الشهيد طه المداني.. رمز “الأمــــنيَّات لـكــم ولـيســت عـليكــم”

> رفقاء الشهيد يروون لـ” الثورة” 

> العلامة بدرالدين: الشهيد سطر بدمائه أبلغ الدروس في الشهامة والعزة والكرامة والإباء والتضحية والفداء
> اللـــواء الخـيواني: برحيل رجل بحجم اللواء طه المداني تكون أمتنا قد فقدت رجلا عظيما ومجاهدا فذا
> اللواء المؤيد: الشهيد المداني حمل المشروع القرآني بين جوانحه وانطلق ليصبح أحد رجال الثورة اليمنية الخالدة
> الصــحفي جاحـــز: المداني سخَّر شبابه وعنفوانه في النهوض بأهم مشروع يتحرك على ظهر البسيطة هذه الايام
> الاعـــلامــــي رزق: ابو حسن قضى فترة شبابه ونضالاته برفقة أخيه يوسف الذي شاطره ذات التوجه والجهاد في مختلف المراحل
> المحلل المحطوري: السجن لم يكن محنة بل بلور الشخصية الأمنية لـ “أبو حسن”، المجبولة من أساسها

استطلاع/ماجد حميد الكحلاني

* وشعبنا اليمني العزيز يعيش الشهادة كل يوم مقدما في سبيل الحرية والكرامة والسيادة قوافل من الشهداء (أفرادا وقادة)، فقد حلت مناسبة الذكرى السنوية للشهيد لهذا العام 1438هـ – 2017م بإشهار شهادة قائد من أعظم من أنجبتهم التربة اليمانية، والثقافة القرآنية.. القائد الاستثنائي في المجال الأمني اللواء طه حسن إسماعيل المداني، هو أحد هؤلاء، قضى نحبه في ساحات الدفاع الوطني، بعد رحلة جهادية نضالية تمتد لـ14عاما، حمل بداخله هما عظيما ومشروعا كبيرا.. اشتغل بصمت بعيدا عن الاضواء ليكون من القلة القليلة الذين يفضلون ان يبقى عملهم بعيدا عن المباهاة والشهرة ، لكنه مع ذلك ترك اسما كبيرا علما ، يشهد له من يعرفه ومن لا يعرفه..
“الثورة” ترصد شهادات عنه وعن حياته وسيرته ونضالاته من رجال رافقوه وعرفوه فضلا عن آراء مختلفة لشخصيات اعلامية وغيرها:
فإلى ذلك:

خلفية عن الشهيد
كل عام يحيي الشعب اليمني الذكرى السنوية ليوم الشهيد، لكن هذه السنة حفِلت بإشهار رحيل قائد عرفته مواطن النزال قائداً عسكرياً وأمنياً فذاً، وحاولت الشائعات النّيل منه على أكثر من صعيد.
كُشف اللثام أخيراً عن شخصية مهمّة في « أنصار الله»، هي الأولى على الصعيد الأمني.. إنه طه حسن إسماعيل المداني، مشرف اللجان الأمنية الأول لـ«أنصار الله»، ولاحقاً «اللجان الشعبية الأمنية» المنبثقة من ثورة 21 سبتمبر (أيلول) 2014م، وقد تقلد منصب «عضو اللجنة الأمنية العليا» عقب الإعلان الدستوري في 7 شباط 2015م عندما تسلمت «اللجنة الثورية العليا» قيادة البلاد.
الشهيد طه المداني، وكنيته الشهيرة «أبو حسن»، المولود عام 1979م ينتمي إلى أسرة عريقة. هو الرجل الذي عرفته المساجد والسجون ثائراً بهتاف الصرخة الشهير «الموت لأمريكا»، كأبسط موقف حينذاك، عندما تحركت ثلة قليلة في مواجهة الهجمة الأمريكية على المنطقة في عهد جورج بوش الابن.
حين ولادته، كان والده حسن بن إسماعيل يشغل منصب «عامل قضاء ميدي»، وهو رابع أقضية محافظة حجة وفق التقسيم الإداري في ذلك الحين.. كذلك كان جده إسماعيل المداني من كبار موظفي الدولة في عهد الإمام يحيى حميد الدين، وشارك في معارك نجران في مواجهة جيش عبدالعزيز آل سعود.
