الثقافة العربية في ظل وسائل الاتصال الجديدة

 

 

إعداد/ خليل المعلمي

بعد أن أصبح العالم في ظل وسائل الاتصال المفتوحة شاشة صغيرة، تواجه الثقافة العربية إشكاليات متعددة وتحديات تفرض عليها التعامل مع هذا الواقع الجديد وهنا يظهر دور المثقفين والمدونين العرب في السعي لحضور عربي فاعل يحافظ على الثقافة العربية دون تهميش لهويتنا العربية وحضارتنا الإسلامية ولا يجيز طمس لخصوصيتنا القومية، ولا يسمح كذلك بإهانة كرامتنا الوطنية بل نريد لثقافتنا العربية في حضورها المتجدد عبر هذه الوسائط الحديثة أن تكون جسراً لكل هذه الخصوصيات.
الثقافة.. نتاج فكري
يؤكد الدكتور غسان مراد أستاذ الألسنية المعلوماتية في الجامعة اللبنانية أن الثقافة هي كل نتاج فكري ينبع من جماعة ما مرتبط ببيئتها وبعاداتها وبتقاليدها وبدياناتها وبإبداعها وبتطورها فمصطلح “ثقافة” يحمل في طياته معانٍ عدة، مما يصعب تحديد ما هو ثقافي مما هو غير ثقافي لجماعة معينة ولكن باستطاعتها على الأقل أن تميز بين أشكال عدة للثقافة فمنها ما هو بديهي أي ما هو متعارف عليه، وما يشكل المخزون والخزان الذي يحدد طريقة العيش واللغة والتقاليد والديانات، وماهو ذو فكري يدخل في عملية الإنتاج الجماعية وفي تسيير المجتمع بكل مجالاته مهما كانت متعددة الأبعاد ومن هذا المنطلق فإن مايسمى ثقافة ليس فقط ماله صلة بالفنون والإبداع، بل هو أكثر من ذلك بكثير فهو حسب مايقول رايموند ويليامز: طريقة كاملة للحياة.
مشيراً إلى أن المعلوماتية وثورة المعلومات غيرت في عملية التفكير بشكل عام بخاصة في العشرين سنة الأخيرة، إذ أنها تؤثر في بنية الفرد بحد ذاته من خلال تصرفاته اليومية المرتبطة بالمعلومات وبالتكنولوجيا.
قرية صغيرة
من جانبه يرى الكاتب د. سليمان العسكري أن العالم الآن يمر بطفرة هائلة في وسائط الاتصال جعلت عبارة الكون قرية صغيرة بل أصبحت شاشة صغيرة، وآن لنا التوقف لنحدد موقع ثقافتنا العربية في هذا العالم الشاسع، والشاشة الصغيرة قد تكون شاشة الحاسوب أو شاشة التلفاز أو شاشة التلفون.. وجمعينا نؤمن بأن الثقافة العربية تعيش في عصر جديد غير مسبوق وأن حضورها في هذا العصر أو غيابها عنه، أمرٌ منوط بنا نحن العاملين في حقول الثقافة المختلفة.
ولهذا فعلينا أن ندرس عالم المدونات في ثقافتنا العربية المعاصرة وأن نقتفي آثار المدونات الالكترونية من الإصدارات الورقية وإليها وأن نقيّم حضور المواقع والمجلات الثقافية على شبكة الانترنت منذ نشأت وإلى عقود مقبلة.
طفرة معرفية
ويقول د.كمال عبداللطيف أكاديمي من المغرب: لقد عكست مظاهر التحول التي لحقت اللغة العربية في القرن العشرين قدرة المتحدثين بها على تهيئتها للتجاوب مع التحولات المعرفية والتاريخية في مجتمعاتنا كما أظهرت محدودية المرونة التي يتمتع بها نظامها النسقي وقد تزايدت صور انكماشها اليوم أمام التقدم العلمي والكشوف المتلاحقة لتقانة المعلومات.
مشيراً إلى أن ربط اللغة العربية بمجتمع المعرفة، وذلك بإصلاح نسقها الوظيفي يعزز مكانتها ويتيح لها إمكانية تطوير وسائلها ورموزها وأنظمتها وتاريخ تشكل اللغة العربية ينبئ بتوفرها على ممكنات كامنة، ينبغي إطلاقها بهدف اختراق الحواجز وكسر العوائق التي عملت على تنميط اللغة في قواعد مطلقة، وهذان الأمران، الممكنات الذاتية للغة، وممكنات مجتمع المعرفة يمنحان اللغة العربية إمكان تجاوز حالة الركود التي تهيمن عليها وهما معاً في حاجة كما بينا إلى إرادة تجمع بين بناء خيار واضح في الموضوع وهذا شأن سياسي وخيار تقني يوكل لأهل الاختصاص قصد تركيب الروافع والقواعد الجديدة المرسومة وفق حاجيات عصرنا، إن فرص التجاوز ممكنة شريطة الاهتمام بمتطلبات الراهن وأسئلة التحول التي بناها مجتمع المعرفة.
