الأسباب السياسية والاقتصادية والعسكرية لارتكاب آل سعود مجزرة تنومة

  • مجزرة الحُجاج الكبرى..كتاب للباحث حمود الاهنومي يوثق جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن.. “ٹ” تنشر الكتاب في حلقات
  • التبــــريرات النجـــدية للمـــجزرة واهــية وغير منطقية
    اعتبار الحجاج مقاتلين جاءوا لدعم الشريف حسين
  • لا يتوافق مع خط سيرهم أو وجهتهم ولا مع عتادهم

تُثْبِتُ المصادرُ الــيــمــنية والنجدية أن ابن سعود ما إن سمع بالمــذبــحــة حتى بادر بإرسال وفدٍ يحمِل “كتابا رقيقا يُظْهِرُ فيه أسفَه لذلك الحادث”، ومثلُه أرسل حاكمُ أبها عبدالعزيز بن إبراهيم، بتحميل المسؤولية على أحد أمراء جيشهم، وبالتحديد على الإخوان الوهابيين من هجرة الغطغط كما تقدم.
هذا ما حدث في حينه، حيث رتَّب ابنُ سعود طرفا ثالثا يحمِّله المسؤولية، بما ينجيه منها، وقرَّر أن يذرف الدموع الثاكلة عليهم.
أما حينما تقدَّم به الوقت سنواتٍ إلى الأمام بعد وقوع المــذبــحــة – وقد ظلَّت القضية معلَّقة لديه حيث ماطل في الحكم فيها وقد حكَّمه الإمــام يــحــيـى – فإن وجهة نظر النجديين يلخَّصها بيانٌ توضيحي، صدَرَ في جريدة أمِّ القرى، الصادرة في رجب 1352هـ / 1933م عندما بدأت غيومُ الحرب تتلبَّد بين نجد والــيــمــن على خلفية أراضي عسير وجيزان ونجران، وردًّا على توضيحٍ منشورٍ لحكومة الإمــام يــحــيـى أرسله لبعض الجرائد العربية، وهذه الوِجهة النجدية تتلخص في التالي:
1 -”أنه لم يكن إلى حدوث الحادثة بين جلالة الملك وبين سيادة الإمــام يــحــيـى أي صلات من التعاقد والتعاهد، ولا هناك أي مخابرة في سابلة أو مسير … ، والحادث وقع قبل أي مكاتبة أو استئذان في مرور هؤلاء”.
2 -وأن الــحــجــاج مرُّوا بأبها والتقوا بالأمير عبدالعزيز بن إبراهيم. وأنه كان يعلم أنهم سيمرون من منطقة بني شهر (تـنـومـة) في الوقت الذي كان يعلم أن فيها اشتباكات بين جيشه من جهة، وبني شهر المتمرِّدين عليهم من جهة ثانية.
3 -وأنه خاف أن يحدُث على الــحــجــاج حادث في ذلك الطريق فحذَّرهم ونصحهم بتجنُّب التقدم في تلك الطريق، لكنهم رفضوا وأصروا على المسير “معتزين بقوتهم وجمعيتهم”.
4 -وأنهم وصلوا وادي تـنـومـة، وكانت خيالة ابن سعود في أسفل الوادي، والمشاة قد تسلَّقوا الجبال لاحتلال الأماكن المنيعة فيها.
5 – وأنه وصل الخبرُ إلى الخيَّالة “أن جَمْعًا عظيما جاءكم من قبل الوادي لقتالكم”، “فأرسلت الخيالة للمشاة بالعودة من الجبال”.
6 -وأنه رغم وصول عددٍ كبير مثل ذلك العدد في تلك الساعة الرهيبة من ساعات الحرب وأنه يدعو للريبة ولعدم التساهل، ورغم شدة الإخوان وغلظتهم وقسوتهم، إلا أنهم أرسلوا خيالة لاستطلاع أولئك القادمين.
7 -وأن ذلك الاستطلاع تأكَّد لديه أنهم عصبة الــحــجــاج الــيــمــنيين وأنهم يريدون المرور من تلك المنطقة.