تلقى أبو حسن تعليمه الابتدائي في ميدي، وعقب ذلك انتقل مع والده وأسرته إلى مدينة صعدة حيث أكمل الابتدائية والإعدادية، وتوافرت له ظروف أفضل للاحتكاك بالنشاط الثقافي والبيئة العُلمائية المشهورة بها «محافظةُ السلام».
كان تخرجه من الثانوية العامة من مدرسة جمال عبدالناصر في صنعاء، ثم التحق بجامعة صنعاء في كلية الشريعة والقانون حتى عام 2003م.
مثّل وجوده في صعدة «فرصة العمر» كي يطلع عن كثب على مشروع المسيرة القرآنية بقيادة السيد حسين بدر الدين الحوثي، فانطلق مع ثلة من رفاقه بهتاف الصرخة في جامع الإمام الهادي في صعدة (3 /2003م)، فيما تزامن ذلك مع زيارة للرئيس السابق علي عبدالله صالح وكان في طريقه إلى السفر لأداء فريضة الحج.
آنذاك نجا المداني من الاعتقال ليقع فيه لاحقاً عقب رفع الهتاف في الجامع الكبير في صنعاء إبّان أدائه امتحانات السنة الرابعة في جامعة صنعاء عام 2003م.
عُرف أبو حسن بحسه الأمني، وفق قريبين منه، فيما أسهمت محنة السجن في تبلور شخصيته المجبولة من أساسها على طبع هادئ وأعصاب باردة، وهي خصال ذاتية لا بد من توافرها لكل رجل أمن يمر بظروف عادية، فكيف حين تكون الظروف استثنائية: حروب وثورة وكفاح مسلح في مواجهة غزو.
أواخر 2006م، بعد انتهاء الحرب الثالثة، كان الخروج من السجن.. انطلق أبو حسن مباشرة إلى الميدان، ولحاجة «الثوار الأحرار» إلى جهاز أمني يستطلع لهم ويحميهم ويكون لهم ظهيراً، جاء الرجل المناسب في الوقت المناسب، ليكون المداني خيرَ من تُلقى على عاتقه هذه المسؤولية.
ما بين الحربين الثالثة والرابعة مدة قصيرة لا تساعد على أن يتفرغ الثوار كلٌّ في مجاله، فظهر أبو حسن عام 2007م إبّان الحرب الرابعة رجلاً لا يُشق له غبار، وفيها جُرح ثلاث مرات كانت له بمنزلة أولى النياشين. هنا بدأت تظهر شخصية المداني كقائد يجمع بين الأمن والعسكر.
عام 2008م، إبّان الحرب الخامسة، تأكدت عسكريتُه إلى جانب موقعه الأمني حينما أدار المواجهة باقتدار في منطقة آل حميدان في مديرية سحار بصعدة، لتقع على يديه ورفاقه ما عرف آنذاك بمجزرة الدبابات.
وحينما شنت الســـــلطة الحرب السادسة (10 /08 /2009م)، أوكلت إليه مهمة الدفاع عن منطقة الصعيد في صعدة، فأدار معركة منطقة المقاش المحاذية لصعدة بكفاءة حتى النصر في مواجهة الفرقة الأولى مدرع التابعة للفار علي محسن الأحمر ومجاميعه التي عرفت بالبشمركة.
رغم وقائعه العسكرية، فإن الأخطار الأمنية كانت تستدعي رجلاً ذا نباهة. هكذا، ما إن تنتهي معركة عسكرية كبيرة أو صغيرة، إلا وتبدأ معاركه الخاصة به في تأمين كامل المناطق التي تستلزم انتشاراً أمنياً لعدد كبير من الرجال، وهو إلى جانبهم يتفقدهم موصياً إياهم بأن يكونوا على أخلاق عالية مع المجتمع، وأن يسهروا لتأمين حركة الناس دون مِنَّةٍ على أحد، أو انتظار الشكر، كما يقول المقربون منه.
من موقعه الأمنيّ، سهر طه المداني على تحديث وتطوير الجهاز الأمني لـ«أنصار الله»، وجعله منفصلاً عن «العسكري»، حتى استحق بجدارة أن يقدم خبرته الطويلة إلى «ثورة 21 سبتمبر» سنة 2014م، لتنبثق منها «لجان أمنية شعبية» مثّلت قوة إسناد لأجهزة الدولة، الأمر الذي مكنه من بسط الأمن على أوسع نطاق، كما تحقق تحت إشرافه تفكيك مئات الخلايا المتصلة بتنظيم «القاعدة» والأخطبوط ــ الأحمر، ملحقاً بأجهزة الاستخبارات الأجنبية هزائم كبرى.
