الطاقة والسيولة وسعر الصرف.. ثلاثي جديد يوسع فجوة الفقر في اليمن

> اليمن يواجه أزمات مركبة على مختلف الصعد سببها العدوان والحصار السعودي

الثورة/ أحمد الطيار
كشفت احدث التقارير الاقتصادية الوطنية أن الإنسان اليمني لم يعد يواجه أزمة واحدة تتمثل في الاقتصاد بل أصبح وبفعل العدوان والحرب الظالمة عليه من قبل تحالف السعودية يشهد أزمات مركبة مست الإنسان والاقتصاد معا إذ جلبت الفقر المدقع على اليمنيين ووسعت الفجوة في الأمن الغذائي وعمقت الحرمان في مشهد يخالف كل الأعراف والتشريعات والدساتير الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وتقول احدث التقارير الصادرة من وزارة التخطيط والتعاون الدولي عن قطاع الدراسات والتوقعات حول اثر الأزمة الاقتصادية الثلاثية على الفقر: إن الإنسان اليمني والاقتصاد يواجهان معا ليس أزمة بل أزمات مركبة على مختلف الصعد ومن أبرزها الأزمة الاقتصادية المتمثلة في الطاقة والسيولة وسعر الصرف التي قادت إلى اتساع فجوة الفقر وتعميق الحرمان في بلد كان أصلا حتى قبل الأزمة الحالية ضمن الدول الأشد فقرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .
فوفقاً لنتائج سيناريو محاكاة عن تغيرات الرفاة في اليمن قدرت نسبة الفقر في اليمن بأكثر من 70 % من السكان عام 2016م مقارنة بنسبة 49 % عام 2014م .
وحسب التقرير فإن الفقر في اليمن ظاهرة مزمنة وواسعة الانتشار منذ عقود من الزمن فالملايين من الناس في البلد فقراء ومعرضون لمزيج من سلسلة من الصدمات والمخاطر الشديدة والمتغايرة .ويعود سبب الفقر المدقع في البلاد إلى أن اليمن يستورد ما لا يقل عن 90 % من السلع الغذائية الأساسية باستمرار إضافة إلى انتشار البطالة بين السكان ومحدودية فرص الدخل للغاية وكذلك تعطل الموازنة العامة للدولة فمرتبات موظفي الدولة، لم تدفع منذ شهور والمساعدات النقدية للفئات الأشد فقرا وضعفا توقفت منذ أوائل العام 2015م ويواجه النظام التعليمي والصحي شبح الانهيار.
ورأى التقرير أن الأطفال الأشد فقرا عرضة لسوء التغذية والوفاة المبكرة وفقدان المدرسة .ومع أن الأطفال يعانون على نحو اشد وأسرع من غيرهم فإن المجتمع يعاني أيضا نتيجة الانخفاض المحتمل في إنتاجية الجيل القادم واستمرار انتقال الفقر عبر الأجيال ويتطلب التصدي للفقر والحرمان ولاسيما في السياق الهش لليمن استثمارا هائلا في حزمة شاملة من برامج مكافحة الفقر والحرمان التي تعالج ليس فقط الحالة الراهنة فحسب بل أيضا العوامل المجددة للفقر والحرمان المحتمل في المستقبل .
ورغم التباين في أسباب الأزمات الاقتصادية الثلاث وفي درجة تأثير كل منها على الفقر فإن العامل المشترك الذي يقف خلف الأزمات الثلاث هو شحة الموازنة العامة للدولة نتيجة العدوان السعودي الأمريكي الغاشم منذ 27 مارس 2016م وخطط التدمير الممنهج للاقتصاد والمقومات الاقتصادية لليمن واحتلال أراضيه من قبل السعودية والإمارات وحلفائهما.
شحة الوقود وغياب الكهرباء
ومثلت أزمة الطاقة الصدمة الأولى التي واجهها الاقتصاد اليمني عام 2015م حيث انخفضت كميات مبيعات شركة توزيع المنتجات النفطية من الوقود بحوالي 65.2 % عام 2015م وذلك بالتزامن مع انخفاض مبيعات غاز الطبخ بـ18.5 % مما أدى إلى شحة المعروض مغطيا نسبة صغيرة فقط من احتياجات السوق المحلي.
ويعود ذلك لانخفاض واردات الوقود وكذلك لتعثر مصفاة عدن التي كانت تغطي حوالي 39 % من العرض المحلي للوقود قبل الأزمة وبالتالي ارتفعت أسعار الوقود في السوق الموازي إلى مستويات قياسية تجاوزت 6 أضعاف في بعض الشهور .وهذا ما أدى إلى اشتعال أسعار السلع والخدمات الأخرى وتعثر الأنشطة الاقتصادية وتفاقم الأزمات الإنسانية.
