الطلبة.. بين سندان المقررات ومطرقة المحذوفات

تحقيق/ سارة الصعفاني
حذف المقررات مشكلة حديثة آخذة في التوسع حتى صار الأمر خاضعاً تماماً لرغبة المعلم وقناعته وظروفه الشخصية، وليس قطاع التوجيه والمناهج ببعيد عن إقرار الحذف من جهته .. لكن الحذف أصبح مبالغاً فيه بعد توقف الرواتب في زمن العدوان والنقص الحاد في الكتب المدرسية حيث المحذوفات أكثر من المقررات .. هنا نسأل عن جدوى تأليف مناهج وطباعة مقررات تحذف قبل أن تُدرّس؟ وتأثير الحذف على التحصيل العلمي التراكمي للطالب؟ وما دور التوجيه التربوي في تشخيص وتقييم العملية التعليمية، ومراقبة أداء المعلم ومدى التزامه بالخطة الزمنية لشرح دروس ووحدات الكتاب المدرسي ؟
مشكلة حذف دروس ووحدات من مقررات الكتب المدرسية من قِبل المعلمين مشكلة مستجدة في المدارس الحكومية بدأت في السنوات الأخيرة ، لكنها مشكلة قديمة متفشية في المدارس الخاصة.. والأصل أن يدرس الطالب المنهج كاملاً ما دامت وزارة التربية والتعليم أقرت هذه الكتب ومضامينها ولكون المقررات مترابطة ، لا أن تخضع مسألة المقررات والمحذوفات لرغبة المعلم وسط لا مبالاة غالبية مدراء المدارس والوكلاء والمشرفين، وتقييم متواطئ من بعض الموجهين في زيارات ميدانية محدودة ، وضعف المتابعة من وزارة التربية والتعليم ومكاتبها وقطاعاتها للعملية التعليمية .. والحصيلة اختلالات عديدة كان يفترض معالجتها منذ سنين ذُكِرت في تقَارير الموجهين المخلصين وتوصيات الباحثين التربويين ، أكثرها خطورة تلك المتعلقة بأداء المعلم مؤهلاته وكفاءته.
من واقع المدارس نسأل .. ماذا يعني أن يأتي المعلم بشخص أخر ليشرح بدلاً عنه المقررات يحدث هذا في أمانة العاصمة أيضاً ؟ كيف يعجز معلم عن استيعاب مادته؟ لماذا يترك تحديد المقررات والمحذوفات لرغبة المعلم؟ كيف للطالب أن يستوعب مقررات الصفوف اللاحقة في حين أنه لم يدرس جميع دروس ووحدات كتب الصفوف السابقة؟
هدى الحداد معلمة الرياضيات ترى أن تهاون بعض المعلمين في شرح المقررات وإهمال الطالب للمذاكرة أولاً بأول وتعقيدات المناهج تتسبب في حذف مقررات حيث تقول: المشكلة لا تحل بمشكلة لكن غالبية طلاب الثانوية في الرياضيات مثلاً لا يعرفون الأساسيات التي يفترض أنهم تعلموها في مراحل التعليم الأساسي .. هنا كيف يبدأ المعلم بشرح دروس أكثر تعقيداً وعمقاً في حين أن الطالب لم يأخذ الأساسيات أو لم يستوعبها في حينها؟
وعن دور الموجهين في تقييم أداء المعلم ترى مجموعة من الطالبات في مركز حسان بن حرمل أن بإمكان مدير المدرسة معرفة مستوى أداء المعلم من كشف درجات التحصيل العلمي للطلاب، والتأكد بنفسه أين وصل المعلم في شرح دروس الكتاب أو بوضع استبيان تقييم لأداء المعلم.
وعن دور الموجهين ترى الطالبات أن الرقابة شكلية .. تعيد المعلمة شرح درس الحصة الماضية، وتضع دفاتر الطالبات المجتهدات عند طالبات الصف الأول والأخير مكان جلوسه، وتحضر طالبات متفوقات من الشعبة الثانية، ولا تختار في المشاركة سوى الطالبات المجتهدات، يغادر الموجه بسرعة دون أن يسألنا أو يعرف مستوانا .. كيف بإمكاننا إخبار الموجه بنواحي التقصير في شرحها وأسلوبها في التعامل والمعلمة بجانبه ؟!