8 -لكن جيش ابن سعود فجأةً أمرهم بالعود إلى حيث أتوا، فأبى الــحــجــاج، وصمَّموا على المسير، وقتالِ من يقاتلهم.
9 -تضيف الرواية النجدية: “ثم ساروا بهيئة حربية، وحصل إطلاقُ بعضِ العيارات النارية منهم للإرهاب والمرور”.
10 -وتقول: فلم يكن من جند الإخوان إلا “أن قابلوا العدوان بأشدَّ منه، وكانت المعركة التي قُتِل فيها من قُتل”، وتتحاشى تلك الرواية أن تصف الــحــجــاج بالـشــهــداء.
11 -وتذكر الرواية أن الإخوان كانوا يعتقدون أن هذه العصبة “لم تقدُم في تلك الساعة من الــيــمــن إلا نصرة للملك حسين وتأييدا للعصاة”.
12 -وتذكر الرواية أنه بمجرد وصول الخبر إلى ابن سعود فقد تأسَّف للحادث أيَّ أسف، وكتب لسيادة الإمــام يــحــيـى كتابا رقيقا يظهر فيه أسفه للحادث، وأمر حالا بجمع جميع ما وجد من متاع للحــجــاج، ورده إلى الإمــام يــحــيـى.
13 -وأنه لم يُخْلِ ابنُ سعود جيشَه “من المسؤولية رغم ما لديهم من شُبَهٍ، فجازاهم بعد ذلك الجزاءَ الذي يستحقون”.
14 -ويضيف المنشور استفهاما نصُّه: “فهل يرى ذو الــحــجى والعقل بأن على جلالة الملك أو على جنده تبعةَ شيءٍ من ذلك، بعد ما كان من نهيِ أميرِ (أبها) لهم عن المسير”، وبعد أن كان من الجند مَنْ منعهم عن التقدُّم، وعصيانِهم للفريقين، ثم لم يكن من الإمــام يــحــيـى طلبٌ سابقٌ يطلب الرخصة لهم”.
15 -ويختم المنشور بتساؤل هو: “فهل هناك عرفٌ دولي يقضي بمسؤولية حكومتنا في ذلك؟” فيجيب: “إنا نترك الحكم في ذلك لعلماء الإســـلام، كما نتركه لعلماء الحقوق من الباحثين”(1).
ويضيف عبدالواحد دلال وهو مؤرِّخٌ يتبنَّى وِجهة نظر الحكومة النجدية:
16 -أنه كان قد تداعى إلى الأسماع بينما كانت رحى الحرب مشتعلة أن هناك قوات أخرى بعثها إمامُ الــيــمــن لمساعدة ابن عائض!!، بناء على مراسلة بينه وبين الشريف حسين للتصدي للملك عبدالعزيز، وأن حاكم عسير عبدالعزيز بن إبراهيم تفحَّصها ووجد أنهم حــجــاج، وسارع باستقبالهم على مشارف أبها، وأكرم وفادتهم.
17 -وأنه بادر بإسداء النصح لرؤساء القافلة بأن يسلكوا طريقا أكثر أمنا حدَّده لهم، ودلَّهم عليه، ولكنهم لم يستمعوا إلى نصيحته. وأنه عندما لم يستمعوا لنصيحته أخذ منهم كتابة خطية بأن النجديين ليسوا مسؤولين عن أي خطرٍ يحيق بهم، أو شرٍّ ينالهم.
18 – وأن بعضهم كان يحمل السلاح، ربما للحراسة، لكنه على أية حال يثير الشك لدى المقاتلين في الميدان.
19 -وأكد أن المقاتلين (الإخوان) ظنوهم مددا لقوات الشريف حسين بموجَب المعاهَدة الموقعة(2) بينهم عام 1340هـ، فقاموا بتطويقهم وأصلوهم نارا.
20 -ويذكر المؤرخ النجدي خلاصة اتهامهم للحــجــاج بأنهم “قوة تتخفَّى بلباس الــحــجيج، وعددُهم كبير، وأسلحتُهم ظاهرة، وشاهرة”.
21 -وختم المؤرخ النجدي بإهدار دمهم، حيث “أن المدنيين الذين يزُّجُّون بأنفسهم في ميدان الحرب، أو ساحة القتال مهدورو الدم، خاصة إذا ما أُنْذِروا بالابتعاد عن ساحة المعركة”(3).
