رمز الإحسان الشهيد: الحسن بن علي يحيى حميد الموشكي

إعداد/ زينب الشهاري

نراها في أعيننا بأموالها وزينتها ومغرياتها غالية بينما رآها الشهداء رخيصة وباعوها بدنيا أخرى رأوا فيها الفوز العظيم والنعيم الدائم الذي لا ينقطع… قرأنا جميعاً آيات و أحاديث الجهاد، بينما لم يكتفوا هم بالقراءة السطحية و إنما طبقوا تلك الأوامر القدسية على أرض الواقع… لذلك هم أحياء في دنيا الهناء ونحن لا زلنا في دنيا الشقاء… فهنيئا لكم يا شهداء الحق هذا الفضل و هذا الاصطفاء من المولى العظيم وألحقنا بكم سائرين على نفس الدرب حاملين هدى الله وتبليغه للعالمين..
أطل الحسن بن علي يحيى حميد الموشكي على الوجود سنة ١٩٨٨ للميلاد بصنعاء وفرحت الدنيا بمقدم هذا المولود الذي عاش حياة عظيمة ختمها بحياة خالدة أعظم في جنات الخلد عن طريق بوابة الشهادة وسار على نفس درب جده الذي سمي تيمنا باسمه الحسن ابن علي عليهما السلام ثائراً ومجاهدا في سبيل الله وإعلاء كلمته حتى نال كرامة الشهادة.
نشأ الحسن الموشكي وترعرع وتربى على الأخلاق الفاضلة وعلى روح الانتماء لجذوره الأصيلة وما يترتب على هذا الانتماء من مسؤولية عظيمة لدين الله.
أكمل الحسن دراسته الثانوية والتحق بالحلقات القرآنية التي كانت تقام في المساجد المحيطة بمنزله كمسجد بيت معياد وغيره وانخرط بعد دراسته الثانوية بعدة دورات تأهيلية في مجالات اللغة والحاسوب والإدارة والتي أهلته للالتحاق بميدان العمل مبكرا فكان مثالا للجد والمثابرة وحسن السيرة وكان محط اهتمام أرباب العمل لاتقانه واجتهاده في عمله.
واصل الحسن مشواره العملي في العمل في الاردن وقضى فيها سنوات بلورت شخصيته وأضافت إلى سيرته العملية الكثير ومكنته أن يتبوأ مراكز إدارية في جهة عمله في بلده فيما بعد.
كان الحسن عصامياً معتمدا على ذاته في صناعة مستقبله، فلم يكن عبئأ على أسرته قط بل كان رافداً لها قائما بجزء مهم في تأمين معيشتها وقد استطاع خلال مسيرته العملية توفير كافة المتطلبات لتكوين حياة زوجية كان آخرها قبل استشهاده الخطبة والتهيئة للزواج إلا أن الله اختار له مقاما آخر ليعيش فيه باتخاذه شهيدا.
عاد الحسن الى الوطن بخبرة متراكمة في إدارة المنشآت التجارية وعمل مديرا إداريا لمستشفى الموشكي وتميز أداؤه الإداري بالالتزام العملي والكفاءة المهنية والأسلوب الانساني في تسيير العمل.
تميز الشهيد بروحه المرحة التي جعلته قريبا من الصغير والكبير فقد كان صديقا للكل بدماثة أخلاقه وحسن تودده للآخرين.
كان يمد يد العون لجميع من كان يحتاج للمساعدة وكان رفيقا وحنونا وقد رعى الحسن جده لأمه في فترة مرضه إلى أن تعافى ورعى جدته لأبيه و لازمها في أيامها الأخيرة.
ومن مواقفه الإنسانية الرائعة أنه كان هناك امرأة تعول أربعة أبناء أصغرهم في الثالثة وكانت تعمل لطلب الرزق لهم في حين لا عائل لهم إلا هي وكانت تتركهم وحيدين في البيت يرعى بعضهم بعضاً.