حينما اضطره الواجب إلى أن يتصدى للعدوان الأمريكي ــ السعودي، بادر بنفسه إلى إسناد رفاقه حتى فاقهم صموداً، وسبقهم إلى الشهادة في ساحات الدفاع الوطني (ثمّة تكتم متعمد على مكان وتاريخ ووقت استشهاده رغم كمّ الشائعات الكبير حول ذلك) محققاً بذلك منتهى ما يتمناه كثيرون على الصعيد الشخصي بعد رحلة كفاحية كانت عظيمة الأثر، بما ترك خلفه من إرث ثوري زاخر بالعطاء.
لعل من المفارقات في سيرة المداني – وهو أحد رجالات الصف الأول ــ أنها صارت ذات اتصال عميق بتاريخ وطن وشعب، حتى إن مسقط رأسه مدينة ميدي الساحلية المطلة على البحر الأحمر هي اليوم أحد أهم وأخطر المنافذ الشمالية الغربية للبلاد التي تكبد قوى الغزو والعدوان خسائر كبيرة دون أن تتمكن هذه القوى الغازية والمعتدية من تحقيق أي تقدم يُذكر.
عناق الشهادة
تحدث في البداية العلامة السيد محمد بدر الدين الحوثي حول الشهيد اللواء ابو حسن قائلا:
حينما نتحدث عن الشهيد السعيد (طه المداني) – رحمة الله ورضوانه عليه- فنحن في الواقع إنما نتحدث عن قيم ومبادئ وأخلاق تمشي على الأرض متجسدة في تلك الشخصية الإيمانية.
ويتابع حديثة قائلا: شاب أفنى حياته في سبيل الله, وسطر بدمائه أبلغ الدروس في الشهامة والعزة والكرامة والإباء والتضحية والفداء. وهذه مفردات لا تسطر إلا بالدم, ولا تترجم إلا من خلال المواقف.
ويضيف بدر الدين: لقد ترجل الفارس مضمخاً بدماء الشهادة, ونال هذا الوسام الرفيع, وها نحن نقيم مناسبة ذكراه بكل تعظيم وإجلال.. ولكن ليست هذه هي كل القضية, فالشهيد لا ينتظر منا مجرد تعليق صوره أو تسطير القوافي الرنانة والكلمات المسجوعة لترثيته, كلا.. فالشهيد ليس ميتاً يبحث عن مأتم لقراءة الفاتحة إلى روحه..
وحثّ العلامة بدر الدين على ضرورة ان يتعرف الجميع على تلك الثقافة وتلك المبادئ والقيم التي تحمله إلى كل قلب وإلى كل أرض وكل عصر ليصبح أنشودة حلوة تتردد على شفاه الثائرين على مر الأيام.
أروع البطولات
واضاف السيد محمد قائلا : الشهيد السعيد “ابو حسن” خاض العديد من المعارك قائداً رائداً وفدائياً مجاهداً ضد أعداء الله وفي سبيل الله, بعيداً عن الأضواء متنكراً للذات, عصيا على المغريات, عازفا عن الملذات, وسطر أروع البطولات بتواضع جمٍّ, وخلق رفيع, وسماحة عالية, وورع وعفة, وشهامة وشجاعة واستبسال.. وفي العديد من صولاته وجولاته كانت الشهادة تغازله عن قرب, فتضطرم في قلبه الأشواق, ويزداد شغفه للعناق.
وقال العلامة بدر الدين مستطردا حديثه: في لحظة قدسية, وبينما هو يطارد شذاذ الآفاق وحشو النفاق وشر البرية, وفي لحظة غادرة.. تحلق الروح في عليائها, وتتراءى له الشهادة بجمالها وجلالها, فيحس طيبها, وتغمره أنوارها, ويشم أريجها, ويأنس بها, فتتحقق الآمال, وتبدأ مراسيم الزفاف, فيظفر بالوصال, ويعتنقان إلى الأبد, وتتجسد الأمنية, ويفوز بالسعادة الأبدية {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر}.
واختتم حديثة بالقول : أما هنا.. فيحمل الجسد الطاهر على وقع التكبير والتهليل, ويوارى الثرى, وترفرف على قبره راية الحق والعدالة, ولأنها ارتوت بدمه الزكي فستظل تخفق لتعلن للأجيال انتصار الدم, وشموخ القيم, والوفاء للعَلَم, فتمثل إشعاعاً ينير الدرب للثوار, وكعبة يؤمها الأحرار, وصرخة تترجم معنى الشعار, ومسيرة تبحث عن أنصار.