الرقابة على الانترنت
وعن أنماط الرقابة على الانترنت في العالم العربي، يقول عبدالله بن خميس الكندي- من جامعة السلطان قابوس: يمكن تقسيم أنماط الرقابة على الانترنت في العالم العربي إلى رقابة اقتصادية ورقابة تكنولوجية ورقابة عقابية تتمثل الرقابة الاقتصادية في احتكار تقديم خدمات الانترنت وارتفاع تكلفة الاتصال بالإنترنت، أما الرقابة التكنولوجية فتتمثل في تفعيل برامج التصنيف والفلترة لمنع وصول المستخدمين إلى المواقع غير المرغوب فيها، وحجب بعض المواقع المعارضة حجباً تاماً، وعدم إتاحتها للمستخدمين من الأصل مثل حجب المواقع التابعة لأحزاب أو قوى سياسية، أو مواقع إباحية أو غيرها.
وتتمثل الرقابة العقابية في كل أشكال العقاب أو التهديد به الذي تستخدمه السلطات المعنية ضد مستخدمي الانترنت مثل عمليات القبض والاعتقال والحبس والتقديم للمحاكمة التعذيب البدني والنفسي تشديد الرقابة على مقاهي الانترنت والمدونات.
إسهامات الثقافة الرقمية
وعن اسهامات الثقافة الرقمية، تقول هالة صلاح الدين حسين وهي مترجمة من مصر: الواقع أن الثقافة الرقمية أسهمت في إعادة مراجعة بعض مسلماتها حول مفهوم الأدب ما يدفع إلى طرح أسئلة ملحقة تتعلق بعلاقة الأدب بالوسيط التكنولوجي بوجه عام والانترنت بوجه خاص، وثمة ضرورة إلى إعادة تشكيل خطاب جديد يكشف المضمر من هذا التقاطع ووشائجه الأدبية والتكنولوجية، والأسئلة التي قد تتبادر إلى أذهان البعض عن موقف المحتوى الأدبي العربي مقارنة بمثيله الغربي؟ وهل من الممكن أن تتغير هوية الأدب والتراجم إن انتقلت إلى القارئ – أو بالأحرى المتصفح- عبر الوسيط الالكتروني؟ وهل سيغني الوسيط الحديث التجربة الإبداعية أم سيحد من مدلولاتها الأدبية؟
وتضيف: لقد أدى تفجر المعلومات في عصرنا الحالي إلى ضرورة اللجوء إلى وسائل التقنية الحديثة في سبيل الإسراع في عملية نقلها وتناقلها بين الشعوب المختلفة ومثلما احتلت الصحافة الالكترونية جزءاً لا يستهان به من وقت القارئ العربي، لا ينبغي أن تجد الأدب وتراجمه غريبين عن هذا التطور التكنولوجي فمع التقدم التقني الهائل واتساع رقعة وسائل الاتصال الالكتروني، أخذ الأدب شكلاً جديداً في التعامل مع قرائه حتى تكون له اتحاد يطلق عليه اسم “اتحاد كتاب الانترنت العرب”، الأمر الذي نقل الأدب من واقع العلاقة الخاصة الضيقة بين القارئ والكتاب إلى عالم الآخر مترامي الأرجاء.. عالم لا تحده حدود ولا تحول بينه وبين القارئ قيم أو مفاهيم.
إشكاليات الثقافة الرقمية
وعن إشكاليات الثقافة الرقمية، يقول الروائي الدكتور يوسف زيدان: إن ثقافتنا العربية لها مشكلات مع الإنترنت فاللغة العربية عميقة وممتدة وضاربة في العمق ولكنها في النهاية ثقافة كلمة، فالعرب لهم عناية كبرى باللغة فكان الشاعر هو الناطق بلسان الجماعة، أما الثقافة الحالية فهي ثقافة صورة تطيح باللغة وتضع الصورة بالمقدمة وتحدث على مستوى الترميز طفرة، فيصبح أداة بالغة السرعة والرهافة فتتجاوز اللغة وهذه هي الإشكالية الأولى.