ورغم توفر الوقود نسبيا عامي 2016 – 2017م لكن أسعاره ظلت أعلى بنسبة ملحوظة عما كانت عليه قبل الأزمة ففي مايو 2017م كانت نسبة الزيادة في سعر غاز الطبخ 81 % والبنزين 41 % والديزل 43 % مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة ويعود ذلك ضمن أسباب أخرى إلى تعذر استيراد الوقود بسعر الصرف الرسمي بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي وكون الوقود مدخلا أساسيا في إنتاج ونقل وتخزين وتسويق السلع الأخرى فقد ارتفعت الأسعار وتعطلت الأنشطة التي أصبحت غير مجدية تجاريا وارتفعت نسبة البطالة والفقر .
وفي مسار مواز يعاني اليمن عجزا مزمنا في إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة متتالية منذ العام 1994م ولقد بلغ نصيب الفرد اليمني من استهلاك الكهرباء 243 كيلو واط في الساعة عام 2013م أي ما يقرب من سدس المتوسط الإقليمي ولم يشكل عرض الكهرباء من الشبكة العامة سوى 35 % من إجمالي الطلب المحلي قبل العدوان .
ومنذ إبريل 2015م يمر قطاع الكهرباء بأسوأ أوقاته حيت انقطعت الكهرباء بصورة تامة أو شبه تامة عن معظم مناطق البلاد .
لقد انخفض مستوى عرض الطاقة الكهربائية من حوالي 1300 ميجاوات قبل بدء العدوان والحصار إلى حوالي 150 ميجاوات في يونيو 2015م بحوالي 96 % وفي منتصف 2016م كان 90 % من اليمنيين يفتقرون إلى الكهرباء وبلغ عرض الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة 200 – 250 ميجاوات فقط يزيد في عدن والمكلا بصورة متقطعة بينما بقية مناطق البلاد معتمدة على مصادر فردية مثل المولدات الخاصة ألواح الطاقة الشمسية .
ولا يزال الوضع حتى اليوم على ما هو عليه ويعود ذلك تقريبا إلى توقف محطة مارب الغازية التي كانت تزود الشبكة الوطنية للكهرباء بـ360 ميجاوات وشحة الوقود والصيانة لبقية المحطات الكهربائية العاملة بالمازوت والديزل وكذلك الأضرار والخسائر المادية التي لحقت بقطاع الكهرباء جراء العدوان والحصار.
اضف إلى ذلك أن المؤسسة العامة للكهرباء لم تتمكن من دفع مرتبات موظفيها وتعطلت أنشطتها بصورة شبه تامة نظراً لأن الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني تأثرت سلبيا وتحمل القطاع الخاص والأسر الميسورة أعباء مالية إضافية نتيجة الشراء للمولدات ومنظومات الطاقة الشمسية مما رفع تكاليف السلع والخدمات بما فيها المياه والصحة .
أما الأسر الفقيرة فهي تواجه صعوبات في تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة البديلة بسبب ارتفاع الأسعار وتزداد حجم المعاناة لدى سكان السواحل الذين تصبح حياتهم جحيماً ونوعاً من العذاب مع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف.
الإنفاق العام
ولا شك أن انهيار الإنفاق العام ساهم بقوة في تفاقم ظاهرة الفقر في اليمن وتتجلى ابرز العوامل التي أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر في جانبين هما تعليق التحويلات النقدية للفقراء ، وتوقف صرف رواتب الموظفين.
وفيما يخص التحويلات النقدية للفقراء فقد علقت الموازنة العامة للدولة التحويلات النقدية للفئات الأشد حرمانا في المجتمع المسجلة في صندوق الرعاية الاجتماعية منذ بداية 2015م بسبب الوضع المالي الصعب إثر العدوان السعودي الغاشم وهذا ترك أكثر من 1.5 مليون حالة أو حوالي 8 ملايين شخص بدون إعانات حماية اجتماعية حتى اليوم .
وتقدر المتطلبات التمويلية اللازمة لتغطية برامج التحويلات النقدية بحوالي 22.7 مليار ريال ربعيا أي حوالي 90 مليار ريال في السنة ما يعادل 265 مليون دولار عند سعر صرف 355 ريالاً للدولار الواحد.