وعادت الأم ذات يوم وقد أسعف ابنها الصغير إلى أحد المستشفيات بعد سقوطه من الدور الثالث وطلب منها المستشفى مبالغ باهظه لم يكن باستطاعتها توفيرها.
وكان من الحسن أن استقبل الطفل في المستشفى الذي كان يعمل فيه وتكفل الحسن بمصاريف كل شيء من فحوصات و علاجات ورقود بالمستشفى و كان الحسن أيضا يوفر للأم كل الوجبات و يأتي بكل الأدوية التي لا توجد بالمستشفى.
استقرت حالة الطفل وتقرر خروجه وقد كان أهل الخير قد جمعوا مبلغا من المال لمواجهة مصاريف المستشفى ووجدوا ان الحسن قد دفع كل التكاليف وأخبرهم بأن يجعلوا المال لصالح الأم التي تأثرت بموقف الحسن العظيم و كانت تبكي و تقول:(هذا الشاب ملاك).
كان الحسن من أكثر الناس فهماً لواقع المجتمع ومعاناته ولذا فبمجرد انطلاق تباشير ثورة 21 سبتمبر انطلق فيها فاعلا ومتفاعلا ومتبنيا أهداف الثورة حتى نجاحها والتي استبشر بها كثيرا واعتبر نجاحها فرصة للشعب اليمني للانعتاق من قوى الإقطاع والظلم والطغيان وتحررا من مراكز الفساد والعمالة.
ترك الحسن كل مغريات الحياة التي كانت أمامه والتي وفرها بكده واجتهاده في حياته العملية وانطلق مع الله مجاهداً بائعا نفسه من الله و راغباً في جنته.
كانت شخصية الحسن ثائرة بالفطرة وحين حدث العدوان الهمجي على اليمن كان في حالة غليان و كان يستثير الكل للتحرك ويخاطب الكل: لماذا الجلوس في ظل هذا العدوان الغاشم.
تعرف الحسن على المسيرة القرآنية ورؤيتها الجهادية ضد العدوان وتشبع كثيرا بهدي الله.
كان الحسن يرى بتأثر وغضب أشلاء الأطفال والدمار الذي خلفه العدوان…
أخذ الحسن دورة ثقافية لمدة شهر ثم التحق مباشرة بدورة عسكرية استقطابية لمدة شهر آخر وأصر على الخروج مباشرة من الدورات الى واقع الجبهة رغم السماح له بالمزاورة ولكنه فضل الذهاب مباشرة الى الجبهة وظل مرابطا فيها.
التحق الحسن بجبهة الجوف – الغيل – الساقية و كان قرآنيا متخلقا بالقرآن مستشعرا هديه تاليا لآياته لا يجد فرصة يخلو بها مع نفسه إلا وكان القرآن جليسه.
كان مواظبا على الصلوات آمراً بها وكان دائماً ما يجلب ماء الوضوء لرفقائه المجاهدين. كان مبادرا في الاحسان وينفق المعونات لشراء ما يحتاجه المجاهدون .
ومن إحسانه أنه كان يقوم بجمع الماء والعصائر للمجاهدين وتغطيتها وتبليلها بالماء و توزيعها عليهم في ظل واقع الجبهة الشديد الحرارة وكان عمله هذا منتظما .
في يوم 7/4/2016م في جبهة الجوف – الغيل – الساقية كانت السماء على موعد لاستقبال الشهيد مرتقيا الى العلياء بجوار ربه بعد أن ختم الله له مسيرته الجهادية بنهاية تمثل نمط السلوك الغالب على شخصيته والمتمثل بالإحسان هذا السلوك الذي لا يذكر الشهيد إلا وكان قرينه.
كان الطيران يستهدف حركة أطقم المدد والطرقات والجسور فأنقطع المدد عن الحسن ومجموعته خلال تلك الفترة فاتفقت المجموعة على تكليف عدد منهم لجلب المدد من قطاع آخر على مسافة ليست بالقصيرة.