فقدت الامة مجاهدا فذا
أما اللواء الركن / عبدالحكيم هاشم الخيواني – نائب وزير الداخلية عضو اللجنة الامنية العليا فقد تحدث من جانبه عن الشهيد اللواء طه المداني باني العمل الامني قائلا:
إن من اعظم نكبات الأمة ان تفقد عظماءها فعلا وبرحيل رجل بحجم اللواء طه حسن المداني تكون أمتنا قد فقدت رجلا عظيما ومجاهدا فذا..
ومن المعلوم أن نيل الشهادة يعتبر فوزا برضوان الله وهي فضل منه تعالى ومنحة إلهية أعدها الله لخاصة أوليائه.. بالرغم من هذا كله اعتقد أن استشهاد المجاهد اللواء طه حسن المداني يعتبر حدثا عظيما يعبر عن الولاء والعطاء الكبير لهذا الرجل وايضا محرجا جدا لكل المتخاذلين وكل من لم يزل من القاعدين في بيوتهم من اليمنيين بشكل عام ومحرجا للمتأخرين والقاعدين في بيوتهم من القيادات العسكرية والامنية بصورة خاصة، فهل سينتظرون الى أن يصل العدو المحتل وأدواته ليداهموا منازلهم؟.
وقال الخيواني: اننا اليوم نحيي الذكرى السنوية للشهيد لكي نحيي في قلوبنا الوعي والبصيرة، ولكي لا نبتعد عن الشهداء وعن مشروعهم القرآني والاخلاقي والمبدئي والإنساني، مؤكدين المضي في نفس الدرب الذي سلكه الشهداء الكرماء.
واختتم نائب وزير الداخلية حديثة قائلا : اننا اليوم نحيي هذه الذكرى لنعاهد الشهداء العظماء جميعا وعلى رأسهم الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي مؤسس مشروع العزة في هذا العصر، الذي فتح باب العزة والكرامة لشعبنا وامتنا، ودعا الجميع لمواجهة الباطل والطواغيت جميعا على رأسهم قوى الاستكبار العالمي امريكا واسرائيل.
شخصية فريدة
اما اللواء ابراهيم المؤيد المتفش العام بوزارة الداخلية فقد تحدث من جانبه عن الشهيد أبو حسن قائلا :
يجسد القادة الاوفياء معنى ومبدأ التضحية والفداء حين يتقدمون الصفوف ويبيعون انفسهم وحياتهم لله وفي سبيله بروحية عالية وبحب واخلاص وبرغبة كاملة، والشهيد القائد اللواء طه المداني ابو حسن يعد واحدا من ابرز أولئك القادة الذين يتجلى فيهم انموذج الفداء والتضحية والسمو فوق رغبات الذات واهوائها.
ويضيف اللواء المؤيد: من لم يعرف الشهيد طه المداني يجهل الكثير عن صفات المجاهد المتوقد الشجاع الكريم المتواضع السموح البشوش الشديد على العدو، المقدام، الفارس الذي لا يشق له غبار.
ويتحدث مستطردا عن الشهيد ابو حسن واصفا إياه بالشخصية الفريدة قائلا : لقد حمل المشروع بين جوانحه وانطلق في بداية مشوار المسيرة القرآنية ليصبح احد صانعي اهم الانجازات وأحد رجال الثورة اليمنية الخالدة.
مختتما حديثة بالقول: ان هذه العجالة لا تستيطع ان تلخص ما ينبغي ان يقال عن الشهيد اللواء طه المداني ، لكن التاريخ سينصفه وسيؤرشف ذكراه في اهم صفحاته كما يفعل دائما مع العظماء في تاريخنا.
قائد لم يشق له غبار
اما الصحفي والمحلل السياسي علي جاحز فقد تحدث عن الشهيد قائلا :
طه المداني هو انموذج ناصع من بين نماذج كثيرة فضلت البقاء خلف الاضواء وهي تصنع ما نراه امام الاضواء وما لا نراه ايضا ، وهو مثال للشاب الذي اختار ان يسخر شبابه وعنفوانه في النهوض بأهم مشروع يتحرك على ظهر البسيطة هذه الايام ، وليس ترفا او للاستهلاك ما سأقوله هنا عن هذه القامة البطولية الفريدة والنادرة ، بل انه سيظل قليلا بحقه وبما مثّله وسيظل يمثله من معان على مستوى التضحية والاخلاص والوعي والنباهة والعنفوان والقيادة والشجاعة والعبقرية…. الخ.