يفترض أن تغير تقارير الموجهين واقع التعليم فما مصير هذه التقارير ؟ وما مدى التزام المعلمين بالخطة الدراسية ، يقول علي الصبري/ مدير منطقة السبعين (أ) التعليمية : يتم استكمال جميع المقررات الدراسية في المدارس الحكومية والأهلية في أمانة العاصمة وأغلب المحافظات وفق خطة تصدر من قطاع المناهج والتوجيه بوزارة التربية والتعليم في بداية كل عام دراسي، ونحن بدورنا نوزعها على الموجهين وإدارات المدارس، وتبقى مسؤولية الرقابة على الموجهين والمفتشين والرفع بتقارير أسبوعية إلى المناطق التعليمية إلا ما تم حذفه بصدور تعميم من الوزارة كما يحدث في السنوات الماضية، وازداد الأمر سوءاً هذا العام بانقطاع المرتبات وعدم قدرة التربويين على الذهاب للمدارس، مما تسبب في اختلال الخطة الدراسية حيث أن المقررات مزمنة ما اضطرنا لعمل جدول طوارئ ، وحذف بعض المقررات كوضع استثنائي مؤقت.
مدير عام التوجيه التربوي/ أمة الرحيم أبو طالب تحدثت عن المشكلة بالقول: بناء على التقارير التي ترفع من الميدان من مختلف المحافظات اضطررنا إلى الحذف بالنسبة للشهادة العامة، كما أن المناهج قديمة بحاجة للتجديد في مضامينها والتعديل بالإضافة والحذف قبل إعادة طباعتها كونها لم تعد ذات أهمية ؛ فحذف دروس معينة يحدث منذ سنين لكن كان طموحنا تدريس المقرر كاملاً مادامت المضامين ما تزال مدرجة في الكتب لكن العدوان زاد الوضع تعقيداً ودفعنا لحذف المزيد.. وهناك نقص كبير في المعلمين في بعض التخصصات، ما دفع معلمين ومدراء مدارس لتغطية العجز.
وتنهي كلامها بالقول: يجب دفع مرتبات المعلمين، والتعاطي بمسؤولية مع تقارير الموجهين التي تقيم أداء المعلم وتبين مدى التزامه بالخطة الزمنية لشرح دروس المقرر.
وعن أسباب حذف المقررات الدراسية من قِبل المدرسين في صفوف النقل أو وزارة التربية والتعليم في الشهادتين الأساسية والثانوية ودور التوجيه على الواقع في تقييم أداء المعلم يقول محمد المتوكل/ يدرس مادة الرياضيات في مدرسة الكبسي: قبل عشرة أعوام أو أكثر كانت إدارة التوجيه في وزارة التربية والتعليم ومكاتبها يعملون بكفاءة مقبولة مقارنة بوضعنا الحالي حيث كانت المقررات الدراسية تنزل وفق خطة مدرسية مزمّنة من المواضيع ، وعدد الحصص، والتاريخ بالأسبوع والشهر قبل بداية العام الدراسي، وكانت فرق التوجيه من الوزارة والمكاتب تقوم بنزول ميداني إلى المدارس أكثر من ثلاث مرات في العام الواحد لمتابعة مدى الالتزام بتنفيذ الخطط ومحاسبة المقصرين، وذلك عن طريق التقارير التوجيهية والتنبيهات الشفهية، وكانت الإدارات المدرسية تحرص على متابعة المعلمين، بالإضافة إلى التقويم السنوي للمعلم، ورفع تقارير بذلك تحفظ في ملف كل معلم ، وهذا التقويم محط اهتمام جميع المعلمين لأنه أساسي للترقية(معلم أول – توجيه – إدارة مدرسية) لكن الكادر الوظيفي الجديد أزال هذا الحافز للمعلم وساوى بينه وبين المعلم الجديد من حيث الحوافز.
متابعاً: أما في وقتنا الراهن فإن الوزارة وإدارتها ﻻ تقوم بواجبها حيث أنها لا تزور المدارس إلا فيما ندر، وهي مدارس خاصة تحظى باهتمام هذه الفرق (فرق التوجيه)، وحالياً لا تزور المدارس كما يجب بل في أحيان كثيرة لا تنزل.
متحدثاً عن مشكلة الحذف يقول : تأتي المحذوفات التي تحددها وزارة التربية والتعليم للشهادتين الوزاري قبل اختبارات نهاية العام بفترة قصيرة، وربما يستمر نزولها حتى حلول الاختبارات، وبالنسبة لصفوف النقل في بعض المدارس لا يُـتابع المعلم فيأخذ من الدروس ما شاء وكيف شاء ويقوم باختبار التلاميذ فيها ، ولا يوجد من يحاسبه أو يتابعه من قبل إدارة المدرسة أو إدارات التوجيه في المكاتب أو الوزارة.. وهناك أسباب كثيرة لحذف المقررات على سبيل المثال لا الحصر : تأخر بداية العام الدراسي .. الإجازات المتعددة ، إجبارية بسبب الأوضاع أو روتينية .. الحشو في المناهج وتكرار المواضيع.. عدم مناسبة بعض المواضيع لعقلية التلاميذ.