إن مبلغ الرعاية ضئيل جدا حيث يتراوح بين 3000 – 6000 ريال مما يعادل 8.7 – 17 دولارا شهريا لكل حالة أي 0.28 – 0.56 دولار للحالة في اليوم وهذا المبلغ اقل بكثير من قيمة خط الفقر المدقع الذي يستخدمه البنك الدولي المحدد بحوالي 1.9 دولار للفرد في اليوم .
ومن ناحية أخرى كان حوالي 42 % فقط من السكان المعدمين في اليمن يستفيدون من صندوق الرعاية الاجتماعية قبل الأزمة حسب مؤشر المسح الوطني لرصد الحماية الاجتماعية 2013-2012م أما اليوم فقد ازداد عدد الفقراء أكثر مما يستوجب حشد دعم المانحين لبرنامج التحويلات النقدية وزيادة ليس فقط مبلغ الإعانة ولكن أيضا عدد الحالات المستهدفة.
وأدى توقف برنامج التحويلات النقدية غير المشروطة إلى تضرر 1.5 مليون حالة من الفئات الأشد فقرا في المجتمع وبناء على قائمة المستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية للعام 2013م فإن 11 % معاقون و4 % أطفال أيتام و24 % نساء بدون عائل و34 % مسنون 27 % عاطلون عن العمل وحسب الجنس تمثل المرأة نسبة 45 % وبالنتيجة تعمقت فجوة الفقر أكثر في اليمن خاصة وأن 70 % من الأسر المستفيدة كانت قبل الأزمة تستخدم الإعانات النقدية كمصدر للدخل لشراء الغذاء.
أزمة المرتبات
شكلت فاتورة المرتبات والأجور للقطاعين المدني والعسكري بون المتقاعدين 32.1 % من إجمالي النفقات العامة للدولة وما نسبته 11.4 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2010 – 2014م وبالأرقام المطلقة تبلغ نفقات الأجور والمرتبات حوالي 75 مليار ريال شهريا منها حوالي 50 مليار ريال لموظفي الخدمة المدنية.
ويتسم الهرم الوظيفي في اليمن بتركز معظم الموظفين من ذوي الدخول الدنيا في الأسفل وبتجاهل هذه الحقيقة اللحظية يبلغ متوسط المرتب 60111 ريالا للموظف في الشهر فقط أي ما يعادل 169 دولارا في الشهر حسب سعر الصرف الموازي حاليا 355 ريالا للدولار وبنظرة أكثر عمقا فإن نصيب الفرد في أسرة الموظف هو 0.89 دولار في اليوم اقل من خط الفقر الوطني والدولي ولا يكفي لتأمين الحد الأدنى من الحياة المعيشية الكريمة.
ومع ذلك عصف أزمة السيولة بمرتبات موظفي الدولة منذ نهاية الربع الثالث من عام 2016م حين قامت حكومة العدوان بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتوقف دفع المرتبات لشهور عديدة رغم ضآلة المرتب أصلا ،وبصورة أكثر تحديدا تأثر حوالي 1.200 مليون موظف حكومي لكامل الفترة أو جزء منها يعيلون في حدود 8-5 ملايين نسمة منهم مالا يقل عن 1.2 مليون طفل تحت سن الخامسة.
وهذا شكل قيدا إلى قدرتهم الشرائية للسلع والخدمات الغذائية وغير الغذائية وزاد من تدهور وضع الأمن الغذائي خاصة وان 32 % من موظفي الدولة كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي فبل الأزمة حسب نتائج المسح الوطني الشامل للأمن الغذائي. والجدير بالذكر أن هناك فئة أخرى تعاني من أزمة الراتب وهم الموظفون المتقاعدون من المدنيين والعسكريين المسجلين في الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات.
ويوظف القطاع العام حوالي 31 % من السكان العاملين حسب مسح القوة العاملة 2013-2014م وتعتمد حوالي 25 % و3.2 % من الأسر اليمينية على المرتب الحكومي والتقاعدي على التوالي كمصدر رئيسي للدخل حسب التقييم الطارئ للأمن الغذائي والتغذية 2016م ويظهر التحليل أن محافظتي أبين وعدن من أكثر المحافظات التي يعتمد سكانها على المرتب الحكومي كمصدر رئيسي للدخل بينما كانت محافظتا الحديدة والبيضاء اقل المحافظات اعتمادا على المرتب الحكومي والتقاعدي وهذا لا يعني أن المحافظات الأخرى الأقل حظا في الوظائف العامة تتمتع بوضع معيشي أفضل.

قد يعجبك ايضا