ويضيف جاحز مستطردا: لقد كان الشهيد ابو حسن المداني القائد الذي لم يشق له غبار، وانموذجا للقائد الذي قدم نفسه قبل الجميع في ميدان التضحية والفداء وكان الاول في مضمار السباق لأجل الحرية والكرامة والانعتاق شغوفا بأن ينال شرف النصر او الشهادة.
مردفا: إن الشهيد جمع بين نيل النصر وشاهد النصر في اكثر من مرحلة وكان في مقدمة صانعيه ، وبين نيل الشهادة ايضا ، بكونها منحة إلهية لا تعطى إلا بقرار إلهي لمن اصطفاه الله واختاره أن يكافئه.
من سيرة الشهيد
وحين نستقرئ سيرة اللواء طه المداني “ابو حسن” التي لا يعرفها الكثيرون يقول الصحفي جاحز: يتجسد في مفاصل سيرة الشهيد ذلك الشاب الذي كان هدفه ومنتهى أمله الانتصار للمبدأ وللمشروع ومقارعة الطغاة والمستكبرين الذين يتحركون ضمن مشروع الشيطان بكل مكائده وخطورته واجرامه ، ليضع حياته وطموحاته على هامش اهتماماته برغم ان أي شاب طبيعي يضعها ضمن اولوياته ، حتى فرحة زفافه ومقتضياتها لم تكن تشكل له أي معنى امام اهتماماته الكبرى العظيمة.
مضيفا: ان عمالقة المسيرة القرآنية الذين هو احدهم ، لهم مواصفات وصفات ومواقف واسبقية ، فهم سباقون في نصرة المشروع القرآني وهو في مهده في وقت كان الناس لايزالون بين مستغرب ومتوجس ومبغض ومحارب ، في وقت كان العالم كله يخطط لدفن منبع الضوء الذي بدأ يسرب اشعته من جبال مران لتصل الرعشة والهلع الى واشنطن..
المبدأ والمشروع
واكد جاحز في سياق حديثة ان اسم الشهيد المداني سيظل المقترن بالنضال والبطولة التي جسدتها شخصيته وشخصية شقيقه ابو حسين يوسف المداني، بكونهما علمين كبيرين من اعلام المسيرة القرآنية ومثالين عظيمين من امثلة القادة الاقوياء الناجحين المخلصين الصادقين في كل مسيرة حياتهما ، بل واصبحا رمزين من رموز الثورة التي اسقطت نظام العمالة والوصاية والطغيان ولا يزالان.
واختتم الصحفي علي جاحز حديثة قائلا: لقد كان الشهيد اللواء طه المداني ابو الحسن، من اوائل من ذهبوا الى جبهات المواجهة مع الشيطان وجنوده واياديه التي تمثلت في العدوان السعودي الامريكي ، ولم يكن ابدا ممن قعدوا يتهافتون على فتات المكاسب والمناصب في الدولة رغم انه عين مشرفا للجان الامنية وعضوا في اللجنة الامنية العليا ، إلا ان ذلك لم يكن يمثل له سوى تكليف ولا يتعارض البتة مع واجب المبادرة الى مقدمة الجبهات..
في كل ما يمكن ان نقرأه ونسمعه من سيرة شهيد القضية والمبدأ والمشروع ابو حسن ، دروس وعبر تستفزنا جميعا لنقتدي بها ، سواء في معنى بيع النفس بشبابها وعنفوانها وامكاناتها وقوتها وطموحاتها ، او في معنى الايمان العميق والرباني بالمشروع والقضية التي يسعى في احقاقها ونصرتها..
لقاء عابر بالشهيد
اما المحلل السياسي والاعلامي حميد رزق فقد تحدث حول الشهيد المداني قائلا :
لقاء عابر ووحيد جمعني بالشهيد أبو حسن طه المداني.. زارنا برفقة آخرين الى قناة المسيرة لم اكن اعرف من هو، عرفني به احد الاخوة قائلا تعرف هذا الشخص؟، فأجبت بالنفي، فقال هذا أبو حسن المداني..
