاد. وكان العرب من تجار ومستهلكين ينتقلون بين هذه الأسواق الموسمية فلا يحول الحول حتى يعودوا إلى السوق الأولى. وهناك زهاء عشرين سوقاً تعد من أشهر تلك الأسواق(9)
الأسواق الخاصة:
كان للعرب أسواقهم الخاصة وهذه الأسواق تقتصر على ما يجاوِرُها من القُرى كما كانَتْ لهم في مدنهم أسواقُهم الدائمة ، حَيثُ يَجري فيها البَيعُ والشِراءُ اما إذا كان لهذه الأسواق موقع تجاري وتقام فيها مثل سوق عدن،وصنعاء،وعمان فكان لها شأنها المتميز عن بقية الأسواق في قلب الجزيرة العربية كُحجر وكحضرموت،لشيوع الاتجار فيها مع الجيران من والهند الحبشة والفرس(10) لذلك نجد ان البانيين في القرن 17،الميلادي لعبوا الدور البارز والفعال من خلال احتلالهم المكانة التجارية في الهرم الاقتصادي للدولة وساهموا في تحسنه من خلال مستوى الدخل وإيرادات الدولة(11)
ضوابط الأسواق:
كان لأسواق العرب ضوابط تحترم من قبل الجميع وملزمه لكل مرتاديها في السلم والحرب فلا قتل ولا اقتتال حتى ينتهي موسمها مهما كان الأمر باعتبار هذه الأسواق معظمه في شهور معينة فلا يسفكون فيها دماً ولا يتجاوز بعضهم على بعض حتى ينقضي الشهر الحرام لذلك جعلوا اكبر أسواقهم يقام في الأشهر الحرم فكانت سوق حُباشة وسوق صُحار في رجب،وحضرموت في ذي القعدة،وعكاظ ومحنة وذي المجاز في ذي القعدة وذي الحجة.والأشهر الحرم هي رجب،ذي الحجة،وذي القعدة،والمحرم تضع فيها سلاحها فلو لقي المرء أباه لا يتعرض له وكان من أعظم العار التعدي في حدود الشهر الحرام والبلد الحرام لذا سميت حروب العرب قريش وهو زان في عكاظ بحروب الفجار لفجورهم باقتتالهم في الشهر الحرام.(12) باعتبارها معرِضٌاً لكثيرٍ من عاداتِ العَرب وأحوالهم الاجتماعية ففيها يَخطبُ الناسَ خطباؤهم ويفتخرُ شُعَراؤهم ،وفيها تُعقَدْ المسابقاتُ يحكِّمها رجالاتُ قُريش .وهي ندوةٌ سياسيةٌ تُقضى فيها أمورٌ كثيرةٌ بين القبائلِ ، أو تُعلَن بَينهما الحروب .وكانَتْ هذه السُوقُ تَقومُ عِندَ العَربِ ، يَومَئذٍ ، مقامَ وسائلِ الإعلامِ الرسميةِ في أيامنا .ومن أسواق اليمن المشهورة التي ليست من أسواق الحج منها سوق حُباشة:
وهي سوق تهامة القديمة إذ كانت تُقام في شهر رجب، وقد ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلها بتجارة السيدة خديجة رضي الله عنها، مرَّة وكانت هذه السوق تقوم في ديار بارق ، وهي المتجر المتوسط بين الحجاز واليمن ، والحباشة الجماعة من الناس ليسوا من جنس واحد ؛ولعلها سميت بذلك لكثرة ما يجتمع بها من مختلف القبائل ليس لهذه السوق شأن الأسواق العربية الكبرى ، فهي تأتي في الدرجة الثانية
وتكاد تكون لما حولها في الغالب على خلاف الأمر في بقية الأسواق التي هي من مواسم الحج ويقال أيضا ان هذا السوق أي حُباشة في تهامة يقام في الأيام الأولى من رجب سوق ثانوية، ظلت قائمة حتى 197هـ، وهي مركز مشترك بين اليمن والحجاز مختلطة الجنسيات سوق حباشة، اسسه الازد قبل عام الفيل بنحو 4 قرون، وكان سوق يحتل مكانة بارزة، وتجتمع به العرب في مواسم السنة.