من جهته يقول نوفل العبسي/ رئيس قسم التوجيه التربوي بمديرية صنعاء القديمة: حذف وحدات أو دروس من المقررات الدراسية ليس من صلاحية المعلمين في المدارس ولا الإدارات المدرسية ولا حتى من صلاحية أقسام التوجيه في المناطق أو شعبة التوجيه في الأمانة..
ويؤكد ان إقرار الحذف يتم عبر قطاع المناهج والتوجيه بوزارة التربية، وهذا الحذف لا يقر بصورة مزاجية وإنما وفق تقارير التوجيه المحلي الذي يرفع تقاريره عن سير العملية التعليمية وما تم قطعه من المناهج الدراسية، كذلك التوجيه المركزي يقوم بزيارات تقييمية إلى المحافظات والأمانة ومن ثم يحدد ويقر المحذوفات، والتوجيه المحلي هو الأكثر ارتباطاً بالميدان كونه ينفذ زيارات على مدى الأسبوع، يقف من خلال هذه الزيارات على معالجة الاختلالات الحاصلة في الميدان التربوي سعياً منه لاحتواء أي تدهور قد يحدث في العملية التعليمية ناتج عن ظروف تمر به البلد وفي مقدمتها العدوان السعودي الهمجي الذي أثر على سير العملية التعليمية وانتظامها بشكل واضح، وكذلك انقطاع مرتبات المعلمين.
وأضاف : اللجوء للحذف ظاهرة جديدة لم يألفها الميدان التربوي في أعوامه السابقة، ظهرت مع أحداث 2011 واستمرت عاماً بعد عام لكن ابتداء من عام العدوان مارس 2015 نفذت العملية التعليمية في وضع الطوارئ.
وعن دور التوجيه في منظومة العملية التعليمية كما هو محدد في لوائح وزارة التربية والتعليم يقول محمد يغنم/ نائب مدير المنطقة التعليمية رئيس قسم التوجيه بمديرية الوحدة :
يعد التوجيه حجر الزاوية للعملية التعليمية، وركيزة أساسية لمنظومة التعليم، فيه ومن خلاله يتم تشخيص وتقييم واقع الإدارات المدرسية، المعلمين، الطلاب ومستوى تحصيلهم العلمي، المبنى والأثاث والتجهيزات، المنهج الدراسي ومستوى السير فيه.
متابعاً: التوجيه نافذة هامة لصناع القرار يطلعون من خلالها على واقع العملية التعليمية بإيجابياتها وسلبياتها ليتسنى لهم اتخاذ ما يرونه مناسباً للرفع بمستوى العملية التعليمية نحو هدفها المنشود.. وللتوجيه وسائل لتنفيذ مهامه مثل الزيارات الميدانية للمدارس للاطلاع عن قرب على أداء العملية التعليمية وفق الأطراف المختلفة داخل المدارس، وتقديم الملاحظات والإرشادات للإدارة المدرسية حول ما تم ملاحظته ثم يرفع تقارير لجهات التوجيه الأعلى وهي غالباً شعبة التوجيه بمكاتب التربية لتقوم بدورها بالاطلاع وعكس تلك الملاحظات على هيئة قرارات وتوصيات منها ما يوجه للإدارات المدرسية للعمل بها ، ومنها ما يتم رفعه لقطاع المناهج والتوجيه بوزارة التربية والتعليم؛ ليكون على معرفة واسعة ودقيقة بواقع العملية التعليمية في مدارس الجمهورية ليتخذ القرارات المناسبة وبما يتناسب وظروف الميدان التربوي وواقعه المسنود بالتقارير المرفوعة إليه والمتضمنة تشخيص وتقييم أطراف العملية التعليمية.
وعن المحذوفات في المقررات يقول يغنم : أبرز ما يلاحظ من قرارات يتخذها قطاع المناهج والتوجيه بناء على هذه التقارير هي القرارات المتعلقة بالمقررات الدراسية والمحذوفات منها.. هذه القرارات تراعي واقع الميدان التربوي في جميع المدارس من خلال تقارير الموجهين والتي توضح مدى سير المعلمين في المناهج، هل كان السير طبيعياً أم تأخر المعلمين في السير في المنهج ، وما هي الأسباب؟
ويبقى تنفيذ ما يدون في الورق من قوانين ولوائح واتخاذ الإجراءات الرادعة ضد كل تربوي لا يؤدي دوره في التعليم أو الإدارة أو التوجيه أو الرقابة هو الحل لإنقاذ التعليم العام المتعثر الذي يعكس القصور الذي تعاني منه وزارة التربية والتعليم بقطاعاتها ومكاتبها ومناطقها التعليمية في معرفة مكامن الخلل بدليل مخرجات التعليم الهزيلة التي ليست سوى حصاد المدخلات.

قد يعجبك ايضا