متابعا حديثه بالقول: دلفت اليه وصافحته وبدا كمن يعرفني لكني لا اعرفه ،الرجل على درجة عالية من دماثة الاخلاق والتواضع ، كان اللقاء سريعا وخاطفا ولم يتنسن لي الحديث اكثر مع هذا الشاب الفذ الذي يختزل تجربة جهادية حافلة.
مضيفا “أبو حسن طه المداني” كآخرين من المجاهدين القادة الذين انطلقوا منذ بداية تحرك الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في ظل ظروف صعبة وقاهرة، واستهداف وملاحقة وتشويه كبير جدا يستهدف من وصفوا وقتها “بالحوثيين”..
ويتابع رزق حديثه قائلا: المخلصون الصادقون انطلقوا مبكرا وكانت المرحلة مليئة بالتضحيات والمشاق فكانوا اشبه بفدائيين وطنوا انفسهم على مجابهة المخاطر في كل لحظة غير مبالين بكل ما يحاك ويبيت من اجل استهدافهم والنيل منهم.. اضافة الى ان العظمة التي استمدها الشهيد أبو حسن طه المداني من انطلاقته المبكرة في مسيرة الجهاد واحتكاكه وتتلمذه على يد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، فقد قضى فترة شبابه ونضالاته برفقة أخيه يوسف الذي شاطره ذات التوجه والجهاد في مختلف المراحل .
صفات الشهيد
وحول ابرز صفات الشهيد ابو حسن” التي اجمع عليها اصدقاؤه ورفاقه ومن عرفه عن قرب يروي لنا حميد رزق قائلا:
انه كان يعي ذاته ويقدرها وإن أخطأت لا يجرمها لذا كان يعرف كيف يديرها، وكان دائم الشعور بالطمأنينة الداخلية لأنه كان يجيد الاتصال مع ذاته وربه، فامتلك قدرة توجيه ذاته بحنكة وبعيداً عن التوتر وضغط الاحداث وتداعيات الحروب، لم يكن يحتاج لتصنع المواقف ولم يضعف امام الاهوال والتحديات ،
مستطردا بقوله: انه كان يتمتع بقدرة عالية على التحمل وامتصاص الوقائع المؤلمة ، لديه حرية وابداع ، قائد مقدام ، يظهر نفسه للآخرين كما هو ويتقبل الآخرين كماهم، لأنه يتمتع بحس اجتماعي ويبادر الى النصيحة للآخرين دون توبيخ او تذمر أو استعلاء.. يتحمل المسؤولية ويساعد الآخرين في تحملها..
دائما يصنع الخير ، لا يتردد في مواقفه وتصرفاته لأنها مسبوقة بوعي. كما لم يكن متسلطاً ولا يأنف من قبول النصح والعتاب من الآخرين.. يشعر بالناس من حوله ولا ينسى آلامهم رغم انشغاله بالمهام الموكلة اليه.
خصال ذاتية
أما الاعلامي والمحلل السياسي / علي شرف الـمَحَطْوري فقد تحدث من جانبه عن جوانب هامة للشهيد المداني سيما بدايات تشكل الوعي الثوري لديه قائلا: كان أبو حسن من الفتية القلائل الذين وعوا خطورة ما عليه البلد والأمة عقب الهجمة الأمريكية على المنطقة 2001م، وفي لحظة “الوعي بالخطر، وما يترتب على ذلك من مسؤولية للحيلولة دون وقوعه أو الحد من تداعياته” انبرى أبو حسن لتحمل المسؤولية، رافعا كلمة الحق في وجه الاستكبار الأمريكي، فتعرض لمحنة الاعتقال بمعية العشرات ممن عرفوا في ذلك الحين “بالمكبرين”.
ويضيف الاعلامي المحطوري قائلا : ولأن السجن ليس كله محنة، بل قد يكون منحة، فلعل ذلك ما ساهم في تبلور الشخصية الأمنية لـ “أبو حسن”، المجبولة من أساسها على طبع هادئ، وأعصاب باردة، وهي خصال ذاتية لا بد منها لكل رجل أمن يمر بظروف عادية، فكيف حين تكون الظروف استثنائية: (حروبا وثورة وكفاحا مسلحا في مواجهة غزو).