سوق الشِّحْر :
الشحر هو الساحل الجنوبي بين عدن وعمان وهي مقصد تجار البحر والبر وتعقد في النصف من شعبان.
سوق عَدَن :
كان العرب يرحل إليها بعد سوق الشِّحر ، وتُقام مدة العشر الأُوَلِ من رمضان (13)وكان يجلب اليها من صنعاء ومنها يصدر الى بقية البلدان كما كانت مركزا لمعالجة انواع العقيق الهندي لخبرة اليمنيين في استخدام الجزع اليماني المكلس والمحروق في جلاء ومعالجة جوهر الياقوت(14)
سوق صنعاء :
يعتبر سوق صنعاء من اقدم الاسواق في الجزيرة العربية تستمر من منتصف رمضان إلى آخره.وهو السوق الوحيد الذي لازال يحتفظ بمركزية رمزية واجتماعية واقتصادية في المدنية وهذا بفضل حيويته التي سمحت له بأن يتلاءم مع تحول اليمن الى مجتمع استهلاكي(15) وباعتباره مركزا هاما للتجارة القوافل بين اسواق الجزيرة العربية شمالها وجنوبها ومن اهم الاسواق الامر الذي جعله يبلغ ذروة ازدهاره في عصر ما قبل الاسلام خلال القرن 5 – 6م. لذلك ظل حافلاً بالصناعات الجلدية والنسيجية،والثياب،وصقل الاحجار الثمينة التي احاطت بها صياغة الحلي وجميعها من السلع التي تصدر الى خارج البلاد.اما الفترة التي تلتها كان سوق صنعاء مركزاً لاستيراد وتوزيع السلع المستوردة من المنطقة العربية وآسيا وشبه الجزيرة العربية بالإضافة الى السلع المنتجة محليا(16)
سوق حضرموت :
وتعقد في منتصف ذي ألقعدة وربما أقيمت هي وعكاظ في يوم واحد ، فيتوجّه بعضهم إلى هذه وبعضهم إلى تلك.
مراجع
1 )يحيى محمد جحاف:حجة معالم وأعلام،ط1/1434هـ/2013م،مكتبة خالد بن الوليد،صنعاء ص 43-45.
2) د. محمد علي دبي الشهاري:شهارة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر(1006-1282هـ/597-1962م)،ط1/1435هـ/2014م،مطابع الجيل الجديد صنعاء،ص207.
3 ) د.الشهاري:مرجع سابق،ص209.
4) يحيى محمد جحاف:العادات والتقاليد في حجة،ط1/1436هـ/2015م،إصدارات مركز عدن للبحوث والدراسات الإستراتيجية،صنعاء ص7.
5 )المرجع السابق:ص 20.
6) سعيد الأفغاني:أسواق العرب في الجاهلية والإسلام،ط3/1974م/1394هـ،دار الفكر المعاصر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت،ص15،16.
7 )المصدر السابق:ص 220.
8 ) سحر يوسف القوا سمي:جامعة النجاح الوطنية،نابلس فلسطين كلية الدراسات العليا(قسم التاريخ)رسالة ماجستير(لم تطبع بعد)ص23.
9 ) https://www.arab-ency.com/ar/
10 ) سحر القوا سمي مرجع السابق:ص193، 194.
11 )البانيان في اليمن في القرنين ألهجريين،12،17،ألميلاديين مع تحقيق قصيدة في البانيان الساكنين مدينة زبيد،دراسة وتحقيق الهام محمد حيدرة:ط1/2016م،مطابع الاثيرللطباعة،ص6.
12 )المرجع السابق:ص70.
13 ) من أسرة منتديات منابر ثقافية.
14) مسح وتوثيق:ج1/مرجع سابق،ص129.
15 )فرنك مرمية:مرجع سابق،ص 180.
16) مسح وتوثيق الحرف اليدوية التقليدية في مدينة صنعاء القديمة،ج1/2006-2007م،تاليف الفريق الوطني للمسح،الناشرالصندوق الاجتماعي للتنمية،ط1/2008م،مطابع صنعاء للاوفست،(المقدمة).
تصوير/حامد فؤاد

قد يعجبك ايضا