ثالثاً: منـاقـشة الدكــتــور الوجــيه للرواية النجدية
اعترافا بالفضل والسبق للدكتور عبدالرحمن الوجيه رحمه الـلـه فإنه لا بد من إيراد المناقشات التي ردَّ بها على الرواية النجدية، إذ يقول وما أصدق قوله:
“لكن الأدلة والشواهد تُثبِت أن المــجــزرة لم تكن حادثا عرضيا لعددٍ من الأمور:
وذلك لأن التبريراتِ النجدية واهية، من حيث:
1 – القول بأن الــحــجــاج رفضوا الاستماع إلى نصيحة القائد السعودي، وأصروا على سلوكِ الطريقِ المحفوفِ بالمخاطر لا يقبله منطق عاقل .. سواء كانت قوات متنكرة أم حــجــاجا، فإن كانوا حــجــاجا فما مصلحتُهم وقد قاربوا على الوصول إلى مــكــة … أن يرفضوا الطريقَ الآمن، وإذا كانوا قواتٍ متنكِّرة فما الفائدة التي سيجنونها من الإصرار على سلوك الطريق الخطٍر.
2 – إن القول بأن القائد السعودي أخذ تعهُّدا من قافلة الــحــجــاج بأن الحكومة السعودية لا تتحمَّل أيةَ تبعة، إذا نزلت بهم نازلة – يدل على أن الأمر دُبِّر بليل، فلا يُعْقَل أن تكون الصلة منبتَّةً بين ذلك القائد وتلك القوات المرابطة في نفس المنطقة، إن ذلك القول يصدُق في حالة ما إذا كان الخطرُ المحدِقُ من جهةٍ غيرِ سعودية، أما أن يكون أخذ التعهد سعوديا والقاتل سعوديا، والمنطقة تحت الاحتلال السعودي فهو ما يؤكِّد أن العملية مدبَّرة ومخطَّطة.
وإذا كان القائد السعودي قد أكرم وفادة الــحــجــاج كما يقولون فلِمَ لمْ يُرْسِل إلى القوات المرابطة في تـنـومـة يُخْبِرُها بهُوِيَّة القافلة التي ستمر من ذلك الطريق خصوصا وأنه توقع الخطر(4).
3 -والقول بأن القوات السعودية أطلقت النار على الــحــجــاج ظنا منهم أنهم جاءوا متنكِّرين بلباس الــحــج – عذرٌ أقبح من ذنب، فقد سبق أن قالوا: إن عاملهم في المنطقة قد التقى بالــحــجــاج وأكرمهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هل الالتباس والظن يؤدي إلى إطلاق النار مباشرة، والقضاء على الآلاف دون شفقة أو رحمة … ومن ناحية ثالثة فإن اختيار مكان الضحايا يدل على دقة التخطيط والتنفيذ، وعلى أن لديهم معلومات مُسْبَقة عن خطِّ سَيْرِ الــحــجــاج، ويدل على ما تميَّز به القتلة من وحشيةٍ وقسوةٍ ينفيان وقوعَ الحادث عن طريق الخطأ”(5).
رابعاً: منــاقــشة إضــافــية للرواية النجدية
كما يلاحَظ على الرواية النجدية عددٌ من الملاحظات والمغالطات والتناقضات والتبريرات الفاضحة التي بعضُها لا تقل قبحا عن الذنبِ نفسِه، وبعضها متداخل مع ما ذكره الدكتور الوجيه رحمه الـلـه.
– فعلاوة على اختلاقِ كذبةِ عدم وجود أية علاقات بين الإمــام يــحــيـى وابن سعود أو حكامه، والتي تثبتها الرواية الــيــمــنية، ويصدِّقها الواقع، وشواهد الحال، وأن عالِما وزعيما حصيفا كالإمــام يــحــيـى أو كأميرِ الــحــج وهو الذي كان منظما ومرتبا في جميع أمور حياته كما سيأتي في ترجمته، وكذلك من معه من الأشراف والقضاة، لا يمكن أن يخاطروا بأرواحِ أعدادٍ كبيرة منهم بإصرارهم على سلوك طريقٍ غير آمنة، ومن غير مكاتبة، وقد مرَّ أنهم تلقَّوا تطمينات من ابن سعود وحاكمِه على (أبها)، بأمان الطريق، ودليل ذلك أنهم يعترفون باستقبال حاكم أبها لهم بحفاوة.