عنوان الصمود
الشهيد طه المداني أو [ أبو حسن ] – الكنية التي اشتهر بها وصارت علماً له وتدل عليه، وبمجرد أن يسمع أحد ممن يعرفه عن قرب هذه الكنية حتى يتبادر إلى ذهنه هذا القائد العظيم ومعه يستذكر القيم والمبادئ التي اختزنها أبو حسن المداني في شخيصته وصارت جزءا لا يتجزأ منه، فمن التواضع إلى الوقار إلى المشاعر الإنسانية العالية إلى الشهامة النادرة إلى روح العطاء والإيثار إلى الشجاعة والصمود إلى الصبر والثبات.
ويتحدث احد أصدقاء الشهيد قائلا : كل هذه المعاني والقيم اختزنها الشهيد وتحرك وهو يحملها وعبر عنها وجسدها في حياته من خلال مواقفه وثباته وصموده وفي النهاية شهادته في سبيل الله والمستضعفين من عباد الله, لقد عبر بذلك كله عن هذه القيم العظيمة وجسدها في أرض الواقع موقفًا وعملاً وتضحيةً وعطاءً لا يساويه عطاء في واقع الإنسان.
رجل متواضع
واضاف صديقه قائلا: منذ عرفت الشهيد فإنني عرفت قائداً مغواراً.. يغمرني الحياء عند رؤيته لتواضعه وابتسامته المشوبة بالحياء ونظراته المليئة بالتقدير والاحترام، عندما كنت أراه كنت أرى أمامي رجلاً متواضعاً خجولاً هادئاً، كثير الصمت لا يتكلم إلاَّ قليلاً ولكنها كلمات تنم عن رجل عظيم وكنت أستغرب لما أسمعه من بطولاته ومواقفه في مواجهة المجرمين والمعتدين، فكنت أرى فيه التجسيد الفعلي لقول الله سبحانه وتعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}المائدة54.
ويضيف صديقه قائلا : لقد ذكرتني صورة هذا البطل عندما رأيتها منصوبة في شوارع العاصمة، ذكرتني بما قاله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في محاضرة[ محياي ومماتي لله]:
انطلق من واقعه
ويتابع صديقه متحدثا عن الشهيد بقوله : لقد جمع الشهيد أبو حسن المداني بين الإيمان والرجولة والصدق فكان تجسيداً صادقاً لقول الله سبحانه وتعالى: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب:23] فقد انطلق من واقعه كمؤمن قدّم حياته وبذل حياته من أجل الله، فيما هو رضا لله، في مواجهة أعداء الله، كان رجلاً بكل ما تعنيه كلمة الرجولة من معنى، كان صادقا، كان حرا أبياً, وعندما تحرك في سبيل الله كمؤمن، كان يتحرك وأول عنوان لتحركه هو الصدق فكان صادقًا مع الله، صادقًا في انتمائه إلى هذا الدين، صادقًا في انتمائه إلى القرآن الكريم، صادقًا في استجابته لله سبحانه وتعالى, صدق في الموقف، وبهذا كان رجل مواقف، رجل عطاء.
جهاد واستشهاد
من جانبه يتحدث الناشط زيد البعوة حول الشهيد قائلا : كان الشهيد معروفاً بطيبة قلبه وحسن اخلاقه وعمله الدؤوب والمستمر في كل المجالات الأمنية والثقافية والعسكرية يتنقل من منطقة الى منطقة ومن محافظة الى أخرى، همه الوحيد ان يتحرك الجميع في سبيل الله وان يتفهموا خطورة المرحلة التي نعاصرها، فهناك عدو يتربص بنا ويتحين الفرصة للنيل من هذه الامه..
مضيفا بقوله: يكفي ان الشهيد طه المداني خلال الحرب السادسة كانت له مواقف مشرفة وقوية، فخلال الحرب السادسة التي شنها النظام السابق وتدخلت فيها السعودية بشكل مباشر في منطقة تهامة جيزان سارع الشهيد طه الى جبهة الحدود اليمنية السعودية حيث صعد الى جبل الدخان بمعية مجموعة من المجاهدين المخلصين بإمكانياتهم البسيطة والمتواضعة وواجهوا الجيش السعودي بكل بسالة وتمكنوا من السيطرة على جبل الدخان الذي يطل على مدينة الخوبة هذا الجبل الذي طوله ومساحته ما يقارب الـ 2 كيلو متر يحتوي على عدد من المواقع العسكرية للجيش السعودي، ورغم ضراوة الحرب وشدتها وقصف الطيران المكثف والقصف الصاروخي والمدفعي والزحوفات المتكررة لمحاولة استعادة جبل الدخان من قبل الجيش السعودي إلا ان الشهيد طه ومن كانوا معه ثبتوا ثبات الجبال الرواسي وألحقوا بالعدو خسائر فادحة…
يتمشق ببندقيته
كما يروي لنا الناشط مالك المداني عن لحظات حية جمعته بالشهيد اللواء وكيف تلقى خبر ارتقائه وما بعده قائلا :
كانت ليلة الثلاثاء ، لا اذكر تاريخها تحديدا ولكنها كانت بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر اذكر هذا، التقيته ليلتها في منزل أحد أقاربي ، كنت خامس خمسة حينها..
