وباء وبطر !!

 

إبراهيم الحكيم
سيظل باب الفساد والحديث عنه مشرعا، أكان سلوكا أو كلاما، صدقا أو كذبا، نقدا أو كيدا، تساؤلا أو شكا، تعريضا أو تجريحا، تبريرا أو تجييرا؛ طالما بقي باب القضاء موصداً، غفولا أو إغفالا، انكفاء أو إهمالا، تساهلا أو تحييدا، حيال ممارسات الفساد أو الحديث الفضفاض عنه، والملقى – غالبا – على عواهنه!.
لا يصح مطلقا بقاء التعامل مع كل الوقائع وحديث الإعلام و”المواقع”، على أنه عداء وبطر أو قضاء وقدر !!. هذا وباء وخطر، أن يوصف كل الكلام أنه إيهام وإرجاف و”تهلام” وأوهام !. حتى وإن كان كذلك في كثير من الأحيان، لابد أن يصدح صوت الحقيقة كي لا يغرر العباد، ويحفز الفساد.
جيد جدا أن تكون من قادة مكونات الجبهة الوطنية المتصدية لتحالف العدوان الغاشم الانتقادات للمهاترات والملاسنات والمناكفات والمكايدات، وجيد جدا أن توجه التحذيرات لمن يستمرئون هذا من سياسيين وإعلاميين وناشطين، محسوبين على كل هذه المكونات الوطنية.
لكن الأكثر جودة وتلبية للحاجة المحلية في الظروف الطبيعية، وبقدر أكثر إلحاحا في هذه الظروف الاستثنائية؛ أن تؤخذ كل الادعاءات والمزاعم على محمل الجد، وأن تنبري لزاما الجهات المعنية بها، لتثبت علنا بطلانها، فالسكوت هنا يعزز صدق المزاعم ويغدو شاهد إدانة لتلك الجهات.
ترك “المشعات” تروج لا يجدي معه الاكتفاء بوصفها “شائعات” بل يزيدها شيوعا!.. ومالم تتصد وسائل الإعلام الوطنية وبمقدمها الحكومية للمزاعم وشائعات العدوان وأعوانه من العملاء والمرتزقة ودسائس المرجفين والمزوبعين، فإنها تعد شريكا في صنع تلك الشائعات !.
نعم شريكة، وفي أحسن الأحوال مباركة، لأنها سمحت برواج تلك المزاعم والشائعات ولم تقم بواجبها، وتسعى ليس لتبنيها أو لبث بيانات نفيها، بل للتحقق منها بتقصي الواقع المثارة بشأنه، وترك هذا الواقع يؤكد صحتها أو زيفها بالدليل الناصع والبرهان القاطع ميدانيا.
التجاهل أو التساهل ليس حلا ولا ردا، بل مساهمة في تعميم الزعم وتعويم الوهم، مشاركة بتوسيع المشكل وتأصيل المعضل، ترقى في مثل هذه الحال لاعتبارها تأييدا بل وتأكيدا لأي زعم، أكان صدقا أو كذبا، ادعاء أو افتراء، وسواء كانت غايته النقد والتقويم، أو الكيد والتهويم!.
بالمقابل، ينبغي تجاور كفل حرية التعبير مع كفل حق التقرير. حرية التعبير ليست مطلقة بلا سقف أو قيد وإلا كانت مفسدة مطلقة تنطوي على استبداد بحقوق الأفراد والمجتمع. كما أن حرية التعبير تفرغ من جوهرها وتفقد جدواها، إن كانت بلا أثر وقوبلت بتجاهل المسؤولية.
في كل الدول التي تقر حرية التعبير والرأي وتكفل حرية الإعلام، يلتزم الأخير فقط بأن يكون مسؤولا، ليس لكي يكسب جمهورا وينتشر بل لكي يؤثر ويغير، وهذا التأثير رهن تعامل السلطات الرقابية والقضائية مع كل ما ينشره الإعلام بوصفه بلاغا للرأي العام والمدعي أو النائب العام.
ومالم يتعامل النائب العام مع كل ما ينشره الإعلام وجميع وسائل “العلانية” بوصفه بلاغا وينبري مكتبه تلقائيا للتحقيق، إثباتا لصحته وتبعا عقابا لمن نشر عنه، أو لزيف ما نشر ؛ فما من جدوى ترجى من الإعلام ولا السلطات، وأبشروا بحال: دعهم يقولون ما يشاءون ودعنا نفعل ما نشاء !!.
محراب
في محراب الكتابة، نصلي كل يوم صلاة الأمانة .. نرتل قسم رب الحياة والقيامة،
بالقلم وما يسطره من عبارة .. نحن إذا في عبادة، طقوسها صدق الرسالة .. لسنا في حضرة بلاط الصحافة، بل في حضرة صاحب الجلالة !.

alhakeem00@gmail.com

قد يعجبك ايضا