– ثم منذ متى كان عدم وجود علاقات بين بلدين في ذلك الوقت، أو عدم طلب بلد من البلدان بالاستئذان في المرور – محلِّلا لدماءِ حــجــاج اعتادوا المرور من تلك الطريق عاما بعد عام، ولم يكونوا قد اعتادوا على إجراءات الجوازات؛ إذ لم تكن موجودة ولم يُتَعامَلْ بها بعدُ في البلدين.
– ولماذا ظهر هذا الطلبُ فجأة في ذلك العام، ولماذا ظهرَتْ شكوكُ ابنِ سعود وجنودِه إزاءَ أولئك الــحــجــاج في تلك السنة، التي تسرَّب فيها خبرُ المعاهدة بين الــحــجاز والــيــمــن؟ لماذا لم يحدُثْ مثلُ ذلك الشك في حــجــاج عام 1340هـ أو 1339هـ؟ لا سيما وابن سعود كان قد سيطر على تلك المنطقة من عسير قبل تلك المرة؟ وفي ذلك العام كان الأمير فيصل بن عبدالعزيز قد جاء إلى هناك وبسط سيطرته على المنطقة، فلماذا لم يتم الاعتراض على أولئك أو حتى قتلهم في الأعوام السابقة؟.
– وهل عدم استئذان الجانبِ الــيــمــني يحلِّل قتلهم على سبيل الإبادة رجالا ونساء؟ ثم وهل يحلل قتلهم بتلك الطريقة البشعة والشنيعة التي يقر بشيء منها منشورُ النجديين؟ بإطلاق النيران عليهم، ثم بالذبح والطعن لمن لا يزال به رمق من حياة، ثم بمطاردة الفارِّين وملاحقتهم والحرص على إبادتهم؟! لماذا لم يكتفِ هؤلاء بكسر شوكتهم وتفريقهم وإرغامِهم على العودة؟ ولماذا أيضا نهبوهم أموالهم وحتى ملابسهم وثيابهم؟.
– ولماذا نصحهم حاكم أبها بسلوكِ طريق آخر بحسب الرواية النجدية، وهم يشكُّون أنهم جنودٌ متنكِّرون في زي الــحــجــاج دعما للملك حسين؟ وأنهم بناء على ذلك سيصلون إلى مــكــة من خلال ذلك الطريق الآخر؟ أليس هذا يكشف تناقض الرواية النجدية وضعف تركيبها وأنها مركّبة لاحقا لتبرير الجريمة النجدية؟!.
– ثم السؤال أين كان سيساعد هؤلاء المقاتلون المتنكرون رجالا ونساء الملكَ حسين بحسب ظنون النجديين؟ هل كانوا سيساعدونه في تـنـومـة؟ أم في مــكــة؟ فإن كان في تـنـومـة فكيف سمح لهم حاكم أبها بالمرور إلى تـنـومـة ولم يوقِفْهم هناك، وإن كان في مــكــة فلماذا نصحهم بسلوكِ طريقٍ آخر أكثر أمنا سيوصلهم إلى مــكــة، وهو خلاف رغبة النجديين وما تتطلبه شكوكهم؟
– وقولهم: إن المقاتلين أرسلوا مستطلِعين عن الحجاج، ثم إنهم اعتقدوا أنهم نجدة للملك حسين – قول متناقض جدا، فالمُسْتَطْلِع يفترض به الجهل، فمن أين ظهر لهم هذا الاعتقاد بكونهم نجدة فجأة في ذلك الوقت، وليس هناك من أمارة ولا دليل على أنهم مقاتلون.