أما الإشكالية الثانية، فأن الثقافة الرقمية سريعة ومتجددة، بينما اللغة العربية ثقافتها سلفية، فنحن أمة السند تهتم بالأصول، أما العالم الرقمي فهو استشرافي بطبعه، والإشكالية الثالثة، هي ضعف الاستجابة، فاللغة العربية والثقافة العربية مشتتة في العالم الحالي لأسباب متعددة، ولكن مستوى الإجابة جاء فوقياً أي من الحكومة وكان لابد من تهيئة الأجواء والوجدان لاستقبال العصر الرقمي.
إما الإشكالية الرابعة، هي التعامل الساذج، أي البساطة في التعاطي مع هذه الثورة، فالدول توفر أجهزة كمبيوتر في المدارس دون جدوى حقيقية، فالتعامل الحكومي ليس رشيداً بما يكفي حتى الآن، فالقضية فلسفية وتوفير الأدوات فقط ليس هو الحل.
حقائق
أما الباحث أحمد عزت سليم، فيرى أن هناك العديد من الحقائق التي تؤثر في هذه المنظومة كالغزو الأمريكي والغربي ومحاولة فرض ثقافة عالمية، وهو مالم يحدث كلياً حتى الآن فلا توجد ثقافة واحدة تجمع العالم في يوم وليلة، وأيضاً الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من خراب وغيرها من الحقائق.
وأكد على أنه لا يمكن تحميل الثقافة الرقمية كل آثام العالم وكل المضار التي أفرزتها شبكة الإنترنت، ولا يمكن تحميلها ما أصاب القيم من وهن، ولابد لنا من الاعتراف والتأكيد على أن القوة الحقيقية للعقل البشري في مواجهة الآلة الذكية هي في القدرة على الإبداع الدائم والقدرة على التصرف الإنساني في عصر تكنولوجيا المعلومات المتسارعة ومظاهر إعادة تشكيل العالم مرة أخرى بشكل سريع وفعال وانهيار حدود الزمان والمكان بفضل هذه التكنولوجيا التي أخذت البشرية في مغامرة معرفية غير مسبوقة في التاريخ، وغير محددة الأفق.
مهام اتحاد كتاب الانترنت
ويقول مفلح العدوان أحد مؤسسي اتحاد كتاب الانترنت العرب الذي تأسس في العام 2005م: إن من أهم أهداف الاتحاد الاهتمام بنشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب، ونشر الوعي بالثقافة الرقمية بين أوساط الشعب العربي والسعي لتحقيق قفزات نوعية في وعي الشعب العربي عموماً للالتحاق بركب الثورة الرقمية، والمساهمة الفعالة في نشر الثقافة والإبداع الأدبي العربي من خلال استخدام شبكة الإنترنت وتوحيد الجهود الفردية للمثقفين العرب عموماً وأعضاء الاتحاد خصوصاً لنشر وترسيخ مفهوم الثقافة الالكترونية والدخول بقوة فاعلة ومؤثرة عالمياً للعصر الرقمي ورعاية المبدعين والموهوبين العرب وتنمية قدراتهم والعمل على إبرازها ونشرها رقمياً والسعي الحثيث لإدخال الثقافة والإبداع العربي بأصنافه كافة، ضمن سيل المعلومات المتدفق السريع.
وكذلك ترسيخ مفهوم أدب الواقعية الرقمية بصفته الأكثر قدرة على الاتساق مع روح العصر وإنشاء دار نشر الكترونية تسهم في نشر الإبداع الأدبي العربي بمختلف أشكاله ثم التواصل الفعال والمؤثر مع سيل المعلومات المتدفق من خلال التواصل مع المثقفين من أرجاء العالم كافة، وإنشاء صيغ للتبادل الثقافي معهم.
ويرى الناقد شوقي بدر يوسف أن الكتاب والقراء والصحافة قد استفادوا من الثورة الرقمية حتى أصبحت هذه الوسائل التي أتيحت للصحافة على وجه الخصوص بفضل المراجع المبثوثة على شبكة الانترنت في مختلف مجالات الثقافة والمعلومات لها مصداقيتها ومراجعها الصحيحة والسلمية في هذا المجال والأدب يعتبر مادة رئيسة في الصحافة المتخصصة وغير المتخصصة.

قد يعجبك ايضا