ويتابع مالك حديثه قائلا : ما زلت اذكر وقوفه في الردهة يتمشق ببندقيته ويلقي التحية بتواضع وبتلك الابتسامة التي لا تفارق محياه.. اتذكر مصافحته لي وأنا كلي فخر واعتزاز..
ويستطرد بقوله : دخل يومها الشهيد وجلس معنا.. لم يتحدث كثيرا ، كان أكبر من الحديث، ولم أمتلك الشجاعة للحديث معه ، فقط جلست بدوري أراقبه واسترق النظر إليه متأملا ملامحه الحادة وطبعه الهادئ وتلك الهالة التي كانت محيطة به.. تلك الهالة التي ارغمتني وارغمت كل من ينظر له أن يصمتون احتراما واجلالا..
ويضيف: لقد كنت متشبعا بالرجولة والوقار التي يحملها
وبحرقة يتحدث مالك المداني مسترسلا بقوله: الله يا طه.. كم بعثرني صمتك وسكونك واجلالك للسيد القائد حينما أشرق على الشاشة !
لا أدري كيف لك أن تكون كالسد المنيع لحظة، وكالحمل الوديع لحظة وأنت محتفظ على كامل أرصدتك المهيبة ، لا تهدر منها شيئا…
موقف آخر للشهيد
ويتذكر موقفاً آخر قائلا : صباح اليوم التالي الذي اخبرني فيه قريبي اني طلبت منه اصطحابي ويدعوني لمرافقته !
تملكتني الفرحة حينها وغمرتني السعادة ، لم اتردد بتاتا في قبول دعوته ، ارتديت ثوبي على عجل ، حملت سلاحي بيدي وهرولت مسرعا للخارج منتظرا ابن خالي الذي سيأتي لأخذي..
أتى اليّ وأنا كلي شوق ولهفة للالتقاء به، صعدت السيارة وانطلقنا اليه أحسب الأمتار التي تفصلنا عنه حتى انتهيت من حسبتها ورأيته يفترش الأرض، خاليا من بهرجة الحياة وزخارفها مبتسما لنا من بعيد !
ركب معنا وذهبنا… كان أول حديث اجريه مه وآخر حديث يومها !كان بسيطا حد العظمة !وقريبا من الواقع حد اليقين !
كان خفيف الظل ، سريع البديهة متقد الذكاء ، خطيباً.. فيلسوفاً.. ملماً.. ملهماً.. عالماً !
انهينا ذلك المشوار وقطعنا تلك المسافة كلمح البصر.. تعلمت آنذاك ما لم اتعلمه خلال ست وعشرين سنة !
واختتم مالك حديثه بقوله: لم يطل الوقت بعدها كثيرا حتى اشتعلت الحرب.. واوقدت نيرانها ، وبلغني انه أبى إلا ان يكون في المقدمة كما هي عادته.
وفي تلك الليلة السوداء الظلماء التي لازالت تفاصيلها القبيحة عالقة برأسي حتى اللحظة ، كنت أنا والسواد واحد أصدقائي الذي زف إليّ خبر استشهاده..!
تبلدت وقتها، حاولت أن ارسم سيناريوهات مغايرة عسى أن أخفي الحقيقة، عسى أن أكذب على نفسي مواساة وشفقة بحالي.. ولكن الخبر كان قاطعا ومؤكداً وفوق كل هذا غاية في السرية ، كانت قطعة جمر، حكم عليَّ أن ابتلعها وحدي دون إخبار أحد.
عدت ادراجي صوب منزلي وأنا أدري انني سأبكي على إثر الفاجعة حد الاختناق ، لم أصدق أنني وصلت عتبة غرفتي حتى تنفست الصعداء وأطلقت العنان للطفل الذي بداخلي وبكيت .

 

قد يعجبك ايضا