إلا أن الشهيد وبمرافقة أحد المؤمنين في مجموعته كانوا يبادرون بجلب المدد إحسانا منهم .
وفي يوم استشهاده قام وزميلان له كالعادة بإحضار المدد للمجاهدين وكانوا على موعد بضربة طيران استهدفت أحد الأطقم التي كانوا على مقربة منها فأصابته مع رفيقيه شظايا ارتقى على إثرها شهيدا مع أحد زملائه بينما جرح الثالث.
وكان قد قال في وصيته لأمه في اتصال تلفوني بعد نهاية الدورات: انتبهي يا أماه لنفسك ولاختي ولا تنقهري أو تقلقي لا يوجد شيء في الدنيا ولا يوجد أحد يستأهل ان تقهري نفسك من أجله كوني مع الله والله سيفرجها بإذنه، كوني مع الله وسأعوضك عن كل شيء بإذنه تعالى.
أما وصية الشهيد الحسن التي أهداها لأهله وللأمة الإسلامية أجمع فيقول فيها:
((بسم الله الرحمن الحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله:
علينا أن نكون من أولياء الله كما وصفهم الله في القرآن الكريم
قال تعالي : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُ والْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
وقال تعالي (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
فمن يستطيع أن ينجينا من عذاب الله الذي ذكره في القرآن الكريم إن تخلفنا عن واجبنا لن تنجينا لا سيارة ولا مال ولا بنون أمام الله ولو ملكنا الأرض وما فيها فلن تنجينا من عذاب الله فعلينا أن نتحرك بالقرآن الكريم ونجاهد في سبيله كما أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإعلاء كلمة الله وجعل كلمة الله هي العليا والقرآن الكريم هو الطريق للوصول إلى الجنة والنجاة من عذاب الله .
الله اكبر
الموت لأمريكا
الموت لاسرايل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام))
تلقى أهل الحسن وذووه وأصدقاؤه نبأ وخبر استشهاده بمشاعر اختلط فيها الفرح والفخر والحزن .
فرح بالمقام العظيم الذي ارتقى إليه الشهيد بالشهادة والتي هي كرامة من الله له وثواب له على صدق التوجه اليه .
وفخر لأهله وذويه أنه باكورة هذا المقام العالي من الأسرة ووسام رفعت به رؤوسهم وشمخت به هاماتهم .
وحزن أن شخصية بهذا القدر من الإحسان قد فارقت واقع محبيه واحدثت هذا الفقد لديهم لمثل هذه الروح..
وقد استقبل والده نبأ استشهاده بالصرخة والتكبير واحتسابا له عند الله تعالى.
أما والدته فاستقبلته بالزغاريد واحتسبت ابنها عريسا في الجنة.
وأما اخوته فقد تعاهدوا على المضي في نفس درب الشهيد والوفاء لتضحيته.
وأما أعمامه فقد حولوا يوم استشهاده الى يوم فخر واعتبروا استشهاده وساما تقلد به جميع أفراد أسرته وعاهدوه على المضي على نفس الدرب والعمل الدؤوب لنصر دين الله.
كان يوم تشييعه يوماً مشهودا حضره القاصي والداني لأن إحسانه قد وصل الى كل القلوب ولا تملك تلك القلوب إلا مبادلة احسان الشهيد بالامتنان والوفاء لمعروفه
وقد تجلّت بركة الشهيد وقبوله عند الله بالتحاق اغلب أهله وأقاربه بعد استشهاده بعدة دورات ثقافية وعسكرية استقطابية.
وخرجوا فاعلين إلى الجبهات بمختلف أنواعها وصار ما بعد ارتقاء الشهيد ليس كما قبله بالنسبة لهم.
رحمة الله على الشهيد ورضوان الله عليه وعلى جميع الشهداء.
وتقبلهم أجمعين في المقامات العالية عند رب العالمين.

قد يعجبك ايضا