– ولماذا تناقضَت نصائحُ عبدالعزيز بن إبراهيم التي تتمحور حول سلوك طريق آخر، مع أوامر جيشه من إخوان الغطغط والتي تأمرهم بالعودة إلى الــيــمــن؟ وما هي النصيحة التي يتبناها الجانب النجدي الرسمي، هل هي أوامر حاكم أبها أم أوامر جيشه الوهابي في تـنـومـة؟
– وبالإضافة إلى ما ذكره الوجيه، فإنه لو صحّ ما ادعاه النجديون أن بحوزتهم كتابا خطيا من أمير الــحــج ورؤساء القوافل لأرسل به حاكمُ أبها عبدالعزيز بن إبراهيم أو حتى ابن سعود إلى الإمــام يــحــيـى، ولنَشَره السعوديون نصا وصورة في منشورات الوثائق السعودية اللاحقة؛ لأن في نشره حجة قاطعة لمنع التقولات بإلقاء التبعية على عساكر ابن سعود(6).
– وتعترف الرواية النجدية متفقة مع الرواية الــيــمــنية بأن جيش ابن سعود كان قد أمسك بعنان المنطقة وطوَّقها، وأنهم كانوا في حالة الاستعداد، فالمشاة في أعالي الجبال، والخيالة في أسفل الوادي، أي أنهم كانوا جاهزين في وضعِ الكمين المنتظِر لفريسته التي ينقضُّ عليها بلا رحمة ولا هوادة.
– وهناك علامة استفهام كبيرة حول هُوِيَّة ذلك الذي أوصل الخبر إلى جيش ابن سعود في تـنـومـة، وأبلغهم بأن “جمعا عظيما جاءكم من قبل الوادي لقتالكم”، هل هو حاكم عسير الذي أظهر للحــجــاج وجه البشاشة ونشَرَ حبالة المودة، ثم أوقع بهم؟ أم هو رسولٌ خاص من قبل ابن سعود نفسه؟ أم هو رسول من جهة أخرى غير معروفة؟ ومن هو المستفيد من هذا الخبر؟ وما الذي كان يريد الوصول إليه؟ ولماذا وثق في قوله أولئك المقاتلون وتيقنوا صدقه؟ هل لأنه رسول من جهة يثقون بها؟!
– وتقول الرواية النجدية: إن جيش ابن سعود طلب من الــحــجــاج العودة وليس سلوكَ طريق آمِن كما هو طلب حاكم أبها، والواقع أنهم مجرد جيش مأمور، ليس عليه أن يأمُرَ مثلَ هذه الأوامر، وينفِّذَها بالقوة، بينما مَنْ هو الآمرُ ومَنْ له حق تنفيذ الأوامر بالقوة – وهو عبدالعزيز بن إبراهيم – لم يفعل ذلك، ولم يستخدِم قوته لمنعهم من سلوك ذلك الطريق ولا حتى سلميا؟ فلماذا كان هذا؟
– تعترف الرواية النجدية أن الإخوان الوهابيين كانوا قد تعرَّفوا بشكل دقيق على جماعة الــحــجــاج ورأوهم عن كثب وتحاوروا معهم، أي أنهم رأوا ما يحملونه من سلاح، ومال، وهو أمر لا يتفق مع تكتيكات الإخوان القتالية التي تعرفنا عليها سابقا والتي لا تترك للخصم فرصة للتفكير وللدفاع عن نفسه، وتهجم عليه كنسيج متوحِّش، وهذا التكتيك يتفق تماما مع الرواية الــيــمــنية للحادثة.
– وإن تعجبْ فمن تلك الكلمة السخيفة التي وردت في منشور النجديين، والتي تقول: “وساروا بهيئة حربية”، “وأن جيشهم قابل العدوان بعدوان أشد”، فلا ندري كيف كانت تلك الهيئة وأي نوع من المشية كانت، وما هي الأهازيج والزوامل التي ردَّدوها حينها؟ وكيف كانت طريقة عرض النساء منهم والعجزة وكبار السن؟ وبأي سلاح كان يتسلَّح جمهورُهم رجالا ونساء؟ وما هو العدوان الذي نفذوه؟ وقولهم هذا يناقض الثابت قطعا أنهم باشروا قتلهم وهم في حال الغداء، وبعضهم في حال شد رواحلهم، وبعضهم كان قد انتهى من ذلك.
