كنتم خير أمة

عبدالوهاب الضوراني
الله أكبر عندما كنا طلبة في المدرسة كان هذا النوع من الأناشيد الوطنية وغيره أيضاً من الهتافات والإيقاعات الأخرى التي افتقدناها وللأسف اليوم كان يثير فينا في الماضي الحماس والشعور الصادق والجارف أيضاً بالانتماء للوطن والعروبة والوحدة العربية الكبرى التي كانت ولا تزال حلم كل العرب وغايتهم أيضاً من المحيط إلى الخليج ومن النهر إلى البحر في وطن كبير يتسع للجميع ويخلو من كافة الانشقاقات والانقسامات وكل مظاهر التمزق ولانهيار.
إن ما حدث في النصف الأخير من القرن الماضي في الوطن العربي من اختلالات وانكسارات وهزائم متوالية لا تعد ولا تحصى مرده الأول والأخير يعود إلى ما افتقدناه في أنفسنا وفي سلوكنا وتصرفاتنا من مقومات التضامن والتكاتف والتواصل فيما بيننا مما أتاح الفرصة لأعدائنا الذين بأيديهم وسائل إبادتنا وطمس هويتنا العربية والقومية والإنسانية أيضاً للتمادي فيما أصابنا منهم من الكوارث والأزمات ومن أسلحة الإبادة والدمار الشامل أيضاً ولو فكرنا جيداً فيما أصاب والعربي من أقصاه إلى أقصاه من مظاهر التمزيق والانشقاق لأدركنا ولو بعد فوات الأوان بأننا كنا في جزء كبير من مهاتراتنا ومماحكاتنا تلك وخلافتنا الشخصية والتافهة في أغلبها إنما كان بأيدينا وليس بأيدي غيرنا لما كان ذلك حالنا وتلك نهايتنا المؤسفة والمخجلة التي جعلتنا تحت مواطئ أقدام من نسميهم أعداء وقراصنة ومحتلون وتحت رحمتهم أيضاً. وعندما نستعيد ولو جزءاً مما افتقدناه من أمجاد أمتنا … الغابرة وانتصاراتهم وفتوحاتهم التاريخية والشهيرة التي حققوها بالدم وفوق جماجم وأشلاء العظماء من الرجال على مر العصور في مختلف دول المشرق والمغرب ستتملكنا بكل تأكيد الحسرة والأسى وسنعض بالنواجد ونذرف الدموع والغصات حزناً وألماً كيف كنا وكيف أصبحنا ولن نعيب بعد ذلك زمننا كما تعودنا واعتدنا طوال حياتنا عندما تفاجئنا وتتصيدنا الأزمات والكوارث والمحن ونقف أمامها مكتوفي الأيدي لا نقوى على مواجهتها والتغلب عليها لأننا أدركنا وبعد فوات الأوان أننا كنا نتصارع فيما بيننا وبدلا من أن نواجه فوهات بنادقنا إلى صدور ونحور أعدائنا الحقيقيين والتاريخيين إنما كنا نوجهها إلى صدور ونحور بعضنا البعض وهذه هي مأساة العرب منذ فجر التاريخ وحتى اليوم ومشكلتهم الأولى والكبرى أيضاً والتي جعلتنا أمام العالم وأمام أعدائنا بالذات في وضع لا نحسد عليه ومضغة في أفواه الذي يسوى والذي ما يسواش وتحت رحمتهم وهذا هو حال ما أصاب الوطن العربي في النصف الأخير من القرن الماضي من هزائم وانكسارات، وإذا كان لا يزال ثمة أمل وبقية من وقت ضائع لنستعيد ما فقدناه في الماضي ونفقده اليوم أيضاً من المعاني الجميلة ومن المبادئ والكرامات فينبغي علينا أولاً وقبل كل شيء أن نعرف من أهم أعداؤنا حتى نوجه إليهم أسلحتنا ومن أهم أصدقاؤنا حتى نضع في أيديهم أيدينا ومصيرنا أيضاً.. وهذ أضعف الإيمان وحتى نكون خير أمة أخرجت للناس وفي وضع أفضل مما نحن عليه الآن ونعايشه كل يوم من التردي والمراوحة في نفس المكان والسير بلا حدود وإلى ما لا نهاية في طريق مسدود ومن سيئ إلى أسوأ مما يدعونا إلى أن نعيد التذكير والتفكير والتحذير مجدداً بأننا نواجه اليوم أكثر من أي وقت آخر أسوأ قراصنة العصر ومافيا الإرهاب في العالم ونعيش تحالفاً دولياً وتكفيرياً مزعجاً للغاية يعد العدة لافتراسنا وإبادتنا ومحو تواجدنا على الأرض وبقائنا أحياء فوق اليابسة ولو قدر له القذف بنا في غياهب الجب وفك الثعبان لما تأخر أو تردد لحظة واحدة، كما نعيش أيضاً زمناً غريباً وشاذا غير زمننا هذا الذي لا يوجد به أي اعتبار للقيم والمبادئ وحقوق الإنسان، زمن القاعدة والإخوان والكثير من التيارات والتنظيمات التكفيرية والمتطرفة الأخرى التي نصّبت نفسها باسم الدين والعقيدة والإسلام كيانات وأنظمة شرعية وسلطات للعبث بجمال الطبيعة وقيمة الإنسان الذي يعتبر أسمى وأجمل مخلوقات الله على الأرض..
نعم ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت آخر إلى التكاتف وتوظيف والجهود وشحذ الهمم والطاقات وتحديد الأهداف والمسارات لإعادة رسم خارطة الطريق مجددا نحو المستقبل والحياة الحرة والكريمة والعمل أيضاً من الآن فصاعدا وبروح الفريق الواحد لإعادة تأهيل ما أحدثته الحرب وآلة الدمار في النفوس وفي الأرض وفي الطبيعة من أوجاع واستنزافات للانطلاق نحو آفاق المستقبل وفق منظومة توافقية تقوم على مبدأ الشراكة في ما نتخذه من قرارات المستقبل من أجل أن نعيد للإنسان قيمته وللطبيعة رونقها وجمالها الذي سلب منها وأفسدتها الحروب ويد الإنسان، نستمد عناصرها ومقوماتها ومساراتها المستقبلية والإنسانية من جمال الطبيعة حولنا وجمال الإنسان الذي اصطفاه الله وكرمه وفضله على بقية المخلوقات ونفخ فيه من روحه وجعله خليفته في الأرض لأعمارها وليس أداة للعبث والتدمير وإبادة الحرث والنسل فيها، وأن ننطلق أيضاً في مساراتنا وأهدافنا القادمة فصاعدا وبخطى حثيثة من وحي تلك المبادئ والقيم الجميلة وأن تكون قرارتنا دائما في أيدينا وليس في أيدي غيرنا وأعدائنا الذين بأيديهم أسوأ وسائل إبادتنا وأن نكون ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، أو كما يقول المثل ” أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب” وبذلك نستطيع أن نقول وبكل فخر أيضاً بأننا بالفعل ” خير أمة أخرجت للناس”.

قد يعجبك ايضا