– ولماذا لم يشكَّ حاكمُ أبها في كونهم مَددا، ولا حتى مجرد الشك، ثم لماذا لم يحاول منعهم بالقوة، وهو الحاكم الذي بيده المعلومات والتوجيهات؟ بينما تيقَّن جيشه الوهابيون يقينا خوَّلهم إبادتهم عن بكرة أبيهم، لماذا تيقَّنوا أنهم مقاتلون؟ ثم لماذا نجد ابن سعود وبسرعةِ لمحِ البصر يتيقَّن هو الآخر – وبشكل مفاجئ وهو القابع في الرياض – كمالَ اليقين أنهم بالفعل حــجــاج، وليسوا بمقاتلين، ولكن جنوده ظنوهم كذلك؟! ولهذا أرسل سريعا بخطابٍ رقيق إلى الإمام وأمر بإرجاع ما بقي من متاعٍ لهم؟ فهل كان مجردُ موتهم وإبادتهم هو الفارق الذي جعل جيش ابن سعود يظنهم مقاتلين، بينما جعله يتيقَّن أنهم حــجــاج؟! من الذي وزع الشك واليقين على هذه الجهات الثلاث بشكل مدبر وبسرعة غير عادية؟!.
– ولماذا وقد عرف ابنُ سعود مظلوميتَهم ظلَّ يماطل في الحكم، وقد حكَّمه الإمام، فتنصَّل ذلك التنصُّل الوقِح من أيةِ تبعةٍ عليه وعلى جنوده إزاء الضحايا وأموالهم وذويهم، أليس ذلك أمرا يتناقض كلية مع اعتذارِه وخطابِه الرقيق، ومع ما زعمه المنشور بأنه “لم يُخْلِ الإخوان من المسؤولية”، وأنه “بعد ذلك جازاهم الجزاء الذي يستحقون”؟!
– ويترجح أن هذا الفصيل بذاته من الوهابيين الإخوان كانوا جزءا من جيش الأمير فيصل بن عبدالعزيز الذي قدِم عسير لإنهاء ثورة ابن عائض ومكث شهورا في ذلك العام قبل عودته إلى الرياض(7)، وذكر الريحاني أن عدد جيش فيصل في تلك الغزوة كان مؤلَّفا من ستة آلاف من الإخوان، وأربعة آلاف من عرب قحطان وزهران(8)، أي أنهم كانوا منظَّمين ولهم قيادة وتسلسل إداري يتصل بابن سعود.
يتبع في الحلقة القادمة .. مناقشة إضافية للرواية النجدية وكون ابن سعود هو العقل المدبر للمجزرة
الهوامش:
(1) مجلة المنار، مج33، ص20، مقالة: ما بين الإمامين في جزيرة العرب؛ نقلا عن جريدة أم القرى السعودية، أول رجب سنة 1352هـ.
(2) لم توقع المعاهدة، كما مر، وكانت لا تزال مشروعا لم يكتمل.
(3) دلال، عبدالواحد محمد راغب، مطالعات في المؤلفات التاريخية الــيــمــنية (دراسة نقدية)، ط1، 1417هـ/ 1996م، القاهرة، ص48 – 52؛ وينظر أيضا: دلال، البيان في تاريخ جازان وعسير ونجران، ص207 – 208.
(4) الوجيه، عسير في النزاع السعودي الــيــمــني، ص125 – 126.
(5) الوجيه، عسير في النزاع السعودي الــيــمــني، ص126 – 127. وقد ذكر في جملة الردود أن لباس الــحــجــاج لثياب الإحرام ينفي الشك بأنهم مقاتلون. وهذا وهم من الدكتور رحمه الـلـه؛ إذ لم يكن الــحــجــاج قد وصلوا ميقات الإحرام، ولم يكونوا قد أحرموا بعد.
(6) ينظر: مطهر، سيرة الإمــام يــحــيـى بن محمد حميد الدين، ج1، ص318 – 319، مقدمة المحقق الدكتور صالحية.
(7) آل زلفة، محمد بن عبدالـلـه، عسير في عهد الملك عبدالعزيز، ط1، 1415هـ/ 1995م، الرياض، ص50، 51، 60.
(8) الريحاني، تاريخ نجد الحديث، ص302.

قد يعجبك ايضا